أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جريمة مجانية















المزيد.....

جريمة مجانية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6505 - 2020 / 3 / 3 - 19:51
المحور: الادب والفن
    


جو مراكش، الخانق صيفاً، له شعبية عند الأجانب القادمين من أقاليم الغرب الشمالية الباردة. وكانت " مرغريت " من أولئك الصنف؛ مقيمة فرنسية في المدينة الحمراء، تمارس أمورَ الأعمال الفندقية. ليالي السبت، اعتادت السيدة الأجنبية على قضائها في هذا المطعم أو ذاك البار، ودائماً بصحبة الأصدقاء من الجنسين. لكن يوم السبت، المتفق مع بداية حكايتنا، اختتمت سهرته بما يُشبه الكارثة: أضاعت عقداً ثميناً، يُقدر قيمته بعشرات ألوف اليورو، وكانت آنذاك في طريقها للعودة من البار إلى سيارتها، المركونة في كراج خاص يقع تحت ميدان بلازا في غيليز.
" أنا متأكدة من سقوط العقد في الطريق لسببٍ ما، كوني تحسسته بيدي أثناء خروجي من البار "، قالت لصديقة مقربة على الموبايل. حقاً إن العقدَ مؤمنٌ عليه، ولكن الروتين في هذه البلاد سيجعل استعادة ثمنه يُعادل محاولة إعادة الروح إلى مبتلٍ بمرض عضال. مع ذلك، لم تقصّر السلطاتُ غبَّ تسجيل الواقعة: صورة العقد، تم توزيعها على جميع محلات الصاغة، المتجمعة في مركزين أساسين، أحدهما في درب برنس والآخر في ساحة الملّاح.

***
في ذات الليلة، كان شابان خارجان من المقهى في طريقهما لبيتيهما. كلاهما كان يمارس أعمالاً غير مشروعة، لو أننا أخذنا بما نشرته الصحافة لاحقاً من معلومات بشأنهما. الأطول قامة بينهما، واسمه " هشام "، هوَ مَن عثر على عقد المرأة الفرنسية لما تعثرت قدمه به. هتفَ مأخوذاً فيما كان يلقي على العقد نظرة خاطفة: " رباه، ما هذا؟ "
" ما الأمر؟ "، تساءل الآخرُ وكان في الأثناء يسبق صديقه ببضع خطوات. لكن هشام كان قد لحق دس العقد في جيبه، فلم يَزِد على القول باقتضاب: " لا شيء! ". كون الحلية من المجوهرات الأصلية، ما كان غريباً أن تُصدر بريقاً شع لحظةً في العتمة الدامسة قبل أن تقع في جيب الشاب. الصديق الآخر، وكان اسمه " زياد "، لمحَ ولا شك ذلك البريق. عندئذٍ تعمد أن يسيرَ هذه المرة متأخراً عن صديقه بخطوة أو خطوتين، حتى لحظة دخولهما في دربٍ مهجور كانا ألفا اجتيازه وذلك لاختصار المسافة إلى شارع محمد السادس. من هناك، كانا سيواصلان طريقهما مشياً إلى حي المنارة. سيارة أجرة، مرت على الطرف الآخر من الدرب؛ أينَ تقع عدة أبنية فندقية. هشام الطويل القامة، كان يُخفض رأسه تجنباً من الاصطدام بأغصان شجرة ليمون، عندما أصابته طعنة مدية في صدره. لم يصدر عنه سوى شهقة من الأعماق، مكتومة وكما لو أنها صرخة من تحت الماء. مد زياد يده إلى جيب المحتضر، ليخرج منه الحلية ذات البريق المبهر. في خلال الدقيقة الأخيرة، التي سبقت الجريمة، كان قد فكّرَ بخطوةٍ ستتلوها: أن يستولي أيضاً على محفظة النقود وجهاز الموبايل، لتمويه الجريمة بكون دافعها هوَ السرقة. لاحَ أنه اعتبرَ العقد من حقه، وليسَ سرقة: " مررتُ قبله بالعقد، لكن عينيّ لم ترياه! ".
في اليوم التالي مباشرةً، طُلبَ زياد للتحقيق بما أنه آخر من التقى بالقتيل. راوغ في إجاباته، مؤكداً في كل مرة أنه ودّع صديقه خارج المقهى ثم أخذ سيارة أجرة للمنزل. والدة القتيل وأخوته، شهدوا لصالحه وأنه من المحال أن يُضحّي بصديقه في سبيل مبلغ تافه وموبايل مستعمل. لذلك أخلى المحققُ سبيله، وصار يركز على اتجاه مختلف للتحريات. أيام على الأثر، لما اطمئن زياد من عدم وضعه تحت المراقبة، اتجه إلى السوق الجديد. تفكيره، هداه إلى احتمال أن يكون أصحابُ محلات الذهب على صلة بالشرطة وأن عقداً بمثل هذه القيمة سيجعلهم يشكون أنه مسروقٌ. أما في السوق الجديد، فإن بعض المحلات تبيع غالباً عقوداً مزيفة من الفضة فضلاً عن الهدايا التذكارية. كان يعرف أحدهم، ويُدعى في السوق بالحاج: " إنه سيتولى بنفسه الاتصال مع أحد الصاغة، ما يعني أن عين البوليس تبقى بعيدة عن المسألة "، توصل إلى هذه النتيجة. منتبهاً إلى خلو محل الرجل من الزبائن، دخل عليه محيياً.
" سلفاً أخبرك، أن مجوهرات هذا العقد أصلية ونادرة. لكنني بالطبع سأعرضه على صديق صائغ، أضمنُ أن يصبح شريكنا "، خلصَ الحاج بدَوره إلى نتيجة مرضية للشاب. ثم اتفقا على موعدٍ في ساعة متأخرة ليلاً، بمجرد أن يقبل الصائغ الصفقة. وضع زياد العقد في جيبه، ثم استأذن بالانصراف.
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلاً، لما التقى زياد بالحاج حسب موعدهما، وما لبثا أن اتجها إلى القصبة أينَ مسكن الصائغ. بولوجهما في درب عتم، مقفر من السابلة، ما أسرع أن سقط أحدهما على الأرض وفي صدره الجريح صرخة مكبوتة. أنحنى الحاج على المحتضر، ليضع يده في جيب بنطاله. ثم ما لبثَ، متعجلاً ملهوجاً، أن راحَ يبحث في الجيوب الأخرى وكذلك بأي مكان محتمل، يُمكن أن يُخفى فيه العقد. لكن عبثاً. ابتعد بعدئذٍ عن الجثة، ومشى بطريقة أقرب للهرولة إلى أن خرجَ إلى شارعٍ تتردد عليه سيارات الأجرة. عقبَ وصوله إلى المنزل، الكائن في حي المشروع العسكريّ قربَ سوبرماركت " مرجان " الشهير، اتصل مع صديقه الصائغ. هذا الأخير، ما أن نم لعلمه بعض التفاصيل إلا وطلبَ من الحاج ألا يحاول الاتصال معه مرة أخرى.

***
واصلَ نفسُ المحقق تحرياته، طالما أن الضحية الجديدة كان صديقاً للقتيل هشام. في هذه المرة، دهمَ منزلَ زياد برفقة كلب بوليسيّ. فما لبث العقدُ أن ظهرَ، وكان مخبأً بعناية مع مسروقات أخرى أقل قيمة. عند ذلك، ربط المحققُ الأمورَ بعضها ببعض ليستنتجَ بشكل صائب دافعَ الجريمة الأولى وهويةَ مرتكبها. كونه لم يثق تماماً بشهادات الصاغة، قام بمراجعة الكاميرا الرئيسة في كلّ من مركزيّ بيع الذهب في المدينة. لم يعط ذلك نتيجة إيجابية، ما دفعه إلى اختبار الكاميرا الموضوعة في الممر الداخلي الرئيس للسوق الجديد. عند ذلك، ظهر القتيلُ زياد فيمن دخلوا السوق بيوم معيّن. لكن الباعة هناك، أكدوا جميعاً عدم معرفتهم بصاحب الصورة. شك المحققُ بأحدهم، ولم يكن سوى الحاج ذاته. عاد المحقق على الأثر إلى كاميرا سوق الذهب في المركزين، ليضعهما تحت المعاينة في تاريخ اليوم نفسه، الذي سُجّل فيه ذهاب المجنى عليه إلى السوق الجديد. وإذا صورة الحاج تظهرُ في كاميرا سوق الملّاح؛ فتمت مواجهته بذلك. في الأثناء، كانت دورية من رجال الأمن تنفض بيته رأساً على عقب. لم يتم العثور على شيء في المنزل يتصل بالقضية، فيما أن المتهم سبقَ وأعلن أن وجوده في مركز الصاغة كان لزيارة صديق بائع. تحفّظَ المحققُ عليه، ثم بادر إلى إحضار ذلك البائع.
" لا علاقة لي بالموضوع، يا سيدي. سوى أن الحاج استشارني بأمر عقد مجوهرات، قال أن أحدهم عرضه عليه بمبلغ زهيد. لكنني رفضتُ الصفقة المشبوهة، وطلبتُ من الحاج ألا يعود ويتصل معي في شأنها "، كذلك أعترفَ الصائغُ ببساطة.
استعادت مرغريت عقدها، لكنها في سهرة السبت التالي لم تضعه حول عنقها الرشيق. إذاك قالت لأصدقائها، ضاحكةً: " العقد وقع بيد قاتلين، الواحد تلو الآخر، لكنه كان لعنة عليهما كلاهما ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل العاشر
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3
- صراع على العيش
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
- مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جريمة مجانية