أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الحاج حسين - رسالة من أمي














المزيد.....

رسالة من أمي


علي الحاج حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 07:26
المحور: كتابات ساخرة
    


بحكم وضعي كمهاجر في بلاد الفرنجة كثيراً ما تصلني رسائل من أمي، لكن قلما أكمل قراءتها. لأنها تكاد تكون نسخاً عن بعضها بعضاً، وكون أمهات المهاجرين يراسلنهم باستمرار وبلا شك معظمهم مثلي يفض المكتوب ولا يكمل قراءته، لذا أدون هنا للقرّاء الأكارم آخر رسالة وصلتني من أمي يقرأون فيها مضمون رسائل أمهاتهم، ولا شك أنها تختلف في إطارها العام عن رسائل أمهات المهاجرين والمهجرين جميعاً، وذلك لتفاوت درجات تعلمهن، أما أحاسيسهن فواحدة. وفيها تقول:


ابني العزيز طلحة…
أرجو الله أن يصلك كتابي هذا وأنت ترفل بجلباب العفة والعفاف والعافية، أما بعد…
أربعون حولاً خلت وأنت بعيد عن الدار يا طلحة… استحلفك بالحليب الذي أرضعتك إياه والتسع شهور التي سبقت أن تقرأ رسالتي هذه قبل أن تلقها في سلة المهملات يا طلحة… أ نسيت أمك أيام تقضي الليل في همك، عَلّمْتُك النطق والكلام، ربيتك غراً وأدبتك على الحشمة ومراعاة أمور دينك ودنياك، ما أن نبتت لك قوادم وخوافي حتى غادرت العش واختفيت يا طلحة..! أعلم أنه لا فائدة من العتاب واللوم، وسوف تفعل ما تشاء وتستهتر كعادتك بكلماتي… سامحك الله وأبعدك عن تعاطي التدخين والمخدرات وأولاد الحرام يا قرة عيني..!
إن جاز حسن سؤالك عن وضعنا وما آل إليه حالنا، إذ نحن جميعاً بألف خير. هنا في القبيلة لا نزال نطبق سياسة شد الأحزمة، ندفع الجزية للهند والسند، نسدد ثمن سور الصين بالتقسيط، حيث تم استيراده ليكون جزءاً من الأسوار المنيعة التي تحيط بأراض القبيلة كي لا يهاجر السكان عن بكرة أبيهم. لئلا تتكرر معضلة قرية مجاورة، حيث هاجر كل سكانها ما عدا المختار وقطيع الدواب، صدر هناك فرمان بمنع منح الدواب جوازات سفر، وهكذا تضاعفت أعداد القطعان واختفت الرجال من القرية يا طلحة… أما الصينيين الذين ضاقت بهم بلادهم بفضل هذا السور العظيم ولم يعد لهم حاجة به باعوه لسعادة الوالي الذي منع سفر الرجال ووأد البنات أملاً بتكاثر السكان كما القمل المعشش برؤوس أطفالنا. أطلق الوالي سراح كل أنواع المساجين وسيعيش كل المواطنين معاً بوئام خلف الأسوار المنيعة.
أما على الصعيد الشخصي أبدأ بسرد قضية شجرة التوت العتيقة في ساحة الدار، فقد أجتث أبوك جذورها من العمق بعد أن جفت الساقية التي كانت ترويها، بدأنا استخدام جذوعها كحطب للتدفئة طيلة هذا الشتاء الذي لم ينقض بعد، نفذ الحطب ولم يمض الشتاء المخيم على كافة أرجاء القبيلة، أما المرحوم أبوك سامحه الله - فقد حلقوا له شاربيه شعرة بشعرة، وأنت تعرف كم هو عنيد ومشاكس، لقد سقط غير عامداً بين حمار الوالي المتناطح مع تيس المختار، فتمزق جسده ووقع شهيداً. ورد خطأ طباعي بسيط في نسخة شهادة الوفاة، سجلوا في خانة سبب الوفاة: انتحار - العمر لك يا طلحة! – الأسباب عدة والموت واحد، أما أختك بتول لا تزال عانس، لكنها أنجبت سبع بنات جميلات بعمر الورد. أما أنا فلم أعد تلك الشابة التي سلبت عقل المرحوم قبل أن تُحلق شارباه، ما أن امتطيت عكازي حتى منعني المختار من غسيل الصحون في خمارة البلد. لقد شاب شعري وتقوس ظهري وعلت التجاعيد والأخاديد خدودي، ضمرت وجنتاي، تشققت شفتاي، ربما صرت عجوزاً هرمة يا بني... أما راعي القن فقد تناقرته ديكة الحي فانكسر منقاره ولم يعد قادراً على التقاط الحب، ولئلا يضمر ويهزل نزعنا ريشه الأرقط بالطريقة التي أزيلت بها شوارب المرحوم يا طلحة… لقد ترملت العشر دجاجات ولم يعد لنا ديك حسن الصوت يبشر اذانا ببزوغ فجر القبيلة المرتقب. أما التيس العنيد فقد كُسرت قرناه، نُتفت شعثاؤه وجُبت خصيتاه لئلا يعتدي على حرمة عنزات الوالي. البقرة الحلوب نضب لبنها وعقرت، فشددنا من جلدها أربعا وأربعين طبلاً تقرع ثلاثين حولاً لا فجر فيها. كفاك هجراً… لك في القبيلة دار خاوية تُساكن السحالي والصراصير أما هرمة عاقر عافها حتى سائس بغل الوالي… متى يأت يوم عودتك للوطن يا طلحة… عد لأرضك… ماذا يخيفك يا بني…! إن نفحات الحرية تعبق خلف أسوارنا المنيعة، كل يقول ما يشاء ويفعل الجميع ما يشاءون، يحق لكل مواطن أن يسخر من طول أذني حمار الوالي أو ذنب بغل المختار الأبتر دون ملاحقة أو اعتقال… تعال لتقاسم أبناء وبنات قبيلتك فرحتهم الكبرى يا بني… ولتعلم أن شرف العضوية في حزب الوالي من حق كل مواطن شاء أم أبى… الذئب في حظيرة المختار ينام في حضن النعجة الرؤوم ليلاً ويرعيان الكلأ نهاراً بلا خصام. الذئاب متخمة والقطيع كاملاً يا بني… غادرت الفئران القبيلة بعد أن فقدت الأمل بالحصول على فتاتٍ تقتات به فتم إطلاق سراح الهررة من الخدمة الإلزامية. لم يعد هناك سرقات ولصوص وعسس، تم حذف عبارة الجنس من شهادات الميلاد في القبيلة المعطاءة، كل الناس سواسية أمام المختار يا طلحة، لقد وحدنا المواسم والأعياد، كلنا يحتفل بيوم ميلاده يا بني… نحتفل جميعاً في اليوم الوطني بمناسبة تشييد سور الصين حول القبيلة وعزلنا العالم عنا يا طلحة… عدْ للوطن، ليتك لم تر النور يا فلذة كبدي..!
أمام كل هذه المغريات في قبيلتنا الأم ليس أمامك إلا أن تحزم أمتعتك وتغادر بلاد الفرنجة عائداً لوطنك. لن أكتب لك أية رسائل بعد اليوم وسينتظر المنتظرون اليوم الذي تقرع به باب سور صين القبيلة بفارغ الصبر.
الحمد لله والشكر للوالي، البقاء للمختار والسعادة لآلهم وصحبهم أجمعين…
عاشت قبيلة الوالي حرّة مسوّرة..!
مع الحب… كل الحب ..
التوقيع: أمك.
_______________________________
* علي الحاج حسين – مغترب لا يقرأ رسائل أمه.



#علي_الحاج_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى أمي
- O, TEMPORA..! O, MORES..!!!
- رسالة ولاء ومحبة للسيد الوالي
- قراءة مقتضبة في لقاءات ربيع باريس السوري المعارض
- ما أفلحت أمة صار سفهاؤها سادة لها
- دمشق عودت حليمة على عادتها القديمة
- من تعريب كردستان إلى تكريد شبعاستان
- الأبقار البعثية المقدسة بين المطرقة والسندان
- لماذا الأكراد خنجرا سامة في خاصرة الأمة العربية...!
- رسالتي إلى الله
- قم يا أيها المدثر، تحت لحاف زوجتي لا تشخر..!
- أضرار الشراكة السورية-الأوربية
- الأنظمة الشمولية تنعش الأصولية لتعتاش بظلها
- مملكة سوريا وابن فضلان
- نداء لحظر حزب البعث دوليا كمنظمة إرهابية
- من الخروج من لبنان إلى السقوط في دمشق
- لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
- السجن السوري الكبير للجميع


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الحاج حسين - رسالة من أمي