أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا لاغة - الرّعب الميثولوجي















المزيد.....

الرّعب الميثولوجي


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 14:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لنفترض ابتداء أن العقلانية هي حركة قوية نحو التملّك المفهومي للواقع ، للطبيعة كما للمجتمع ؛ فإن هذا التأسيس الكوسمولوجي ( علم الكون) و الأنثروبولوجي ( علم الانسان) يبرز لنا بدقة المجادلات الابستيمية التي سوف تلعب دورا هاما فيما بعد في ولادة اللاعقلانية الجديدة.
كان واضحا أن هذه الولادة يراد استثمارها سياسيا وفق ما نرى من حركات شعبوية تكتسح الفضاء العمومي بضرب خاطف يقترب من الخيال.
كان واضحا أن هذا الصراع المتجدد بين العقل و اللاعقل يتدفق من نهر فياض و خصيب للتأويلية. ولقد كان هيغل قد ألمح إلى عنفوان حركة الجدل التي تولد ضمن حبكة تاريخية على غاية الاتقان." كثيرا ما يحدث في قاموس المصطلحات تحولا أو انقلابا يجعل أن ما يدّعي معقولا إنما يتفق فقط مع الفهم البسيط العادي ، في حين أن ما هو لامعقول يدخل إلى معقول أعلى"(هيغل : الموسوعة ، الفقرة 231).
يرى هيغل إذن أن المعاينة الصحيحة التي تميّز العقلي عما هو ضده لا تتم بما يسميه العيون المدركة للإنسان العادي و إنما بعيون الجدلي أي المتفلسف الذي يباشر فعل التكذيب المجرد بأن ما هو لاعقلي نقيض للعقلي ، إذ هو معقول أعلى.
يبدو أن القراءة أو التفلسف كفعل ذهني عقلاني يمر بلحظة أولى استكشافية انطباعية تمثّل حالة الإنسان العادي ثم تتبعها لحظة لاحقة هي استنطاق لمركبات و مفردات الجدل وفق رؤية تأليفية تؤدي إلى انتاج نص عقلي جديد و إن كان يبدو للإنسان العادي محكوم بآليات اللاعقل. يشرح هيغل هذه الحركة الجدلية كما يلي:"إننا في البداية نتناول فكرة ناقصة، فتؤدي متناقضاتها إلى أن يحل محلها نقيضها، غير أن هذا النقيض تظهر فيه العيوب نفسها، فلا يبقى طريق للخلاص سوى أن ندمج بين محاسن التصورين في تصور ثالث، ومع أن هذا العلاج من شأنه أن يحل المشكلات السابقة ويتقدم بنا خطوة نحو "الحقيقة"، إلا أنه بدوره يتكشف عن متناقضات، فينشأ من جديد موضوع ونقيضه، ثم يرتفع هذا التناقض بينهما في تآلف جديد، وهكذا دواليك، حتى نصل إلى مقولة (الفكرة المطلقة)".
حين ننظر اليوم إلى ما كتبه هيغل و نقرأ صفحات تاريخ العقل تربكنا نظرته . فخلافا للعصور الوسطى التي كانت تنظر للمجنون كحلم مزعج أو كابوسا إنسانيا كونيا ، ها هو فوكو يدفعنا إلى تبين معقولية ظاهرة الجنون . " لقد حاول فوكو نزع الجنون من وضعه الطبيعي المزعوم الذي وضعه فيه الطب النفسي. فكأن تجربة الجنون خلل عضوي مقدر بشكل نهائي و حددت ملامحه بشكل ثابت و مطلق" (خصومات ديكارتية: الجدل بين فوكو و دريدا حول دليل الجنون و الحلم)
كل ما يوجد حسب فوكو هو مجرد تأويلات تنسجم و طبيعة النسق الكلاسيكي العقلاني. الذي يفترض ابتداء أن الحقيقة لا تتأسس إلا بإقصاء الجنون أو ما افترضه ديكارت للتحرر من فرضية الشيطان الماكر تحصينا للذات العاقلة من الجنون.
وبغض النظر عن مدى صواب التباين الدلالي بين العقلي و اللاعقلي من منظور تأويلية هيغل وجدنا أنفسنا مشدودين مرة أخرى إلى ماهية الحقيقة على نحو ما انجذب إلى ذلك هيدغر رغم وعينا بمخاطر الانزلاق المخيف ضمن مبحث يقوم على الخواء الشمولي المجرد. خصوصا إذا أدركنا أن الهدف الذي نتبناه هو تعقب التطور التاريخي الدلالي لمقولة الرعب الميثولوجي. وربما ذلك ما دفعنا للتساؤل أكثر من مرة قبل الإقدام على كتابة هذا المقال، عما إذا كان مفهوم الرعب الميثولوجي يحفر اشتقاقات معاصرة بدل أن يجذبنا إلى دلالات تاريخية بعيدة.
لهذا السبب يجب ألا نفاجئ بالمصير الجوهري للمعقول الذي يظهر و يختفي . يجب الإقرار هنا بالمعنى الذي أشار إليه هيدغر بأن " ما يجب التفكير فيه قد يبقى من اختصاص هذا الفكر ، و لكن والحق يقال ، بطريقة غريبة و إلى حد الآن لم يوجّه الفكر عنايته إلى أن هذا الذي يجب التفكير فيه يتوارى و لا إلى المعنى الذي يجب أن يفهم به هذا التواري" (في ماهية الحقيقة ، ص 191 )
فهل يتأسس المعنى على خلفية إدراكنا لهذا الذي يتوارى باستمرار؟
على الرغم من تسجيل هيدغر بأحقية الكينونة في التمنّع و تردد الوجود في تسليم أسراره ، إلا أننا حسب جورج لوكاتش لا نؤوّل خارج غايات محددة. لأن مسألة تحطيم العقل أو انمائه تنلعب على صعيد النظريات الفلسفية بين الرجعية و التقدم. يقول جورج لوكاتش:" إن لاعقلانية زمننا تسعى إلى البحث عن أسلاف بما أنها تريد أن تعيد تاريخ الفلسفة إلى صراع أزلي بين العقلانية و اللاعقلانية. فهي تجد نفسها مضطرة إلى اكتشاف لا عقلانية في الشرق ، في العصر القديم اليوناني ، في العصور الوسطى" (الفصل2 : ملاحظات تمهيدية لتاريخ اللاعقلانية الحديثة ص73).
طبعا كما أسلفنا الذكر فإن قراءة جورج لوكاتش بوصفها قراءة منتجة تتبع تسلسلا منطقيا في التعامل مع المنجز من تاريخ العقلانية.إن الوعاء المفهومي هنا يستند إلى التفسير المادي للتاريخ.إنها بشكل أو بآخر إعادة كتابة للماركسية المشدودة لمنطق الجدل لتغدو الحداثة مجرد نتاج حتمي للتطور الإمبريالي. و بالتالي فهي دافع محرض لخداع الجماهير. و كما يتضح فإن هذا الخداع يبرز من خلال هذيان الحداثة بأسطورة عصابية بأن فيها خلاص الإنسانية و انعتاقها ، وإذ بها تتحول إلى حضارة دمار انتصر فيها منطق السيطرة الكامن في بنية المعرفة العلمية و التقنية.
هنا ينجلي مكمن الرعب الميثولوجي ، فالعقل وقع فريسة اللاعقل الكامن فيه.عقل مدفوع منذ ولادته بالخوف فأنتج رعبا كونيا تمظهر في النازية كحالة نموذجية لبربرية الإنسان الحديث.
لقد انتهت الحداثة إلى انتاج طغيان خرافي عار عن كل رادع. لقد انحدرت إلى أداة للتزييف الإيديولوجي لأن العقل وجد نفسه منسوخا من الأسطورة التي زعم بكونه بديلا عنها. بطبيعة الحال من غير الممكن هنا أن نرسم لوحة لمراحل تشكل الفكر اللاعقلاني . و لكن يمكننا أن نبين هذا اللاتجانس بين أهداف الحداثة و مآلاتها التي انطوت على ملامح مناقضة و مكرسة لصورة انسان مغترب عن ذاته، انسان بلا قسمات.
إن العقلانية توّجت بانتصار البيروقراطية مع ماكس فيبر و الأداتية مع أدرنو و هوركهايمر و الإنسان ذو البعد الواحد مع هاربرت ماركيز و ميكروفيزياء السلطة مع فوكو و المجتمع الاستهلاكي مع إيريك فايل ...
هذه النقطة مركزية في بحثنا نظرا لولادة الفكر المابعد حداثي من صلب رماد الحداثة ، لأنها ولادة تقوم على منطق التجاوز ، لأنها ولادة محكومة باللاعقلانية التي ستكتسح جل مجالات المعرفة. ولعل عبقرية المدرسة النقدية مع الجيل الأول تختزل في كونها هي من كشف عن موجة اللاعقلانية الجديدة التي بسطت نفوذها على الفكر.
هكذا يجد العقل نفسه منسوخا من الأسطورة ، من اللاعقل ليحيل بذلك إلى عقلانية مريضة و معتّمة.
المراجع:
1 ـ هيغل ، الموسوعة الفلسفية .ص 231
2ـ بيار، ماشري .خصومات ديكارتية : الجدل بين فوكو ودريدا حول دليل الجنون والحلم
3ـ هيدغر. في ماهية الحقيقة ، ص191
4ـ جورج،لوكاتش. تحطيم العقل ، الفصل2 :ملاحظات تمهيدية لتاريخ اللاعقلانية



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروع الوطني في تونس والسيادة الجديدة
- الانتخابات في تونس وسفينة المصالح بين جاذبية المشروع الوطني ...
- ثقافة بدئيّة نحو فهم حركة الشعب و المشروع الوطني
- الخيار الثوري و أزمة المسار الإصلاحي في تونس
- تونس والوجه الآخر للديمقراطية
- ملاحظات تمهيدية : تونس بين رهان التحديث ومأزق الهوية
- عن بعض خصائص الأزمة في مفهوم الدولة الأمة كهوية وطنية
- ملامح أزمة الدولة الأمة في الفكر القومي العربي
- مفهوم الدولة الأمة في الفكر القومي العربي
- مأزق الدولة الأمة ومعالم التمييز بين الهويات
- الفكر القومي بين رهان الدمقرطة و التكيّف الانقلابي القسري
- التخطيط الاستراتيجي العربي: مهمّة تحتجب خلف مصالح الدول
- المرجع الهووي و رنين ملاعق التطبيع
- التفجير الإرهابي بشارع حبيب بورقيبة: رسالة مشفّرة تحتاج إلى ...
- المشروع الوطني لحركة الشعب و نظرية الثورة العربية
- المشروع الوطني لحركة الشعب: جدلية التفاعل بين الديمقراطية و ...
- حركة الشعب : الناصرية في تونس و أسس المشروع الوطني
- دقائق متكاسلة
- كش مات ... حكومة يوسف الشاهد و شهوة المتناقضات في فلك الاتحا ...
- المشهد السابع ، رواية ريح من داعش


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا لاغة - الرّعب الميثولوجي