أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - المدرسة العالمية لبعث الفصحى العربية كلهجة محكية















المزيد.....



المدرسة العالمية لبعث الفصحى العربية كلهجة محكية


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


فكرة و قلم #راوند_دلعو

تحليل للكارثة التربوية الأكبر التي تعاني منها بلادنا في الشرق الأوسط.

) التّلَقِّي باللغة الأم أرقى أنواع التَّلقي (

اللغة الأم هي اللغة التي يكتسبها الطفل من أبويه خلال السنوات الأولى من حياته ، و هي اللغة التي يتشكل وفقها وعيه فيفكر بها و ينطق بها بلا عناء ، كما يستحضر تراكيبها بشكل آني مباشر و يستطيع التعبير من خلالها عن ( جميع ) المواقف و الظروف و الأفعال و الأسماء و الرغبات و المشاعر بلا تفكير و بلا عناء و بشكل بديهي عفوي و تلقائي .

فهي اللغة التي تنقذف في دماغه آنياً لأنها عششت في رأسه منذ الصغر و نسميها (اللغة الأم) .

و بناء على هذا التعريف نلاحظ أن اللغة الأم في الشرق الأوسط هي اللهجة العامية المحكية و ليست اللغة العربية الفصحى !!!!!

ففي العراق مثلا تلعب اللهجة العراقية المحكية دور اللغة الأم ، و في المغرب اللهجة المغربية ، و في مصر اللهجة المصرية ، و هكذا في جميع الدول الشرق أوسطية الناطقة بالعربية رغم تعدد أعراقها و أديانها .

فاللغة العربية الفصحى ليست اللهجة الأم بأي حال من الأحوال ، لأنها تختلف تماما عن اللهجات المحكية بنسبة عالية تقريباً ، سواء من حيث المصطلحات أو القواعد أو طريقة التركيب و البناء اللغوي و المفردي، و علينا أن نعترف بموضوعية و حيادية أن طفلنا يكتسب اللهجة العامية من أبويه ، لا اللغة العربية الفصحى و أن اللهجة العامية تبتعد عن اللغة الفصحى بمرور السنين ، فإن كنا نجد قاعدة مشتركة بينهما بمساحة ضئيلة اليوم ، فستتضاءل هذه القاعدة لتتلاشى مع الزمن و تصبح كل لهجة عامية عبارة عن لغة مستقلة تماماً عن العربية الفصحى الآيلة للزوال ، و بالتالي فاللغة العربية الفصحى باتت لغة أجنبية بالنسبة حتى للعرب سكان شبه جزيرة العرب ، حيث أن لهجاتهم الخليجية آخذة بالابتعاد عن العربية و مفارقتها للأبد !

تنص القاعدة التربوية بوضوح على أن اللغة الأم هي اللغة التي يجب علينا تعليم أطفالنا بها ، فهي التي تضمن اكتسابه للمعلومة و فهمه العميق و الكامل لها بأسهل طريقة و أسلسها ... فاللغة الأم هي الطريق الأسلم نحو الحصول على جيل مبدع خلاق .

فالتلقي باللغة الأم هو أرقى و أحسن أنواع التلقي إذا أردنا الحصول على جيل مبدع و متفاعل مع المعلومة بطريقة خلاقة ، و ذلك لأن اللغة الأم تفهم بلا ترجمة ، و بناء عليه تنصرف كل الإمكانيات العقلية عند الطفل لخدمة عملية التفكير و المعالجة و الاستنتاج و بالتالي التطوير ، و ذلك دون أن نستهلك هذه الإمكانيات بالترجمة التي تعتبر عائقاً كبيراً في وجه اكتساب المعلومة و القدرة على تطويرها و البناء عليها ( الاختراع ).

فالفكرة التي أريد أن أوضحها من هذه المقالة الآن ، هي أن الأمر الذي يقتل العلم و يؤخر التعليم و التطوير و البحث العلمي في عالمنا الناطق باللهجات العربية العامية هو أن المناهج الدراسية مكتوبة بلغة عربية فصحى و التي هي غير اللغة الأم عند أطفالنا !!! و إنما اللغة الأم التي يفترض أن تكتب بها مناهجنا و يتعلم الطفل من خلالها هي اللهجة العامية لكل دولة كما أوضحت في صدر مقالتي هذه !!

و هذه مفارقة قاتلة للتعليم في بلادنا ففي حين أن اللغة التي يكتسبها الطفل منذ الصغر هي اللهجة العامية ( التي تعتبر لغة أخرى مخالفة للفصحى بنسبة كبيرة ) يدخل طفلنا المدرسة لينصدم بلغة أخرى مختلفة تماما عن لغته الأم ، و هي اللغة العربية الفصحى !!

أما الطفل البريطاني أو الأميركي مثلا فيكتسب لغته الانكليزية منذ الصغر من أبويه ثم يدخل المدرسة ليجد نفس اللغة التي تعلمها من أبويه موجودة في الكتب المدرسية .... يجدها تقريباً نسخة طبق الأصل بكلماتها و تراكيبها و سبكها و قواعدها .... الخ ... فالكتاب المدرسي في بريطانيا و الدول الناطقة بالإنكليزية مكتوب بنفس لغة الأبوين المحكية تقريباً مع فروقات طفيفة لا تكاد تذكر.

بينما نجد أن الطالب في عالمنا الناطق بالعربية يدخل للصف الأول الابتدائي ليتفاجأ بلغة مختلفة كليا عما اكتسبه من أبويه ... فهو يعرف كلمة ( بدي_عامية _) ولا يعرف ( أريد _فصحى_) و يعرف ( باوع _ عراقي_) و لايعرف ( انظر _ فصحى _) و يعرف ( شيل _ مصرية) ولايعرف ( احذف _ عربية) وهكذا......

و هنا تحدث الكارثة إذ تنخفض نسبة الاستيعاب القرائي بشكل ملحوظ ليهوي جيل كامل في متاعب صعوبات التعلم نتيجة تلقيه بلغة ليست لغته الأم ! و بذلك نلاحظ أن طفلنا يتعلم اللغة العربية الفصحى في عمر متأخر (ست سنوات ) _ و هذا يجعلها لغة أجنبية لأنها لم تكتسب منذ الولادة كما هو شأن العامية _ ... كما أنه مطالب بتعلم اللغة الإنكليزية كعبء إضافي ، فصرنا أمام ثلاث لغات مختلفة (لغة أم + لغتان أجنبيتان الفصحى و الإنكليزية) حيث يتحتم على طالبنا تعلمها و القراءة و التفكير بها و هو أمر في غاية الإعاقة للجيل ، لأنه يستهلك عقل الطالب بأمور لا علاقة لها بفحوى العلم ، فاللغة بالنهاية وسيلة و ليست غاية بحد ذاتها ، إذ إن العلم هو الغاية و لكن هذه الغاية باتت مشروطة بتعلم عدة وسائل (لغات) للوصول إليها مما يجعلها صعبة المنال !

السبب في ذلك التأخر هو أنه عندما يتلقى طفلنا المعلومة بغير لغته الأم ينفق القدر غير القليل من الطاقة الفكرية في عملية الترجمة ، أي أن استيعابه لن يكون آنياً بل يجب عليه أن يترجم أولاً ، ثم يستوعب ما ترجمه ، مما يضعف قدرته على التحليل و التركيب و الاستنتاج .... في حين يستثمر المتلقي باللغة الأم هذه الطاقة في عملية التفكير الإبداعي مباشرة لأنه ليس بحاجة إلى هدر الطاقة العقلية بالترجمة. وهنا نلاحظ بوضوح خسارة المتلقي بغير اللغة الأم لكثير من ملكاته و إمكانياته العقلية ، فقدرته على التطوير و التركيب و التحليل العقلي أضعف و أبطأ ممن يتلقى باللغة الأم .....
ففي حين أن الطفل البريطاني يقرأ ليفهم بشكل مباشر ، نجد أن طفلنا يقرأ ثم يترجم من العربية الفصحى إلى العامية ثم يفهم ، و هذا يعيق الفهم بشكل واضح خاصة بالنسبة للمراحل المبكرة !!!

بل إن التلقي بغير اللغة الأم يؤدي إلى هبوط المستوى العام للتفكير والذكاء المستثمَر فلا يتم استثمار الملكات و الإمكانيات العقلية بشكل كامل بسبب عدم وضوح الرؤية الأفقية في النص المترجم وضوحها في حالة التلقي بالأم ... لذلك نجد أن الطالب يقرأ أحياناً نص الفصحى عدة مرات ليحقق نسبة فهم تقارب تلك التي يحققها المتلقي بلغته الأم من أول قراءة.

هذا بالنسبة للتعلم بالفصحى ، فما بالك بالتعلم باللغة الإنكليزية !!!!!! و هي لغة مختلفة كلياً عن اللغة الأم العامية الدارجة ... و بالتالي تتضاعف الصعوبات أمام الطالب و يتردى مستوى التحصيل العلمي و القدرة على المحاكمة و البناء و التطوير ..... لذلك لا أنصح أبداً بالالتحاق بالمدارس العالمية التي تدرس باللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الروسية ، اللهم إلا إذا كانت الإنكليزية أو الفرنسية أو الروسية هي اللغة الأم للطفل.

إنها فعلا مشكلة تعاني منها كل الأجيال في دولنا الشرق أوسطية الناطقة باللهجات العامية ...

ما الحل !!!

برأيي يكمن الحل بطريقتين :

1) إعادة كتابة المناهج التربوية باللهجات ( اللغات) العامية و التخلي الكامل و النهائي عن اللغة العربية الفصحى ، و إصدار الصحف و المجلات و صبغ الحياة الثقافية في كل الشرق الأوسط باللغات العامية ( المصرية و السورية و العراقية و التونسية و و ) لتتطور هذه اللهجات إلى لغات مستقلة كلياً عن الفصحى و بالتالي نفقد الرابط اللغوي بين البشر في هذه البلاد ....

إنه حل منطقي و فعال ، إذ تستطيع جامعاتنا و مدارسنا أن تؤلف الكتب العلمية باللهجة السورية أو المصرية أو المغربية أو الخليجية ( كل منطقة بحسبها ) .... و هنا لن يضطر الطالب إلى تعلم الفصحى و السقوط في فخ اختلافها عن العامية الموروثة من الأب و الأم، و سينطلق في عالم الإبداع و التطوير بشكل غير مسبوق ...... لكنه حل يؤدي كما أسلفت للتو إلىى فقدان الرابط اللغوي بين هذه الشعوب و بالتالي تقسيم المنطقة أكثر و أكثر ، مما يضعفها من خلال دق الإسفين الأخير في نعش العربية الفصحى التي تعتبر أهم مكتسبات و عوامل قوة الشرق الأوسط ( بعيداً عن سلبيات الديانة العربية المحمدية ) ، و هذا هو الحل الذي ستضطر دولنا إلى اللجوء إليه إن لم نطبق الحل الثاني . لكنه حل خاسر برأيي و سير عكس التيار ... و ذلك لأن جميع التكتلات البشرية الكبرى اليوم تحاول الاتفاق على لغة موحدة ليزداد التواصل بين أعراقها و شعوبها مما يزيدها قوة و حيوية و تواصلاً و تفاعلاً ... و لو اتبعنا هذا الحل لقمنا بدفن كنز لا يقدر بثمن عوضاً عن استثماره _ ألا و هو اللغة الواحدة التي تستطيع أن تجعل من الشرق الأوسط قوة عظمى !!!

و أنا في الحقيقة ضد الحلول السلبية ، فاللغة العربية الفصحى عامل قوة فيما لو عزلناها عن الإيديولوجيا الدينية المحمدية المتعصبة ... لذلك تجدني أفضل الحل الثاني الذي سأشرحه بالتفصيل.

لكن # الحق_الحق_أقول_لكم .... أتوقع أن تلجأ دول الشرق الأوسط إلى الحل الأول أي الركون إلى اللغات العامية و ترك الفصحى إلى الأبد و ذلك لعدة أسباب ، كصعوبة إحياء الفصحى مثلاً ، و عدم اهتمام الناس بها ، و السبب الأهم برأيي هو الارتباط العضوي بين الفصحى و الديانة المحمدية ذات الأثر السلبي الإرهابي التدميري على بلادنا ... و من الأسباب أيضاً انجراف دولنا باتجاه الخضوع لتطبيق سياسات الدول العظمى التي تسعى من خلال هدم العربية إلى شرذمتنا وتفريقنا أكثر و أكثر ...

2) الطريقة الثانية لحل مشكلة عدم تلقي أطفالنا للعلم بلغتهم الأم هو أن نجعل العربية الفصحى لغتهم الأم و الدارجة على ألسنتهم ... أي المحكية !!!
فهل من الممكن إنشاء جيل ناطق باللغة العربية الفصحى كلغة أم ؟ ....

هل من الممكن إنشاء جيل لا يعرف معنى كلمة ( ليكو _ النهاردة _ مالتي _ مقدرش _بدي _ كلش _ يمديني ) .... ؟

هذه فكرة حاولت تطويرها منذ عام 2009 عندما كنت شيخاً محمدياً ... و كان دافعي الأول لذلك هو الحفاظ على اللغة العربية التي هي لغة الديانة المحمدية ... لكنني و بعد أن اكتشفت أن الدين صناعة بشرية خبيثة مؤذية ، فقدت الفكرة ألقها في رأسي .... فركنتها على الرف ... لكنني اليوم و بعد أن تحولت إلى إنسان كوني عدت إليها لأجدها فكرة رائعة ، فاللغة العربية عامل قوة يجمع شعوب الشرق الأوسط ، فلنحرر اللغة العربية من الديانة المحمدية و لنبث فيها الروح من جديد لنستثمر عامل قوة من شأنه أن يمنح دول الشرق الأوسط فرصة في إنشاء كيان عالمي مؤثر ... كما و نستطيع استثمار ظاهرة بعث اللغة العربية في تسليط الضوء على ركاكة و ضعف القرآن و تناقضه مع العلم ...

و بعد أن فصلت فكرة الدين عن اللغة العربية ، قررت أن أعيد ترتيب فكرتي و أنه لا مانع من تقوية اللغة العربية الفصحى و إعادة بعثها من جديد و ذلك لجمالها و قوتها و رشاقتها و كونها عامل قوة و توحيد بين سكان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.

و أريد أن أنوه قبل أن أقوم بعرض فكرتي في بعث العربية الفصحى كلغة محكية ، إلى أن هذه الطريقة التي أعرضها للتو قابلة للتطبيق على أي لغة ، فيستطيع الأمازيغ استخدامها لإعادة إحياء لغتهم الأصلية ... و كذلك اللغة الآرامية و السوريانية و العراقية القديمة و المصرية القديمة و و و و و ...... فالفكرة التي سأعرضها للتو ليست حكراً على بعث اللغة العربية الفصحى فقط ....

و سأوضح في بقية المقالة رؤيتي لكيفية بعث اللغة العربية الفصحى و انتشالها من شبح الانقراض من خلال زراعتها في الألسن الحية كسليقة للأجيال القادمة.

(المدرسة العالمية لإعداد جيل ناطق بالعربية )

رسالة مقتضبة أعرِضُ فيها هَيكَلَة وهَندَسَة ( مدرسة داخلية ينتج عنها جيل يتقن العربيّة كلغة أم ) ، والهدف من ذلك منع انقطاع العربية التي أراها عامل قوة يساعد على وحدة شعوب الشرق الأوسط رغم اختلاف أعراقهم .....

إن هذا المشروع الذي سأشرحه آنفاً من الأهمية بمكان بحيث لابد من الإسراع في تنفيذه قبل انقراض العربية ، لأنه سيكون النواة الأولى والحجر الأساس لتطوير وإحياء اللغة بعد إذ أفل نجمها بانحسار اللسان العربي الفصيح ، و هو مشروع يصلح لإحياء أي لغة على شفا حفرة من الزوال ، كاللغات الآرامية و المصرية القديمة و الأمازيغية و السوريانية و السومرية و و و غيرها .... فأرجو أخذ هذه الرسالة على عمومها بحيث يمكن تطبيق الاستراتيجية التي سأشرحها في السطور القادمة في حق أي لغة تسير باتجاه الانقراض و التلاشي .

ومن الأسباب الجوهرية التي دفعتني إلى التفكير في هذا الاتجاه هي المشاكل التربوية الكارثية التي نشأت عن انحسار اللغة العربية الفصحى و التي شرحتها في الفصل الأول من المقال ، وهذا من الأسباب الجوهرية التي تدعو إلى الإسراع في تنفيذ المشروع الذي سيتم شرحة، والذي يهدف كما ذكرت آنفاً إلى إنشاء جيل ناطق بالفصحى ولا يفهم غيرها من اللهجات العامية الدارجة .
و قد لاحظت أن هناك أساتذة في اللغة العربية قاموا بتجارب شخصية على أبنائهم كتجربة الدكتور عبد الله الدنان ، حيث حاول التزام التحدث بالعربية الفصحى مع ابنه و حصل على نتائج إيجابية ، و لكنها تبقى تجربة قاصرة غير معممة فالناس غير مكترثين بالتحدث مع أبنائهم بالعربية الفصحى بل معظم الناس لا يستطيعون ذلك !!

أما تعليم أطفالنا للّغة العربية الفصحى منذ بداية المرحلة الابتدائية ، فلن يرقى بهم إلى درجة الناطقين بها على سبيل السليقة كلغة أم ، و ذلك لأن المرحلة الابتدائية متأخرة ، فكما سنعلم لاحقاً ، يجب على الطفل أن يكتسب اللغة خلال نافذة زمنية معينة و هي السنوات الخمس الأولى من حياته ، و ذلك كي تنطبع في سليقته ... و إلا فلن تصبح سليقة مهما تدرب عليها في المرحلة الابتدائية التي تبدأ عند سن السادسة ، أي بعد مرحلة اكتساب اللغة.

لذلك سأحاول بلورة طريقة (مبتكرة ) لمدرسة تُخَرِّج أناساً ينطقون العربيّة كلغة أم و لا يتحدثون باللهجات العاميّة التي انتشرت في بلادنا في الأعصر الأخيرة ......

( البدء بتنفيذ المشروع)

رأيت بعد تمحيص وتمعن في حالة الجيل الجديد أن انحسار المناطق التي يقرب لسان أهلها من العربية الفصحى أمر لا مفرّ منه ، وحتم لا مردّ له ، لذلك لا بد من ابتكار آلية يتم من خلالها توليد أفراد ناطقين باللغة العربيّة الفصحى ، والمادة الخام لهذه الآليّة لابد أن تكون ( الإنسان ) ، فلا بد من مدرسة يدخلها الإنسان في فترة معينة من عمره لتعلّم العربيّة الفصحى بحيث يخرج منها و هو ينطق الفصحى كلغة أم ( سليقة ) .....
ولتحديد هذه الفترة تزودنا العلوم الإنسانيّة بحقيقة مفادها أن تلقي الطفل للغة الأم يتم في السنوات الخمس الأولى من عمره ، لذلك لا بد من تحديد بداية فترة دخول الإنسان إلى هذه المدرسة بولادته ، أي منذ اليوم الأول لولادته. و لأبدأ أولاً ببلورة و توضيح فكرة هذه المرحلة المبتكرة و الأهم و الأخطر في هذا المشروع الضخم .

( مرحلة التأسيس الفصيح _ منذ الولادة إلى سن الخمس سنوات) :

يلتحق المواليد الجدد بالمدرسة العالمية لإعداد جيل ناطق بالعربية منذ اليوم الأول لولادتهم ، ولضمان عدم إشابة صفاء المَلَكَة اللغويَّة لهؤلاء الأطفال لا بد من منعهم من الاتصال اللغوي مع أي شخص غير ناطق بالعربيّة الفصحى إلا فيما لا يؤثر على فصاحة ألسنتهم ....ومن هنا تنبعث ضرورة تزويد المدرسة بخبراء اللغة العربية القادرين على النطق بها بالطَّلاقة المثالية ، حيث يعملون في هذا المدرسة بدوام كامل و برواتب شهرية تقدرها الإدارة القائمة على هذه المدرسة و التي تدعمها الجهات الخيرية أو الحكومات التي تتبنى المشروع ، و لا بد أن يكون هؤلاء الفصحاء قادرين على استحضار مختلف التراكيب الفصحى المناسبة لكل الحالات خلال حياة الإنسان اللغوية ، ولنصطلح على تسميتهم ب( الآباء اللغويين ).....

فالآباء اللغويون : هم جهابذة العربية القادرون على استحضار التراكيب اللغوية الفصحى في شتى مناحي الحياة بعد يسير تدرُّب وتمرين دون تأتأة أو تلكؤ ، وهم الذين سيتناوبون على تربية الأطفال والتعامل اليومي معهم بلغة فصحى قَحَّة ، و ذلك ضمن أوقات تحدد لكل أب لغوي وفق جدول يومي. فالأب اللغوي ليس ذات الأب الحقيقي البيولوجي ، فالأول أشرت إلى تعريفه للتو ، أما الثاني فهو الأب العصبي النسبي.

يُستقدم هؤلاء الفصحاء _ أقصد الآباء اللغويين _من مختلف بلدان العالم الناطق باللهجات العامية ذات الأصل العربي إلى هذه المدرسة ليكونوا آباءً لغويين لأطفال المدرسة ، حيث يقومون بتربية الأطفال والاتصال اللغوي المستمر بهم ليلاً نهاراً ، وتلقينهم الفصحى دون أدنى لحن ، و يحاولون جاهدين أن يستخدموا التراكيب الأفصح والأقرب للهجة العربية السليمة ، كما و يمنعون منعاً باتاً من استخدام اللهجات العامية مهما قربت من العربية الفصحى وذلك حفاظاً على سلامة السمع عند الأطفال ، و يتعاملون مع هذا النقطة بمطلق الجدية بحيث يتم استبعاد أي أب لغوي ثبت تحدثة بغير اللغة العربية الفصحى خلال فترة العمل ....

أما بالنسبة للأطفال فلا بد من تقليص و اختصار علاقتهم بالآخرين من غير الناطقين بالفصحى لا سيما الآباء البيولوجيين الذين لا يتحدثون الفصحى بالطلاقة المطلوبة بل يتحدثون العامية ... .ولا بد من الإشارة إلى أن عدد الآباء اللغويين المتاحين يحدد عدد الأطفال الذين سيتم قبولهم في المدرسة ضمن برنامج التأسيس الفصيح ( منذ الولادة إلى سن الخمس سنوات ) بحيث يشرف كل أب لغوي على تربية ثلاثة أطفال أو ما يقارب ، وأقترح أن يبدأ المشروع بعشرين طفلاً وخمسة آباء ( قد يتم اختيار الأطفال من الأيتام و اللقطاء و منقطعي النسب ).
ومن الضروري أن يسبق ذلك كله حملة إعلامية تبين أهمية هذا المشروع وتحض المتعاطفين مع الفكرة على الدفع بأطفالهم إلى هذه المدرسة لإنشاء جيل ناطق بالعربية.

كما لا يمنع من استخدام العاملات الصامتات ( شغّالات ) و هن عاملات يقمن على شؤون الرضع اليومية دون الحاجة إلى التحدث مع الأطفال ، إذ إن مهمة التحدث مع الأطفال تنحصر بالآباء اللغويين ( من الممكن في المستقبل توظيف عاملات يتقن اللغة العربية الفصحى ).
كما لا بد من تذكير الآباء البيولوجيين بأنهم يضحون بإرسال أبنائهم إلى هذا النوع الصارم من المدارس الداخلية من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم و ذلك لأن المدرسة ستقدم امتيازات مغرية للخريجين كما سأشرح لاحقاً ، كما أنَّ في إنشاء جيل ناطق باللغة العربية عامل قوة لكل منطقة الشرق الأوسط إذ هي خطوة ملموسة على طريق هدم كل مشاريع التفرقة .

يقوم الآباء اللغويون يومياً بالقيام على الأطفال بشكل متناوب بحيث يتخاطبون معهم بالفصحى فقط ، و يلعبون معهم بالفصحى و يقضون حوائجهم اليومية بالفصحى ، و يتسامرون بالفصحى ، و يسردون القصص بالفصحى .
و حتى لو تم استخدام التلفاز و الوسائل التكنولوجية المتطورة فسيقتصر الاستخدام على برامج الأطفال المدبلجة بالفصحى السليمة الخالية من أي خطأ ، و كذلك يتم الاستماع إلى أغاني الأطفال العربية الفصحى و استخدام برامج الحواسيب المعربة بشكل سليم.

في حين تتناوب العاملات الصامتات على عمليات التنظيف و الإطعام و جميع شؤون الأطفال اليومية التي تقوم بها الأمهات عادة ، مع الحرص الشديد على إتمام ذلك بشكل بشكل صامت تماماً ، حتى لا تتأثر سليقة الأطفال اللغوية ، و هنا نلاحظ أن مجموعة من ثلاثة أطفال يحتاجون لأب لغوي و عاملة صامتة كل ثمانية ساعات. ثم يتم التناوب على الأطفال فيغادر الأب اللغوي الذي أنهى دوامه ليحل محله أب لغوي آخر ( و قد تكون أماً لغوية ).
تجدر الإشارة إلى أنه يجب توظيف الأمهات اللغويات أيضاً من أجل تدريب الأطفال على استخدام التراكيب الفصحى و الضمائر الخاصة بالمؤنث ، فلو اقتصرنا على الآباء الذكور لأنشأنا جيلاً ضعيفاً غير قادر على توظيف الفصحى في التعبير عن المؤنثات ... فلا بد من الأمهات اللغويات.

و بعد خمس سنوات سنحصل على عدة أطفال يتحدثون الفصحى بلا تفكير و بطلاقة رائعة !!! لتكون نواة لمجتمع ناطق بالعربية الفصحى بشكل كامل.
أما بالنسبة لنهاية هذه الفترة_ أي فترة خروجه من مرحلة التأسيس الفصيح _ فيُترك تحديدها لخبراء علم النفس من أجل كل طفل على حِدَة ، لأن كل طفل يختلف عن أترابه من حيث سرعة التَّلَقي اللغوي ، وهي ما بين الخمس إلى سبع سنوات على أقل تقدير. أما بالنسبة للطفل الذي ترى منه بوادر الذكاء و التجاوب التام فتستمر المدرسة بدعمه و توفير التعليم الفصيح له حتى يصل إلى الجامعة.
و بالتالي يكون التخرج من المدرسة لمن يرغب جزئياً وليس كلياً ، فلا بد من تردد الطالب الخريج على المدرسة نفسها من حين لآخر ، وذلك للاستمرار في ممارسة الفصحى ، كي لا تنطفئ جذوتها في صدره . أما بالنسبة للطلاب الذين يبدون تجاوباً ممتازاً مع الفكرة فستقوم المدرسة بعد تخريجهم من مرحلة التأسيس الفصيح بالتكفل بإكمال دراستهم حتى نهاية المرحلة الثانوية.

( المراحل الابتدائية و الإعدادية و الثانوية )

ها نحن أمام طفل يتحدث العربية الفصحى بطلاقة و لا يفهم المصطلحات و اللهجات العامية ، و ها هو قد دخل المرحلة الابتدائية للتو ، و بالتالي لن تكون كتب المرحلة الابتدائية كتباً عادية كتلك التي تدرس في المناهج الحكومية للناطقين بالعامية ، بل ستكون النصوص أشد عمقاً و جزالة و لا حاجة لتدريس القواعد و الإعراب فالعربية لسانهم و سليقتهم بحيث لا يحتاجون لمثل هذه العلوم إلا على سبيل التنفل . كما و يستطيع الطالب دراسة كتب سيبويه و الجاحظ و ابن جني في مرحلة مبكرة و ذلك لأنه ناطق باللغة العربية الفصحى كلغة أم . فسيسهل عليه تدارس كتب الأدب العميق ، و سنلاحظ هنا بأننا أمام طلاب يتمتعون بقدرة مذهلة على تعريب الكلمات الأجنبية بشكل فصيح سليم و استحضار التراكيب التي يعجز عنها كبار الأدباء اليوم فلا مانع من تكثيف دروس العربية و مطالبتهم بكتابة نصوص أعقد في سبكها من تلك النصوص التي تطلب من طلابنا الناطقين بالعامية. كما أنهم يقدرون على نحت و اختراع الأسماء العربية الفصيحة لكل الأدوات و الاختراعات الجديدة.
و ستكون الترجمة الجزلة العميقة المثالية الخالية من الركاكة و الأخطاء لكتب الرياضيات و العلوم و الاجتماعيات هي التحدي الأكبر للكادر الإداري للمدرسة في هذه المرحلة ، فلن تكون كتب الرياضيات كتلك التي تدرس في المدارس التقليدية بل سيتم انتقاء المفردات و نصوص المسائل بشكل جزل بليغ يرقى إلى مستوى هذه الفئة من الناطقين بالفصحى و كذلك كتب العلوم و الاجتماعيات.
و ستصبح هذه الفئة و في هذا العمر المبكر بمثابة المرجع الأهم للغة العربية كونها الفئة الوحيدة ذات اللسان العربي الفصيح ، و القادرة بسلاسة و براعة على مراجعة و مذاكرة و تحليل أعقد و أعمق الأعمال الأدبية التي أنجزت في عصر انتشار لهجة قريش أي القرن السابع الميلادي.
بعض العقبات:

وهنا تواجهنا مشكلة تتمثل بقساوة مشهد الفصل الضروري بين الآباء الحقيقيين (البيولوجيين) والأبناء في سبيل ضمان نقاوة لهجة الأطفال (الفصحى) ، وتُحَل هذه المشكلة أولاً بمحاولة إدخال الأيتام و اللقطاء و منقطعي النسب ، فهؤلاء لا أهل لهم فلا تقوم هذه المشكلة في حالتهم و تتم معالجتهم كما تتم معالجة أي يتيم أو لقيط في أي ملجأ أيتام.

أما لو أدخل طفل لأبوين بيولوجيين في هذه المدرسة فنقوم بتحديد طريقة الاتصال بين كل طفل وأبويه البيولوجيين و نحاول قدر الإمكان أن يكون الفصل جزئياً أي أن يستطيع الطفل رؤية أبويه يومياً و التواصل معهم بالقدر المحدود بعد أن يتم تلقينهم و تعليمهم بعض العبارات الفصيحة كي يتواصلوا من خلالها مع ابنهم . وذلك يتم من خلال تلقين الأبوين البيولوجيين بعض المصطلحات العربية حيث يستخدمونها أثناء اتصالهم ( المحدود) بأبنائهم لساعات معينة يومياً. لكن على أن لا يعود الطفل للبيت أبداً خلال مرحلة التأسيس الفصيح كي لا يركن إلى العامية فتتشوه لغته و يتسرب إليها اللحن.

ونحن في بداية المشروع نحاول قدر المستطاع أن نأخذ الأطفال من البيئات ذات اللهجات الأقرب للفصحى كدول مجلس التعاون الخليجي أو اليمن ، إذ يسهل التواصل بين الآباء البيولوجيين والأبناء لأن لهجة الآباء ( اللهجة السعودية أو القطرية أو الإماراتية ...) هي الأقرب للغة العربية الفصحى فيسهل تعليم الوالد البيولوجي تراكيب فصيحة مما يزيد مساحة اتصاله بابنه الحقيقي الملتحق بهذه المدرسة.
ففي حين يسهل على النجدي والمدني تعلم التراكيب العربية الفصحى ، نجد أنه يصعب على الكردي في شمال حلب_مثلاً تعلم هذه التراكيب ، مما يحرمه أدنى مستويات الاتصال اللغوي بابنه و هذا ظلم يجب أن نحرص على أن لا يقع . وبناء على ما سبق نلتمس الأبناء من مناطق الجزيرة العربية حيث اللهجة أقرب للفصحى فيسهل تلقين الآباء البيولوجيين العدد الأكبر من التراكيب العربية ، مما يزيد من فرصة التواصل اللغوي بينهم وبين أبنائهم ، ومؤدّى ذلك التخفيف من المشاكل النفسية الناتجة عن ضرورة الفصل اللغوي بين الآباء الحقيقيين البيولوجيين والأبناء.
كما لابد من توظيف طاقم من علماء النفس بحيث يقومون بالإشراف على الأطفال ، لأنه لا بد من تعرض بعض الأطفال لمشاكل نفسية نتيجة قيام الآباء اللغويين بدلاً من الآباء العصبيين بالتعامل اليومي الدائم معهم ، وبناء على تقارير الأطباء يتم استبعاد الأطفال الذين يظن تأثرهم بمحدودية الصلة الأبوية ، ويستعاض عنهم بغيرهم ....

( إعداد الآباء اللغويين )

كما لا بد من تأهيل الآباء اللغويين_أعني جهابذة النطق باللغة العربية الفصحى _ قبل أن يلتحقوا بالمدرسة العالمية لإعداد الجيل الناطق بالعربية ، حيث يدرّبون ألسنتهم على استعمال اللغة العربية في شتى الميادين، وشتى مواقف الحياة ثم يتم اختبارهم و يطلب منهم التحدث لساعات متواصلة باللغة الفصحى السليمة أمام لجنة تحكيم ( دون تسكين أواخر الكلمات للتهرب من الأخطاء الإعرابية )....
و لا بد كما ذكرت من تأهيل الآباء اللغويين قبل التحاقهم بهذه المدرسة وذلك للحقيقة التالية التي استفدتها من رحلتي في طلب العلم .....وهي أنه { من الممكن للإنسان المُجيد للعربية _وليست لغته الأم_ أن يُلقي خطبة فصيحة لمدة قصيرة بلا أخطاء لغوية .....لكن يندر أن تجد متخصصاً في هذا العصر بحيث يستطيع استخدام اللغة طوال حياته اليومية مع السرعة في استحضار التراكيب الفصحى السليمة المناسبة للحالات كلها }...لذلك ، وفي ضوء الحقيقة الآنفة الذكر ، لا بد من تدريب هؤلاء الأساتذة على استخدام التراكيب العربيه الفصحى بالسرعة المطلوبة وفي شتى الحالات و المواقف الحياتية ...فإذا ما غلب على ظن أحدهم تمرسه التام في سرعة استحضار التركيب الفصيح المطلوب يخضع لفحص دقيق ، فإذا ما تجاوزه أدخل المدرسة ليشرف على تربية الأطفال...
كما لابد من تثقيفهم بعلم نفس الطفولة لأنهم سيقومون بتربية الأطفال والاحتكاك المباشر بهم ، في حين لا يتصل الأطباء النفسيون لغوياً بالأطفال إلا نادراً فيما لا يؤثر على الملكة اللغوية ( و ينصح بتوظيف أطباء مجيدين للعربية الفصحى منذ البداية بحيث يستطيون التواصل مع الأطفال إن لزم الأمر ) ، وبالمقابل لا بد من تلقين الخبراء النفسيين بعض التراكيب الفصحى ليتم استخدامها في حال التَماس اللغوي الذي لاغنى عنه بين الخبراء النفسيين و الأطفال ..... فيدرب الطبيب على تراكيب فصيحة معينة بحيث لا يتجاوزها أثناء حواره مع الطفل.

مرحلة ما بعد التأسيس الفصيح ( ما بعد المرحلة الابتدائية ) :

ولا بد من التأكيد على أن مرحلة التأسيس الفصيح _ أي مرحلة فصل الأبناء الجزئي عن آبائهم الحقيقيين _ لن تستمر أكثر من خمس سنوات من عمر الطفل ، إذ بعدها سيكتمل النطق ولا ضرر عندئذ من عودة التَّماس اللغوي بين الطفل وأبويه البيولوجيين بشكل جزئي مع وجوب الاستمرار في الانتساب للمدرسة في المرحلة الابتدائية.

كما يمكن إدخال لغة ثانية يتعلمها هؤلاء الأطفال من معلمين ناطقين بها ، لأن تعلم عدة لغات في مرحلة الطفولة أمر ممكن و لا يؤدي للعرقلة أو التعارض طالما أن التعلم يتم قبل الخمس سنوات . وعندما يكبر الأطفال الفصيحون يُدَرَّسون الطب والهندسة وغيرها من العلوم ، و هنا سنلاحظ تميزهم في هذه المرحلة إذ ستكون كتب العربية الفصحى بمثابة سليقة بالنسبة إليهم مما يعني تفوقهم على أقرانهم من أصحاب السليقة العامية ، بل قدرتهم الفائقة على التأليف بالعربية الفصحى الجزلة السليمة و بالتالي تصحيح الأخطاء اللغوية المنتشرة بشدة في الكتب العلمية المترجمة و المعربة بشكل رديء ، فسيصبح هؤلاء الأطفال بمثابة الثروة في مجال الترجمة ، إذ سيقومون بترجمة العلوم إلى العربية بشكل فصيح سليم غير مسبوق.

كما أن اندماجهم في المجتمع سيكون عاملاً إيجابياً إذ يتأثر الناس بلهجتهم السليمة ، ولكن لا بد من الحذر إذ تُحَدَّد لهم فترات لا بد أن يقومون بإمضائها في المدرسة تأكيداً على استمرار ممارستهم للفصحى بشكل يومي ، ومن الممكن أن نقوم بإجراء دراسات في مركز البحث العلمي المرافق اللمدرسة على أصحاب اللسان العربي الذين نشؤوا في البلاد العربية ثم اغتربوا لفترات طويلة ، لنرى مدى تأثُّر اللهجة الأم في حال الاستقرار في مجتمعات أجنبية ، وفي ضوء نتائج هذا البحث نحدد فترات اختلاطهم بالمجتمعات التي تسود فيها العامية بحيث يؤثِّرون ولا يتأثرون .

و لا بد من تزويد مركز البحث العلمي المرافق للمدرسة ( بخبراء تكيُّف) مهمتهم دمج هؤلاء الشبان الفصحاء بالمجتمع الذي لابد لهم من اللحاق به ، وأن يكون اندماجهم إيجابياً من حيث تأثيرهم اللغوي بالناطق العامي دون تأثرهم به ، كما يعالج مسألة تعرضهم للسخرية من بعض أفراد المجتمع الذين يستهجنون استعمال العربية الفصحى و يقابلونها بالضحك و الاستهزاء _ و هو أمر شائع يتعرض له كل من يحاول التحدث بلغة أو لهجة منقرضة أو آيلة للانقراض _....
ولا بد من التحذير من أنه في حال التأخر في إنشاء المدرسة وابتعاد اللهجات العامية عن الفصحى نتيجة عامل الزمن الذي لا مفر منه ، فإنه سيكون من المستحيل إنشاء المدرسة نتيجة انعدام الفصحاء القادرين على استحضار التركيب الفصيح بالسرعة المطلوبة الكافية لتعليم طفل .
وبعد أن يكبر هؤلاء الشبان الفصحاء ، يعملون في المدرسة_مخيّرين_ كمربين للأجيال القادمة الوافدة إلى المدرسة ، و بهذا نحصل على جيل من الآباء اللغويين من نفس المدرسة لكنه أشد فصاحة من الجيل الأول الذي تم استقدامه و توظيفه ، ثم بتعاقب الأجيال نجد أن هؤلاء الآباء يزدادون فصاحة بتقادم الزمن على المدرسة لنصل إلى مستوى اللهجة الفصحى التي كانت في القرن السابع الميلادي ( عصر بني أمية و العباس) . و يطلب من الأطفال الناطقين بالعربية الذين كبروا و أصبحوا آباءً لغويين أن يرتقوا أكثر بفصاحتهم بحيث يكون كل جيل أفصح من الجيل الذي قبله . و بهذه الطريقة نكون قد استطعنا إعادة إحياء اللغة على الألسن كما كانت في العهد الأموي ... و أتوقع من هذا الجيل أن يفرز أدباءً بقوة الجاحظ و جرير و المتنبي و البحتري و الفرزدق .... كما أن المدرسة ستصبح مجتمعاً شاملاً يشمل الحياة الجامعية للطلاب حيث تدرّس فيه كل العلوم كما تعرّب كل المصطلحات .
ثم لا بد لهذه المدرسة أن تتوسع لتصبح مجتمعاً متكاملاً ، ونبراساً تتأثر به المجتمعات الناطقة بالعامية فيقوِّم اعوجاج ألسنتها ويرحل بها عبر التاريخ نحو لسان عربي فصيح مشترك بلهجة قريش .
كما أن دعم خريجيها من خلال توفير فرص العمل سيدفع بالناس نحو إدخال أبنائهم إلى هذه المدرسة ، و ستصبح الامتيازات المقدمة للأجيال المتخرجة من هذه المدرسة بمثابة عامل جذب للأجيال القادمة للالتحاق بالمدرسة منذ الولادة. و بهذا ستتوسع المدرسة بشكل عنقودي لينتشر أطفال الأمس في الدول المختلفة يعملون آباءاً في المدارس المشابهة و المؤسسة على نفس المبادئ.

ولا بد من الإشارة إلى أنه على فرض أن لهجة الجيل الأول ليست بالفصاحة المطلوبة ، لكنهم على أقل تقدير خطوة في الاتجاه الصحيح حيث أن الجيل الثاني والذي بدوره سيتربى على أيدي هؤلاء أنصاف الناطقين باللغة الأم سيحظى بفرصة أفضل ولسان أقرب إلى العربية الفصحى من الجيل السابق الذي أشرف على تربيته علماء عربية ليسوا بناطقين أصليين بل تلقوها بالاكتساب أثناء رحلتهم العلمية ، وبتتالي الأجيال من الفصيح إلى الأفصح ، سنحصل على جيل ينطق بلهجة قريش القحة .

كما لابد من إنشاء مركز للبحث العلمي من شأنه أن يراقب تطور المدرسة ويقيم نتائجها ونسبة تحقيقها لأهدافها ، كما من شأنه أن يجد الحلول للمشاكل التي قد تعاني منها المدرسة ويزودها بالأبحاث النفسية والاجتماعية المناسبة.

وإن هذه المدرسة ، شأنها شأن أي تجربة تتعلم من نفسها ، و تتطور من رحم خبرتها و قدمها ، فهي في جدّة مستمرَّة وتطور دائم .

و بهذا نعيد إحياء أهم عوامل وحدة أهل الشرق الأوسط ... فاللغة العربية برأيي هي العامل الإيجابي الوحيد الذي خرجنا به من القرون الوسطى المظلمة ... فلنستثمر هذا العامل في توحيد شعوب الشرق الأوسط لننطلق كقوة عالمية تقارع الصين و الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي و روسيا العظمى ....



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توحيد المقابر
- أسئلة على مائدة الله و الحقيقة _ العبقرية التشريعية للإله ال ...
- استثمار السلطة الرابعة في محاربة الإرهاب المحمدي
- كلمة العلم هي العليا
- الفقه المحمدي و الحضارة البشرية
- طفولة حرف
- استراتيجيات يجب اتباعها لدرء الإرهاب و حماية العلمانية في ال ...
- صيّاد الآلهة
- أنا و الببغاوات
- ظاهرة التشبه بالمحمديين السنة عند الأديان و الطوائف الأخرى !
- الأديب و السيليكون _ الشَّخْبَرجي
- التدمير و إعادة الإعمار
- رؤية تجديدية للكتابة العروضية الخليلية _ حذف المد الاتكائي
- أسئلة على مائدة الله و الحقيقة ٥ _ معضلة الشيخ و التلم ...
- أسئلة على مائدة الله و الحقيقة ٥_ الملحدون يدخلون الجن ...
- كيف يتم توظيف اللاموضوعية في تدمير المجتمعات
- مقارنة بين أثر محمد ، و أثر من يزدري دين محمد على بلادنا.
- نصائح من مريض إلى طبيبه
- الفقر العفيف
- مزدوجة الإرهاب و النفاق


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - المدرسة العالمية لبعث الفصحى العربية كلهجة محكية