أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة رواية تايه للروائي صافي صافي في دار الفاروق















المزيد.....


مناقشة رواية تايه للروائي صافي صافي في دار الفاروق


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6393 - 2019 / 10 / 29 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق للثقافة والنشر وبحضور الروائي صافي صافي تم مناقشة روايته الجديدة (تايه)، وقد افتتح الجلسة الروائي محمد عبد الله البيتاوي، مرحباً بالروائي صافي صافي، قائلاً: هذه الجلسة الثانية التي يتم فها مناقشة عمل روائي لصافي صافي، فبعد رواية الباطن، ها نحن نناقش رواية (تايه)، وفي هذا العمل الذي يعتبر لاحقاً موازياً للباطن، فهذه الرواية تنطلق كفكرة تحمل كثير من الرموز العميقة، إذ يبدأ ذلك من العنوان (تايه) الذي يحمل مدلولاً رمزياً، فهو يدل ويقدم ما في الرواية من أحداث.
إن هناك تفاوتاً بين من يكتب عن القرية ومن يكتب عن المدينة، فالقرية محدودة، بينما المدينة متسعة، ويمكن أن يتجول فيها السارد كيفما شاء، بحيث لا يأخذ عليه ما يكتبه، بينما في القرية، والقرية الفلسطينية بالذات يكون محاصراً من القرّاء، الذين يمكن أن نجد منهم من يأخذ أحداث الرواية بمنظور شخصي، وهنا قد يقع الكاتب في مشكلة، لكن صافي صافي استطاع أن يحرر شخصيات الرواية من هذا الأمر، رغم أنه قدّم كل التفاصيل المتعلقة بالمكان، وهذا يحسب للرواية.
ثم فتح باب النقاش وتحدث الشاعر "فراس حاج محمد" قائلاً: الرواية بناء شكلي/ظني، الفصل الثالث هو الأطول، والفصل مكون من مشاهد منفصلة، بحيث يتيح للقارئ أن يجمع أو يجزئ القراءة، وهذا الأمر نجده في بعض الأجزاء الأخيرة من الرواية التي جاء فيها قريباً من المقال أو تفاصيل السرد الإخباري أكثر من نص روائي، كما أن بعض المشاهد ربطت بمشهد قصير.
تحقيقاً لمقولات علم الاجتماع، وما قاله حليم بركات عن القرية، نجده مجسداً في (تايه)، السارد أضاء أخبار القرية الفلسطينية، تاريخياً، جغرافياً، اجتماعياً، من خلال لغة تراثية شعبية، وهذا يدل على أن الكاتب ابن القرية، فقد أدخلنا إلى أدق التفاصيل في القرية، وقدّم لنا كماً هائلاً من الثقافة التراثية الشعبية الفلسطينية.
ثم تحدث الكاتب والصحفي همام الطوباسي قائلاً: السرد سريع في الرواية، حتى أنها تبدو تكملة لرواية أخرى، وهي تخلو من قصص أو أحداث الحب، وهذا يقلل من عدد القرّاء لها، لكن الأحداث واللغة التي استخدمها السارد كانت سلسة وسهلة.
ثم تحدث الشاعر عمار خليل قائلاً: عندما قرأت سابقاً رواية (الباطن) للكاتب صافي صافي عنونت ملاحظاتي وقت إذن بـ (صراع النفس في لوحة الجسد)، وذلك لما اختزلته من رمزية عالية واضحة، وسردية مركبة عميقة الدلالة، أما هنا في رواية (تايه) قد نظن أن الكاتب استدار مئة وثمانين درجة باتجاه التبسيط الكامل والسردية الشعبوية، وإخفاء الرمزية، وإظهار الواقع كما هو ببساطة وعفوية. وقد يكون جزءً كبيراً من ذلك صحيحاً، ولكن الرمزية هنا جاءت غير مباشرة، ذكية خلاقة، مبتكرة سهلة ممتنعة. على الرغم أن هذه الرواية خلت من الفنّيات الروائية، واعتمدت على أربعة ركائز لإيصال الصورة التي أرداها الروائي من هذه الرواية : الأولى: طريق السرد العفوية، الثانية: ذكر الأماكن بتفاصيلها، الثالثة: العادات والتقاليد والمعيشة الحياتية، الرابعة: الأهازيج التراثية. الرمزية المختبئة هنا الرواية جاءت في خمسة فصول، في الفصل الأول والخامس، كان المشهد واحد متمماً للحالة المأساوية لبطل الرواية، ذلك البطل الذي كانت صفاته مغايرة لما عهدناه في كثير من الروايات. (تايه) بكل ما يحمل اسمه من دلالة ورمزية، هو إنسان بسيط، رجل بعقل طفل، قريب من البدائية والتخلف العقلي، وملاصق للإنسانية والأخلاق، شفاف النفس صادق المشاعر، وكأن الكاتب يختزل الشعب والقضية كلها في هذا الشخص، فعندما نقرأ التاريخ وعلى وجه الخصوص تاريخ قضيتنا، نجد أنفسنا تائهين بين الشرق والغرب وبين القريب والبعيد، هنا في رأيي عبقرية العنوان وتحويره ومغزاه. ولعل البطل الظل في الرواية كان صلاح، ذلك الذي لا يحمل من اسمه نصيب، تلك الشخصية المشاغبة المتسلطة، كأن الكاتب أيضاً، يضع بين أيدينا تلك التناقضات التي عاشها الشعب الفلسطيني، والتي كان لها دوراً في إيصاله للحالة المتشرذمة التي يعيشها إلى هذا الوقت. ثم إلى شخصية "مجدي" ذلك المجهول الذي يراد منه كل شيء، هو صادق لكنه عاجز، فهو يحمل ما لا طاقة له به، فهل هذه الرمزية للذين آمنوا بوطنهم ودافعوا عنه رغم عجزهم وقلة حيلتهم. المرأة القوية: لقد أعطى الكاتب للمرأة دوراً هاماً وواضحاً انطلاقاً من أم تايه إلى سعيدة إلى صبايا يقطفن زيتونة أم تايه، وقد راودت كبيرتهن تايه عن نفسه. الشخوص (بين الثبات والتطوير) في مجمل الرواية، كانت الشخوص ثابتة الحركة والوجود، أداؤها محدود، وجودها مفاجئ وبعض الأحيان يكون دخيلاً، حتى بطل الرواية لم تتطور حالته، كما كان في أول صفحة كان في آخر صفحة، لكنه كان في حالة صوفية مع خالقه في لحظات ما قبل الموت. اللغة بين السهولة والحكاية أجزم أن الكاتب يعي ما يقول بكل جدارة ومهارة، ففي رواية الباطن مثلاً كانت اللغة مليئة بالصور الفنية قريبة من عوالم الطبيعة والخيال، وهذا يدل على تمكن الكاتب من اللغة، ولكن نجده في هذه الرواية يميل إلى تبسيط البسيط، إلى اللغة الشعبوية الحكائية، إلى حالة من الهزيمة والضياع لا تحتاج إلى أكثر من هذه اللغة، وهنا في اعتقادي خدمة اللغة مضمون هذه الرواية، كأن الكاتب يريد من القارئ فقط أن يكون في حالة من التركيز على الحالة الهشّة التي عاشتها أجيال النكبة والنكسة. المكان حين تتشابه الهزيمة يتشابه المصير والمكان تعمَّد الكاتب وانحاز لمكانه، وهذا يدل على الانتماء للذاكرة قبل المكان، الروائي ابن بيئته كالشاعر تماماً، كالشهيد، كالطريد، كاليتيم، كالمشرد، كصاحب الذاكرة الحية المصبوغة بلون الوجع والحسرة، قُرانا الفلسطينية تتماثل تتكرر بشخوصها.. بحاراتها.. بعاداتها بحزنها.. بفرحها، يستطيع القارئ أن يغير إن شاء الأسماء ليجد نفسه في قريته وبلده. الزمان والهزيمة: زمن الرواية واضح، إنها نهاية حرب السبعة والستين، هذه الحرب الكاذبة، حرب بلا قتال، حرب كان السلاح العربي بها هزيلاً بلا إرادة ولا مشيئة، الزمن هنا متوقف، فالهزيمة تجعل الوقت كسيحاً، والزمن هنا معجون بالخداع والخطابات الكبيرة والوهمية، لذلك يبقى القارئ في وعي وبلا وعي مسكون بذلك الزمن السوداوي، ليعيش به دون تشتت وبعد عن بؤرة الرواية والحدث. الإيمان بين شخصين إشارات من الكاتب تأخذنا إلى فلسفة وجدال ديني إنساني، حيث نجد الحاج حسن يطلق النار على السماء، يتكلم بلغة قريبة من الكفر وهو ذلك الرجل الذي يجب أن يتمتع باليقين والإيمان لكونه رجل دين يعرف الله جيداً، وفي الصورة العكسية نجد ما قاله تايه لله وهو في حالة الموت، يتلخص في الإيمان المطلق واليقين الكامل: عدت كما ولدتني أمي كما سلمتني استلمتني فأنت الغفور، وإليك أنيب ربي: أعطني القوة، وسأفعل ما تشاء. فهل هذه مقارنة بين من يحملون الدين مظهراً وبين من يحملونه جوهراً.. لكن التعميم دائماً يفقد الرأي صوابه.. نهايةً أقول لـ تايه: يهود عرب تقاتلوا. وانتصر اليهود! واليوم عرب عرب تقاتلوا وأيضاً انتصر اليهود!.. على هامش الملاحظة: في ص101مات الحاج حسن حرقاً.. وفي ص107عاد الحاج حسن للحياة. هناك في بعض الأحيان إسراف في الوصف، وحشو يمكن الاستغناء عنه.
أما المسرحي سمير عودة فقال: يبدو أن الكاتب شاهد دخول قوات الاحتلال إلى بقية فلسطين عام67، فالدقة التي قدم فيها تفاصيل الأحداث تشير إلى أنه متأثر بهذا الدخول، وإلا ما قدمه بهذا الشكل ـ لا أقول الدقيق، بل المقنع والمؤثرـ قدمت أحداث الرواية بطريقة بسيطة وسهلة، وبلغة شعبية قريبة من القارئ، فالأدوات والألفاظ التراثية تجعل الرواية رواية القرية الفلسطينية، هناك بعض المشاهد جاءت طويلة، كان يمكن اختزالها، بالنسبة للحب أرى أن السارد عاشق للوطن والتراث.
ثم تحدث رائد الحواري قائلاً: ما يميز هذه الرواية طريقة السرد التي استخدمها الراوي، فهو ينتهج نهجا شعبياً/تراثياً، بعيداً عما ألفناه من فن السرد في الروايات الحديثة، الرواية مكونة من خمسة أجزاء/فصول، وفي كل جزء يستخدم الراوي عين أسلوب السرد، ففي الجزء الأول يتحدث عن (تايه):
تايه يعود إلى بيته، إلى مغارته، المغارة مقابلة للشارع الواصل بين "بيت أللو" و"دير عمار"
تايه لا يحمل نفسه بسهولة، فهو مثقل بهذا الجسد.
توقفنا عند هذا الشكل من السرد، يبدو خارج نطاق السرد الروائي الذي نعرفه، فالسارد يستخدم في بداية كل فقرة (تايه) وكأن المتلقي لا يعرف أن الحديث يدور/متعلق به.
كان يمكننا أن نقول أن الراوي لا يعرف أصول السرد الروائي، لكن من يعرف "صافي صافي" ورواياته "اليسيرة، شهاب" كاف ليعرف ان هذه الرواية هي استكمال للرواية الشعبية/التراثية، فهذه الرواية (تتضمن أحداث ومواضيع ومكان وزمان حقيقي) لكن طريقة تقديمها/سردها للأحداث هو المغاير لما سبقها من روايات،، وإذا ما قارناها بروايتي "اليسيرة، شهاب" فالأحداث هنا متعلقة بمجملها بشخص "تايه" على النقيض من "اليسيرة أو شهاب" التي يأخذنا فيها إلى عوالم حكائية وتراثية متباعدة، لكن الملفت في "تايه" أن السارد اعتمد على الطريقة الشعبية في سرد احداث الرواية أو للتكلم عن "تايه"، فبدا وكأن من يقص الحكاية هو رجل عادي/شيخ تعود على هذه الطريقة من تقديم الحكايات/القصص، فجمهوره هم من أهل بيته أو من أصدقائه، يعرفوهم ويعرفونه، فلا داعي لابتكار أسلوب حديث/عصري في السرد، هذا ما نفهمه من طريقة السرد التي انتهجها الراوي.
والتراث الشعبي نجده هنا في كيفية صناعة الطابون: "التربة صفراء، لا يتسلل منها الماء... وتنقعه في الماء حتى يتفتت، تزيل الشوائب، ثم تعجنه ببعض التبن، وتبدأ بصنع مدماك منه في اليوم الأول... ثم تضيف إليه مدماكا آخر بسمك أقل وبانحناء قليل إلى الداخل... ثم يترك اسبوعين ليجف تماما" ص42، ويتقدم السارد أكثر من الشعبية من خلال ورود بعض الامثال الشعبية الفلسطينية: "اللي بطعميني لمنقار، بروح على النار" ص45، ويأخذنا إلى ألعاب الأطفال في الريف من خلال "الشعبة/النقيفة": "صلاح يمسك بشعبته التي يصطاد بها العصافير" ص53، إذن الرواية شعبية بطريقة واسلوب سردها والأدوات/الأشياء التي استخدمها أبطال الرواية.
ولكي يؤكد السارد أنه يستطيع أن يتجاوز "شعبية وبساطة" السرد وهذه (العادية) في تقديم الأحداث، يذكرنا برواية "الكوربة" وبأحداثها وبطريق سردها: "ورجعت إلى الشارع الرئيس، إلى الكوربة التي انقلبت الدبابة ومدفعها هناك وبسببها. انقلب المدفع وجر معه الدبابة، ليستقر أسفل الحبلة، استشهد بعض طاقهما واقيمت لهم جنازة عسكرية وشعبية عظيمة" ص104، هذا عين المشهد وطريقة السرد التي استخدمت في رواية "الكوربة" والملفت أن "صافي صافي" يذكر عين المكان في الروايتين: "دير عمار/ بيت نبالا".
تستوقفنا بداية الرواية وخاتمتها، فالجزء الأول والخامس كانا الاقصر في الرواية، وهما يتحدثان عن عودة (تايه) في الأول وجدناها عودة عادية/طبيعية وسلسة، لكن في الجزء الخامس وجدناها عودة أخرى: "تايه لا يدري بما جرى حوله... تايه لا يدري بما يجري حوله... فالسارد من خلال البداية والنهاية يقدم فكرة الرواية ودور الاحتلال في احداث الخلل في عودة "تايه"
ويقدم السارد المرأة الفلسطينية بصورة جريئة، يحدثنا عن اللقاء الذي تم بين "سيعدة" والثائر "مجدي"
ـ ماذا تريدين مني يا سيعدة؟ أنت متزوجة، و وأنا متزوج.
ـ أريد أن أحبك، وأخشى أن تحبك صبيا البلدان التي ندور عليها.
ـ زوجك له أكثر من زوجة، له في كل بلد محطة، فلم تغارين علي أنا وليس عليه؟
ـ لأنه كذلك.
وإذا أخذنا دور أم "تايه" في الرواية يمكنا أن نتقول أن السارد ينصف المرأة ويقدمها بصورة موازية للرجل أن لم تتفوق عليه.
هناك بعض الفقرات لم تصاغ بطريقة مفهومة مثل: "يرميهما بكل ما أوتي من قوة ويركض نحوهما، وهما يصرخان أن لا" ص55، فالحديث هنا يدور عن الكلبان المتسافدين، فكيف لهما أن يتحدثا "أن لا"؟
أما الأستاذ سامي مروح فقال: اعتمد الكاتب على ثلاثة عوامل في بناء الرواية، أولاً الحدث وهو احتلال عام 48 الذي أدى إلى اللجوء والنزوح من الوطن. ثانياً: الاعتماد على الجغرافيا/المكان. ثالثاً: على الشخوص التي قد تكون حقيقية أو متخيلة، ضمن زمان يبدأ بعد عام48، ضمن هذه العوامل تم بناء الرواية، شخصية تايه موجودة في كافة القرى الفلسطينية، وهي مأخوذة من التراث الصوفي، الشخص المبروك الذي يتكلم بكلام يبدو عادي: "عرب يهود تقاتلوا" لكنه يحمل مدلول أعمق مما يبدو على السطح.
(تايه) يمثل البراءة والعفوية والوعي وكذلك الحب، فالكلمات التي كان يرددها "عرب يهود تقاتلوا" يمثل حالة العبور إلى النص عبر التاريخ 48. من هنا هي شخصية قريبة زمانياً منا، وأضل اجتماعياً، فهو ابن القرية، وتحدث عنه السارد بلغة شعبية قروية. ونجد أم تايه أخذت مكانة مرموقة في الرواية، حتى أنها كانت أيقونة في الصمود والإصرار، فقد آثرت السكن في مغارة الغولة على السكن داخل القرية حتى لا يستقر لها قرار وحتى لا تنسى بيت نبلا، فكانت رمز للصمود.
وتحدثت الأستاذة إلهام أبو غزالة قائلة: شخصية (تايه) في الرواية تعبر عن الوطن، الوطن البسيط والمسالم الذي يتعرض لأشرس احتلال، فاللغة التراثية البسيطة التي استخدمها الكاتب أسهمت في تبسيط شخصية تايه.
أما الأديبة فاطمة سلامة فتحدثت قائلة: يقدم غلاف الرواية دلالة شفوية، تعد مع العنوان واسم الروائي أولى عتبات هذا العمل الأدبي. ففي فراغ مرتفع أبيض فسيح يوحي بالوحدة والبرودة يهبط هذا اللون إلى الصخر يتماهى به مع سطح المغارة ببعض الإشراق. ثم يبدأ البصر بالولوج إلى أماكن تزداد ظلاماً واسوداداً إذاً كلما اتجهنا إلى الداخل نحو البؤرة، والعكس صحيح إن خرجنا من الداخل إلى الخارج في أنصاف الأقواس التي مهما كان البياض يحيط بها إلا أن السخام يصقل سقفها. والصورة لمغارة مسكن الإنسان الأول حيث كان مطالبه الرئيس الأمن والاحتماء من الوحوش، في القرن العشرين يلجأ الفلسطيني —وهو ابن الحضارة العريقة — للمغارة يتمسك بالصخر والعمق رغم ضعفه، أما الآخر الذي جاء للتجريب، وإن عاش على السطح فرحاً فما هو إلا حجرا على رقعة التاريخ. فيما يخص العنوان أقدم قراءة سيميائية له: البنية الصوتية العنوان حرف التاء : وهذا الحرف من أكثر أصوات اللغة دلالة ، هو حرف نطعي، مهموس شديد، حرف ترقيق مؤنث رقيق، إلا أنه انفجاري، وذلك أنه يأتي بعد انحباس الهواء، وهو الأصل والزيادة، وهو العمل ودعمه وهذا تايه. أما حرف المد : فقد جاء دالا على البعد والنوى بين مكان الإقامة والبيت مسقط الرأس، والبعد يزداد بحرف مد آخر يليه، إمعانا في الغربة والألم، يرتل سكون النفس واستقرار الذات، أما الهاء فهي حرف جوفي يخرج من الجوف يدل على الحسرة والحزن واليأس، فالمهموم إذا تنهد يُصدر حرف الهاء مع شيء من الحزن. وفي البنية المصرفية: تايه اسم فاعل، واسم الفاعل من المشتقات في اللغة العربية وهو الوصف الداخل على الفعل الجاري على حركات الماضي وسكناته، يشتق من الفعل للدلالة على وصف قام به ويدل في العادة على التغير والاضطراب وعدم الثبوت وذلك لأن الصفة فيه لا تثبت في الموصوف وتكون عارضة آيلة للزوال، والصيغة التي بين أيدينا (تايه) دلت هي الأخرى على التغير والاضطراب وعدم الثبوت. لدينا عنوان نّاص يتساوى مع النص بما فيه من وجع. التجليات الدلاليه لتايه في افتتاحية الرواية : يبدأ الكاتب بحك قشرة الحكاية، بتحديد زمنها بالفعل الماضي (مر أسبوع فقط على انتهاء الحرب)، ثم جملة فعلية أخرى بالفعل الماضي (خرج الناس من مخابئهم )، ويستمر بعد ذلك في سرد تصويري يصف حالة الترقب والخوف والهلع مما هو آت، فيجد المتلقي نفسه في مشهد بانورامي من الدرجة الأولى حيث يصور ويحدد ويومئ ويؤثر ويقنع بأن هناك وضعا متخلخلا يخلو من الاتزان نحن بصدده فنحن في الفقرة الأولى أمام صورة مرئية يعكسها النص الافتتاحي. في الفقرة الثانية نجد الكاتب يوظف الفعل المضارع في تصوير حدث في الماضي..ليؤكد على حالة ترقب مستديمة وهذا الترقب والتوتر يظهر على هيئة حمل قصيرة متتابعة تكثر بينها الفواصل والنقاط، ويستمر التشويق في تصوير هيئة تايه ومظهره الخارجي وحركته. نتابع قراءة النص المشهدي ونحن نفكر فيما وراء الوصف، وهنا يطلق الروائي شخصية تايه، يقدمه ويصوره بأسلوب حياته وعاداته اليومية وحالته النفسية وما يصدره من إشارات وما يصدر عنه من حركات ترتبط بهيئته وبالبيئة المحيطة به ،ص6. (تايه لا يحمل نفسه بسهولة فهو مثقل بهذا الجسد، عريض المنكبين، متوسط القامة...). في هذا الجزء نبقى على اتصال الراوي المشرف الكلي على الرواية وصاحب الصوت الطاغي ، فهذا الراوي العليم الذي وظفه الروائي يأتينا بوصف دقيق للشخصية الرئيسية للرواية ويبدأ دائما بذكر اسم تايه، ففي بداية كل فقرة لا يتوانى عن ذكر اسم تايه، حيث نسمع نبرة الحزن والألم في صوت الراوي ولغته، فهناك في تصويرات اللغة مفارقة مرّة، ص6(وإن كانت تربة بيت اللو أقل حمرة وأقل عمقا ورطوبة، أو كما تقول أم تايه: أقل رِبٍة...) فاللغة مجندة و موظفة لخدمة الراوي المتخفي لا سيما أنه يصور حدثا مفصليا في حياة بطل الرواية. نجد أن الراوي يميل إلى الشاعرية حين يقتضي الأمر تصويرا للبيئة والمشاعر الإنسانية ص8( تايه يعرفه كل أهالي القرية اللاجئون والأنصار والمهاجرين. يعرفه الكبار والصغار، الذكور منهم والإناث يعرفه الناس عن قرب وعن بعد ،...). يتحرر صوت تايه ونسمعه خفيفا ممزوجا بصوت الراوي في عبارته التي يهمهم بها بسذاجة وهو يحرك خنصره وبنصره، ثمان مرات يردد تايه عبارة "عرب يهود تقاتلوا" في هذا الجزء ومرة واحدة يقول بعد أن يقع أرضا "يهود عرب تقاتلوا " يُصور تايه على أنه لا يعي ما يقول وورد في الرواية ص102 على أن الراوي لا يعلم سبب بدئه ب عرب مرة ويهود مرة، وهنا يظهر صوت الكاتب وكأنه ينبه المتلقي لهذا النسق. لا لينفي علمه بالسبب، كما جاء. نسق العبارة له دلالة استكبار بتقديم عرب على يهود ف تايه يعرف أنه عربي، ولكنه حين وقع وشعر بالضعف والهزيمة نطق بها وهو في حالة انكسار فاختلف النسق "يهود عرب تقاتلوا" ونلاحظ أن كلمة عرب و كلمة يهود لصيقتين دون عطف بينهما. وهنا تتجلى اللغة على أنها مؤشرات ذات دلالة وليس فقط ناقلة المعنى. (تايه ما زال سائرا في طريق المشاة الذي شقه الناس دون تخطيط، فتيبست الأرض وخلت من الأعشاب هذه العبارة تحتوي على مضامين كثيرة، أكثر مما يتجلى للعيان، وأكثر مما يتسع لنا هنا المجال، فهي تضمر منهجا تبعه الشعب الفلسطيني في تغربه وتشرده وتايه حالة أسقطها الروائي على الشعب ب أكمله، فهو سار في طريق لم يخطط له ولم يرسمه، عشوائي لكنه استمر على السير فيه حتى تيبس وبان مسلكه ولكن خلا من الحياة والأمل. في الجزء الخامس الذي يعتبر تتمة المشهد البانورامي أو حلقته الأخيرة ..يتابع الراوي إرهاق تايه بالإيحاءات والإشارات، فتبدو هذه الشخصية منهارة من الخارج ، هذا الانهيار من السهل وصفه والكتابة عنه، تبعا للوقائع والأحداث، لكن ما هو أصعب في الحقيقة هو ما يحدث داخل تايه..فيدرك المتلقي أن تايه ليس مجرد ديكور لمكان وحدث مر عليه في سرد من ثلاثة أجزاء سابقة، ففي النهاية يتزعم تايه اللعبة السردية، لتظهر الشخصية الطفولية التي يعيش بها وهو في العقد الثالث من عمره إنما هي دلالة على وقع الصدمة العنيفة على البشر، ف احتاج تايه إلى وقعة أخرى أكثر قوة ومباشرة ليعود إليه
الإدراك، وهذا الإدراك هو استجابة تايه لإشارات الكلام ،وتجارب وخبرات مر بها وعاشها واختزنها في عقله الباطن فكانت في الصحو المفاجئ حقول معرفة. جرت على لسان تايه في حالة من الوعي وهو بين الموت والحياة على شكل مناجاة لله واستعانة به.
ثم قدم الروائي صافي صافي شهادته عن الرواية قائلاً: بدأت أنا وقريب لي لقاء كبار السن في أواسط الثمانينيات، لجمع تاريخ قرية آبائي وأجدادي بيت نبالا قضاء الرّملة، والمهجّرة في نكبة العام 1948، وانجاز كتاب عنه، رغبة منا وانسجاما مع ما كان يقوم به مركز الأبحاث في جامعة بيرزيت، فوجدت نفسي أجمع المأثورات الشعبية الغنائية التي ما زلت أحتفظ بها، ولم نصدر الكتاب، وحين أنشأنا جمعية بيت نبالا في العام 1998، أقمنا عدة مهرجانات وأنشطة في المجالات كافة، واستطعنا أن نجمع تسجيلات نحن وغيرنا وصلت الى المائة.
تخيلت السنوات الأولى للسكن في بيت اللو، كيف استقروا؟ من أين حصلوا على لقمة عيشهم؟ كيف ناموا؟ هل عادوا؟ ماذا وجدوا؟ كيف استقبلهم المضيفون؟ كيف تصاهروا؟ كيف اندمجوا؟ وما زالت الأسئلة مفتوحة، فكلما أجبت سؤالا، تولدت أسئلة أخرى أكثر دقة، فبت أقف عند تفاصيل التفاصيل، وأجد في كل تفصيلة فكرة مهمة، من حكايات وخلفيات ومآلات. ربما لهذا السبب أغرق في التفاصيل أحياناً. أحببت ذلك، واستفدت من هذه التقنية، ربما من حنا مينا، وعبد الرحمن منيف.
عشت في بيت اللو اثنتي عشر سنة، أدعي أني جبت القرية طولا وعرضا، بين سقائف اللاجئين، وحاراتها، والمقبرة، والسهول والجبال، وينابيع الماء التي تصل حوالي المائة، فحرثنا وزرعنا وقلعنا وبعنا واشترينا، واكترينا كروم التين والزيتون، ورعيت الأغنام، ورأيت الجن وعاشرتهم كما عاشرت البشر، واقتنيا الدجاج والحمير والبقر والأغنام والحمام، وعاشت القطط والكلاب والأفاعي وكل الكائنات حولنا.
في بيت اللو التي كانت مسرح الأحداث لأكثر من رواية نشرتها، كان هناك عدة شخصيات بسيطة، بسيطة للغاية، وطيبة، وبعضها مشاكس، وبعضها عدواني، حتى أننا كنا نهرب منها ونحن أطفال، لكن البسطاء، يعيشون بين الناس، في السوق، وعلى البيادر، وفي المقاثي. كانوا جزءا مهما، وممنوع على أي واحد أن يؤذيهم.
رواية تتناول هذه الشخصية، موضوعها التيه والصحوة، تاه قبل الهجرة، وربما صحا بعد النكسة، أو اعتقد ذلك. فكان اسم الرواية، فبدأت بكتابتها دون أن أشير إلى الشخصيات التي أعرفها بالضبط، فكانت الحشوة من ذاكرتي الشخصية، وممّا أوردته الحكايا، لكن القصص الحقيقية التي قد تثير بعض الإشكالات والإشارات حذفتها. لكن كيف أبدأ؟ وكيف أنتهي؟ فكانت المغارة التي أحببتها وتظهر صورتها على الغلاف هي مسرح الأحداث وسكن أم تايه وابنها، هي مغارة رومانية تمتد إلى عمق التاريخ، حفرت في الصخر بطريقة معمارية جميلة، كان الناس يستخدمونها لقضاء حاجتهم، وتشرف على الخلة، وقرى مختلفة. وجدتها مرة أخرى.
بقيت التفاصيل، التي استندت فيها لخيالي مرات، وللتاريخ الشفوي مرات، وللتاريخ المكتوب مرات أخرى، وهنا عشت مع الشخصية حتى امتلكتها، وخفت أن أتوه مثله، وتهت، فعرضتها على أصدقاء من كتاب وقراء، اقترحوا علي أن أزيل التاريخ العميق، فأزلت معظمه، وبقي القليل القليل الذي لاحظتموه، الذي لم تطاوعني نفسي لحذفه، لكني ألبسته لشخص أنهى دراسته الجامعية قبل النكبة.
سألني أحدهم عن عقدة الرواية، قلت في نفسي: يبدو أنه غاص في خدعة التفاصيل، ولم يصعد فوقها، لم يرَ دور التفاصيل في القراءة الجامعة للرواية، ولم يستند إلى علم النفس في التيه والغثيان والصحو، والفعل ومراقبة الفعل حتى تصبح جزءا منه. أو ربما أنني لم أنجح في توضيح ذلك. دع الأمور بما خططت، ودع الآخرين يقرأون ما يفهمون.
هل الرواية عن تايه، أم والدته أم صلاح أم مجدي؟ هي تايه، والباقي لخدمة إظهار هذه الشخصية، رغم أهمية كل منها.
ماذا سأكتب بعدها؟
سأكتب عن الجندي العربي الإسرائيلي الذي جاءنا خلسة بين الوديان والجبال، يسألنا عن أخته التي ضاعت منه قبل النكبة، وتزوجها رجل من أبناء بلدتنا، لم نجدها نحن، ولم يجدها حسب علمي، وأصبحت بلدتنا مزارا لنا كلما سنحت الفرصة، أحاول أن أتصيدها بكامرتي، وبتفاصيل الحكاية التي لم تنته.
وفي نهاية اللقاء تم تحديد الجلسة القادمة على أن تكون يوم السبت الموافق 9/11/2019 لمناقشة قصة (العبد سعيد) للروائي والقاص الفلسطيني (محمود شاهين).



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية جفرا
- فلسطين والمسرح
- قصيدة المرأة إسماعيل حاج محمد
- -تصفيق وتهريج- للشاعر الفلسطيني شهاب محمد
- مرة أخرى الاتحاد
- الاتحاد والقبول بما هو مفروض/موجود
- السهولة في مجموعة -أريد حذاء يتكلم- شيراز عناب
- شعبية السرد في رواية -تايه- صافي صافي
- مناقشة كتاب دنان للكاتبة لينة صفدي
- التقديم السهل في قصيدة -غربة- هاني عبد الله حواشين
- المرأة والمجتمع في رواية -غالية- مفيد نحلة
- الفنية والسرد في رواية مريم/مريام
- الأسرة في رواية مريم/مريام كميل أبوحنيش
- الفلسطيني والصهيوني في -مريم ومريام-
- رواية التيه والبحث عن الذات مريم/مريام كميل أبو حنيش
- المرأة والطبيعة في قصيدة -أنا زوجي- حسين جبارة
- مجموعة كفاف البوح هاني أبو انعيم
- مناقشة رواية شرائط ملونة
- إسماعيل حج محمد وفن الومضة
- شرائط ملونة فاطمة عبد الله سلامة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة رواية تايه للروائي صافي صافي في دار الفاروق