أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - فردوس الفقراء














المزيد.....

فردوس الفقراء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 5 - 17:33
المحور: الادب والفن
    


منذ تعرفه على مراكش قبل أعوام عديدة، كان طريقه اليوميّ إلى المدينة القديمة لا يتغير في غالب الأحيان. أصلاً منزل حميه، يقع في أحد أحيائها، وكان يتوجب عليه السيرَ إلى ساحة جامع الفنا، متخذاً في كل مرة درباً مختلفاً. أما في حالة ركوبه سيارة الأجرة، بالأخص في أوقات الحر الشديد، فإن الطريقَ يمضي في جهة واحدة، محددة.
كونه صديقاً للحدائق، عرفها جميعاً؛ بما في ذلك " ماجوريل "، التي أسسها في بداية القرن الماضي مهندسٌ فرنسيّ. وهذه الحديقة تشترط لدخولها دفع ثمن تذكرة، باهظة السعر بالنسبة للفقراء. لكنه كان يجد سعادته حقاً في " عَرَصَة مولاي عبد السلام "، الممتدة على مساحة واسعة من جنوب مسجد الكتبية إلى مدخل حي غيليز، الراقي. كان هناك في مبتدأ حكايتنا، وكان الوقتُ في خلال أوج الصيف. شجرتا جميز، هائلتا العلو والضخامة، كانتا تمنحان ظلاً كريماً للبقعة الأثيرة، أين مجلسه المعتاد. ثمة انبثقت عشرات النوافير من بركةٍ كبيرة، قُسّمت على أربعة أجزاء مع حوض لكل منها، تتفرد فيه شجيرة ليمون. هنا في الوسع الجلوس لساعات، وكأنما الطقسُ الملتهب خارجَ الحساب. المقعد الحجريّ الأنيق، حيث جلسَ، كان مزدوجاً ومفصولاً عن بعضه البعض بوساطة حاجز بعرض عشرين سم تقريباً.
فتاة في مقتبل العُمر، حنطية اللون، طويلة القامة وممتلئة نوعاً ما ـ جاءت كي تجلس ببساطة فوق الحاجز بحيث التصقت مؤخرتها بكتفي بطل قصتنا. كان برفقتها ما يبدو أنها شقيقتها، تصغرها قليلاً، فضلاً عن طفل في نحو السادسة أو السابعة. مُحرجاً، لم يستطع الشاب التزحزحَ عن مكانه بسبب وجود زوج سياح فرنسيين إلى جانبه. كلاهما كان في سن الشيخوخة، وقد ابتسما للشاب أكثر من مرة. ضايقه ذلك، ما جعله يتردد في مغادرة المكان: كان صعباً على كرامته، الظهور كالهارب من عبث فتاة مراهقة. آثرَ الانتظار لبعض الوقت، لعل الفتاة تغير جلستها أو تغادر الحديقة. لكنهما الزوجان الأجنبيان، من نهضا بعد قليل وابتعدا عن المجلس باتجاه مخرج الحديقة.
" أوف من السياح العجائز..! "، قالت له الفتاة الجريئة وهيَ تنزلق بنعومة لتجلس في مكان العجوزين المغادرين. ثم أضافت وهيَ تتمعن بعينيه: " ظننتك لأول وهلة من أولئك الكَاوري، لحين أن انتبهتُ للكتاب العربيّ في يدك ". تخففَ عندئذٍ من الحرج، وما عتم أن بادلها الحديث. وكانت شقيقتها قد انضمت لمجلسهما، فيما الصغير راحَ يلهو بجانب البركة. أحد عمال الحديقة، لاحَ أنه يراقب البقعة المظللة من مكانه على الطرف الآخر منها. متعللاً بشقيق الفتاتين، اقتربَ كي يطلب منهما منعه من اللعب بالماء. في الأثناء، كان العاملُ يرمق الشابَ الغريب بنظرة متفحصة. لم تأبه كبرى الفتاتين بملاحظة مراقب الحديقة، وما أن ابتعد حتى بادرت لسؤال رفيق الجلسة عن عمله وذلك عقبَ معرفتها اسم بلده: " أنت موجود في المغرب بهدف الاستثمار؟ "
" نعم، لكنني أستثمر في مجال الكتب "
" الكتب؟ عجباً! هذه أول مرة أسمع بأن أجنبياً يستثمر في تجارة الكتب "، قالتها ضاحكة. شاركتها شقيقتها شعور المرح. قال الشاب موضحاً: " عنيتُ أنني بنفسي كاتبٌ، وهذه هي مهنتي "
" آه، الآن فهمتُ عليك. أنت تكتب قصصاً؟ "
" بلى. وأنت، هل تحبين قراءة القصص؟ "
" قرأت بعض القصص الفرنسية في منهاج الدراسة، ومنها أحدب نوتردام "
" ألم تقرئي لكتاب مغاربة؛ محمد شكري، مثلاً؟ "
" نعم، قرأنا أيضاً ‘ الخبز الحافي ‘ في المنهاج المدرسي "
" معقول، وهيَ سيرة ذاتية بمنتهى القسوة؟ "
" آه معك حق، لم يعجبني الكتاب أبداً! "، أوضحت الفتاة وكانت قد بدأت تضجر من هذا الحديث. مجاملةً، جر الحديث إلى وضعها العائلي هذه المرة. فقالت أنها بالأصل من مدينة أسفي، والدها حصل على تقاعد مرضي من عمله في منجم فوسفات هناك: " المدينة ملوثة بسبب المنجم والمعمل الملحق به، وقد أصيب كثيرون بالسرطان جراء ذلك؛ ومنهم أمي، التي رحلت شابةً "، اختتمت الفتاة سيرتها. وإنما في اللحظة التالية، رن موبايل الشاب الغريب. كانت امرأته على الخط، وقد سألته عما لو سيشارك العائلة الغداء. عقبَ المكالمة، حل صمتٌ لعدة دقائق. بعدئذٍ نهضت الفتاة فجأةً على قدميها، طالبة من شقيقتها أن تنادي الصبيّ. وَدّعت جليسها الغريب بنبرة منكسرة، وما لبثت أن ابتعدت مع شقيقيها في اتجاه المخرج. بقيَ منتظراً لدقائق، قبل أن يقوم بدَوره كي يغادر الحديقة.
فكّرَ فيما كان يسير بإزاء سور الحديقة الخارجيّ، نافخاً بحزن: " لولا المكالمة، كنتُ وددت دعوتهم إلى مطعم مكدونالدز. كان ذلك، ولا شك، سيجلب سعادتهم ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الحادي عشر
- جريمة مجانية
- حديث عن عائشة: بقية الفصل العاشر
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3
- صراع على العيش
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
- مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس


المزيد.....




- مصر: رصد حالات مصابة بالحمى القلاعية بين الماشية.. و-الزراعة ...
- موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
- المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي
- مكان لا يشبهنا كثيراً
- لقطات تكشف عن مشاهد القتال في فيلم -خالد بن الوليد- المرتقب ...
- طهران تشهد عرضاً موسيقياً فخماً من مسرحية أوليفر تويست + فيد ...
- يحيى الفخراني يفتتح -أيام قرطاج المسرحية- بعرض -الملك لير-
- ألمانيا تعيد كنوزا إثيوبية بعد قرن
- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- فلسطين تتصدر المشهد في مهرجان الدوحة السينمائي 2025.. 97 فيل ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - فردوس الفقراء