أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفلسطيني والصهيوني في -مريم ومريام-















المزيد.....

الفلسطيني والصهيوني في -مريم ومريام-


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6374 - 2019 / 10 / 9 - 14:43
المحور: الادب والفن
    


"مريم" تمثل مأساة الفلسطيني، أمرة عاشت حبها في "صفورية" وتزوجت خيرة الشباب "محمود" القوي وكامل الرجولة، ورغم مأساتها إلا أنها لم تضعف، وبقيت صلبة ومتشبثة بحقها، ورفضت مساومة "مريام" على حقها في منزلها، فهي نموذج للمرأة الفلسطينية المكافحة والصلبة، وإذا قارنا حالة "مريم" بحالة "‘براهيم/إبرا" سنجد "مريم" امرأة تعرف ما تريد وتمتلك مشاعر وأفكار واضحة ولا ينتابها أي اضطراب في مواقفها او في طريقة تعاملها مع الآخرين، إن كانوا أصدقاء أم أعداء، فهي كاملة وناضجة وواضحة وحاسمة.
بداية مأساتها كانت بهذا الشكل: "لو لم تقصفنا الطائرات اليهودية لما غادرنا صفورية، ولمل تمكنوا من قتل محمود، لولا الطائرات لبقينا، وبقيت صفورية، وظل محمود حيا" ص19، بكل موضوعية تتحدث عن سبب مغادرتها "صفورية" فهذه المرأة التي عاشت خيرة عمرها في بلدتها أجبرت مكرهة على تركها بسبب الطائرات التي قلبت موازين المعركة ولم تترك بيت أو حي إلا وقصفته.
وبعد الهجرة نجدها تتحدث عن ارتباطها وحنينها للمكان: " قالت لي إنها كانت قبل النكبة تطل من صفورية على الناصرة وبعدها انقلبت الآية، فأخذت تطل من الناصرة صوب صفورية" ص21، تبديل الأماكن أكراها يجعل الإنسان يشعر بوجود خلل ما، قبل النكبة كانت الناصرة تمثل الهدف/المكان المرفه، وبعد النكبة انقلبت الصورة فكانت صفورية هي الهدف/الغاية/الحلم الذي تسعى إليه "مريم"، فماضيها الجميل في صفورية وحبها الأول كان فيها: "قال لها بعد زواجه منها: "كانت شفتاك تشبهان حبة التين وهي تسيل بعسلها، وهو ما كان يغريني لحظتها بالالتهام!" فتسأله مريم بخبث: تلتهم حبة التين أم الشفتين." فيجيبها هو يتفرس في ملامحها بشبق: "كلها مها!"
...تعمد أن يسبقها إلى التينة عند الفجر، ويلتقط أشهى حباتها ويتسلل إلى باحة بيتها، ويتركها لها في حوض النعناع" ص22، هذه العلاقة الجميلة والهادئة لا يمكن أن تنسى أن تمحى من الذاكرة، ولا يمكن لأي مكان أن يكون بديلا عن صفورية ونبع الماء والتينة، ولا يمكن لأي شخص أن يحل مكان "محمود" فهو رجلها وحبيبها وحبها الأول والأجمل.
ورغم هذا الحب والحرص على الاستمتاع بالحياة، إلا أنها لم تتخاذل عندما نشبت الحرب، وقدمت صيغتها لمحمود لكي يشتري بارودة يدافع بها عن صفورية: "طفق الناس يبحثون عن السلاح بأي ثمن، وفي تلك الأيام القاسية، جمعت ما في حوزتي من حلي ذهبية ووضعتها في كف محمود، وقلت له بحسم: بعها وأشتر بثمنها بارودة" ص23، فالحب والحبيب ونعيم الحياة لم يكنوا حائلا امام التفاعل الوطني والقومي مع ابناء وطنها، فقدمت حليها وزوجها ليكونا في مقدمة المدافعين عن صفورية.
وهذا الموقف جعل "محمود" يرفع من مكانة "مريم" بين المقاتلين ويقول: "أنا سأقاتل بذهب زوجتي!، إنها مفخرة لي ولأهالي بلدتها!" ص24، فالعلاقة بين "محمود ومريم" كانت حلم/نموذج لكل فتاة وشاب، فالحب حاضر بينهما، والتفاعل الوطني متقد، والمديح موجود، وعندما اشتد الحصار وحمية المعركة قالت لزوجها وحبيبها: "عدني أن تحافظ على حياتك من أجلي ومن أجل أبننا" ص24، لكن "محمود" الرجل الكامل والحكيم أجابها: "؟أعدك أن أدافع عن صفورية، وعنك وعن أبننا، ولو استدعى الأمر دفع حياتي ثما لذلك" ص24و25، أليس هذا هو الرجل الذي تحلم به كل فتاة؟، ألم يكن محمود يمثل الزوج والمقاتل الباسل؟، لهذا كانت حصرتها عظيمة عندما جاءها خبر استشهاده.
تنتقل "مريم" مع اهل زوجها إلى الناصرة، ويطرح أبو محود عليها أن تتزوج "عمر" شقيق محمود والذي يصغرها بأربع سنوات، توافق كأي امرأة فالحياة الاجتماعية والاقتصادية تفرض نفسها على الفرد: "لم اكن أمتلك سببا للرفض، بالأمس كان عمر طفلا ندلله جميعنا دلال الأطفال، وسيغدو طفل الأمس زوجا لي! وما الغرابة في ذلك وقد غدا كل شيء غريبا في حياتنا الجديدة؟" ص35، هذا معناة اضافة حلت على مريم، ومع هذا تجاوزتها، وتكيفت مع الواقع والظرف.
بكرها "إلياس" الذي خرج عن امرها وتزوج بيهودية، حسمت امرها معه وتركته وكأنه لم يكن: "...ولكني رفضت أباك وأمك، كنت فارغة تماما بعد استفراغ أبيك من أعماقي، لكني امتلأت بك، وزرعتك في أعماقي، وغدوت من يومها أغلى ما أملك في هذه الدنيا"ضص45و47، تستوقفنا إنسانية مريم، فهي أم، لكنها في المسائل الوطنية لا تهادن أحدا، ألم تقدم زوجها ومالها في سبيل الوطن؟، وها هي "تستفرغ" بكرها "إلياس" بعد أن قرر الزواج بيهودية، وهذا الموقف يحسب لها، فهي تستطيع ان تحسم الأمور بسرعة ودون تأخير، وتعرف الفصل بين ما هو وطني وما هو شخصي، لهذا هي منسجمة مع ذاتها.
"ومريم" كانت ناضجة سياسيا، وتعرف حقيقة مأساتها وطبيعة عدوها، بعد اتفاق "أوسلو" يسألها "إبراهيم/إبرا" عن موقفها فتجيب: " اليوم فقط أدرك أني لن أعود إطلاقا إلى صفورية، لقد تهاوي الحلم الكبير" ص106، إذن هي ناضجة نفسيا وفكريا وسلوكيا، وتعرف كيف تحكم على الأحداث، لأنها تعرف حقيقة مأساتها وطبيعة عدوها، فكانت أكثر نضوجا من المحتفلين بتوقيع اتفاق السلام.
بعد اكتشاف أن أخوها عادل حي، وها هو يعود مع العائدين إلى الوطن، تحتفي بهذه العودة بطريقتها الخاصة: "صبغت شعرها وكفيها بالحناء، وكانت تتضوع منها رائحة زكية، أقامت بعد يومين حفلة دعت إليها الأقارب وأهالي الحي، غنت ورقصت وعلت زغاريد النسوة في سماء الحي" ص124، هذه البساطة والشعبية في الاحتفاء بعودة "عادل" تشير إلى أن "مريم" ما زالت محافظة على سلوكها الذي عرفته في صفورية، وهذه الاستمرارية في الفرح تؤكد على بقاءها ثابته وراسخة على ما ألفته في صفورية.
العمر له أثره على الإنسان، وهو يحول دون القيام بأعمال الشباب، لكن في حالة "مريم" لا نجد له اثرا، فروح العطاء والتفاعل ما زالت متقده، مع احياء ذكرى النبة، تتقدم "مريم" لتكون من المشاركين في هذه الذكرى الأليمة، وما أن وطأة قدمها صفورية حتى تخلصت من خمسين عاما من عمرها: "بعد قليل بسطت ساقيها كي تتهيأ للنهوض، مددت يدي لها كي أساعدها، إلا أنها أبت، نهضت وحدها، وأحسست حينها أن مريم قد عادت عشرين عاما للوراء، نفضت التراب عن ثيابها، وقالت بصوت مفعم بالعذوبة والأمل: هيا نرجع، دهشت وأنا أراها تسير بلا عكاز، وقد كانت تمشي بخطوات ممتلئة بالعزيمة والإرادة، وخيل إلي لحظتها أنها كانت تتضوع منها رائحة الصبا، لقد استعادت عافيتها حينما لامست الذكريات." ص163، في هذا المشهد نجد أثر المكان على الفلسطيني، ونجد الوحدة والتكامل بينهما، فهما كالروح والجسد، لهذا ردة الروح "لمريم" بعد دخولها صفورية، وتحولت إلى تلك الفتاة التي كانت في ريعان الشباب تنعم بالحياة، وهذا التفاعل بين مريم وصفورية يشير إلى استمرارية وثبات "مريم" وانسجامها مع ذاتها، لهذا تتفعل بإيجابية وتنشط بحيوية بعد أن شاهدت ولامست ما فقدته في صفورية.
النضوج الفكري والسياسي سمة تضاف إلى تكامل وانسجام "مريم " فبعد ان عرضت عليها "مريام" المنزل الذي احتله أو قبولها التعويض، ترد على هذين المقترحين باستفاضة، تحليل دقيق: "...أتريد أن تنزع مني قرارا عاطفيا؟ ماذا سأقول بحق مستوطنة جاءت من أقاصي الدنيا لتحتل مكاني؟ وتقيم سعادتها فوق حطامي وحطام أهلي؟ وعلى رفات زوجي وأهلي؟ وتجرعت بسببها ومن هم على شاكلتها ألوان العذابات والمآسي، ... لنقل أنني قررت أن أتسامح وأعفو وأغفر ما حل بي من مآسي، وهب أنني قبلت التعايش والتسليم بالأمر الواقع، بماذا يمكن لجدتك مريام أن تتسامح وتعفو وتغفر؟ ماذا خسرت مريام لكي تسامحني وتغفر لي؟ ستقول لي إنها خسرت زوجا كان يقاتل الفدائيين الذين هجرهم من بلادهم؟ ستقول لي: إنها خسرت أهلها في المحرقة، إنها عانت في معسكرات النازية؟ هل نحن من قتلنا أهلها؟ هل نحن من احتجزها لسنوات في المعسكر؟ ليس بمقدوري أن أكون بلا قلب، ولن أقول لتذهب مريام هي وجميع اليهود إلى الجحيم، لن أقول ذلك على رغم مما حل بي من مآسي ونكبات، ليس بوسعي إلا أن أتعاطف مع أصحاب المآسي جميعا، ولكن أعطني سببا يجعلني أتسامح مع مريام ومستوطني صفورية، وهم لا يزالون يحتلون أرضنا وبلادنا، ويشيدون سعادتهم على حساب بؤسنا وتشردنا وشقائنا" ص173و174، هذا النضوج والوضوح والكمال ما كان ليكون دون اكتمال وانسجام "مريم" فكريا ونفسيا، فموقفها وطني وقومي ولا مجال للتلاعب به، فرغم أن من أوصل الرسالة شخص عزيز عليها "إبراهيم/إبرا"، إلا أنها في المواقف الوطنية تعرف كيف تفصل بين ما هو شخصي وما هو وطني وقومي، لهذا حسمت الامر بسرعة وببديهية، والملفت للنظر ـ رغم نكبتها ومأساتها ـ أنها إنسانية الموقف، فهي لا تريد الألم للآخرين، فقد ذاقته وعرفت مرارته، وحتى لأعدائها لا تريده، وهذا ما يؤكد على إنسانية تكامل وانسجام "مريم" حتى عندما تتحدث ألم ومآسي الأعداء.

"مريام"
هناك مأساة "لمريام" فقد عانت من النازية ونجت من المحرقة بإعجوبة، فالممارسة النازية كانت وحشية، تحدثنا "مريام" عن تلك المحرقة: "...لا زلت أذكر كيف تعلق إيريك بثوب أمي، كان مشهدا مأساويا، أمي كانت تدرك الحقيقة، لم تشأ أن تفجعنا، راحت تطمئننا أنها ستعود، وفي تلك اللحظة، أدركت أنني لن أرى أمي أو أمي ثانية...اقتادوني مع ألاف الفتيات الصغار إلى جهة بعيدة في المعسكر، ...كنا نعمل كالعبيد من ساعات الصباح وحتى المساء نعود مشيا على الأقدام إلى مهاجع عامة تشبه زرائب الحيوانات، أجل تعاملوا معنا كالبهائم....
... أزاحت مريام كم قميصها لتريني الرقم الموشوم على ذراعها.
"كنا نجهل مصيرنا، قيل ينقلون الرجال والنساء إلى معسكرات ماي دانك للعمل هناك في الاشغال الشاقة، ... عشرات الألاف...مئات الألاف ...اقتيدوا إلى خارج أوشفيتز، وسيمر وقت طويل قبل ان نفهم أنهم كانوا يقادون للإبادة... بوسعك أن تموت آلاف المرات يوميا، ليس هناك البت أ أصعب من انتظار الموت، هكذا أستنزفوا قوانا وأعصابا... ما أسوء أن تعيش الموت وأنت تدرك بأننا سنساق كالخراف للذبح والحرق" ص50-52 ، مأساة حقيقة لا يمكن ان تنسى، فهي عالقة في الذاكرة، وكان من الطبيعي والمنطقي ومن المفترض أن ترفض هذه الضحية التي تعرضت لهذه الوحشية ان تكون جلادا للآخرين، فمريام ضحية من ضحايا النازية، لكنها غير منسجمة مع ذاتها، كضحية أو كإنسانة، فرغم معرفتها بقذارة الوجع والألم، إلا أنها تبرر قيامها بجلد الآخرين(المنهزمين)، هذا ما اخبرنا به إبراهيم/إبرا": "مريام التي تعيش على انقاض مريم تعي تفاصيل الحكاية، لكنها لا تشعر بالعار، ولا يساورها أي شعور بتأنيب الضمير" ص101، إذن "مريام" تبرر وجودها في مكان ليس لها، وتعي انها ليست على حق، وهي توافق على حل مشكلة "مريم" الفلسطينية ضمن هذه الروية: " فأنا مع الاتفاق ما دام يبقيني هنا في بيتي، وطالما لا يتيح لمريم العودة إلى بيتها، ولكن من ناحة أخرى أشفق على حال مريم وأهالي صفورية، إنهم أمامنا طوال الوقت" ص111، "مريام" تفكر بمصلحتها فقط، أما حال الآخرين الذي هجروا من بيوتهم فلا ينعون لها أي شيء، سوى أنهم يذكرونها بالمحرقة التي تهرب منها، فهي عندما قالت "أشفق على حال مريم" أرادت أن تقول أشفق على نفسي لأني أرى مأساتي عندما ارى هؤلاء المهجرين.
"مريام" غير واضحة وغير منسجمة مع نفسها، وتمارس لعبة العمى بحيث لا ترى إلا ما تريده ولا تسمع إلى ما يعجبها، فهي تميل إلى المحافظة على ما هي عليه، ولا تريد لأحد أن يعكر صفوة وجودها بأي شكل من الأشكال، فمنطق المنتصر عمى بصيرتها وجعل منها وحش من وحوش الغاب: "أنها الحرب والمنتصر بها هو من يقرر مصير المهزوم، ونحن من حسم هذه الحرب، ونحن بالتالي من يقرر نتائجها ويحسم مصير المهزومين...هل من العدل أن نترك تسيبوري بعد خمسين عاما ونسلمها للعرب؟ أنت نفسك يا عنات أين ولدت ونشأت وترعرعت؟ ...هل من العدل أن تغادري موطنك ومسقط رأسك بعد ل هذه السنوات؟" ص176، نفس هذا المنطق الذي ترفضه "مريام" ينطبق على حالة "مريم" الفلسطينية، ومع هذا "مريام" لا تشعر بأي تأنيب للضمير، أو أن هناك شيء غير منطقي، شيء متعلق بهؤلاء المهجرين الذين تشاهدهم طوال الوقت، فهم بالنسبة لها غير موجودين، وإن وجودوا فهي تتألم لنفسها، حيث يذكرونها بما تعرض له من وحشية على يد النازيين.
بعد لقاء مريم ومريام وتدخل "إبراهيم/إبرا" تميل "مريام" قليلا نحو حقيقة كونها مستوطنة تعيش في مكان وبيت وأرض للآخرين، فتحاول أن (تصحح) شيء من الخطأ الذي وقع على "مريم" كفرد وليس الذي وقع على مجموع الفلسطينيين، فتطرح هذه المبادرة: "أنا مستعدة لمساعدة مريم في استعادة بيتها، وسأمنحها بيتي هذا... أو تقبل مني تعويضا ماليا، وقبل أن أعلق، أردفت تقول: بهذا أبرئ ذمتي تماما وأريح ضميري" ص187، تبدو هذه المبادرة فيها (شيء) من الحقيقة، لكنها على في حقيقتها أرادت بها "مريام" أن تقنع نفسها انها فعلت ما يجب ان تفعله كضحية، كإنسانة، وقد كانت تعي تماما أن "مريم" يمكن ان تبقل بهذا المساومة، لأن مشكلتها ليست شخصية فحسب، بل وطنية/قومية، ومن هنا عندما جاء الرد برفض هذا العرض لأنه لا يلبي طموح "مريم" تتقهقر "مريام" وترجع إلى طبيعتها وحقيقتها كمستوطنة/كجلاد مكشرة أن أنيابها وعن أفكارها الصهيونية: "هذا البلاد بلادنا ولسنا طارئين، نحن شعب تعذب طويلا في رحلة شاقة، امتدت لآلاف السنين... ومأساتنا لم تبدأ بالهولوكوست، إنما تم هي قديمة منذ أكثر من الفي عام... أنا لست مستوطنة على أنقاض الآخرين، بل الأخرون هم الذين يعيشون على أنقاض وطني وأجدادي، وأنا عدت لأعيش في بلادي" ص195، انكشف القناع وظهرت حقيقة "مريام"، شخصية تمارس النفاق وتحاول ان تخدع حتى نفسها، فهي لم تكن إلا جلاد، ولم تميل قيد أنملة نحو الإنسانية، وإذا توقفنا عند حالتها عندما تحدثت عن كونها ضحية، سندينها مرتين، مرة بكونها مستوطنة، ومرة بكونها ضحية تمارس قهر الآخرين. فجريمتها مزدوجة، ولا يمكن نغفر لها جريمتها.
إذا توقفنا عند حالة وموقف "مريم" وحالة وموقف "مريام" سنجد الأولى واضحة كالشمس ومنسجمة مع ذاتها ومع أقوالها وأفعلها، فرغم ألمها الطويل والمستمر إلا أنخا لم تفقد البوصلة، أو تنزلق نحو الشر، فبقيت محافظة على إنسانيتها حتى في عدم (التمني) الشر لأعدائها، بينما كانت "مريام" الضحية تمارس دور الجلاد دون أي تأنيب ضمير، ولم تكتفي بهذا بل أرادت أن تمارس نوع آخر من الجلد عندما عرضت تسوية مع مريم، والتي قصدت بها زيادة ألم ومعاناة مريم وليس حل ازمتها/عذابها، كما نجدها شخصية تمارس النفاق والكذب حتى على نفسها، من هنا يكم الفرق بين مريم الفلسطينية وبين "مريام" الصهيونية، وإذا أخذنا مهمة "مريام" معلمة عزف بيانو" بمعنى أنها تهتم بالفنون والموسيقى وتتذوق الأنغام التي تهذب النفس واصقلها، وقارنا هذا الأمر بسلوكها وطريقة تفكيرها "بمريم" الفلسطينية يمكننا أن نجد التناقض بين مهنتها المتحضرة وبين تفكيرها التخلف، بينما نجد "مريم" امرأة فلسطينية عادية، لم تحصل على تعليم (متخضر) ولا تجيد العزف ومع هذا كان موقفها مطلقة الإنسانية حتى تجاه عدوها ومن سلبوها بيتها ووطنها، وهنا يمكن الفرق بين الفلسطيني والصهيوني، فمهما يظهر الصهيوني من سلوك (متحضر) يبقى متخلف وهمجي في طريقة تفكيره تجاه الآخرين، أليسوا شعب الله المختار!!.


جمع المريمين
يحاول "إبراهيم/إبرا" أن يقلص المسافة بين المريمين، فبعد الحادث الذي تعرض له "إبراهيم/إبرا" يتم اللقاء بينهما لكنه لقاء ناشف، لقاء أجساد دون روح ولا حتى كلام، فلكلا منهما عالمها الخاص، فرغم حبهما وحرصهما على "إبراهيم/إبرا" إلا انهما كانا متباعدتين بعد السماء عن الأرض: "كان الصمت مطبقا في المكان، كانت تنطلق بعض العبارات القصيرة من إحدى المريمتن لتهنئني بالسلامة، وبوجوه متجهمة وابتسامات باهتة، بينما بوسعي أن اتخيل حجم العواصف والأعاصير التي تضرب أعماق الجميع...يا إلهي .. ما الذي حل بأهلي؟ وما هذا الدمار والتهتك الذي أصاب العائلة؟" ص167، بهذا المشهد يمكننا أن نستنتج الهوة العميقة التي تفصل الفلسطيني عن الصهيوني، مريم تعي التفرقة/الفصل بين ما هو شخصي وبين ما هو وطني/قومي، بينما "مريام" تحاول وتلعب على الوترين معا، مستغلة حالة الضحية "مريم" لترمي عليها مزيدا من الثقل.
وبعد رحيل "مريم" عبرت "مريام" عن حزنها بهذا الشكل: " أتدري ماذا فعلت يوم رحيل مريم؟ لقد أمضت ليلتها تعزف على البيانو، عزفت مقطوعة موسيقي على روح مريم، كان عزفا جنائزيا حزينا" ص227، ولا ندري هل هذا العزف كان فعلا يعبر عن حزن "مريام" على رحيل "مريم" أم حزن "مريام" على نفسها حيث لم تقوم بأي عمل يسهم في تخفيف معناة "مريم".
وهنا نستنتج، إذا كان "إبراهيم" الجامع بين المريمين، ومع هذا لم يتم التصالح، فكيف يمكن أن يكون هناك لقاء/تصالح مع جموع متفرقة ولا جامع بينها، وهذا الطرح/الرؤية يقدمها السارد من خلال الأحداث وليس من خلال قول مباشر، وهنا تأتي أهمية شكل تقديم الفكرة.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية التيه والبحث عن الذات مريم/مريام كميل أبو حنيش
- المرأة والطبيعة في قصيدة -أنا زوجي- حسين جبارة
- مجموعة كفاف البوح هاني أبو انعيم
- مناقشة رواية شرائط ملونة
- إسماعيل حج محمد وفن الومضة
- شرائط ملونة فاطمة عبد الله سلامة
- الحلم العربي في -جرائم لا يعاقب عليها القانون- شادية كمال
- الحب في -دنان- لينة صفدي
- مناقشة مجموعة مرسوم لإصدار هوية للروائي محمد عبد الله البيتا ...
- ضاحية قرطاج منجد صالح
- جدل النهضة والتغيير، حوارات في الفكر العربي المعاصر-
- البناء اللفظي في ديوان جنوب المراثي مسلم الطعان
- الفكر الملحمي في قصيدة -لعلي أعود نهارا- كميل أبو حنيش
- عارية العباسيين عبد الله القصير
- حسرة اللبلاب حازم التميمي
- محمود السرساوي في قصيدة -أيا عود أعد قلبي-
- ملاحظة حول منثور على عتبات بيوتنا العتيقة
- التكاملات والمتعاكسات في مجموعة -وخزات نازفة- هاني أبو انعيم
- منثور على عتبات بيوتنا القديمة محمود السرساوي
- مجموعة -ذبيحة- هاني أبو انعيم


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الفلسطيني والصهيوني في -مريم ومريام-