أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - راوند دلعو - كيف يتم توظيف اللاموضوعية في تدمير المجتمعات















المزيد.....


كيف يتم توظيف اللاموضوعية في تدمير المجتمعات


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6495 - 2020 / 2 / 20 - 09:38
المحور: الصحافة والاعلام
    


كيف توظَّف اللاموضوعية في تدمير المجتمعات ....
( المُنَاظَرَات و الاتجاهات المتعاكسة)

تعتبر الوضوعية ( الشفافية و عدم التحيز ) من أصعب المهارات التي يجب أن يتحلى بها المُفَكِّر أثناء بحثه عن الحقيقة ، بل تعتبر مربط الفرس و أساس عملية التفكير السليم للوصول إلى نتائج صحيحة مطابقة للواقع .
فالتحرر من جميع الأسبقيات الفكرية و الاعتقادية من أهم محفزات و بواعث الموضوعية التفكيرية ، و هو شرط لازم لتجنب المغالطات المنطقية أثناء عملية البحث و التفكير و الاستقصاء.
فيجب على المفكر أن يقف على مسافة واحدة من جميع الآراء التي تتنازع المسألة محل البحث ، ثم عليه الانقياد الموضوعي إلى نتائج البحث دون أي تحيز. و لكننا لو تمعنا في عملية التفكير الموضوعي للاحظنا أن هناك عدة منغِّصَات قد تشوب هذه العملية فتحرفُها عن حياديتها المطلوبة مما يؤدي بالباحث غالباً إلى ارتكاب المحظور و التحيز لرأي من الآراء دون وجود مسوغ حقيقي لذلك ، وغالباً ما يكون هذا التحيز ناشئاً عن [ العاطفة و توابعِها ].

و سأحاول في هذه المقالة المقتضبة التعمق في النوازع العاطفية التي تعتور عملية التَّفْكِير فتحرفها عن مسارها الوسطي السليم ، ثم سأنهي مقالي بكيفية قيام القوى الكبرى المهيمنة على الكوكب بتوظيف هذه الآراء غير الموضوعية لتجييش عوام الناس ثم تحريضهم على العنف و الذي يؤدي إلى أردأ أنواع الكوارث الدموية و الحروب الأهلية الناتجة عن التطرّف و التحيّز.
لقد أسلفت أن التحيّز غير الموضوعي إنما ينشأ عن [ العاطفة و توابعها ] التي تدخل على خط عملية التفكير فتفسد تسلسلها المنطقي ، فمن أصعب العقبات التي تقف في وجه المُفَكِّر هو ذلك ( البُهرُج الذي يَعرِضُ له من قِبَلِ الجَّمَالِي و العَاطِفِي في الواقعة محل البحث ) ، و الذي من شأنه أن يُحَفِّز العاطفة بشكل جياش مما يؤدي إلى حرف عملية التفكير المنطقي عن مسارها السليم أو ما أسميه ( التحيز باتجاه العاطفة). فالعاطفة قد تؤثر بسطوتها على عملية التفكير فتؤدي إلى ارتكاب المغالطات المنطقية المختلفة و بالتالي الوصول إلى نتائج خاطئة.
كمن يرى مخطَّطَ بناءٍ جميلٍ من حيث التصميم ، لكن هذا الجمال التصميمي على الورق يعتوره خلل رياضي قد يؤدي إلى احتمال انهيار البناء في حال تم تنفيذه على أرض الواقع ، فنجد أن المهندس الموضوعي يحكم مباشرة بإيقاف المشروع و الاستغناء عن الجمالية مقابل الدقة الرياضية التي يجب أن يحافظ عليها من أجل سلامة المبنى و منع احتمال سقوطة.
و من المنغّصات الأخرى و الأهم التي تشوب عملية البحث الموضوعي هي الانتصار لل ( أنا ) ، حيث يتحيز الباحث للفكرة لأنه صاحبها ... كأن يتحيز المهندس السابق لتمرير مخطط البناء لأنه هو من صممه ، فتحيزه لإثبات نجاح تصميمه الناتج عن ( أناه ) يدفعه للتغاضي عن الأخطاء الرياضية التي قد تؤدي إلى الكوارث !!!
أو كالفيزيائي الذي يبني فرضيةً يحاول من خلالها أن يعطي تفسيراً لظاهرة طبيعية ما ، ثم خلال بحثه يلاحظ بأن فرضيته تتعارض مع أحد مبادئ الفيزياء الأساسية مما يرجح خطأها و أنها لا تعطي تفسيراً دقيقاً للتصور الحقيقي للظاهرة ، لكنه مع ذلك يحاول مستميتاً إثبات و تمرير صحة فرضيته ، فيلجأ لشيء شبيه بالسفسطة و اللَّف و الدوران ليثبت صحة الفرضية و ما دافعه الوحيد إلا ما يعتلج في نفسه من حب الذات و الأنا ، فهو يريد تمرير نظريّته بأي طريقة لأنها من إنتاجه الشخصي طمعاً بالشهرة أو الخلود أو المكسب المادي ...
و من هنا أنصح كل باحث بالتحرر التام من ( الأنا ) خلال البحث ، بل إن الباحث الحيادي الناضج هو من يكثّف تسليط سهام النقد على نظرياته و منتجاته الفكرية فلا يمل من فحصها و نقدها كي يتأكد من سلامة ما يقدمه للناس من معلومات.

كما يجب على الباحث الموضوعي التحرر التام من كل أسبقية عقائدية أو فكرية تتعلق بالموضوع محل البحث ، و بذلك يرفع الباحث من نسبة وصوله إلى النتيجة الصحيحة و يقلل من خطر وقوعه في المغالطات المنطقية و التي أهمها صلة بموضوعنا ( مغالطة التحيز التأكيدي : حيث يتحيز الباحث لشيء مسبق في عقله [ غالباً ما يكون موروثاً ] فيحاول إثباته بأي طريقة ، فتتعطل عنده عملية المنطق ) .
فيجب أثناء البحث العلمي أن يحرص الباحث على أن يقي نفسه من أي تحيز عاطفي من شأنه أن يؤثر على سير عملية التفكير سواء كان تحيزاً للأنا أو تحيزاً للأسبقية الفكرية أو تحيزاً للجماليَّة أو خوفاً من سلطان معين.
و قد تكون الأسبقية الفكرية موروثة ، كمن نشأ على تبني تصور معين للكون منذ صغره فتراه يحاول الانتصار لتصوره الموروث بكل الطرق ، و ما دافعه إلا التحيز للموروث. فلو قدر له و ورث تصوراً مغايراً لتحيز لهذا التصور المغاير كلياً !

خطورة المناظرات و فسادها :

المناظرة عبارة عن حوار يجتمع فيه فريقان أو أكثر ، بحيث يتقاسمان وجهات النظر المختلفة في المسألة محل المناظرة، و يتحيز كل منهما لوجهته بحيث يدافع عنها.
تعتبر المناظرات و الجدالات الساخنة إحدى أهم المعكِّرات لصفو الموضوعية ، لأن المُجَادِل ينتقل من مرحلة البحث عن الحقيقة اعتماداً على التفكير الموضوعي الحر ، إلى مرحلة إثبات صحة المُعتَقَد المُسبَق باستخدام التفكير التحيُّزِي التأكيدي للانتصار لفكرته خلال عملية المجادلة ... و هنا نلاحظ أن الجدل يؤدي حتماً إلى مغالطة التحيز التأكيدي ، و لذلك لا أجد أي قيمة علمية في المناظرات لأنها غالباً ستدخل في سياق التناطح و المهاترات اللفظية مما يعني غياب الموضوعية تماماً.
بل إن حالة المُناظِر بالنسبة إلى مقياس الموضوعية أسوأ من ذلك ، فمواضيع من مثل السمعة و عار الهزيمة و نشوة النصر للأنا و الموروث ... الخ ، كلها تدخل على الخط لتجعل من المُنَاظِر أبعد الناس عن الموضوعية ؛ فهو يتفانى في الدفاع عن فكرته بأي طريقة من أجل الحفاظ على سمعته و موروثه و بالتالي النجاة من الألم النفسي الناتج عن الإحراج و العار الذي تخلقه الهزيمة ، أضف إلى ذلك تعرُّض المُنَاظِر إلى ألم من نوع خطير يدفعه لارتكاب المغالطات المنطقية و هو ( ألم الهَدْر ) ، فثبوت خطأ المُنَاظر يعني الحكم الضمني على كل جهوده في تبنِّي الفكرة محل التناظر بالهدر و إضاعة الوقت ، فتراه مستشرساً بالدفاع عن فكرته كي لا ينصدم بأنه قد أنفق حيزاً من عمره و فكره على تبني فكرة خاطئة ، خاصة إذا كانت موروثة منذ الصغر ... فالإنسان منذ لحظة ميلاده إلى لحظة وفاته عبارة عن مجموعة من الثواني التي تشكل ذاته و حياته ، فالحكم على ماضي المُنَاظِر بالهَدْر يعني القضاء على جزء من ثواني عمره ، أي جزء من الأنا الذي يخصه في كنه ذاته ، لذلك يستشرس للدفاع عن موروثه بدافع إثبات فاعلية ماضيه و للتهرب من شبح ( الهَدر الزمني ) و بالتالي عدم فاعلية الماضي ....
كما أن المُناظِر يستخدم جميع الوسائل غير المشروعة لتأكيد فكرته من أجل استجلاب نشوة النصر و ما يتبعها من إفراز لهرمونات المتعة و التلذذ بنشوة النصر ( هرمون الدوبامين ) ... و كل هذه الكيمياء المفرزة في دمه عبارة عن كيمياء تساهم في تضليل عملية التفكير الموضوعي ، لتصبح النشوة هي الغاية لا الحقيقة !!
و أنا أنصح المجتمع الفكري و الثقافي بشكل عام في هذه الحالة بأن يعتبر التراجع عن الفكرة المُتَبَنَّاة من قِبَل الباحث بعد ثبوت خطئها بمثابة الفتح الثوري الفكري الذي لا يقل عن اكتشاف نظرية جديدة ، و ذلك لتحفيز المتحيزين للأفكار الموروثة بالتراجع عنها مما يرفع من نسبة الموضوعية في البحث على الساحة الفكرية و الثقافية بشكل عام ، كأن يقوم المجتمع الثقافي بتكريم كل شخصية تتراجع عن موروث مقيت أو تعصب أعمى لفكرة منغلقة.
و بعد أن بينت في كلامي السابق أن المناظرة هي المناخ الملائم و المثالي للمغالطات المنطقية و التحيزات التأكيدية ، أستنتج أن ( الوصول إلى الحقيقة لا يتم من خلال خوض مناظرة ) ، بل من خلال اجتماع المتحاورين بشكل هادئ خارج إطار التناظر ، مع التحرر من أي تفكير مسبق و من ثم التفكير بهدوء للوصول إلى الحقيقة المطابقة للواقع ، فإذا اجتمع المتحاوران بهذه الطريقة الراقية فعندئذ سيصلان حتماً إلى النتيجة الصحيحة المطابقة للواقع ، أو على الأقل لن يقعا ضحية مزالق المغالطات المنطقية الشائعة. فلا خجل أحدهما من الهزيمة سيجعله مستميتاً لتلفيق أدلة وهمية تدعم فكرته ، و لا انتصاره لفكرة موروثة سيبيح له استخدام الكذب لتبرير كلامه ، و سيتحول كل طرف من موقع المُنَاظِر ( المحارب ) إلى موقع الباحث المشارك و ستتحول المناظرة من صراع ديوك إلى عمل علمي جماعي للبحث عن الحقيقة حيث تغيب الأنا الفردية في العمل الجماعي ، و من هنا كانت الأعمال الجماعية أنجح من الأعمال الفردية في شتى المجالات الفكرية غالباً.
لذلك من الوارد جداً بل من الطبيعي و الروتيني أن تكثر تراجعات الباحثين الموضوعيين عن أفكارهم في الوسط العلمي القائم على الدليل و التجريب بعد أن يثبت الدليل العلمي مخالفتها للواقع ، في حين نجد أن المذاهب الفلسفية السوفسطائية و الدينية المتعصبة تستمر بتبني نفس الأفكار لقرون متطاولة رغم ثبات بطلانها علمياً ، بل تقوم بإعداد جيش من المبشِّرين و المناظِرِين الذين تلقنوا الموروث منذ نعومة أظفارهم ثم وطَّنوا أنفسهم عليه و تكيفوا مع المغالطات المنطقية المستخدمة في مناهج تفكيره الفاسدة و التفافاته اللامنطقية التي يدربهم عليها لتبرير العقائد اللاعقلانية التي يحملونها منذ الصغر، فهم يمارسون هذه المغالطات المنطقية بشكل يومي و احترافي إذ هي جزء من عملهم التبشيري الدعوي ! و هذا هو الجهل المركب.
لذلك أستطيع أن أقرر بوضوح أن ( السفسطة ولدت مع أول مناظرة) ، حيث اضطر المُنَاظر إلى إثبات فكرته بأي نوع من أنواع الحرفنة و التلفيق اللفظي فنشأت المذاهب السوفسطائية التي لا تؤدي إلى حقيقة علمية.
و من هنا أرى أن للهدوء و التحرر و التنافسية النزيهة البعيدة عن التحيز للأنا ، الكلمة العليا في البحث العلمي الموضوعي ، فيجب إيقاف جميع البرامج المتلفزة القائمة على المناظرات السياسية و الدينية لأنها لا تؤدي إلى حقيقة علمية ( الاتجاه المعاكس كمثال ) و لا تزيد من الرصيد المعرفي للمتابع ، بل تؤدي لخلق واقع متشنج من التعصب اللاموضوعي لأفكار لا دليل عليها.

تحويل اللاموضوعية إلى عنف إجرامي :

بتصفح بسيط و سريع لأهم أحداث التاريخ الماضي للجنس البشري نلاحظ أن الأحداث الكبرى التي أثرت في تاريخ الأرض هي تلك الأحداث التي تجمعت فيها المجهودات الفكرية و العضلية لمجموعات كبيرة من البشر في سبيل دعم فكرة معينة جاء بها شخص أو جماعة . فنجاح قادة من مثل الاسكندر و جنكيز خان و هتلر و لينين و محمد و و و ... و غيرها من الدعوات المؤثرة سياسياً و عسكرياً عبر التاريخ ، إنما كان بسبب أن هؤلاء القادة استطاعوا توحيد أفكار و مجهودات أتباعهم في اتجاه معيين ( بغض النظر عن صحة هذا الاتجاه و تقديمه للتصور الصحيح للكون من عدمه ) ، مما أدى إلى تحصيل و تجميع عدد هائل من القوى البشرية باتجاه واحد ، فنتج عن ذلك تيار جارف و أحداث كبرى غيرت التاريخ من خلال ظهور كيان دولي جديد له مكانة مؤثرة في صنع القرار على الساحة الدولية .

و هذا قانون اجتماعي مطّرد و دائم الحدوث ، فأي مجتمع يلتف أفراده حول فكرة مركزية معينة ثم يعملون من أجلها بإخلاص و تفانٍ ( بغض النظر عن صحة هذه الفكرة المركزية من عدمه ) فهو حتماً مجتمع سيغير التاريخ و سيكون له تأثير على الواقع ( الجيوسياسي ) .
و بعد أن أدركت القوى الكبرى المسيطرة على الكوكب حتمية هذه المعادلة الاجتماعية ، بات شغلها الشاغل تشتيت أفكار الشعوب الضعيفة لهدر مواردها البشرية ، بل تشتيت الأفكار ضمن الجماعة الواحدة و البلد الواحد و القرية الواحدة ، خشية تجمع الموارد البشرية في مكان ما حول منهج واحد و فكرة مركزية واحدة لتشكيل قوة مجتمعية واحدة موجهة باتجاه واحد ، مما يعني تضخمها المحتوم و الذي سيؤدي قطعاً إلى خروجها عن حدودها الإقليمية و تغييرها لميزان القوى الحاكمة للعالم.
و أفضل طريقة لتشتيت أفكار الشعوب هي دفع الناس للتفكير بشكل غير موضوعي ثم تحريضهم على التحيز لجهات متطرفة متعارضة بغية الإيقاع بين هذه الآراء المتطرفة لخلق الحروب الأهلية و التنافرات الاجتماعية التي من شأنها أن تفتت النسيج الاجتماعي من الداخل ، ليأكل المجتمع بعضه من الداخل بالحروب الأهلية و النزاعات العرقية و الطائفية و المصالحية ، فتصبح قيمة المجتمع المتفتت من حيث تأثيره على المسرح الدولي صفراً ، أي لا أثر له على المستوى الدولي على الإطلاق ، فهو عبارة عن مجتمع يفتت بعضه من الداخل .
فقامت هذه الهيئة المسيطرة على الكوكب باستثمار سلاح المناظرة من خلال البرامج الحوارية و الاتجاهات المعاكسة لتفتيت المجتمعات من الداخل ، و هذا أسهل من استخدام القنابل النووية المكلفة و المضرة بالبيئة مع الحصول على نفس النتيجة التدميرية للمجتمعات !

و قد لاحظنا مدى سوء المُناظرة من حيث أنها بؤرة تجتمع فيها المغالطات المنطقية و التحيزات العاطفية ، مع العلم أن ما ذكرتُه سابقاً من سلبيات كان بالنسبة للمفكر الباحث أي المُنَاظِر ، أما الأمر بالنسبة للإنسان البسيط المُتَلَقِّي _أي الذي يتابع المناظرة _ فهو أسوأ بكثير ، فالمتلقي البسيط لا يمتلك أدوات البحث العلمي و لا يعرف مبادئ التفكير المنطقي و الموضوعي و لا يستطيع تمييز الأدلة المنطقية من الأدلة الزائفة القائمة على المغالطات المنطقية ، كما أنه شديد التأثّر بالموروث و الأفكار العاطفية خاصة تلك التي تخص الدين والوطن و الجماعة و القبيلة و الكرامة و المصلحة المادية و و و و..... و بالتالي يسهل تجييشُه و تحريضُه .
فبساطة و جهل هذا الإنسان المُتَابِع للمناظرة عبارة عن حقل خصب لاستثمار مشروع دموي تحريضي إذ ينقصه فقط إشعال فتيل التوجيه بشكل متطرف لينقلب إلى قنبلة عنف تنعكس على المجتمع بشكل إجرامي تفجيري سلبي !
و عند هذه اللحظة يأتي دور برامج المناظرات و الحوارات حيث تقوم بهذه المهمة التجييشيّة القذرة ، إذ تستغل جهل الإنسان البسيط ذي الخلفية الثقافية المحدودة ، فتبرمجه بشكل متطرف و توجهه بحيث تزيد من تحيّزه و تطرفه فتراه أثناء متابعته للمناظرة باحثاً عن الجانب التأكيدي في كلام المُنَاظِر الموافق له في الإيديولوجيا ( مغالطة منطقية ) ، ثم يقوم بتضخيمه و الاعتماد عليه ليخرج متطرفاً لفكرته مبرراً لنفسه ممارسة شتى أنواع العنف ضد المخالف ، خاصة و أن هذه البرامج تُلبِس الأطروحات الفكرية التي تقدمها لباس المقدَّس دائماً ( تقديس الدين الذي يؤدي للتكفير و استباحة الدماء _ تقديس الوطن الذي يؤدي للتخوين و الاتهام بالعمالة و من ثم استباحة الدماء ) .
فالوظيفة الجوهرية للمناظرات الدينية و السياسية ليست البحث عن الحقيقة و توعية و تثقيف الشعوب كما هو شائع ، بل وظيفتها الأساسية هي أن يتم استغلالها بشكل تدميري رهيب لتشتيت الموارد البشرية للمجتمعات فتعود وبالاً على المجتمع إذ يمزق نفسه بنفسه و يهدر كل طاقاته البشرية و هذا يفسر الدعم المادي اللامحدود الذي تتلقاه هذه البرامج و المحطات التلفزية الراعية لها ، كما يفسر الرواتب الخيالية التي يتقاضاها مديرو هذه البرامج !!!
فوظيفة هذه المحطات وصلب مهنتها هي بث أفكار شتى التياريات صحيحها و فاسدها و يمينها و يسارها و وسطها و ليس ذلك بهدف البحث عن الحقيقة بل بهدف التشتيت المجتمعي و تضييع البوصلة ثم التحريض السياسي و الطائفي و العرقي لينشأ عنه واقع دموي على الأرض، لذلك نجد أن هذه المحطات تركز بشكل كبير على قضايا تهم الأمة و تدعي وقوفها مع هذه القضايا و ذلك لاكتساب المصداقية المبدئية عند المتابع البسيط بغية جره لمتابعة حواراتها ، ليتم تجييشه بعد ذلك.
و هذا الواقع الدموي يصب في صالح القوى الحاكمة للكوكب ، فوجود تيارات مختلفة و متخالفة في كل جماعة (تيار يساري و تيار وسط و تيار يميني ) أمر يفيد القوى المسيطرة على الكوكب بشكل كبير ، و لا يُكتَفَى بهذه التيارات الثلاثة بل يتم تجزيء كل تيار من هذه التيارات فمثلاً ، تحرص الهيئات المسيطرة على صنع القرار في الكوكب على أن يكون في كل دولة عدد معين من الأيديولوجيات على الأرض ، يتبعها عدد من البرامج الدعوية الداعمة لكل إيديولوجيا و المناظرات المتلفزة بين أتباع الإيديولوجيات و التي ينشأ عنها انقسامات و تشعبات في كل تيار فكري أيديولوجي ، فمثلاً يتم تقسيم الاتجاه اليساري إلى اتجاهات يسارية جزئية مختلفة متناحرة ، و كذلك في الاتجاه اليميني الديني حيث تعتبر الأديان حقلاً خصباً للتناظر غير الموضوعي و المتحيز فتلعب المذهبية و الطائفية بل طائفية الطائفية ( أي طوائف ضمن الطائفة الواحدة ) دورها في تمزيق و تشتيب الجماعات البشرية كي تحافظ القوى الكبرى على هيمنتها و سيطرتها.

لذلك تقوم الهيئة الحاكمة للكوكب بالسياسة الإجرامية التالية ، و هي أن تتبنَّى و تدعم أي فكر يؤسس لمذهب عقائدي أو ديني جديد ، إذ توفر له الدعم المادي و المعنوي اللامحدود ، فتتيح له المنبر الدعوي ( محطات فضائية و مؤتمرات تبشيرية و مراكز ثقافية ... الخ ) ليؤسس لقاعدة بشرية على الأرض بحيث يصبغ هذا الفكر أتباعه بلون معين يخالف المذاهب و التيارات الأخرى الشائعة في المجتمع ، ليتم استثمار هذا التَّخَالف بالتحريض المستقبلي على العنف بين المذهب الأيديولوجي الجديد و المذاهب الأيديولوجية القديمة ، و من ثم إنشاء نواة مشروع حرب أهلية في المستقبل بين هذه الأيديولوجيات المتنافرة على الأرض ، بحيث تضمن هذه الهيئة الميسطرة على الكوكب تشتت الشعب و عدم اتحاد موارده البشرية باتجاه فكرة معينة قد تتحول لمؤثر إقليمي ضخم يصعب السيطرة عليه !!!

و في النهاية نلاحظ أن كل هذه الشَّرذَمِة و التَّقسيم و الحروب سببها الانزلاق في منحدر اللاموضوعية في التفكير الفردي و اتخاذ القرار ، و الابتعاد عن المعايير العلمية و بالتالي السقوط في المغالطات المنطقية ثم التعصب للأفكار و إلباسها لباس المقدس الديني أو المقدس الوطني ، لذلك أفردت مقالة خاصة لتوعية الناس ضد الطائفية و العرقية القومية و أثبت أن الدين و العرق عبارة عن مصادفة جغرافية تاريخية فلا ينبغي التعصب لهما.

#راوند_دلعو



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقارنة بين أثر محمد ، و أثر من يزدري دين محمد على بلادنا.
- نصائح من مريض إلى طبيبه
- الفقر العفيف
- مزدوجة الإرهاب و النفاق
- المثيولوجيا و الأسطورة على مذبح العقل
- شعوب الحناجر و الخناجر
- تحرير الله ممن سرقوه
- الثورة الدموية و الثورة السلمية
- الفرق بين التعليم و التفهيم
- خلاف عائلي في قبيلة قريش
- وثنيّة النّص
- فطرة الله التي فطر الناس عليها
- الأثر السلبي لمناهج التفكير الدينية في سياق المعرفة البشرية
- قراءة التاريخ
- الديانة الإسلامية أم الديانة المحمدية ؟
- صباح الميم و الياء
- القرآنيون ما بين علمنة الخرافة و عقلنة الوهم
- القلب النزيف
- ياسمينة على ضريح الله _ قيثاريّة النسرين
- إنه لمن الظلم بمكان !


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - راوند دلعو - كيف يتم توظيف اللاموضوعية في تدمير المجتمعات