أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - بعض مصادر الاختلال















المزيد.....

بعض مصادر الاختلال


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6509 - 2020 / 3 / 9 - 09:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك أن مصر كانت قد عانت من عذابات تاريخية مريرة ، كانت كلما خرجت من عذاب دخلت في عذاب آخر ، تكالب عليها الاغريق والفرس والرومان وغيرهم ، لكن كل ذلك كان مجرد مراحل تاريخية مؤلمة لم تقطعها عن تاريخها القديم ، ولم يؤثر كثيرا علي معارفها العلمية ولا علي حكمة شعبها ولا علي قدراته التي طالما ترجمها في عمليات التحنيط وفنون العمارة وعلوم الفلك والحساب وغيرها ، لكن مع دخول العرب إليها لم يكن الأمر مجرد تعرضها لحملة استعمارية سرعان ما تنقضي كسابقتها من الحملات الأخري وإنما كان دخول العرب لمصر إيذانا بفصلها فصلا تاما عن تاريخها ، ودخولها إلي نفق تاريخي آخر تموت فيه المعارف القديمة ، وتندثر فيه كل الأنشطة العلمية والعمرانية والطبية ، ويصبح تاريخها القديم مجرد شواهد أثرية تدل فقط علي أن المصريين كانوا هنا ثم يبدوا أنهم رحلوا أو اختفوا فجأة أو أنهم فقدوا ذاكرتهم فبدو وكأنهم ليسوا هم من صنعوا هذا التاريخ العظيم الذي تحول إلي مجرد مشاهد أثرية.
في تصوري أن دخول الاسلام إلي مصر لم يكن في حاجة إلي حملة عسكرية ، فالمصريون – كما قال بريستد في كتابه العظيم فجر الضمير – هم أول شعب في التاريخ ابتدع نسقا للأخلاق شديد الإنسانية ، وهذا النسق الأخلاقي كان يقوم علي معرفة يقينية بوجود خالق عظيم هو الذي أبدع هذا الكون ، وأنه هو الذي ينظم حياة البشر، وهو الذي يحدد مصائرهم ، وأنه هو وحده الذي سيقوم بتقييم أفعال البشر حين يعودون إليه في يوم الحساب ، وإلا لماذا كان المصريون يضعون في مقابر موتاهم كل أغراضهم التي سيكونون في حاجة إليها حين يعودون للحياة في اليوم الآخر، ومن الإشارات المهمة في هذا الصدد أن المشترك بين كل الأديان سواء السماوية أو غير السماوية هو معرفة الله والإيمان بقدرته وأن المختلف بينها هو الشعائر وبعض التعاليم ، ولقد لاقت المسيحية فيما قبل قبولا لدي المصريين من حيث إدراكهم للمشترك بين ديانتهم القديمة والمسيحية ، بحيث يزداد الوعي بالله ويتعمق الإيمان به وتستفيد الديانة الجديدة من التراث الاخلاقي والإنساني الذي ابتناه الشعب طوال تاريخه والذي حافظ علي وحدته ويسمو بنمط حياته ويعزز قيم التعايش والمحبة والسلام.
هذه الأجواء المصرية المقدسة أعتقد أنها لم تكن في حاجة إلي جيش جرار مسلح لكي يُضاف إليها معارف مقدسة أخري ، أو تعيد هيكلتها ، أو تعزز المعرفة بالله ، أو حتي تغير من طبيعة الشعائر ، أو تضيف قيما أخلاقية أكثر قداسة وأكثر إنسانية.
نعم كان الجيش العربي يحمل معه الاسلام ، لكنه كجيش مسلح كان معبأ بقيم القوة العسكرية التي تؤمن بأنها بصدد مواجهة عدو إما تجبره علي الخضوع لإرادتها أو يجبرها هو علي التراجع والعودة من حيث أتت ، فما الذي كان يمكن أن يكون لو أن هذا الجيش قد أُجبر علي التراجع والعودة من حيث أتي؟؟!! ، لكن الذي حدث هو أن الاحتمال الأول والذي سُمي بعد ذلك ( بالفتح الاسلامي ) هو الذي تحقق ، حيث انتصرت القوة العسكرية المسلحة الغازية وأجبرت عدوها علي الخضوع لإرادتها ، وقد قلت إن هذه القوة كانت متوجهة إلي مصر وهي محملة بأمرين ، الاسلام ، ثم قيمها هي كجيش مسلح جاء وليس أمامه سوي احتمالين لا ثالث لهما إما أن ينتصر أو ينهزم ، ووفق هذا الجو الملائكي الذي يُشاع عن الجيوش التي تغادر أوطانها متجهة إلي بلدان أخري لأهداف خيرية وسامية فإنه كان من المفترض أن يقوم الجيش العربي بعرض الاسلام علي المصريين ثم يرحل لا أن يفرض وصايته وحمايته كقوة احتلال لا يقتصر سيطرتها علي الوجدان وطرق العبادة وإنما يمتد سيطرتها علي مصائر شعوبها وعلي خيراتها ، إذ كان من يتولي حكم مصر من قبل الخليفة يُسمي حينذاك بعامل الخراج الذي تقتصر مهمته علي جمع الأموال تحت مسميات مختلفة وإرسالها مع كافة الخيرات الأخري في قوافل يمتد طولها عشرات الأميال إلي مقر الخلافة ، ففي كتاب بدائع الزهور يتحدث ابن إياس عن واقعة عزل الخليفة عثمان بن عفان لعمرو بن العاص عن ولاية مصر وتولية ابن أبي سرح بدلا منه ، وابن أبي سرح هذا- كما يقول الشيخ جلال الأسيوطي كان قد أسلم قديما ثم ارتد فلما فُتحت مكة أهدر الرسول دمه فقال عثمان بن عفان للرسول صلي الله عليه وسلم : إنه أخي من الرضاع ، فأمنه الرسول بعد أن عاد إلي الاسلام وقال " الاسلام يهدم ما كان قبله" .
ابن أبي سرح هذا هو الذي عينه الخليفة عثمان عاملا للخراج علي مصر بعد عزله لعمرو بن العاص ، وفي سنة ولايته الأولي – كما يقول ابن إياس أرسل إلي مقر الخلافة "أربعة عشر ألف ألف دينار" ، فقال عثمان رضي الله عنه لعمرو بن العاص : درّت اللقحة بعدك يا أبا عبدالله بأكثر من درّها الأول ، فقال عمرو بن العاص للخليفة عثمان : نعم ولكن أجاعت أولادها؟!!.
ويقول ابن إياس : إن هذه الزيادة التي جمعها ابن أبي سرح إنما هي علي الجماجم فقد أخذ علي كل رأس دينارا خارجا علي الخراج فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل وكانت هذه أول شدة وقعت لأهل مصر قي مبتدأ الاسلام. (انتهي كلام ابن إياس).
هذه قيم القوة العسكرية التي تختلف بالكلية عن قيم الأديان ، وهذا ما جعلني أعنون مقال سابق لي بعنوان " دخول العرب إلي مصر غير دخول الاسلام إليها ، فالقوة العسكرية المسلحة لها منطق مختلف عن قوة الأديان .
وحين تتابع أحوال مصر تحت حكم الدولة الأموية ثم العباسية ثم ما توالي عليها بعد ذلك ستكتشف كيف انفصلت مصر عن تاريخها القديم ، وكيف صار المصريون غرباء بالنسبة لحضارتهم القديمة وكيف صارت تلك الحضارة كأنها ليست من صنع هذا الشعب الذي ابتناها بعرقه وعلمه وفنونه وعلومه وإيمانه وأخلاقه وحكمته التي مازالت تثير دهشة العالم.
لقد كانت الخلافة الاسلامية العثمانية فصلا آخر من فصول النهب المنظم ليس لخيرات مصر فقط وإنما كانت فصلا مرعبا من فصول نشر الجهالة والخرافة والفوضي التي وصلت إلي حد الاختلال المريع في الهوية ، وأعتقد أن كل الأفكار البائسة التي نبتت في مصر حول مفاهيم الدولة والحكم والعدالة والحرية بل فيما يخص الدين كذلك وما نشأ بصدده من خطابات مختلفة مفعمة بالاختلال والقصور والخرافة قد انبثقت كلها من الضياع الذي نتج عن المزج بين الاحتلال العسكري والدين.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حالة حب مصرية
- الرسالة
- مأساة الذوق العام
- يا ابيض يا اسود
- إلهي ما يوعي يرجع
- حتي المسبحة!!
- الحلوة
- ليست صيني ولا تيواني
- مثقفون وعلماء
- حرب بلا بنادق
- الجميلة واللص
- جذر واحد
- رفع المبتدأ وشنق الخبر
- الجميلة فيوليت
- الكذابون
- أنا لا أعرف
- سقوط حتمي
- وردة في شعر الحبيبة
- البزازة
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - بعض مصادر الاختلال