أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة















المزيد.....

مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 18 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


الأشخاص المتورطون في هذه القصة، ولنقل مبدئياً أنها واقعية ( نشرت الصحافة المغربية تفاصيلها )، لم يدُر في خلد أيّ منهم أن القدر سيجمعهم كأبطال رئيسيين لها. أحدهم، وكان صاحب المزحة التي عُدت سببَ المأساة، تعرف في حقيقة الحال على كلا الرجلين الآخرين، المتورطين، وكان يتأرجحُ بين الحياة والموت. لكنه قبل ذلك، كان رجلاً سعيداً. هذا لو عدّ السيرُ في متاهة العالم، سعادةً. إلا أن الفقرَ ليسَ دافعاً للشعور بالتعاسة، لو كان الإنسانُ مؤمناً بما قسمه الخالق من الرزق وهوَ في مكانه على العرش، الشبيه ببرج مراقبة. دعونا أولاً نتعرف على البطل الرئيس، الذي سيتخلى لاحقاً عن صفته لرجلين آخرين، وفق خطة من رسم ذلك البرج الموسوم.
" خير الدين "، يعمل منذ بضعة أعوام في متجر لتبديل الأدوات الميكانيكية، وكان مشرفاً بشكل خاص على ماكينة بنزين تزوّد الدراجات النارية بالوقود. مهنته، وفّرت له ولا غرو صداقات عديدة داخل الحومة. المتجر، يقع على الطريق المتفرع عند مدخل باب أغمات والمتصل في نهايته مع مبتدأ درب أوضباشي. منزل أسرته كان قريباً من المتجر، شهدَ ثلاثة عقود من حياته وسلّمه في خلالها إلى شبكة من الدروب والأزقة، الشبيهة بمتاهة العالم. لقد أعتاد بعد انتهاء العمل على استقبال الأصدقاء في المنزل، وكان ذلك عزاءً عن ساعات الضجر السابقة لهجمة النعاس. كونهم من العزاب، دأبوا على تبادل الأحاديث عن صعوبة تأمين مهر الزواج، لكن بعيداً دائماً عن ربط الأمر بشؤون العهد الراهن. من ناحيته، أمل خير الدين دونَ مواربة بموت الأب العجوز كي يتمكن من حمل والدته على بيع المنزل الكبير لأجانب بغيَة تحويله إلى رياض ( نزل سياحي ). ذات ليلة، كرر أمنيته ما دفع أحد الأصدقاء للتعليق في نبرة مسلية: " لعله هوَ مَن سيدفنك، من يدري؟ "
" ولو أنك سبقتنا، إذاً لضحكتُ حتى يتبلل سروالي الداخلي "، رد خير الدين متهكماً. جلستهم في حجرة هذا الأخير بالدور الثاني، كانت حميمة بوجود المعجون ( الحشيش ). علّق عندئذٍ ذلك الصديق، نافخاً دخان سيجارته بتلذذ: " لو حصلَ ما قلتَ، إذاً أريدك أن تعدني أمام الشباب أن تبول على قبري! ". ضجوا جميعاً بالضحك. وبنفس شعور المرح، أقسمَ المضيفُ للشاب الظريف على تحقيق الوعد.
كثيراً من أحاديث الليل، كانت لا تستقر في ذاكرة خير الدين وتمر مسرعةً شأن الدراجات النارية على الدرب، المشرف عليه المتجرُ. إحدى وسائل النقل تلك، الأكثر شعبية في مراكش، كان يقودها الصديقُ الظريف. عقبَ السهرة المذكورة بنحو أسبوع، تهشمت الدراجة مع صاحبها في حادث مروع على طريق باب خميس. سارت الجنازة على الأثر في الدرب الرئيس، ومرت من أمام الكازية الصغيرة في الطريق إلى المقبرة القريبة. المعلم الصارم، كان قد امتنع عن منح خير الدين إجازة ولو لساعة واحدة كي يتمكن من الصلاة على جثمان صديقه في مسجد الحومة.

***
في الأثناء، كان الرجل الثاني المتورط في القصة يجلسُ في تراس المقهى، المقابل للباب الكبير المنفتح من سور المدينة القديمة. كان أيضاً في حدود العقد الثالث من عُمره، لكن اسمه بقيَ مكتوماً من لدُن الصحافة وربما لضرورات أمنية. لم يكن يعمل شيئاً، اللهم إلا أن تكون السرقة عملاً. جيبه كان عامراً دوماً بالأوراق النقدية، بحيث أنه كان يدفع أيضاً البقشيشَ للنادل الفتى. أكثر من مرة، حاول إغراء الفتى بالسير معه إلى المنزل، وفي كل مرة كان يزيدُ من البقشيش أملاً بتليين رأسه. غبَّ فشله في هذا اليوم، الشاهد على مرور الجنازة، نهضَ حانقاً وغادر المقهى. حينَ مر من أمام مخفر أمن المنطقة، بصقَ على الأرض في مزيدٍ من الازدراء. أفراد الشرطة، بلغَ من تدخلهم في حياته الخاصة أنه عمد إلى إخفاء مسروقاته في المقبرة القريبة. لقد جربَ السجنَ مراتٍ، مذ أن كان بسن ذلك الفتى الجميل؛ وهوَ بالتأكيد لا يرغب في تكرار التجربة. لكنه كاد قبل بضعة أيام أن يتعارك مع صاحب المقهى، الذي هدده برجال الأمن بعدما عابه علناً على محاولة إغواء أجيره الصغير.
عقبَ قيلولة طويلة، استفاق الرجلُ ليلاً على صوت دراجة نارية مزعجة. كانت حجرته في الدور الأسفل، بجانب حجرة والدته العجوز، بينما شقيقه الأكبر يقيم في الدور الأعلى مع أسرته. متكاسلاً، بقيَ في الفراش وما لبث أن أشعل سيجارة محشوة بالحشيش. ثقل رأسه، فقام إلى الحمّام ليتبول ويغتسل. بعد ذلك عاد وأخرجَ مجموعة من الأوراق النقدية من مخبأ في الحجرة، مقرراً أن الوقت قد حانَ لضمها إلى كنزه، المدفون في المقبرة. الحق أنه كان يحذر من مكر امرأتي الدار، بقدَر خشيته من رجال الشرطة. كانت ساعة متأخرة من الليل، ولن يتأخر الفجر أيضاً عن طرد العتمة بنور شفقه الورديّ. السحب القليلة، المتناثرة في السماء، أفسحت المجالَ للقمر بالسطوع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. خارجاً على الدرب، هبَّ النسيمُ الربيعيّ، المحمّل بعبق أشجار مسك الليل. إحدى هذه الأشجار، كانت تشرئب برأسها من وراء سور المقبرة: من هذا المكان كان يتسلقُ اللصُ عادةً، وذلك بعدما يطمئن من خلاء الدرب. وهوَ ذا الآنَ قد أضحى على الجانب الآخر من السور، يتبعه نباحُ كلبٍ فضوليّ. أنهى مهمته بسرعة، وما عتمَ أن تهيأ للعودة أدراجه. عبرَ شواهد القبور، المنتصبة مثل الأشباح، مرت نظرته لتحط عند كوخ حارس المقبرة. إنه كذلك، متأهبٌ لمغادرة المكان الموحش، إذا به يُفاجأ بظهور شخصٍ من أعلى السور. همد اللصُ من فوره على الأرض، ثم تحرك إلى وراء بخفة حتى أخفاه جذعُ الشجرة. راقبَ المتطفلَ الآخرَ، في انزلاقه إلى الأرض ومن ثم تسمره ثمة على بعد خطوات من موقفه.
" أيُمكن أن يكون لديه كنزٌ بدَوره؟ "، تساءل في نفسه وبغير قليل من الأمل. تابعَ هكذا تحرك الشبح باتجاهٍ مخالف، ووقوفه من بعد أمام كومة من التراب. " لا شك أنه قبرُ ذلك الميت، الذي مرت جنازته صباحاً خِلَل درب الحومة "، تابع مونولوجه الداخليّ. بعدئذٍ هتفَ في نفسه، في دهشةٍ واستنكار معاً: " اللعنة، إنه يبول على القبر ". ثم دمدم من بين أسنانه: " يا له من شخصٍ كريه، بودي حقاً أن أجعله عبرةً لأمثاله! ". مدفوعاً بشعور عارم من عواطفه الطارئة، اندفع نحوَ ذلك الشخص وبيده حجر كبير. قبل أن يفيق هذا الأخير من وقع المباغتة، كان الحجر قد طرحه أرضاً دون أن يكون في وسعه غير إطلاق صرخة فزع. على ضوء القمر، بادرَ اللصُ إلى إتمام ما في رأسه: أنزل سروال الرجل، وكان يبدو في مثل عمره، ثم قلبه على بطنه.

***
كوخ حارس المقبرة، كان مشبعاً تلك الليلة بنور مصباح الشارع الكهربائي، المضفي عليه شيئاً من الضبابية والغموض. الحارس، وقد علمنا أنه البطل الثالث للقصة، هوَ مَن لبى نداء الصرخة والتي طرقت سمعه بالنظر إلى الساعة المتأخرة، الخالية من الأصوات. كان يحتفظ للطوارئ بمسدس غير مرخص، يتخفف به من هواجس المناوبة الليلية. خرجَ من مكمنه، وكانت السحبُ تسبح عندئذٍ مثل أسماك فضية عبرَ السماء المنارة بضوء القمر. بطبيعة الحال، كان في استطاعته شمل المقبرة بعينه الخبيرة، المعتادة على العتمة. ما شاهده من ثم، كان يكفيه لتبرير فعلته فيما بعد أمام الخالق. لكن ماذا جرى في واقع الأمر؟
بمجرد ملاحظة الحارس للرجل المطروح فوق شخصٍ مهشم الرأس، تسلطت على عقله كلماتُ شيخ المسجد. كان إذاً أمام أحد أبناء " لوط " الملعونين، وفوق ذلك، يلوحُ أنه مغتصبٌ ومجرم. ما جرى بعدئذٍ، كان ينتمي لبيئة الأحلام أكثر منه للمواعظ الدينية. بالتفات المغتصب نحوه، على حين غرة، عاجله برصاصة أصابت بطنه. فانقلب على ظهره رويداً، وكان يتحسس بيده مكانَ الإصابة. ثم مد يده المدمية إلى أمام، قائلاً بنبرة توسل: " كفى أرجوك، وسأهبك كل كنزي لو أسعفتني ". ثم واصل الكلام بصعوبة: " هناك عند القبر الوحيد، الكائن بلصق الشجرة، أخفيتُ الكنزَ.. مالاً كثيراً وذهباً أيضاً ". فكّرَ الحارسُ لحظةً، قبل أن يطلق رصاصة أخرى وهذه المرة باتجاه الصدر.

***
المحقق، انتقل بعد أقل من ساعة إلى مكان الجريمة المزدوجة، وكان برفقته كلبٌ بوليسيّ. وإنه هذا الكلب، مَن راوغ قليلاً في المكان قبل أن يبدأ بنبش القبر الوحيد، الكائن تحت ظلال شجرة مسك الليل، بعدما جذبته رائحةٌ تنتمي لأحد القتيلين. تم التحفظ على الكنز، لكن ذلك عززَ من الثقة بإفادة الحارس. كان هذا قد أفادَ، أنه خرج من الكوخ على صوت إطلاق نار ولما وصل للمكان رأى شخصاً مهشم الرأس بيده مسدس بينما الآخر كان يحتضر. أفترض المحققُ بهذه الحالة، أن الرجلين تنازعا على المال المكنوز ثم اقتتلا حتى الموت.
لم تتغير وجهة التحقيق، إلا على أثر إطلاق سراح الحارس: اتجه الرجل ليلاً إلى ذلك القبر، متوهماً أن الكنزَ ما يفتأ في مكانه. ما لم يخطر لذهنه بطبيعة الحال، أن أفعى اتخذت الفتحة مأوىً طارئاً. أزاح الحجرَ، ثم مد يده داخل الجحر قبل أن يطلق صرخة رعب وألم. أما بقية القصة، فإن المحقق قام بترميمها وبالشكل الذي عرضته الصحافة ومن ثم كاتب هذه السطور.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
- سارة في توراة السفح: الخاتمة


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة