|
نقد الماركسية من منظور طوباوي
عبد الرافع كمال
الحوار المتمدن-العدد: 6506 - 2020 / 3 / 4 - 11:50
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
سوف نعمل هنا علي قراءة الماركسية من بعد خاص . اي البعد الطوباوي الذي درجنا علي تناول المنظورات و الاطر الفلسفية من منظوره . يعد مفهوم " الضبط الانساني " بمثابة الركيزة الاساسية التي شيدت عليها الفلسفة الطوباوية . يعرف الفلاسفة الطوبوية مفهوم " الضبط الانساني " علي اساس انه يشير الي عملية تحوير الانسان و ترويضه حسب منطق ما ينبغي ان يكون . فالانسان كما هو معروف وليد التنشئة و التربية . فأذا لم يخضع لعملية صهر و قولبة و صب في قالب مثالي فسوف لن يهتد اذن ابدا . فعملية خلق الانسان الطوباوي "الكامل النموذجي كما هو معلوم بالضرورة تقتضي اجرائين اثنين . الاول هو تصور نسقي لمنطق الكمال " الطوبي ". اما الاجراء الثاني فيتمثل في عملية القولبة و التنشئة . يقسم الطوباويين الضبط البشري الي شكلين § الضبط المثالي : و نعني به ضبط ذهني لعملية تفكير الانسان حسب منطق الكمال و الذي يكون في شكل انساق فكرية تتطابق مع منطق ما ينبغي ان يكون من نسق فكري . @ الضبط المادي : اي تصور النهج الامثل و الذي يضبط و يسير الركن الثاني" الماديات " بعد الركن الاول " الذهنيات " . و يبحث في الاجابة علي سؤال ما هو افضل اتجاه يجب ان ينتهجه مسار العلاقات المادية . يجئ اهتمامنا بالفكر الماركسي من منطلقين اثنين . @ المنطلق الاول و هو كون الماركسية تقدم لنا رؤية معرفية "ابيستيمية حول الانسان . نستطيع تلخيص نقاط هذه الرؤية المعرفية في الاتي :- § الانسان كائن يتكون من شقين اثنين الشق المادي و مركزه الجسد المادي و ما ينبني عليه من احتياجات مادية . اما الشق الاخر فهو شق الوعي مركزه الروح و حاجياتها " القيم " . § يمثل الشق الاول في الانسان بمثابة الشق المركزي . او القاعدي بينما يمثل الشق الثاني الاخلاقي وهو بمثابة الشق الثانوي و هو يتبع الشق الاول . § يتفق المنظور الماركسي مع المنظور الطوباوي في ان الضبط الانسان يأخذ شكلين ضبط مثالي « فكري - ذهني ». و اخر مادي . § عملية الانحراف . اي انحراف ذهن الانسان عن تصور المثال مرجعها الي خلل في بنية العلاقات المادية فأختلال التوازن بين قوي الانتاج و علاقات الملكية احدث عملية انحراف في مسار الذهن البشري عن تصور و تمثل المثال § حل المشكل الانساني كامن في احداث الضبط المادي . فبمجرد اصلاح اعجواج ميزان الضبط المادي عن طريق " الية الاشتراكية العلمية" فأن الاعوجاج الذي طرأ علي الذهن ستنحل عقدته و يستقيم سيره و يذول المشكل البشري . .. ما سبق ذكره هو تلخيض مختصر للنظرية المعرفية التي قدمتها الماركسية حول كائن الانسان . الا ان ثمة سؤالا يطرح نفسه قد يتبادر الي ذهن القارئ . اين مكمن الخلل و دواعي الانتقاد في المنظور المعرفي الابيستيمي لكائن الانسان . نستطيع وضع يدنا و بسهولة علي مكمن المشكل و الذي من خلال تحديده نجيب علي مجموع من الاسئلة المحيرة و التي في مقدمتها سؤال " لماذا لم يحدث عملية ضبط مثالي في مجتمعات انضبطت ماديا و طبقت نظام الاشتراكية العلمية " الوصفة الدوائية " لمرض الانسان . او بصيغة اخري لماذا لم نشهد ظهور انسانا طوباويا " كاملا " في بلدان طبقت الفكر الماركسي . سيزول العجب حينما نضع ايدينا علي مكمن الخلل في البناء النسقي و المنظور المعرفي الابيستيمي الماركسي يكمن في التمحور حول محور الضبط المادي و تهميش الشق الثاني لدي كائن الانسان و جعله رهينا للضبط المادي . هنا يكون اس الخلل في النظرية المعرفية الماركسية حول كائن الانسان . و هي الاعتقاد بان انضباط الوعي لدي الانسان هو امر يحدث تلقائيا بمجرد ان تنضبط العلاقات المادية . يقول الماركسيون بضرورة اهمال عنصر الوعي و عدم اعطاءه ولو قليل من الاهتمام . كما يسمونه بالبناء الفوقي و يقولون عنه ان انعكاس للعلاقات المادية . و تصنف الوعي السياسي علي اساس انه دخيل و عرضي و ان مفهوم الدولة نفسه ظهوره و بنيته الي حين ذواله لا يفهم بمعزل عن الظروف المادية التي نظمته . و ان كنا نتفق الي حد كبير مع المادية التاريخية و التي تعد احد اهم ركائز الماركسية و ارتقاءها الي مستوي ان تكون المنهج العلمي لقراءة التاريخ البشري و فهم و تفسير اهم المحطات فيه الا اننا كطوباويين نري في الماركسية انها تهمل بشكل ممنهج جانب الوعي بل لا تخوض فيه قط . و تري بأنه ينضبط بأنضباط الماديات . النظرية الطوبوية لا تعارض الماركسية في كون ان الماديات اكثر عمقا في التأثير علي كائن الانسان التقليدي الا ان ذلك لا يكون داعيا لجعله رهينها . فالوعي قد يستقل عن المادة و قد يؤثر فيها . حتي ولو قلنا بأولويتها عليه . لذا فالمنظور الطوباوي تتكامل فيه كل الابعاد الانسانية . ينظم و يتصور منطق وعيي مثالي و منطق امثل لضبط العلاقات المادية حتي تتكامل كل الابعاد الانسانية و يصنع الانسان الكامل . لذا فأننا نعزي جل ما شهده الفكر الماركسي من جمود و انحطاط و دكتاتورية و توحش و انحدار الي جهلها و تجاهلها للشق الوعيي في كائن الانسان و ذلك بسبب تصورها المعرفاني الابيستيمي الخاطئ لكينونة الانسان .
#عبد_الرافع_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين التوراة و القران
-
قصة حزينة
-
الفن بين الواقع و الطوبي
-
اشكاليات الفن في عالم الواقع
-
المثلية من منظور اسلامي
-
عندما يصبح الدين احدي مهددات الاتزان النفسي
-
ثقافة غذائية
-
حقوق المثليين من منظور طوباوي
-
الحلول الطوبوية للمشكل المعرفي
-
الدين و تهديد الصحة النفسية
-
اين ذهب كتاب السيف و النار
-
عبد الرافع كمال و كتابه الجديد
-
الشخصية العربية بين الاصالة و المعاصرة
-
اللباقة في كتالوج كائن الانسان الطوباوي
-
المرأة العربية بين خيارين
-
القيم و كاتلوج كائن الانسان
-
مفاهيم طوباوية
-
اكبر الفوارق بين الانسان الطوباوي و الانسان التقليدي
-
قراءة في مفهوم الطوباوية
-
ازمة البشر بين الفلسفتين المادية و المثالية
المزيد.....
-
فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ
...
-
تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق
...
-
السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا
...
-
الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو
...
-
بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو
...
-
شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك
...
-
دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
-
مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر
...
-
قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
-
مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|