أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أذا عشقت اعشق قمر














المزيد.....

أذا عشقت اعشق قمر


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6375 - 2019 / 10 / 10 - 00:26
المحور: الادب والفن
    


كان الكاتب الراحل المعروف أحمد حمروش في زيارة لموسكو ذات يوم، وطلب من المترجم الروسي المرافق له أن يوقظه في التاسعة صباح الغد. في الوقت المحدد شعر حمروش بيد تهز كتفه برفق وسمع صوت المترجم الشاب يقول له:" صباح الخير أستاذ حمروش.. هل مت جيدا؟"! واعتدل حمروش مفزوعا متشائما وقد أدرك ما يقصده المترجم الشاب فصاح :" اسمها هل نمت جيدا! مت إيه الله يخرب بيتك" !! تذكرت هذه القصة بمناسبة الاحتفال السنوي في 30 سبتمبر باليوم العالمي للمترجم الذي يتزامن مع عيد ميلاد القديس جيروم مترجم الكتاب المقدس. ويثير ذلك اليوم، قضايا كثيرة متعلقة بالترجمة، ودورها، ونظرياتها. وأذكر أن أول ترجمة كبيرة لقصص أنطون تشيخوف في مصر كانت في الستينيات قام بها محمد القصاص في كتاب يقع في أكثر من خمسمائة صفحة. في حينه فرحنا جدا بذلك العمل، وكان القصاص قد ترجم العمل عن الانجليزية. فيما بعد تبين لي بسبب هذا العمل أن أولى المشكلات هي الترجمة عن لغة وسيطة. وعلى سبيل المثال، فإن المترجم حين تصادفة الجملة التالية : "جلسوا يشربون الشاي والسكر" فإنه سيترجمها كما هي، طالما أنه لا يعرف أن لشرب الشاي عند الشعب الروسي طقسا خاصا، فهو لم يكن يذيب السكر داخل الأقداح، بل يضع قطع سكر صلبة ( سكر نبات) بجوار الشاي، ويمتص منها مع كل جرعة شاي! إذن نحن هنا أمام طقس ثقافي، وعادات خاصة، لابد أن تنقلها الترجمة، لأنك لا تترجم لغة ، بل تترجم نسقا ثقافيا متكاملا. أيضا هناك مثل روسي يقول : " اذا عشقت اعشق ملكة ، وإذا سرقت اسرق مليون". وهو بالضبط ، المقابل من حيث المعنى لما نقوله نحن : " إذا عشقت اعشق قمر، وإذا سرقت اسرق جمل". لكنك إذا ترجمت المثل الروسي إلي نظيره العربي تكون قد أخطأت بشدة. صحيح أن المعنى واحد، لكن كل شعب يستدل على المعنى نفسه ويصل إلى الفكرة ذاتها بواسطة تاريخه الثقافي المختلف، الخاص به، ففي المثل العربي تتضح أهمية القمر وجماله لبلاد صحراوية تعاني من حرارة الشمس، وفي المثل تقدر الثروة وفقا لمعايير مجتمعاتنا السابقة بالبعير. أما الشعب الروسي فإن الجمال عنده مرتبط بالمكانة الاجتماعية والثروة مرتبطة بالنقود، لأنه قطع شوطا أبعد في التطور الاقتصادي. ولذلك فإنك حين تترجم ، لا تنقل المعنى بما يقابله، بل تنقل في الأساس نسقا ثقافيا كاملا، لا يصح أن تستبدل فيه البعير بالعملة النقدية. وفي ذلك السياق نشعر جميعا بالعرفان للمترجم الكبير سامي الدروبي الذي نقل إلينا الأعمال الكاملة للروائي الروسي دوستويفسكي عن الفرنسية، وحين قررت دار التقدم في موسكو أن تعيد طباعة بعض ترجمات الدروبي، عهدت بها إلي دكتور أبو بكر يوسف لمراجعتها على الأصل الروسي، وتصادف أن كنت عند أخي بكر في بيته فأعطاني مقتطفا من الأصل الروسي لإحدى الروايات، وراح يقرأ علي من ترجمة الدروبي، لكي يظهر لي الفارق بين الأصل والترجمة عن لغة وسيطة. وكان هناك فارق لا يستهان به. لكن الترجمة تشق طريقها حتى لو كانت عرجاء، لأنها ضرورة قصوى للتفاعل الحضاري، ومع الوقت تمسى أكثر دقة، وأكثر قدرة على مراعاة السياق الثقافي، كما يبدأ في الظهور المترجمون المتخصصون في كل لغة. وقد قطعت الترجمة عندنا – أعني في مصر- شوطا طويلا، وشتان بين الترجمات المرتجلة التي كان نجيب محفوظ يقرأها في شبابه وبين ما نقرأه نحن الآن. ويحكي الأستاذ في هذا الصدد أنه وقعت بين يديه قصة للكاتب الفرنسي موباسان، وقرأ فيها أن البطل تقدم نحو حبيبته ماري وأعطاها ورده وقال لها " تهادوا تحابوا يا ماري .. كما قال سيدنا محمد رسول الله (صلعم) "! وقال محفوظ إنه دهش من أن أدباء فرنسا يعرفون الدين الاسلامي إلي هذه الدرجة ! ثم اكتشف فيما بعد أن المترجم كان يترجم براحته شوية. لدينا الآن مترجمون متخصصون يتقنون معظم اللغات الحيوية حتى الصينية، ولدينا قدرات، وأساتذة أكفاء، ربما ينقصنا أن تنخرط كل قوانا في مشروع ثقافي عام للنهضة، كما حدث مع بدايات الترجمة عصر محمد علي، حين كانت حركة الترجمة جزءا من مشروع للنهضة، وليس مجرد اجتهادات فردية لامعة متناثرة.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسعد أبو فجر .. أدباء على ايقاع الغزو
- السير إلى الحرب
- المرأة ليست صندوقا لحفظ شرف الرجال !
- أخلاق نبيلة قصة قصيرة
- أحمد من عيلة ايمي
- الزهاوي بين الشعر والعلم
- ساق على ساق - قصة قصيرة
- تمثال الحرية كان منحوتا لقناة السويس
- عم نتكلم .. حين نتحدث عن الحب ؟
- - دعونا ننطلق- .. صيحة المستقبل الأجمل !
- السودان .. الانتفاضة السمراء
- أبو بكر يوسف نغمة فريدة من اللحن المصري
- - حضن المنصورة - .. لماذا نكره المحبة ؟
- دين الفنان جميل راتب
- دمشاو .. مناجاة الرب بختم الدولة
- السينما المصرية .. ما الذي يحرق ذكرياتنأ ؟
- الأشواق التي لا تكتمل
- الطائرات الورقية والدولة اليهودية
- ثلاثمائة مثقف مصري وعربي يؤكدون : الأوبرا تنهب إبداع الخميسي ...
- نابليون بونابرت معلقا رياضيا !


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أذا عشقت اعشق قمر