أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية اشطيو هاني أبو انعيم















المزيد.....

رواية اشطيو هاني أبو انعيم


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6417 - 2019 / 11 / 23 - 06:08
المحور: الادب والفن
    


"اشطيو"
هاني أبو انعيم
حياة القرية والريف تستهوينا اكثر من حياة المدينة، فرغم أن الشخصيات الشريرة موجودة في المدينة وقي القرية إلا أن الأعمال التي تتناول الريف تبقى أجمل، ويمكن أن يعود هذا إلى ثقافة وعقلية المتلقي الذي يجد في القرية الطبيعية الجميلة، وبساطة الحياة فيها، فأدوات الانتاج محدودة، والفلاحة ـ رغم الجهد الذي تحتاجه ـ تبقى لها علاقة بالأرض/بالمكان وهذا يعطي القارئ ـ في العقل الباطن ـ شيء من فكرة الخير، والارتباط بالمكان، الأرض.
"هاني أبو انعيم" يقدم لنا رواية ريفية، تجري أحداثها في قرية متخيلة "طيريمه" ويسمي قرى أخرى "صويكه، المخاريس، صرندوحه" وكلها تسميات روائية، وهذا اسمهم في ابقاء الرواية ضمن العالم الروائي المتخيل وليس الواقعي/الحقيقي، لكن تفاصيل الحياة الريفة وما فيها من علاقات اجتماعية، نجدها حاضرة في الرواية، ويمكن لمن عاش في القرية أن يجعل تماثل حقيقي بين ما جاء في الرواية وما عاشه في القرية.
وما اسهم في جعل الرواية ريفية، سهولة السرد وبساطته ـ التي تتماثل مع طريقة وطبيعة المجتمع الريفي ـ كما أن الشخصيات محدودة، "شطيو، وشقيقة "سمعان، وزوجته "عشة"، "أبو السعيد" كبير القرية، "فلحة " زوجة اشطيو، أم مصطفى، أم خالد، أم السعيد" وهناك حضور متواضع لرئيس المخفر في المدينة، وهذا يتماثل مع واقع القرية، قليلة العدد، والتي تكون علاقة أهلها محدودة مع المدينة ومحصورة ببعض الاشخاص فقط، واللافت للنظر أن النساء كن أكثر فاعلية من الرجال، فعيشة تقود سمعان، وفلحة بعد أن تزوجت اشطيو تقوم بتطوير عمله، فتبيع الجبنة وتشتري الشعير، وإذا أضفنا إلى هذا طريقة تعاطي المجتمع القروي مع الحدث وكيف يتم تناوله، يمكننا القول أننا أمام عمل روائي ريفي بامتياز.



اشطيو
إذا ما توقفنا عند اسم الرواية نجده لقب شعبي، يلصقه أهل القرية في الشخص، فيكون معروفا للجموع أكثر من الاسم الحقيقي، وحتى أنه يمكن أن لا يعرف الشخص إلا باللقب فقط، هكذا هو واقع القرية في فلسطين، "اشطيو" شخصية بسيطة (على البركة) غير مؤذية للآخرين، وتقدم العون والمساعدة لكن من يطلبها، ويتعامل بطيبة، ويعطي عطاء الكرماء دون أن يهتم/يحسب لما ينفقه من ماديات أو جهد، فهو بسيط، وهذه البساطة نجدها في سرد الرواية، فهو لم يسرد أكثر من أقل من صفحة فيها، جاء في صفحة 11: "لكني مختلف عنهم، هذا ما توقوله عيشة دائما، بلسانها وحنجرتها ويديها أحيانا، وهذا ما يقوله شقيقي سمعان بلسانه الصامت عندما يتعلق الامر بي، وابناء قريتي يؤكدون بدورهم أنني من طينة أخرى، ولست كبقية الخلق.
.وماذا يفيدني لو صرخت وجمعت الناس حولي وقلت بأعلى صوتي انني مثلهم، ... ماذا ساجني من ذلك كله سوى أن اجمعهم واتعرض لسياط عيونهم وهدير قهقهاتهم، ... وقد اتعرض إلى شتاء لزج وكريه من افواههم، مالي وذلك كله لقد انتهيت" ص11، رغم قصر حديث "اشطيو" إلا أنه يشير إلى أنه إنسان عادي، ويريد ويرغب في أن يُعامل على هذا الاساس، لكن للمجتمع سطوته على الفرد، وهو يسحق الفرد ويصهره في بوتقة المجتمع، بحيث يتشكل ضمن الاطار الذي شكله، هذا هوواقع "اشطيو".
وهو شخصية معطاءة، يقدم المساعدة والعون للآخرين، فعندما واجهة "أم مصطفى" افعى في طريقها، قام "اشطيو" بقتلها: "ولكني لن أنسى ذلك اليوم الذي استنجدت فيه لمساعدتي على قتل أفعى قادرة على ابتلاع خروف، ولم يكن قريبا مني سواه، وكنت اعتقد كما قلت عنه، الآن، ولكنه بلمح البصر نكص إلى الخلف وتناول حجرا واحدا وضربها ومزق رأسها به، ولم يثني عليها، وقد جرها ابني مصطفى وطلبت منه أن يذهب بها إلى الحارة يحث يجلس الرجال، الذين بدورهم لم يصدقوا أن اشطيو قتلها بحجر" ص39، نستنتج من هذا السرد، عطاء اشطيو، وعلى أنه مظلوم من المجتمع، الذي ينظر إليه كشخص ساذج/أهبل، ولكن هناك من يعرف فضائله وسويته، منهم "ام مصطفى" التي أرادت بذهاب ابنها وهو يجر الافعى، على اظهار شجاعة وسوية "اشطيو".
تحدثنا "أم خالد" عن امانته عندما وجد (صرة النقود) واعادها إليها: "اشطيو رجل شهم، وجد (الصرة)| التي اضعتها واعادها لي وبها خمسة دنانير، وهيأكبر مبلغ تسلمته في حياتي حتى ذلك الوقت، ولو وجدها غيره لبيقت أتحسر عليها، وقد أنذرت أن أزغرد في عرسه" ص39، اللافت أن الصفات الحميدة جاءت على لسان الآخرين، وليس على لسانه هو، أو لسان الراوي، وهذا يجعل الحديث عن نبله وكرمته وسويته محايدا، فقد جاء على لسان شخصيات الرواية، وهذا ما يمهد أمام الراوي ليتحدث بحرية عن "اشطيو"، فقد اعطته "أم مصطفى وأم خالد" الضوء الأخضر ليكمل الحديث.

ورغم ما فعله "سمعان وزوجته عشة" به إلا أنه يقدم لهما بعض الاغنام:
"ـ أولادي من اين سيأكلون ويعيشون؟
" ـ اعطوه بعشها" ص85و86، فهو يتماثل مع الآية القرآنية "أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
رغم هذه الصفات والاخلاق النبيلة، إلا أنه لاقى معاملة قاسية من "سمعان" وزوجته "عيشة"، فالوحدة التي عُومل بها من قبل شقيقه "سمعان" كانت تؤلمه، لكنه لم يبدي مشاعره بهذا الألم: "ـ لقد حضرت والدتها وشقيقها، سأنام الليلة إلى جانبك وكذلك بعض البنات، فليس في العقد متسع لنا جميعا.
وبماذا سيجيبه،؟ فهو سيعد مثله بقدوم المولود، ,اكثر سعادة بأنه سيجد حوله بشرا آخرين ينامون إلى جانبه، يسمع حركاتهم وهم يتقلبون على جنوبهم، ويسعر على صوت انافسهم بدلا من أن يبقى وحيدا، وهي المرة الأولى التي سينام إلى جانبه أحد منذ وفاة والدته" ص44، المشهد جاء على لسان الراوي العليم، وكأنه أراد أن يُبقي "شطيو" محايدا في إظهار الظلم الواقع عليه، وهذا يحسب للراوي، الذي يريد ان يقدم "اشطيو" بصورة محايدة بعيدة عن تدخلات "اشطيو نفسه.
ولكن "سمعان" لم يأتي لينام في خشة "اشطيو" فقط، بل جاء ليوصل فكرة/رساله، تقول أن البيت لم يعد يتسع لهما، فعدد اسرة "سمعان" أكبر، من هناك يقترح عليه ان يذهب وينام في البد:
ـ ألا ترى معي بأنه بات من الضروري أن تنام إلى جانب أغنامك، فعددها أصبح كبيرا، وقد تتعرض إحداها أو بعضها للخطر، كما أنأ أحد أبناء الحرام قد يلقي لها بطعام سام خلال اليلي"ص44، ورغم قسوة هذا الطلب على "اشطيو" إلا أنه يلبي رغبة شقيقه، وهنا يحدثنا الراوي عن مشاعر "اشطيو" ما يجول في داخله من مشاعر وأفكار: "أين سأنام؟ وإن كان المكان واسعا ورحبا، أي سراج يكفي لإضاءته؟، وهل سأنام على الأرض وأكون لعبة تلهو بها الخراف... وماذا سيكون عليه حالي في ذلك المكان المهجور من كل شيء إلى الأفاعي وزواحف الليل، التي ما خلقت إلا لتؤذي... ولم يغمض لاشطيو جفت في تلك الليلة، وبقى يتقلب على جنبيه وكلما تحرك صدرت أصوات لعودان الحطب وجذوع الاشجار وفروعها التي صنع منها السقف والتي ينام عليها وأن كان بين جسده وبينها فرشته المهترئة ، ولكنها كالسكاكين تضرب حسده ولا تغوص" ص44و45، الموجع بهذا الطلب أنه جاء بعد نشوة الفرح التي شعر بها بعد أن جاء سمعان وبناته لينموا عنده، فبعد أن شعر بالسعادة، مباشرة جاءت الصعقة والطلب المفجع، ليس لراحة جسده فحسب، بل لمشاعره ولنفسته، فالطلب جاء من شقيقه ـ المفترض ان يكون مهتم براحته ومصلحته ـ .
لم يعامل "سمعان وعيشة" "اشطيو" معاملة الأخ ولا حتى الأجير: "...ملابسه تظل على جسده اسابيع عديدة، ولا يخلعها إلا عندما يعطيه سمعان ما يستغني عنه من ملابسه القديمة المهلهلة... يأكل ما تبقى وراء أسرة شقيقه" ص60.
إذن عقدة الرواية تتمحور حول علاقة اشطيو بشقيقه سمعان وزوجته عيشة، فهما وجدا فيه بقرة حلوب، لهذا عملا ـ وخاصة عيشة ـ على إبقاءه دون زواج، بحجج عديدة، وعندما كان يطرح الموضوع كنا يطلبان منه مباشرة وبوضوح عدم الإقدام على الزواج:
"ـ عيشة وسمعان طلبا مني أن لا أقابلك وهددني بالطرد إذا وافقت على الزواج" ص57، بهذه البساطة يخاطب "اشطيو" "أبا السعيد".
عيشة
بساطة ونبل "اشطيو" يقابله خبث ودهاء "عيشة" فهي شخصية جشعة وطماعة، تعمل كل شيء من أجل مصلتها، وتخلط النصح بالإحباط، وتضع العقبات قبل البدء بالعمل، وتثبط الهمة قبل النية، خطب "سمعان واشطيو" عندما فُتح موضوع الزواج: "ـ إذا أراد أن يتزوج فمن يمنعه، هو حر، أنت حر، هذه مصلحتك وأنت حر في مستقبلك، لكن لماذا تتزوج اليوم؟ ومن هو الذي يصب في رأسك هذا الكلام الفارغ؟ ألا تشعر بأنك صغير على التفكير بهذا الأمر؟ هل تعرف أين ستتزوج ومن هي التي ترضى أن تعيش إلى جانبك؟ وأين ، في البد ومع الأغنام؟ من أين ستطعمها وتلبسها؟...الأولى بك أن تفكر بمستقبلك، أن تبني مكانا ولو خشة صغيرة كهذه التي نجلس بها، وأن يكون معك تكاليف الزواج، أم تعتقد أن هناك من يعطيك ابنته دون مقابل... ألا ترى أن أولادي ينتظرونك بلهفة وينادونك عمي، لوكنت قليلة الأصل، لطلبت منهم أن يكفوا عن ذلك ويقولوا لك الراعي" ص61 و62، ما يحسب للسارد أنه قدم شخصية "عيشة" بصورة يتنامى فيها الخبث والدهاء، حتى إذا ما فقدت الحيلة أظهرت وجهها البشع، ومبينة أنيابها وطبيبتها الجشعة: "لو كان رجلا لزوجناه وفرحنا به، ولكن هل يأتي الفرح من أمثاله؟" ص72،
فق وجدت زوج خانع، اتكالي، ينساق وراء مطامع زوجته دون أن راعي حق الأخوة أو حتى مهنة "الراعي" الذي يعمل ويكد دون أن يأخذ فلسا واحدا من تعبه:"... الحليب من صدري لا يكفيه، وهو صغير على الأكل، والأغنام أخذتن تعود علي بنفع ما، وإلا ما عرفت ماذا افعل، واللبن ها قد أصبحت أبيع منه للجارات وإن كان بقروش قليلة، إلا أنها تكفي لشراء ما يلزم بيتي وبناتي، كما أنها تزيد عن القروش التي يتقاضاها سنعان لقاء عمله الشاق، وهناك الجبنة التي ابيع منها بمبلع يسمح لنا بشراء عدة أرطال من الطحين، وروثها الذي أشمئز منه، زاد عن حاجة النسوة اللواتي كن يجمعنه كزبل للطوابين، ... سأبيعه وأقبض ثمنه، لم لا؟ وسأطلب ضعف ما يعرضه أولهم، وتكون النقود تحت زناري، ... أما اشطيو فلا يحتاج لفلس واحد، فهو لا يعرف قيمة النقود" ص63، بهذا التفكير تظهر "عيشة" طبيعتها الشريرة، فلم يجد اشطيو منها أي خير، حتى أنها ضربته وقامت بشتمه عندما حاول (منعها) من سحب الماء من البئر: " أنت تمد يدك يا خنزير، ماذا تريد مني؟ أم أنك تريد اسقاطي في البئر" ص70، فهي لم تكتفي بشتمه وضربه، بل افترت عليه بمحاولة إسقاطها في البئر.
بهذه الازدواجية تتعامل عيشة مع الحياة، مع الآخرين، فعندما يقرر "أبو السعيد" تزويج "اشطيو" ويأتي مع وجهاء القرية ليأخذوا الأغنام، تقوم "عيشة" بهذا الأمر: "طلبت من أبنائها أن يسلموا على عمهم ويقبلوا يده، وبعد أن فعلوا أخذوا يبكون ويقولون
ـ خذوا الأغنام ولا تأخذوا اشطيو"ص88، حيلة قذرة تحاول من خلالها "عيشة" أن تبقي على استمرار استغلالها لشطيو، ولكن بعد ان يصبح الأمر حقيقة واقعية، وتمسى بلا حليب ولا لبن ولا اجبان ولا روث، تكشف حقيقتها من جديد، لكن فقط أمام وزجها "سمعان" الذي يشاركها الجريمة، لكنه بصفته تابع لها، منفذ، ليس أكثر: "ـ لقد ادعى أبو السعيد أن اشطيو شقيقك، وبدورنا نستطيع أن نؤكد أنه ليس شقيقك ولم يكن لك في يوم من الأيام شقيق بهذا الاسم، إذ أن امك أنجبت أربعة أولاد حمدان وسمعان وعدنان وعثمان، وأسماؤهم مسجلة عند المختار، وفي الصحة مات ثلاثة منهم ولم يبقى إلا أنت سمعان، لا يوجد بين اخوانك أحد اسمه اشطيو ونحن نستطيع أن نثبت صحة أقوالنا... كم شخص من أهل طريمية يعرفون اشطيو اسمه عثمان؟...أخوك عثمان مات، منذ زمن طويل وأنت وارثه الوحيد، أما اشطيو فقد كان يعمل عندنا ونعطيه الأجرة أولا بأول"ص 95و96،.

سمعان
شخصية مهزوزة، اتكالية تعتمد على اشطيو في تأمين احتياجات اسرته، حتى أنه أخذ يتكل كليا على شقيقه: " لم يعد الأجر الذي يتقاضاه سمعان لقاء عمله بالمحجر كافيا للإنفاق على زوجته وابنائه، وكانت عيشة تصر على أنه لا يكفيه وحده لشرب الشاري وتدخين السجائر" ص59، ويطيع زوجته بكل أعمال الشر التي تخطط لها وتقدم عليها، دون أن يعارض، وإن عارض تكون معارضته مؤقتة ومحدودة، وسرعان ما يجاريها في عملها، فبعد أن وجدناه يسهم في إخراج شقيقه من البيت، ويجعله يعيش في البد، الذي لا يصلح حتى للأغنام، يطيعها في مخططتها ليثبت أن اشطيو ليس شقيقه، ويذهب إلى مخفر الشرة في المدينة ليشتكي على أبو السعيد ومن جاؤوا معه، فنجده هناك شخص غير قادر على الاستمرار في (المخاطرة) ويتراجع أمام رئيس المخفر، الذي اراد ان يدون الشكوى.
وكما تنامت شخصية "عيشة" في سلبيتها، تنامت شخصية "سمعان" فوصل في نهاية الرواية إلى الحضيض:" ...مرة يشكو من رأسه وأخرى يدعي غير قادر على المشي، ولكنه يا خلق الله لا يطفئ سيجارته، يشتري الدخان الملفوف بدا أن يزع له بعض بيوت الدخان في الحاكورة، وعندما يقبض أجرة اليوم الذي يعمله، يبقى في البيت يشرب به شاي" ص154، وهذا ما يجعلنا نقول أن الراوي أحسن تقديم نهاية الأشرار، فقد اكشفت عوراتهم وبنانوا على حقيقتهم ، وأخذ الشر يأكل أصحابه، خاصة بعد أن دب الخلاف بين سمعان وعيشة وتقاتلا بالأيدي حتى أن سمعان حاول خنق عيشة، وبعد تدخل "الحاجة هوشة" ترضى "عيشة" أن تكون مع زوج اتكالي، لا يعمل فقد باتت تهديداتها بالعودة إلى أخوتها غير مجدية، لأنهم لن يرحبوا بها، وكان نهايتها أن ترضى بأن تكون زوجة خانعة لزوجها بعد أن منعت تماما من مخاطبته بلغة التابع الذيل لها:
" ـ لا أدري يا حاجة، قلت لو لم تكن نذ1لا لما خربوا بيتك
ـ ...
ـ لا أدري، كنت اعتقد أني قلتها له من قبل" ص154.

هفوات السرد

لاشك أن الراوي احسن تقديم روايته، فسلاستها تجعل المتلقي يتناولها بجلسة واحدة، وأحيانا، وكان يقدم أحدث (مفاجئة) ودون مقدمات، مثل اقدام "اشطيو على بيع نعجة في سوق المدينة، والذي يُكشف لاحقا، بأنه جاء بعد حديث "عيشة" له عن الضيق الذي يمر به سمعان وعدم قدرته على تأمين متطلبات الأسرة، وهناك المرض الذي تعرض له "اشطيو" والألم الذي مزق معدته، ثم ينكشف لنا أنه نتيجة الدواء الذي تشتريه زوجته "فلحة" ليكون قادرا على القيام بواجبه كرجل وإخصابها، اعتقد أن هذا التأخير يسهم جمالية الرواية، ويشد القارئ إلى السرد. كما أن بناء الشخصيات ـ خاصة السلبية "سمعان وعيشة" قدمت بطريقة مقنعة، وجاءت نهايتهما "يشفي قلوب" المتلقين.
لكن هناك هفوات وقع بها السارد عندما تحدث عن حمل "فلحة" فكان ردة فعل "اشطيو" غير منسجمة مع الشكل الطيب والهادئ الذي قُدوم به، فبدا لنا كأي ذكر في المجتمع الذكوري، خاصة في معاملته للمرأة:
"وسألها بجفاء عما كانت ستخسر لو انتظرته عند البئر وساعدته برفع الماه بدل أن ترتمي في الفراش ككيس من العلف.
... ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل استفسر عن (لقمة السم) التي سيأكلها غير آبه لأنينها" ص160، واللافت أن هذه الطريقة من السرد لا تختلف مع التقديم السابق لشخصية "اشطيو" فحسب:
"...إلا أنه استقبل خبر حملها بشيء من الفتور وهو الذي كان يفرح كلما لاحظ نعجة تحمل مباشرة" ص158، بل تختلف مع الطريقة الذي قدمها السارد في الصفحة اللاحقة مباشرة:
"ـ أنا حامل يا شطيو،
ـ حامل .. حامل شو يعني؟" ص161، اعتقد أن هذا (الخلل) في بنية شخصية "اشطيو" يعود إلى تراجع الحديث عن الشخصيات الشريرة "عيشة وسمعان" وتراجع دورهما في اعمال الشر، وهذا ما جعل السارد يخلق (حدث) غير منسجم يتعامل ويتحدث بصورة غير منسجمة مع الطبيعة/الشكل الذي قدمت به.
الرواية من منشورات دار غسان للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1990.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوازن عند محمد العياف العموش
- ديوان سلامي لك مطرا آمال عواد رضوان
- سعادة أبو عراق قصيدة هو السيل
- قصيدة هو السيل سعادة أبو عراق
- ديوان أبجديات أولى خليل إبراهيم حسونة
- يسوع في التاريخ جبرائيل فرح
- مناقشة قصة (العبد سعيد) للروائي والقاص الفلسطيني (محمود شاهي ...
- البياض المطلق في قصيدة يوم المولد النبوي غازي المهر
- ديوان هو ما يمر بخاطري خليل إبراهيم حسونة
- الومضة عند اسماعيل حاج محمد
- أيوب التوراتي وفاوست جوته محمود شاهين
- الأنا في ديوان ذاك هو أنا سعادة أبو عراق
- ديوان اشتعال القرنفل في حضرة الياسمين سلطان قدورة
- اللقاء بين مفلح أسعد وكميل أبو حنيش
- الومضة عند عبود الجابري
- اربع مسرحيات
- مناقشة رواية تايه للروائي صافي صافي في دار الفاروق
- مسرحية جفرا
- فلسطين والمسرح
- قصيدة المرأة إسماعيل حاج محمد


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - رواية اشطيو هاني أبو انعيم