أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - خلود اللحظات العابرة














المزيد.....

خلود اللحظات العابرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6388 - 2019 / 10 / 23 - 16:56
المحور: الادب والفن
    


غرام الانسان بالصورة قديم جدا، فقد كانت الصورة وسيلته الوحيدة لتخليد نفسه، واستبقاء كل اللحظات العابرة في مواجهة العدم، وقد استمر ذلك العشق من رسم الصور على جدران الكهوف، مرورا برسم صور الحياة في الأدب، وانتهاء بتثبيت كل اللحظات العابرة في صور بالكاميرا ثم في وسائل التواصل الاجتماعي. ويتجلى هذا الغرام بالانتصار على العدم في طوفان الصور في فيس بوك، وستصاب بالذهول من أشخاص يصورون أنفسهم قبل دخولهم لحجرة العمليات بلحظة، يصورون أطفالهم فور وقوع حادث، لأن لديهم ايمانا باطنيا عميقا أن لحظات حياتهم كلها عابرة، وأنه لن يبقى في سوى الصور، هي وحدها الطريق إلى الخلود وإلى الانتصار على الزوال. أدرك الانسان من قديم الأزل أنه ظاهرة عابرة، وأن بقاءه مؤقت، فراح يصارع بجنون للافلات من هذا القدر. خلال ذلك كانت" الصورة" أهم أسلحة البقاء. في أسطورة نرسيس اليونانية القديمة يرى الانسان انعكاس صورته على سطح البحيرة ويتشبث بها ويقع في عشقها، ولعل تلك الأسطورة كانت أول تعبير عن أهمية الصورة في تخليد الوجود العابر، واستبقاء الذات. وعندما اكتشف الانسان الصورة كان يكتشف أداة للحرب على الموت، صغيرة، وبسيطة، لكنها الأداة المتاحة. والصورة أسبق للوعي من اللغة، فقد كان الانسان يرى ما حوله قبل أن يكتب بزمن طويل، وكان يستوعب العالم عن طريق الصورة، لهذا أمست الصورة قلب العمل الأدبي السردي، وكان أنطون تشيخوف يقول : " لا تقل لي كم هو القمر مضيء بل " أرني" وميضاً من الضوء على زجاج محطم". أما الناقد المعروف فيساريون بيلينسكي فكان يؤكد أن:" الفن هو التفكير في شكل صور". وقد قطعت علاقة الانسان بالصورة مراحل طويلة، إلى أن اكتشف التصوير الفوتوجرافي، والكاميرا، لكن عددا كبيرا لا يعلم أن " الكاميرا" التي نستخدمها الآن، بكل أشكالها المختلفة داخل المحمول أو خارجه، هذه الكاميرا قد اشتق اسمها من كلمة " قمرة " العربية التي تعني حجرة صغيرة، وذلك لأن من وضع أسس التصوير الحديث كله هو العالم العربي الحسن بن الهيثم الذي ولد قبل عشرة قرون في العراق في 965 ميلادية، وسجل اكتشافه في كتابه المسمى " المناظر". وقطعت مباديء التصوير رحلة طويلة تنقلت خلالها بين عقول مختلف العلماء من مختلف الجنسيات منذ أن طور العالم الأيرلندي روبيرت بويل الكاميرا البدائية حتى لويس داجير الفرنسي الذي سجل اختراع التصوير الفوتوجرافي باسمه في 1837. ومنذ أن عبر الأدب اليوناني عن نزعة الانسان العميقة للصورة ، إلى الكاميرا الحديثة، تأكد أن الانسان بحاجة إلى ماسة إلى الصورة، حاجته للبقاء حيا، وحاجته للانتصار على الزوال، وحاجته للاستمرار. لهذا تبدو الصورة سيدة الموقف، ليس فقط بظهور السينما، ولكن بالأخص بعد ظهور وسائل التواصل الحديثة من تويتر لفيس بوك وانستجرام وغيرها. أحيانا كثيرة ترى في تلك الوسائل صورة مريض على أبواب حجرة عمليات نشرتها زوجته ، أو مريض آخر وانابيب الهواء في أنفه بصحبة ابنه، وتتساءل: " بم هم مشغولون؟ بالمريض أم بالصورة؟، بمصير ذلك الانسان ، أم بصورته؟ ". وفي كثير من الأحيان يأتيني الجواب أن الانشغال بالصورة انشغال بالانسان، بديمومته، بتخليد لحظاته العابرة، الزائلة، المؤقتة، ومؤازرته في صراعه ضد الزوال. وتبقى مأساة الانسان في أنه الظاهرة الأكثر ادراكا للوجود، والأكثر وعيا بقوانين الكون، لكن ذلك الإدراك لا يمكنه من البقاء أطول مما تبقى شجرة أو صخرة، ومن ثم يقاتل لكي يبقى بواسطة الصورة.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أكتب الرواية لأنها تحتاج إلى نفس طويل
- جائزة نوبل .. سقوط أدبي وسياسي
- أذا عشقت اعشق قمر
- مسعد أبو فجر .. أدباء على ايقاع الغزو
- السير إلى الحرب
- المرأة ليست صندوقا لحفظ شرف الرجال !
- أخلاق نبيلة قصة قصيرة
- أحمد من عيلة ايمي
- الزهاوي بين الشعر والعلم
- ساق على ساق - قصة قصيرة
- تمثال الحرية كان منحوتا لقناة السويس
- عم نتكلم .. حين نتحدث عن الحب ؟
- - دعونا ننطلق- .. صيحة المستقبل الأجمل !
- السودان .. الانتفاضة السمراء
- أبو بكر يوسف نغمة فريدة من اللحن المصري
- - حضن المنصورة - .. لماذا نكره المحبة ؟
- دين الفنان جميل راتب
- دمشاو .. مناجاة الرب بختم الدولة
- السينما المصرية .. ما الذي يحرق ذكرياتنأ ؟
- الأشواق التي لا تكتمل


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - خلود اللحظات العابرة