أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - عيدية العيد














المزيد.....

عيدية العيد


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6250 - 2019 / 6 / 4 - 16:01
المحور: الادب والفن
    


لا يمر عليّ عيدٌ الا وتذكرت ذلك العيد الذي لا ينس .فمند ما يقرب من ستين سنة، وفي العيد الذي تلا وفاة جدي مباشرة، زارنا عدد كبير من أقارب وأصدقاء أهلي بشكل لم يسبق له مثيل . ولم أكن أعرف سبب ذلك حينها.
كانت العيديات في تلك الأيام عشرة فلوس في أحسن الأحوال ، وكنت أضعها في جيب الورك لدشداشتي لتبقى تخرخش أياما أخرى قبل أن أفقدها. الا أنني فوجئت في ذلك العيد الذي لم يتكرر أن أمرا غريبا قد حصل للعيديات ، فقد كثرت الى درجة لم يعد بإمكاني الاحتفاظ بها في جيبي ، وتنوعت كذلك بشكل ملفت . فقد أعطاني بعضهم قطعا مستديرة صغيرة لامعة ، وأخرى أكبر منها وأثقل . فضلا عن قطع أخرى أكبر وأعرض وأكثر سمكا. عرفت لاحقا أنها خمسة وعشرون وخمسون ومائة من الفلوس.
تحولت تلك الكمية من النقود الفضية الجميلة بنظري ذلك اليوم الى أسباب لأحاسيس مختلفة ومتناقضة، فبعد أن كانت مدعاة للفرح والابتهاج صباح ذلك اليوم الغريب ، تحولت الى تحدٍ ظهرا. اذ بدأت أفكر بالكيفية التي يجب عليّ الاحتفاظ بها ، وما اذا كان علي أن أوزعها بين جيبيّ الورك خاصتي وجيب الصدر أم أضعها في علبة معدنية ،أم أجد لها وعاءا آخرا .بحثت عن كيس القرقيعان الذي خيط لي قبل مدة ولكنني لم أجده . فاحتفظت بها بشكل مؤقت موزعةً بين جيوبي وطاسة فافون صغيرة.
ثم تحولت أفكاري في مساء ذلك اليوم الذي بدا مقلقا على غير العادة الى مخاوف . فقد ساورتني شكوك في أنني اذا ما غفوت فلن أجد عيدياتي عندما أنهض في صباح اليوم التالي . فمن ذا الذي يضمن عدم أخذها من قبل الأطفال الكثيرين ، أو حتى الكبار الذين غصَّ بهم بيتنا في ذلك العيد العجيب.
وأخيرا راودتني فكرةٌ وجدتها عبقرية في حينها ، فبادرت مسرعاً بتنفيذها. فقد تسللتُ خارج البيت ، ليس بعيدا عن باب بيتنا وفي بقعة هشة من أرض البستان ، بقعة كانت قد حرثت حديثا ، حفرت مسرعاً ومرتبكاً وخائفاً حفرةً بيديّ ، الى أن بدأتُ أحسُّ برطوبة التراب ، ثم أفرغتُ القطع المعدنية اللامعة من جيوبي ومن طاسة الفافون الصغيرة التي امتلأت هي الأخرى . وما أن أطمأنت نفسي الى ذلك المكان الذي لا يعلم به أحد ، حتى بدأتُ أهيلُ على كنزي الترابِ وأضغطه . ثم تسللتُ راجعاً الى البيت فرحاً مطمئناً.
الا أن قلقا آخراً بدأ يساورني في تلك الليلة . فما عساي أن أجيب لو أن أحدا سألني (أين وضعت عيديتك؟)، الا ان أحدا لم يسأل ، فقد كان الجميع مشغولين بأمور أخرى .
بعد انقضاء أيام العيد ، وبعد أن غادرنا ضيوفنا المكروهين والمثيرين للقلق هم وأطفالهم المشاكسون ، ذهبتُ لأستخرج كنزي العزيز.
ولكنني لم أجده، فقد نسيت في أي بقعة دفنتُهُ تلك الليلة من تلك المساحة المحروثة حديثاً والتي تقع بجانب بيتنا.
كلما مرَّ بي عيدٌ ورغم مرور كلِّ تلك السنين ، يستيقظ بداخلي ذلك الطفل الغرُّ ، ليتحسَّر على كنزه الجميل ذاك الذي لم يتكرر.





#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصابة الكف الأسود
- غطاء الرأس .. وظيفته ورمزيته
- الحرب على الأرهاب: الدروس المستفادة من منظور حضري


المزيد.....




- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - عيدية العيد