أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - غسل الرأس














المزيد.....

غسل الرأس


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6502 - 2020 / 2 / 29 - 23:42
المحور: الادب والفن
    


عندما كنت صغيرا ، كان الناس عندما يستحمون يقولون غسلنا رؤوسنا. فغسل الرأس يعني أخذ حمام كامل بما في ذلك غسل الجسد كله وبضمنه الرأس طبعا.
وقد أثار اهتمامي وقتها ذلك المصطلح الغريب، فلماذا لايقولون غسلنا اجسادنا؟او غسلنا اجسامنا؟
ولكنني نسيت تلك المفارقة لسببين، الأول ان الناس لم تعد تستخدم ذلك التعبير لوصف الاستحمام او الاغتسال، والثاني انني شغلت بأمور أخرى أكثر تعقيدا من هذه القضية التافهة.
ولكنني تذكرت هذه القصة مرة أخرى عندما قدمت للسكن في أربيل ، ذلك لأن الكرد يسمون الاستحمام ايضا ( سه ر شوشتن) وتعني غسل الرأس حرفيا. ثم انني ربطت هذا الاكتشاف بما كنت اسمعه من أهلي قديما ، ووضعت القصة جانبا مرة أخرى .
اليوم وبعد ان كثر الحديث عن الاغتسال بسبب تفشي فايروس كورونا المستجد، وحين كنت واقفا تحت مرش الماء في حمامي أغسل جسدي كله، تذكرت تلك القصة ، وسألت نفسي ، ترى هل أنا الان أغسل جسمي كله؟ أم إنني أغسل رأسي؟
ولماذا كان أهلنا يطلقون على غسل الجسد عبارة غسل الرأس؟
رغم أنني كنت أرى أفرادا من عائلتي في ذلك الزمان البعيد يغسلون رؤوسهم فقط، ثم يبدون منتعشين فرحين كمن قام بغسل جسده كله، الا ان ذلك ربما كان يحصل بفترات متقاربة ، فهم يغسلون أجسادهم في الحمام أيضا ربما مرة بالأسبوع . ومع هذا فهم يسمون العمليتين غسل الرأس. ربما أجد لأهلي في البصرة العذر في عدم استساغتهم لمفردة الاستحمام، فهي تعني فيما تعني استعمال الحمام الحار ، ولم يكن حمامنا حارا ولا حاميا على أية حال، ولم تكن الحماوة مستساغة في مناخ تغلب عليه صفة الحماوة ، وبهذا يكون الاغتسال طلبا للبرودة لا للحماوة ، فيكون ربط العملية بالحرارة أمرا غير مريح. ومع هذا ، لم يحاول أهلي استبدال مفردة حمام بمفردة أخرى تليق بظروفهم المناخية ، فالحمام بقي حماما رغم أنه كان برّادا غالبا، ولم يكن يُدَفأ الا نادرا اياما معدودات.
على أية حال لم يعد أحدٌ يقول عن الاستحمام او الاغتسال في البصرة غسل الرأس ، بل إنهم استعاضوا عنها بمفردة خاطئة أخرى ، وهي السباحة ، رغم ان الحمام لا يحتوي على حوض سباحة ولا هم يغطسون حين يغتسلون . ولكنهم فضلوا هذه المفردة ربما لأنهم يتمنون ان يحصلوا على الانتعاش في حماماتهم كذلك الانتعاش الذي يحصل لهم حين يعومون في شط العرب .
وقد تكون مفردة غسل الرأس عوضا عن غسل الجسد مرتبطة بالحياء. ذلك لأن الاغتسال بحد ذاته عملية بيتية، والعمليات البيتية مرتبطة بالمرأة، وهي وحدها التي تسمي الأشياء التي تقع ضمن فضاءات بيتها ، فيسمعها الأطفال ، ثم يتبنون تلك المفردات ويظلون عليها حتى الذكوز منهم وحتى عندما يصيروا آباءا، فهم يقولون أنهم يغسلون رؤوسهم عندما يستحمون.
فالمرأة ربما تخجل أن تقول غسلت جسمي ، لأن ذلك قد يثير في عقل السامع صور أجزاء من جسمها ، فثثير في نفسه نوازعا غير محمودة.
وربما استخدم أهلنا مفردة غسل الرأس بدلا عن الاغتسال لارتباط الاغتسال بأمور أخرى ، كاغتسال الجنابة والنجاسة، وهي أمور يصعب التصريح بها في فضاء العائلة المحافظة.
وربما حبذوا استعمال مفردة غسل الرأس عوضا عن غسل الجسد كله ، لشرف الرأس وأهميته . أو ربما لأن غسله هو الجزء الأصعب في عملية الاغتسال كلها وخاصة عند النساء. فهو يتضمن فلّ الظفائر ، وغسل الشعر بالصابون الرقي، ثم بالطين خاوة ، ثم تمشيطه بالمشط الخشبي لاستخراج ما قد يكون قد علق به من قمل وخلافه، وربما تطلب الأمر استخدام الخل وغيره . وهي عمليات لا يوجد مثيل لها عندما يتعلق الأمر بغسل الجسد. اللهم الا ما يكون من مشقة مماثلة في غسل الأقدام وما يتطلبه غسلهما من استخدام حجر بركاني لازالة الجلد الميت ، وما أكثر الجلد الميت في قدمي أمرأة تكد حافية في بيتها من الفجر الى العشاء!



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم جابر
- حكاية من محلة الباشا
- في ساعة فجر
- غضب
- للحكاية أكثر من وجه
- آخر ليلة في حياة كبش
- آباء وأمهات
- عيدية العيد
- عصابة الكف الأسود
- غطاء الرأس .. وظيفته ورمزيته
- الحرب على الأرهاب: الدروس المستفادة من منظور حضري


المزيد.....




- فنانة لبنانية ترقص وتغني على المسرح في أشهر متقدمة من الحمل ...
- “فرحة للعيال كلها في العيد!” أقوى أفلام الكرتون على تردد قنا ...
- موسيقيون جزائريون يشاركون في مهرجان الجاز بالأورال الروسية
- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
- توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد ...
- قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل ...
- أبرزهم أصالة وأنغام والمهندس.. فنانون يستعدون لطرح ألبومات ج ...
- -أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - غسل الرأس