أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - التدين ومعادلة ستيفن هوكينج















المزيد.....

التدين ومعادلة ستيفن هوكينج


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6448 - 2019 / 12 / 27 - 22:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ستيفن هوكينج أحد أعظم علماء الفيزياء الإنجليز كان يضرب مثلا على وهم التدين كما يعرفه، إذ يقول: " أن الدين هو المعادل لمكتب التأمينات، يعمل المتدين ويقوم بتحويل حسناته للمكتب كي يربحها آخر حياته مجمعة، وفي النهاية عندما يموت لا يجد المكتب ولا صاحبه" والمعنى واضح أن الدين عند هوكينج يعني (عملية نصب)

لكن لو نظرنا للكلمة برؤية أخرى سنجد أنها مجرد حديث للنفس صاغ معادلة قوامها كالتالي:

مجتمع فاضل بأمر غير معلوم = وهم
بينما مجتمع فاضل بأمر معلوم = علم

إشكالية هوكينج هنا ليست في المجتمع الفاضل لأنه هدف متحقق في الحالتين، بل إشكاليته في إثبات الوهم، ولأن وهم هوكينج هو حقيقة عند آخرين - نسبي في المعرفة – ومصادرته دافع عمل الأخلاق فيمكن صياغة معادلة أخرى على نفس النمط..

مجتمع فاضل بأمر شعوري محسوس = علم
مجتمع فاضل بأمر شعوري محسوس = علم أيضا

والتشابه معناه أن المؤمن والملحد يمارسون الأخلاق في جوهرها لتحقيق مجتمع فاضل، لكن اختلفوا في مصدر العلم بها، والدليل إن الإثنين نجحوا في التعايش مع دستور الدولة الحديث – ممثل الأخلاق الرسمي في المجتمع - دون اختلاف منذ 300 عام مع بقاء كلٍ منهم على عقيدته بجدلية الإيمان والنفي التي لا تنتهي..فالمؤمن يقول أن الأخلاق هي من الذات والقانون والمجتمع كأمر إلهي دائم وضامن للبقاء، أما الملحد نفس الشئ لكن ينكر المصدر الخارجي.

إذن يتعين علينا مناقشة ذلك المصدر الخارجي للأخلاق كمبدأ يهيمن على صحة وهم هوكينج، وإلا فذلك الوهم المتخيل سيكون وهما في ذاته منطقيا تبعا لخطأ التوسل بالمجهول.

وهنا السؤال لهوكينج: لو أصيب أحدهم بيشزوفرينيا أو برمجة عكسية كيف سيمارس الأخلاق من ذاته وهو بالأصل ليس شخصا واحدا؟..ألا يصح اعتبار المصدر الخارجي – أيا كان هو – منطقيا ضامن للبقاء؟..لو كانت الإجابة بنعم..ألا تجدر الأولوية الآن لمناقشة هذا المصدر الخارجي وقوانينه بدلا من تشويهه على أيدي الأغبياء؟..لو كانت الإجابة بلا فكيف يطيع الإنسان قانون الدولة وهو ليس من وضعه بل من وضع آخرين؟ يعني هوكينج مثلا لم يشارك في وضع قانون بريطانيا وأكيد له تحفظات كثيرة عليه، فهل هذا معناه أن ذلك القانون (وهم أو شرير) ؟..طب هل يمكن وصف القانون البريطاني هنا كمصدر خارجي لهوكينج أصلا ينطبق عليه نفس الوصف لمصدر المؤمنين؟

سيقول قائل: ولكن الرجل لديه أدلة علمية فيزيائية على ما يدعيه ولا ينطق بكلام مرسل، والجواب: أن القانون الديني للأخلاق لا يصح اعتباره مرسلا أو أنه يخضع للمعايير الفيزيائية لهوكينج، لأنه حالة اتصال مؤكدة بين الإله والمتدين بعلم حضوري يحمل ذلك المتدين على فعل الأخلاق بأمر ثابت لا يتغير تحت أي ظرف، فالحروب مثلا تكون فيها الأخلاق متدنية عند الجميع..هل يصح اعتبار الإنسان وقتها مصدر للأخلاق أم الحاجة تظل موجودة لمصدر خارجي مهيمن على البشرية دائما لكونها معيار وقيمة مطلقة يستند إليها الجميع؟

يوجد مثال أبسط لإثبات سطحية كلمة هوكينج: برنامج الكمبيوتر مثلا هل هو مصدر خارجي بالنسبة للحاسوب؟..وهل يعني أنك لم تشارك ولا تعلم من هو مصمم وصاحب البرنامج أنه غير موجود؟ أعلم أن الإجابة هنا سهلة ومباشرة أن الأخلاق تطورت مع الإنسان في رحلته التطورية وعليه اصطلحوا لما يسمى أخلاق بدائية وأخرى حداثية، لكن السؤال عن الأخلاق نفسها ولو بنسبة 1 في المليون كيف نشأت وبرمجت عقل الإنسان لتصبح قانون؟ فلو قيل أن الأخلاق والقوانين صفة للعقل قلت: أن حيوانات شتى لها قوانينها الخاصة وذكائها المناسب وأخلاقها التي اشتهرت بها، فالسنوريات مثلا هي أكثر أخلاقا من الكلبيات في قتلها لفرائسها قبل أكلها إنما الضباع والكلاب البرية تأكل من جسد الفريسة حية فتزيدها إيلاما، وبالتالي أصبح الضرر الواقع على تلك الفرائس أكبر.

سنعود للسؤال الوجودي الذي شغل فلاسفة القرنين 19 و20 من جديد، ما هي الأخلاق وما مصدرها؟..هذا هو السؤال المهم في نظري مع احترامي لعقيدة هوكينج ولكونه من أعظم عقول البشرية في التاريخ، والرد هنا ليس تجريحا له أو انتقاص من علمه.

وددت أشير لنقطة أخرى أن الإنسان الأول كان الدين والسحر لديه واحد، بالتالي فقانون الدين هو نفسه قانون السحر..الذي يفترض عمله إرضاء للأرواح الشريرة كان جزء رئيسي في سلوكيات الإنسان الأول وأشهر ما تم رصده في ذلك هو التضحية بالبشر خصوصا الأطفال، الآن اختفى هذا الطقس المتوحش مع ارتقاء الإنسان ومع ذلك (لم يختفِ الدين) وهذا يعني أن الإنسان المعاصر نجح في اكتشاف نسخة إنسانية وحضارية للدين قاوم بها أسباب التخلف السابقة ووصل بها أن العلم في جوهره لا يتعارض مع الدين المقصود منه في المقام الأول تهذيب السلوك والوجدان وأديان أخرى اهتمت بالسعادة وسُبل تحقيقها.

ويؤكد ذلك علم الجنس الذي وقف على أن بدايات ترميز ثدي المرأة كعضو جنسي له علاقة بالشهوة كان له علاقة بالدين، فالإنسان قديما كان يربط بين مصادر غذائه وحياته وبين سلطة الآلهة، فالشمس التي تشعره بالحرارة وسط الثلوج والبرد حتى تهبه الحياه ليست كائنا طبيعيا بل إله، والقمر الذي يضئ الطرقات ليلا والنجوم التي شكلت – بظاهرة الباريدوليا – قصة الأبراج ليست أيضا مجرد كائنات بل آلهة..كذلك فالثدي الذي كان يهب الطعام للطفل والحياة للبشرية ليس مجرد عضو بل هو قطعة مقدسة لا ينبغي الاقتراب منها واحترامها، من ذلك خرجت قصة عشتار بملامحها الأنثوية وأثدائها البارزة.

الآن لم يعد هذا التصور موجودا وورثنا فقط بعدا اجتماعيا ونفسيا عن ثدي المرأة بصفته عضوا جنسيا لدى الشريكين وليس مجرد أنبوب غذائي للطفل، الشاهد هنا أن تطور عقل الإنسان يحمله على التخلي من بعض خرافاته ورؤيته الدينية أحيانا ليصبح ذلك عرفا اجتماعيا بشريا..لكن جوهر الدين كان ولا يزال هو لم يتغير، الإله يأمرك أن تفعل الخير وتترك الشر، يأمرك بالعمل والنظافة والإنتاج وتترك الكسل والقذارة والخسارة..لا علاقة لهذا الأمر بوهم هوكينج بالمرة..فمدلول الدين هنا لم يعد شيئا متيافيزيقيا تافها بل أسلوب حياة صنع الحضارات القديمة كلها، وتاريخ الحضارات الأولى في مصر والعراق والصين والهند والشام..وغيرهم تثبت أن الذي أنجزها كانوا متدينين، ومقصدهم في إنجاز تلك الحضارات كان له علاقة بالدين وإرضاء الآلهة.

كذلك كان دم المرأة الشهري في خيال القدماء هو سحر أسود ناتج عن غضب الآلهة، مما كان يحملهم على نبذ المرأة وعدم القرب منها طوال فترة الدم، حتى ورثت كل الأديان هذه الرؤية باعتبار الأنثى نجسة يحرم الاقتراب منها حتى تطهر من عمل الشياطين ، وأشد من نبذ المرأة وقهرها في زمن الحيض هو الدين اليهودي الذي منع ليس فقط ممارسة الجنس ولكن لمس المرأة وبقائها مع أسرتها ، فتظل غريبة منفية على جُرمٍ لم تفعله..الآن زالت فكرة القدماء عن سحر الدم هذا لكن بقي نفس الموقف من المرأة يتعلق بذكورية المجتمع، مما يعني أن رفع حرج المرأة في حيضها الشهري متعلق برفع حرجها كامرأة في مجتمع ذكوري، وقتها سينظر المجتمع للحيض كعملية بيولوجية وفسيولوجية لا علاقة بها بالدين أو غضب الرب ولكن له علاقة بالطب العضوي والنفسي.

هذه النماذج والأمثلة تأكيد على ثبات ونقاء المصدر الخارجي للأديان في نفوس البشرية ، وأن فكرة وجود ذلك المصدر لا تتعارض مع تطور وارتقاء المجتمع، وأن الأخلاق التي يفعلها المتدين ليس بالضرورة أن تصبح دوافعها متفقة مع دوافع ممارسة هوكينج للأخلاق حتى يصير له الحق بوصف التدين على أنه علامة (نصب)



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحدث لشعب الإيجور المسلم في الصين؟
- السادية العراقية والوطنية المزيفة
- خراب الإصلاح في عَمَار الأصولية
- التفاضل العددي في صناعة الآلهة
- معضلة التمييز في نظرية التطور
- الباريدوليا وفلسفة الصورة
- الروح القدس في القرآن
- ترامب وخامنئي..صناعة المستحيل
- حرب اليمن بين الفقه وأدب الحرافيش
- في نظريات الخلق عند المسلمين
- التكفير في أصول التفسير..أزمة الشعراوي
- نسبية المبادئ وإشكاليات الأيدلوجيا
- مظاهرات العراق وأزمة الهوية
- معادلة حزب الله في لبنان
- عشوائية دعاوى الوحدة بين المثقفين
- من صور التلبيس على العوام
- بين عرب الأمس واليوم
- تركيا بين ذكرى الأرمن وتحدي الأكراد
- مشكلة الجذور في الهوية الإسلامية
- رحلة في جدليات الإسلام المبكر


المزيد.....




- شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا
- المرصد الفرنسي للهجرة: الجزائريون أكثر المهاجرين تمسكا بالهو ...
- فرحة العيال رجعت.. تردد قناة طيور الجنة toyour eljanah 2024 ...
- المقاومة الإسلامية للعراق تستهدف ميناء حيفا بأراضي فلسطين ال ...
- بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو ...
- قمة إسلامية في غامبيا وقرار منتظر بشأن غزة
- بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم ...
- استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم ...
- شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - التدين ومعادلة ستيفن هوكينج