أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - المسؤول الحقيقي عن قتل عبدالخالق السامرائي.















المزيد.....

المسؤول الحقيقي عن قتل عبدالخالق السامرائي.


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6477 - 2020 / 1 / 30 - 18:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لماذا قُتِل عبدالخالق السامرائي*.
لا أراجع مسيرتي في البعث تحت عناوين مثل (كنت بعثيا) اي بمنطق الهجوم والتنكر والندم وعض الأصابع, وإنما أكتبها بمنطق النقد, وهو منهج يلزمني بعرض الحقائق وإستخلاص ما هو حق فيها وما هو خطأ.
في أكثر من مداخلة قلت ما معناه أن صدام لم يختطف البعث فقط وإنما إختطف أيضا الوطن والمواطن وجيرّ الثلاثة بإسمه وإسم عائلته وعشيرته.
جملة كهذه قد تشي شكليا بأن البعث كان أيضا ضحية من بين الضحايا, لكني ومنذ عقود كنت أرى أن البعث كان مشكلة ولم يكن حلا. لقد حصل هذا التطور في موقفي ورأيِ بعد تجربة مكثفة مع البعث. ومن موقعٍ منحني قدرة التفحص والمتابعة, أدركت قبل كثيرين غيري أن نهاية البعث كانت قد حلت بعد إغتيال الشهيد عبدالخالق تماما, ودون أن يعني ذلك أن البعث كان قبل عبدالخالق مشروعا ثوريا ملائما لحل إشكاليات ما بعد الحرب العالمية الأولى وفي أولها علاقة الدول الوطنية الموضوع مع أمتها العربية المفترضة. لقد كانت نظرية البعث منذ البداية نظرية غير علمية وأقرب إلى أن تكون مجموعة من الخطب الإنشائية والأناشيد والأحلام منها إلى الواقع العملي الذي كان مفترضا أن تتصدى له وتغيره من داخله.
كانت نظرية تتلبسها مفاهيم عصر البطولة ودور البطل المنقذ التي أسست عمليا لظهور صدام حسين.
أما الصفة الأكثر (تدميرا) فهي تلك التي تتسبب بها نظريته (الإسقاطية) أي العودة إلى حالة الأمة التي تشكلت على يد النبي محمد وصحابته من بعده (كان محمد كل العرب فليكن كل العرب محمد) وإلى فكرة الأمة الواحدة المشروعة "حاضرا" لأنها كانت قائمة "ماضيا, أي فلسفة (سيكون) لأنه (كان) ودون إعطاء إهتمامات أولية لبناء ما هو كائن وصولا إلى ما سوف يكون.
لقد أدخلت هذه النظرية عددا غير قليل من بلدان المنطقة وبالأخص سوريا والعراق في دوامة التجريد السياسي ووضعها بالضد من الظرف الموضوعي الذي نشأت فيه بعد الحرب الأولى. وبدلا من أن تحاول بمنهجية علمية سياسة تغيير الأوضاع من داخلها فإنها رفضت كاملا الإعتراف بها, وهكذا رأيناها منذ البداية وهي تضع نفسها وجماهيرها في موضع الضد من مفهوم الدولة الوطنية معتبرة إياها كيانات قطرية معادية لنظرية الأمة الواحدة, وقد جرى وضع كل من يعترف بها, ولو نظريا, في خانة الإنحراف وحتى في خانة الخيانة.
إن الصدام الذي حصل مع عبدالكريم قاسم ومجموعة القوى الوطنية المساندة له كان قد تأسس على قواعد هذه اللعبة الإسقاطية التي إستدعت "التاريخ" لكي يحل محل "الحاضر" بدلا من أن تغير الحاضر نفسه لبناء الهدف التاريخي. ولقد رأينا كيف كانت عليه الإنتكاسات البعثية وحجم الدمار الذي اسس له الحزب في سوريا والعراق وعمق التناقض الذي وجد الحزب نفسه فيه حال إستلامه للحكم في هذه البلدان.
عبدالخالق السامرائي كان مشروع (بعث بديل) يتناقض مع كل الأسس النظرية الكارثية لبعث ميشيل عفلق. وفي واقع الحال كان هو في واد والبعث العفلقي الصدامي في واد آخر, لذلك وجد الرجل نفسه في خصومة واضحة مع أغلب القيادين (في القومية بشكل خاص), ليس من واقع نكران الذات التي يؤسس عليها البعض وهم تقديسه, وإنما من واقع التناقض مع الذات البعثية التي أسس لها عفلق نفسه, أي من واقع التناقض مع نظرية الحزب الخطابية الأناشيدية التجريدية الإسقاطية, بما جعله في سباق مع الزمن لأجل صياغة نظرية عمل (بعثية جديدة) من شأنها أن تنقذ البعث من نفسه أولا وصولا إلى تحقيق عملية تحول جذرية تبدأ بالفرد وتمر بالوطن وتنتهي بالأمة.
ولكي ألخص الأمر سأقول أن دولة صدام التي حظيت بدعم ومباركة من عفلق الذي كان قد قال في بداية الثمانينات (صدام هبة السماء للبعث وهبة البعث للعراقيين) هي نقيضة بالتمام من المشروع الوطني العروبي الجماهيري الذي كان يعمل عبدالخالق لبلورته. ولا بد أن ذلك كان جعله نقيضا لعفلق نفسه ولكل الموالين له في قيادة الحزب القومية, وهيأهم أيضا للتعاطف مع جريمة صدام بإزاحته من الحزب والحياة أيضا.
عام 1973 كنت جالسا في ندوة "الكوادر البعثية" المنعقد في قاعة (الغدر) الذي ترأسه صدام وأعلن فيه عن قصة مؤامرة ناظم كزار, ويوم يطلب أحدهم مني أن أرسم صورة لوجه صدام آنذاك فسوف أخط صورة لرجل كان يبكي بعينيه ويبتسم بملئ فمه.
ولأشرح لك عن الوجه الذي كان قد تعارك نصفاه (نصف يبكي ونصف يضحك) سأقول أن دمعة صدام التي ذرفها في قاعة الخلد وهو يعلن إلقاء القبض على عبدالخالق كانت كاذبة بمقدار ما تعنية من حزن على عبدالخالق (الصديق), أما الضحكة ملئ الفم فقد كانت صادقة بمقدار ما تعنية من فرحة القضاء على عبدالخالق (المشروع).
في مطلع السبعينات مازحني صديق لي بقوله (كلاكما ستموتان ميتة الجاحظ). هذا الرجل الذي زارني وقتها في المكتب الثقافي كان من أقارب السامرائي, الأمر الذي جعله على معرفة حقيقية بالرجل منذ طفولته (السامرائي والكتاب هما واحد, وأراهما لا يفترقان أبدا) على عكس الكثير من البعثيين الذين لم يقرأوا كتابا واحدا.
وقصص موت الجاحظ متعددة , واحدة منها تقول أن رفوف مكتبته قد إنقلبت عليه فقتلته. يومها كان منظر آلاف الكتب التي ضمتها مكتبة "الثقافي" التي أشرف على بنائها السامرائي قد أثارت الصديق فتنبأ "ربما" بأن "رفوف" تلك المكتبة ستقع على السامرائي ذات يوم لتقتله.
والحال أن ما ما تنبأ به ذلك الرجل كان قد حصل, لكن ليس بالطريقة الشكلية التي تصورها الصديق, وإنما بالمعنى الذي تصورته أنا, اي أن ثقافة الرجل وأفكاره النيرة ورؤاه ومناهجه التغيرية هي التي جعلته وجها لوجه أمام مشروع دولة صدام التي إختطف من خلالها المجتمع والوطن لصالحه وعائلته وعشيرته.
وعلى عكس من يعتقد ويقرر أن صدام هو الذي إختطف البعث سأقول أن من حاول إختطاف البعث هو السامرائي لأنه كان يقود فعليا حركة تغيير فكرية وسلوكية تنال من المسلمات الخطابية والأناشيدية التجريدية الإسقاطية التي جاء بها عفلق والتي خرج من رحمها صدام حسين.
وأخيرا سأقول أن كثيرا من محبي السامرائي غالبا ما يتحدثون عن عبدالخالق الشخص بدلا من عبدالخالق المشروع. إنهم يحكون قصصا عن زهده وتجرده ونكرانه لذاته بطريقة تصوره راهبا وحتى قديسا, والذي أعتقد به هنا أن حديثا عن هذه الشاكلة, وإن هو إستند على محبة صادقة لشخص السامرائي وعن إعجاب به, إلا أنه يساهم بالنتيجة بتشويه صورة عبدالخالق المفكر العضوي والقائد السياسي الذي يجب أن يكون بعيدا تماما عن فكر وسلوك الراهب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة 15 من (بعضٌ من بعضِ الذي كان)



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة فرانكشتاين في بغداد
- عبدالخالق .. حينما يكون الزهد مثلبة سياسية وليس إمتياز*
- الوطني في مواجهة الإقليمي
- عشرة دنانير*
- بإمكانك أن تكون أمريكيا وعراقيا في ذات اللحظة
- السيادة العراقية المنتهكة وحديث : أمك شافت أمي بالمنز .. ل*
- درس للعراقيين من ثورة السودان
- أيها المسيحيون .. أعيادكم هي أعياد كل العراقيين فلتستمروا به ...
- تريد غزال تأخذ أرنب
- الغضب المتحضر
- الإستحمار الإيراني
- موقف المناطق الغربية من العراق من ثورة تشرين العظيمة ضد النظ ...
- الحراك العراقي .. هل هو ثورة أم حركة إصلاح .. ؟
- عادل عبد المهدي .. هل ما زال هناك وقت لقلبة رابعة
- الذي يحدث في العراق .. ماذا ولماذا
- وجه لعدة وجوه
- النظام الطائفي في العراق .. مفاهيم وإرهاصات
- العلم العراقي ذلك السلاح المعجزة
- بإمكان الديمقراطية العراقية أن تنتظر قليلا
- البحث عن وطن


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - المسؤول الحقيقي عن قتل عبدالخالق السامرائي.