أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر















المزيد.....

حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 6 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


4
الحدث الأبرز ذلك الصيف، وكان قد جعل الناسُ يعتقدون أنه متواشجٌ مع إعدام حمو جمّو، هوَ محاولة اغتيال الحاكم العسكري الفرنسي. في حزيران، يشتد الحر في الشام ويتوق الكثير من سكانها للذهاب إلى الريف. لعلها كانت نفس رغبة الجنرال غورو، الذي قرر تلبية دعوة سابقة من الأمير الفاعور لزيارة قصره في القنيطرة. كون طريق الجنرال يمر بالقرب من بلدة قطنا، تم إعلام رئيس مخفر الدرك فيها بتأمينه حتى بلدة خان أرنبة. الرئيس، لم يكن سوى " أحمد "، ابن عم ذلك الضابط، الذي رافق حمو جمّو مغلولاً إلى ساحة المرجة. الضابط، واسمه " إسحق "، كان كما علمنا يقيم في منطقة جسر النحّاس. ثمة أيضاً، كانت منازلُ أقاربه من عشيرة " بارافي " متلاصقة على طرفي زقاق ضيق، منفتح مدخله على مسجد يونس آغا: أحدهم، سيُمسي مستقبلاً زوجاً لرابعة؛ العمة الصغرى لكاتب هذه السيرة. أجدني أيضاً بحاجةٍ لإضافة هذه الشهادة من طفولتي، حينَ حضرتُ جانباً من احتضار الضابط المتقاعد، إسحق، وكان في أواخر حياته يعيش مع زوجته بالإيجار في منزل يملكه عمي في زقاقنا. كان الرجل بلا أولاد، ما دفعه لتبني أحد أبناء أخوته، واسمه " معتز "، حيث صار صديق طفولتنا.
مخطط التخلص من الجنرال غورو، كان في حقيقة الأمر قد دارَ بذهن رئيس الدرك في أعقاب حادثة شهيرة، مسّت مشاعر السوريين بقوة، لدرجةٍ وجدت فيها صدىً في الصحافة المصرية. والمقصود عبارة فاه بها الجنرال، لما شاء زيارة ضريح محرر القدس: " ها قد عدنا، يا صلاح الدين! ". وكانت تلك رداً على عبارة قالها هذا الأخير، بينما يُتابع رحيل الفرنجة عن فلسطين بوساطة السفن: " إنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه مرة أخرى، أبداً ".
رئيس الدرك، البارافي، اتصل مع المجاهد المعروف " أحمد مريود "، الملتجئ للأردن، لتنسيق عملية الاغتيال. وهذا بدَوره أعطى أوامره لعصابة كردية، يقودها " أبو دياب برازي "؛ الموصوف في السجل الذهبيّ للثورة السورية، بأنه أشجع شجعان عصره. أفراد العصابة، مُنحوا ملابس الدرك من لدُن رئيس مخفر قطنا، وفي المقابل، تم إبعاد العناصر الأصلية عن الطريق، المفترض أن تسلكه سيارة الجنرال. بقيَ رجالُ العصابة على طرف الطريق، متغلبين على الحر بالمكوث تحت شجيرات الكرز والتفاح، المتألقة بالثمار تحت أشعة شمس الصيف. ما هيَ إلا ساعة، وكانت السيارة قد اقتربت من مكان الكمين. في المقعد الخلفيّ، كان غورو جالساً مع " حقي بك العظم "، رئيس الوزراء. حين أوقفَ أبو دياب برازي السيارة، قال لمرافق الجنرال، الجالس بجانب السائق، معتقداً أنه غورو: " أنا من أحفاد صلاح الدين، وهذه لك! "، ثم أطلق الرصاصَ عليه وقتله. في النتيجة، نجا الجنرال بينما أصيب حقي بك بجرح طفيف. لكن الحادثة هزت سورية كلها، وفي التالي، ضربت هيبة فرنسا في الصميم. ما جعل باريس تستدعي غورو، ومن ثم أرسلت بدلاً عنه حاكماً آخر.

***
في الحي الكرديّ، الذي ينتمي إليه أفرادُ عصابة البرازي، تأججت عواطف الناس بشكل أكبر، ولا غرو، بسماع خبر محاولة الاغتيال. وكان خلّو متحمساً للغاية، معتبراً أنه حققَ ثأره الشخصيّ. رأى كذلك أن الحادثة عززت حججه، المتعلقة بأولوية الكفاح المسلح لطرد المستعمرين الجدد. وقد كررَ موقفه أثناء لقائه بصديقه، الصحفيّ. هذا الأخير، رغم ترحيبه بالصفعة الموجهة لهيبة فرنسا، فإنه شدد على أن أسلوب الاغتيال لا يأتي بالنصر: " من السهل دوماً إيجادُ رجالٍ أكفاء مكان المقتولين، سواء أكانوا عسكريين أو مدنيين "
" نعم، لكن المحاولة وجدت لها صدى من أقصى سورية إلى أقصاها. ومنذ ذلك اليوم، يترك العديدُ من الشبان بيوتهم كي يلتحقوا بالثوار في الغوطة والريف "، رد خلّو. كان جلياً من طريقة كلامه، عقده العزم على الانضمام لإحدى تلك العصابات. الصحافيّ تجاهل الملاحظة الأخيرة، لأن ضميره منعه تشجيع صديقه من سلوك درب التضحية فيما هوَ جالسٌ وراء مكتبه في قلب العاصمة. بيد أن الأيام المقبلة، أثبتت أن مهنة الصحافة لا تقل خطراً بنظر السلطات المحتلة: على أثر محاولة اغتيال غورو، شُنت حملة بوليسية على مكاتب الصحف المعارضة وكذلك بعض الأحزاب. منذ ذلك الحين، صارت أغلب أعداد تلك الصحف تتعرض للمصادرة أو لمقص الرقيب، فيما تم نفي بعض السياسيين إلى المستعمرات الفرنسية لمدد مختلفة.

5
أخيراً، أحيل الحاج حسن على التقاعد. صفة الزعيم أيضاً، أحالتها الإصلاحات الجديدة على الرف. عمدت السلطات فعلاً إلى تقسيم الحي الكرديّ إلى منطقتين، شرقية وغربية، جاعلة على رأس كل منهما موظفاً من قبلها باسم " المختار "؛ حال التسمية، المستعملة في القرى. كذلك عُزز الأمن بمخفر شرطة، كان مقره في غربي الحي. أول طبيب من الحارة، " محمد خضر "، المنتمي للعشيرة الآله رشية، كان آنذاك يستعد لإنهاء دراسته في باريس ومن ثم العودة إلى الوطن لافتتاح عيادة. افتتحت أيضاً في الحي مدرسة للإناث، مستمدة اسمَ شقيقة صلاح الدين، " ست الشام "، وكانت عبارة عن قسم من منزل أحد أمراء الحج العثماني، يقع في أول طلعة ساحة شمدين آغا، استأجرته الدولة من ورثته.
ابنة خلّو الكبيرة، كَولي، ذات الأعوام الستة، تركت الخوجة كي تلتحق بالدراسة الابتدائية في تلك المدرسة وكانت برفقة قريبتها، " بدرو ". والد هذه الأخيرة، كان ابنُ عم شيخي؛ زوج زَري. جد كَولي، الحاج حسن، أبدى في هذه المرة تذمره علناً من فكرة دراسة البنات خارج إطار الخوجة: " إنهن لا يتلقين دروسَ الدين بشكل أساس، بل علوم اللغة والحساب. ذلك لعُمري مفسدة لهن! "، قالها لصهره. ابتسمَ خلّو، ثم ما لبثَ أن راحَ يقلّب عدداً من مجلة " الهلال " المصرية، الموضوعة على طاولة الزعيم السابق للحي. إلى أن اهتدى لاسم إحدى الكاتبات، فقال لحميه: " أنظر، يا حاج. المدرسة، هيَ من قدّمت أمثال هذه الكاتبة، التي تُضارع الرجالَ في مجال الأدب ". ألقى الحاج نظرةً على الاسم، " مي زيادة "، ثم هز رأسه دون أن يعلق بشيء. كان معجباً، حقاً، بمقالات الكاتبة ويعلم أيضاً أن العديدَ من مشاهير الأدب العربيّ مغرمون بها.

***
في ذلك الصيف الحافل، قررَ الحاج حسن التوجه إلى الحج كونه تخلّصَ من أعباء الوظيفة. عقبَ سفره بأيام، طلبت امرأته من موسي الاتفاق مع صالح على يوم محدد كي يأخذهم إلى الزبداني. عادت سيارة الفورد، ذات اللون الأسود، تقطع بهم الطريق الوعر إلى أعالي وادي بردى. في هذه المرة، كانت رابعة برفقتهم، ومع أنها لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، بدت ملتحفة بالخمار الأسود شأن والدتها وشقيقتها الكبيرة. في بعض الأماكن السهلية، الواقعة على مقربة من الطريق العام، لوحظ أن حركة الحصاد كانت في ذروتها. السائق، بادر إلى تسلية أقاربه بالحديث عن الأمان في بر الشام فضلاً عن عودة الازدهار إلى قراه وبلداته.
" أينَ هوَ الأمان، وبالأمس القريب وقعَ الحاكمُ الفرنسيّ نفسه ضحيةَ كمينٍ من جانب إحدى العصابات؟ "، علّقَ موسي.
" ذلك يسمونه، سياسة! أنا أتكلم عن اختفاء أثر العصابات، التي تمارس سلب القرويين أو قطع الطريق على السيارات لنفس الغاية "، أوضحَ صالح. ثم ما لبثَ أن شرد قليلاً، مستعيداً لقاءه بحمو جمّو قبل نحو عامين على طريق وادي بردى هذا.
على سبيل المصادفة، كان أحدهم خارجاً من الدرب المفضي إلى منزل السيدة أديبة وهوَ ممتطٍ حصاناً يُصدر وقعاً على الأرض الجافة، التي يخب عليها. بانت صفحة وجه الرجل، وكان في الأثناء قد اختفى وراء جدار السور الخارجيّ. تساءل موسي: " من هذا الرجل؟ "
" إنه بكر "
" أعتقدُ أنه رأى سيارتنا؟ "
" لعله مشغول الفكر، كونه أضحى من الملاكين في البلدة "، رد صالح بنبرة لاذعة. غير أنهم التقوا مع امرأة بكر، وكانت جالسة في الترّاس مع صاحبة الدار. لاحت هذه الأخيرة بصحة جيدة، برغم تجاوزها السبعين، وكانت الزيارة مفاجأة سعيدة لها. فيما مضى كانت تُحاط مسبقاً بأمر زيارتهم، لما كان الحاج حسن على رأس عمله ويملك جهاز هاتف. وكانت السيدة أديبة تعرفُ حقيقة أخرى عن صهرها: مع أنه أمضى في وظيفته المعتَبرة ما يزيد عن الثلاثة عقود، فلم يجن منها أي شيء عدا الراتب الشهريّ. بل إنه كان يدفع أحياناً من جيبه، لمساعدة فقراء الحارة. لم يكن في مقدوره حتى شراء جهاز فونغراف، هوَ مَن كان يعشق الطرب وبالأخص المطربة المصرية الصاعدة، " أم كلثوم ".
" لا أرى الخالة آمنة، هل هيَ في فراشها؟ "، سألت سارة أمها.
" الخالة آمنة، تعيشي أنتِ. لقد واريناها الثرى قبل عشرة أيام "، أجابت الأم. لم تتمالك الابنة نفسها، فأجهشت بالبكاء على مربيتها. ثم ما أسرع أن غادرت الترّاس، متوجهةً إلى داخل المنزل. أطرقت السيدة أديبة برأسها، وراحت تستعيدُ أولَ لقاءٍ بامرأة البستانيّ الراحلة، وذلك قبل أكثر من ستين عاماً. كم جدّ من أحداث ووقائع وخطوب في خلال تلك الحقبة الطويلة، التي أمضتها السيدة في هذه البلدة الجبلية. كان والدها قد التجأ إلى الزبداني، وفي نيته أن يرجع إلى منزله في الشام غبَّ اطمئنانه إلى عدم ملاحقة السلطات العثمانية له على خلفيّة فتنة عام 1860. لكنه بقيَ في البلدة إلى أن توفيَ فجأة، بعد ذلك التاريخ ببضعة أعوام. سلالته، تجذّرت هنا من خلال ذريته المنجبة من امرأتين، كانت إحداهما من أهالي البلدة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فردوس الفقراء
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الحادي عشر
- جريمة مجانية
- حديث عن عائشة: بقية الفصل العاشر
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3
- صراع على العيش
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
- مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر