أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الحاج حسين - رسالة إلى أمي














المزيد.....

رسالة إلى أمي


علي الحاج حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 09:55
المحور: كتابات ساخرة
    


غالباً ما تصلنا رسائل من أمهاتنا القانعات في أوطاننا المختلفة، ليس فينا من لا يحب أمه، لكن لانشغالنا بما أباح الله وما لم يبحْ ليس لدينا الوقت الكافي للرد على مكاتباتهن، أما الآن وبحكم وجودي في حبس المهجر وليس لدي عمل أقوم به، ولأقتل الأربعين حولاً من حبس الحريات قررت أن أكتب ردوداً باسمكم جميعاً لأمهاتنا في سجون الوطن المنيعة. خلال الأسبوع الفائت قرأت الرسائل التي وصلتني من أمي خلال العقود الأربعة الأخيرة، إنها لا تختلف فيما بينها بشيء وتماثل من حيث المحتوى الرسائل الواردة من أم أي منا، ففيها كل ما هو مشترك في ضمائرنا وأذهاننا ومعاناتنا المهجرية. آمل أن تحجموا عن كتابة الرسائل فهذه تقوم بمقام مراسلاتكم جميعاً وبدل أن تكتبوا الرسائل والتي ليس فيها فائدة أكثر من ضياع الوقت، وغالباً ما تصادر وتفض قبل عبورها أسوار القبيلة، ولا تصل لذوينا، إنني أكتب عنا جميعاً هذه الرسالة:
_____________________

أمي الحبيبة… لست بجاحد تسع أو رضع وحبو، لست بعاق، أنا بائس يائس يجثم على صدري طور سينين، أشيّع جنازة رجولتي وكرامتي كل يوم منذ مهدي، أشهد ميلاد نومي وسلبيتي كل يوم. أنتظر ميلاد غضبك لمرة واحدة، فقأ هؤلاء عينيك الجميلتين، سأغضب لك ولن تحظى نفسي برضائي عنها ما عشت في قني البالي، وإذا المفقوءة سُئلت بأي ذنب بُقرت، سنثأر لعينيك المبعوجتين يا أماه… لا أنا مصدق ما يقولون ولا هم مؤمنون بما أقول، لهم خزيهم ولي عاري… ويحك يا أماه…! لتعلمي أن دخان الوطن أعز علي من نار الغربة، لكن هل يستوي طيش أغرار الشباب بحكمة الكهنة يا أماه… متى اتخذتِ من زناديق الليل حرساً أمناء لعفتك وعفافك…! أنا لست قديس القبيلة المطاع ولا سائس لجحش المختار، قد يخلقني الإله في الحياة القادمة متقمصاً بشيء ما، أو كبقرة في معبد هندوسي. لا جريرة لي سوى عشقك، ولي قلب ينبض بحب الزيتونة العتيقة التي تزهو في ساحة قصر الوالي، لا تزال تجري في عروقي بعض قطرات دمٍ ورثتها عنك يا أماه… جريمتي الوحيدة هو أني بشر لا يوحى إليه، بل أرى الأشياء بالعين المجردة يا أماه… تبرأت من أبٍ قضى منتحباً بين قرون ثور الوالي وناقة أخيه، في يوم ميلادي منحوني شهادة وفاتي مؤرخة ومصدقة. إن حب القبيلة ضمير، لا أزال أنام بعينين مهجريتين قريرتين لا يؤرقني وسواس ولا يعذبني ضمير، قد ينبت لي ضمير ما في عصر ما. غداة غدٍ تعصف الرياح وترميني الأعاصير بوابل شهبٍ من سماء سجيل قد ترفرف بها طيورُ أبابيل. طالما بوسعنا العيش ضمن حظيرة القطيع فلماذا نواجه الذئاب منفردين يا أماه… سأسعد بتبادل الحب مع الحصادين، لكني أحب من يزرع الحقل أكثر… قال والينا مفسرا وما أكثر تفاسيره - أن الفقر فضيلة، والقناعة من معالم الإيمان، كل أبناؤك فضلاء يهتفون مهللين لوالٍ ثريٍ متخم. لم يبق ما يُقلع عن جسدك الهزيل من رتق الثياب سوى جلدك المقدس يا أماه…يتشدقون بالدفاع عن حقوق الكلاب وكل أصناف الحيوان في أحضانك، ونسوا أن يسموني إنساناً، فحسبي حق الحياة يا أماه… صار شجعان القبيلة عاراً عليها، بل هماً رازحاً يزيد قباحة جحش الوالي وبغاله المذنّبة قبحا. ينهش الحسد والغيرة ولاة الأرض من ولاة السماء، زناديق القبيلة عهروا بكل مقدساتها، فكل شيء في قبيلتنا معروض للبيع، ابتداءً بربطات الأحذية ووصولاً لمخدعك الطاهر، يؤجرون حجرك بمن فيه لبغاة الليل، منحوا حق امتياز التنقيب عن البترول في حجرة نومك يا أماه… ابتلي الأخوان فنطح هابيل قابيلاً وتنازع الوالي مع أخيه المختار على ثمن جلدك قبل أن يُسلخ عن عظامك يا أماه… إنهم غرقى يتمسكون بقشة تعوم في اليم الهائج ليؤجلوا مقابلة عزرائيل الملك. لكل شيء في القبيلة ثمنه يا أماه… المقدسات لها ثمن، الوطن له ثمن، وكل المعتقدات تباع بأبخس الأثمان، لو هبط عزرائيل بهيئة إنسان لعُرض عليه الذهب والفضة ليبدل أمر لا مرد له. كل التجار يبيعون بضائعهم إلا أولي الألباب في قبيلتي يا أماه… إنهم يبيعون أنفسهم وينتحرون أو ينحرون. لا أملك ما أبيعه أو أفقده يا أماه - اللهم إلا بقايا شرف وبعض كرامة وفُتات ضمير لا حاجة لأحد بها، تضرني ولا ينتفعون بها.
إن حط طائر السعد على سقف كوخنا الصامد في مرْبع القبيلة بلا مال اطرديه ولا تأمني له لئلا يتنصت ويسهب بالتقرير، وليطر مبتعداً عن ديارنا ولتعشش في سقف بيتي الحديدي غربان البين وفي ركنها الحجري تنين متعدد الرؤوس، لم يعد للمرء قيمة بلا مال، وبالمال فقط تعلو قيمة من لا قيمة له ويصير له قدر. قد يعبر الجمل من سُم الإبرة، لكن متى يتصالح الهر والفأر يا أماه.
أمي الحبيبة، أحن لرباكِ، أتوق للثم ما تدوس عليه قدماك، أطلب من الله رضاكِ، وأن تسامحيني على جفائي لك بغير قصد، ليس بمقدوري حمل أبو الهول على كاهلي ولا شرب الفرات ولا النيل بوسعي، لكني أعدك وعداً حقاً: ما خنت تسع ولا رضع، ما كنت ولن أكون عار عليكِ، لن أشاركهم في حفل عريكِ، إذ لا أقوى على النظر لعورتك ولن أحضر حفل تأبينك… عذراً يا أماه… إني أعلم علم اليقين أن دموع الأمهات تغضب الآلهة، لا زال قلبي مفعم بالإيمان وحب الله، فليغضب على من أبكاكِ الله..! وليشهد على ما أقول الله…!
مهلاً يا أماه مهلاً…! لتقرع الطبول حولاً بعد حول… مهما طال الليل لابد من بزوغ الفجر. لابد وأن يعتلي قاض القضاة المنبر، الساعة آتية لا ريب فيها، إلى أن يحين موعدنا دعيني أتسكع ثملاً في أزقة الدنيا ككلب أجرب يطاردونه في ديار مقدسة، أرتدي كفني، أحمل كتابي بيميني وعلى كتفي خشب صليبي. أما إن عثروا على مساميرٍ تثبط عزيمتي، وأصمت كصرصار الحقل في شتاء قبيلتي الطويل، فلك العزاء بإخوتي نسور تستر بقايا عورتك بخوافيها والمقادم، ثم تنقلب لعنادلٍ تغني حبك الطاهر يا أماه…!
لك الصبر والسلوان وطول البقاء…!


_______________________________
* علي الحاج حسين – مغترب لا يقرأ رسائل أمه.



#علي_الحاج_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- O, TEMPORA..! O, MORES..!!!
- رسالة ولاء ومحبة للسيد الوالي
- قراءة مقتضبة في لقاءات ربيع باريس السوري المعارض
- ما أفلحت أمة صار سفهاؤها سادة لها
- دمشق عودت حليمة على عادتها القديمة
- من تعريب كردستان إلى تكريد شبعاستان
- الأبقار البعثية المقدسة بين المطرقة والسندان
- لماذا الأكراد خنجرا سامة في خاصرة الأمة العربية...!
- رسالتي إلى الله
- قم يا أيها المدثر، تحت لحاف زوجتي لا تشخر..!
- أضرار الشراكة السورية-الأوربية
- الأنظمة الشمولية تنعش الأصولية لتعتاش بظلها
- مملكة سوريا وابن فضلان
- نداء لحظر حزب البعث دوليا كمنظمة إرهابية
- من الخروج من لبنان إلى السقوط في دمشق
- لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
- السجن السوري الكبير للجميع


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الحاج حسين - رسالة إلى أمي