أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - اللغة لا تعرف الحياد














المزيد.....

اللغة لا تعرف الحياد


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6404 - 2019 / 11 / 9 - 13:31
المحور: الادب والفن
    


لا تعرف اللغة الحياد إلا وهي في المعاجم، لكنها في الحياة والأدب والسياسة تختلف، ومهما بدت بريئة أو تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف إلا أنها منحازة، وهي دوما تعكس موقفا من ظواهر الحياة وحكما عليها. وقد تكون اللغة محايدة في المعاجم فقط ، أما عند استخدامها في الحياة فإن مجرد ترتيب غير دقيق للكلمات قد يؤدي إلي أزمة كبرى، كما حدث عندما صدر قرار بتأميم الصحف المصرية في 24 مايو 1960، ويقال إن ذلك القرار جاء بعد مصرع اللص الشهير محمود سليمان في أبريل 1960، عندما نشرت جريدة الأخبار النبأ بالبنط العريض، وكتبت في سطر أول:" مصرع السفاح"،وفي السطر الثاني" عبد الناصر في باكستان"! فبدت العبارة:" مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان"! لكن عبد الناصر برر التأميم بعيدا عن زلة اللغة بأن الصحافة لا تقوم بدورها المنشود، وقال في ذلك:" بلدنا مش النادي الأهلي، ولا نادي الزمالك، ولا الجزيرة ولاسهرات الليل.. بلدنا مش فلانة اتجوزت، وفلانة اتطلقت، مصر هي كفر البطيخ، والناس اللي بيجمعوا الأرز طول النهار عشان يعيشوا". في حينه كتب محمد حسنين هيكل مقالا بعنوان" حرية الرأي في الصحافة المصرية" أيد فيه قرار التأميم وشن هجوما كاسحا على الصحافة. وبالرغم من ذلك فإن البعض يعتقد أن عدم الحذر في التعامل مع اللغة كان وراء التأميم. مثال آخر مختلف تماما على ما تقتضيه اللغة من دقة في التعامل معها إذ تروى" آنا جريجورفنا" زوجة الكاتب العظيم دوستيوفسكي، أن الكاتب في لقائها الأول به طلب منها أن تجلس إلي مكتبه وراح يقرأ عليها بضعة سطور من مجلة " البشير الروسي".. ثم طلب منها أن أنقل ما كتبته اختزالا إلي اللغة العادية، وتقول: " كنت أكتب بسرعة وفاتني أن أضع نقاطا بين عبارتين.. وكان من الواضح أنني أسقطت نقطة واحدة فقط. لكن دوستويفسكي استاء بشدة من إسقاط النقطة، وظل يكرر عدة مرات" هل هذا ممكن؟ هل هذا ممكن؟"! إلي هذا الحد تكون نقطة واحدة مهمة. وقد يبدو لنا أن اللغة محايدة، على الأقل في مجال مثل أخبار الجريمة والعلوم، لأنها لا تنقل سوى ما جرى وأين وكيف. وعلى سبيل المثال فقد نشرت بعض الصحف خبر رحلة يوري جاجارين أول رائد فضاء بعنوان " لماذا أسلم يوري جاجارين عندما صعد إلي الفضاء؟"! وبذلك نقلت اللغة ضمنا أنه لا يجوز لأي انتصار علمي أن يقع خارج دائرة الدين الاسلامي! وإذا كانت اللغة لا تعرف الحياد في الأخبار العلمية، فإنها أيضا لا تعرف الحياد حتى في أخبار الجرائم، وتتشبع أصغر التفاصيل بموقف ونظرة وحكم اجتماعي. انظر مثلا الجملة الشائعةعند نقل أخبار حوادث الاغتصاب، وهي جملة طويلة متكررة: " أوقعها المحتال في شباك هواه وفقدت أعز ما تملك". في تلك الجملة وحدها يبرز ليس فقط موقف محدد، بل ومنظومة فكرية متكاملة، لأنها تحتوي على عدة مفاهيم مركبة، وبداية فإن الشاب أو الرجل هنا " محتال"، وهو الذي يوقع الفتاة في شباكه من دون أدني مسئولية عليها ، وكأنها سمكة بريئة! أما الأشد إثارة للدهشة فهو تعبير أن الفتاة " فقدت أعز ما تملك"، ومفهوم طبعا ما هو ذلك " الأعز". ولغة كهذه تعكس تصورا محددا عن أهم شيء في المرأة. ليس القلب، ولا العقل، ولا الضمير، لأننا عندما تجن فتاة لا نكتب إنها فقدت " أعز ما تملك"، وعندما تمسي امرأة قاسية القلب لا نقول إنها " فقدت أعز ما تملك". هكذا تكشف اللغة كل مرة عن انحيازها لما تتصوره صحيحا. وعند نشر خبر عن ضبط شبكة دعارة فإن اللغة تشير بوضوح إلي وجود " ساقطات" ثم إلي " راغب متعة"، وبهذه اللغة تمسي المرأة " ساقطة " والرجل مجرد " راغب" وليس أنه ضبط متلبسا ! اللغة موقف، لا يعرف الحياد، ويتبين ذلك بوضوح عند نشر مختلف الصحف – كل حسب موقفها - الأنباء عن " سقوط قتلى"، أو " شهداء" في معارك ضد الارهاب، وفارق كبير بين" قتلى" و" شهداء"، هو الفارق بين موقف وآخر وبين انحياز وآخر، وبين فكرة وأخرى. اللغة لا تعرف الحياد، واعلم أن اللغة هي أنت، وانك عندما تكتب أو تتكلم فأنت تتخذ موقفا قد يكون ترتيب الجمل فيه فارقا، وقد يكون اسقاط النقطة فيه شيئا يدعو للصياح مرارا : " هل هذا ممكن؟! هل هذا ممكن؟! "

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيئة الأمر بالملبوس والذوق العام
- الانتفاضات العربية .. الأزمة والطريق
- خلود اللحظات العابرة
- لا أكتب الرواية لأنها تحتاج إلى نفس طويل
- جائزة نوبل .. سقوط أدبي وسياسي
- أذا عشقت اعشق قمر
- مسعد أبو فجر .. أدباء على ايقاع الغزو
- السير إلى الحرب
- المرأة ليست صندوقا لحفظ شرف الرجال !
- أخلاق نبيلة قصة قصيرة
- أحمد من عيلة ايمي
- الزهاوي بين الشعر والعلم
- ساق على ساق - قصة قصيرة
- تمثال الحرية كان منحوتا لقناة السويس
- عم نتكلم .. حين نتحدث عن الحب ؟
- - دعونا ننطلق- .. صيحة المستقبل الأجمل !
- السودان .. الانتفاضة السمراء
- أبو بكر يوسف نغمة فريدة من اللحن المصري
- - حضن المنصورة - .. لماذا نكره المحبة ؟
- دين الفنان جميل راتب


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - اللغة لا تعرف الحياد