أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - دين الفنان جميل راتب














المزيد.....

دين الفنان جميل راتب


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6003 - 2018 / 9 / 24 - 04:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عام 1928 استطاع العالم الاسكتلندي الكسندر فلمنج أن يشتق من العفن أول مضاد حيوي وهو البنسلين. لكن أحدا لم يستطع إلي يومنا أن يشتق شيئا مفيدا من العفن الثقافي المخيم على رؤوس من تساءلوا: الفنان جميل راتب مسلم أم مسيحي؟ عفن عقلي لا يشتق منه شيئ مفيد إلا لو كان" مضاد وطني" يحقن به الفكر لتجزئة وتقسيم الوطن والفن والعلم والبشر والموهبة حسب الديانة. ومن المدهش أن يكون السؤال حينما يغادر فنان كبير عالمنا هو: أمسلم هو أم مسيحي؟ بدلا من أن يكون: هل أفاد الوطن بفنه؟ هل كان مخلصا لعمله؟ هل أجاد فيه؟ هل أسعد الناس بما قدمه؟ أما الديانة فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسب الجميع عليها وليس نحن البشر الزائلين، خاصة إن كان ذلك القسم من البشر منافق وكذاب وناهب ثروات ورشوة ومحمل بكل الذنوب الأخلاقية الأخرى. أولئك حين يذهبون بأطفالهم لتطعيمهم بمصل الجدري لا يسألون عن ديانة إدوارد جينر المسيحي الذي اخترع المصل، لأن المسألة هنا تتعلق بمصلحتهم المباشرة، وهم أيضا لا ينبسون بحرف عن ديانة جوناس سولك اليهودي مخترع لقاح شلل الأطفال الذي يطعمون به أطفالهم، لأن كل ما يعنيهم ألا يصاب اولادهم بالشلل. وهم حينما يرقدون لتغيير صمام في القلب لا يشيرون بحرف إلي أن من اخترع أول صمام صناعي للقلب ليس مسلما، وعندما يمرض شيوخ فتاوى العفن العقلي الذي يدعون للعلاج ببول البعير، فإنهم يهرلون إلي مستشفيات الغرب لتلقي العلاج فيها دون أي غمغمة عن ديانة الأطباء أو أصحاب المستشفى أومخترعي الأدوية. المهم المصلحة. ويستمتع أنطاع العفن العقلي بكل انجازات المسيحيين من محمول وتلفزيون ولامبة وسيارة وحاسب آلي وكاميرا سينما ويعيشون على كل ذلك، بل وحتى على فكر الآخرين في الفلسفة والعلوم السياسية وغيرها من دون أن يقولوا شيئا، لكن حينما يموت فنان مصري مبدع تظهرالنطاعة ويسألون : جميل راتب مسلم ولا مسيحي؟! وإذا كانت الديانة هي التي ستحدد موقفنا من الفن والفنانين عامة لأصبح علينا ألا نضحك مع قفشات ماري منيب اللذيذة لأنها ليست مسلمة ولا تنتسب لقبيلة بني حمدان، وألا نستمتع بقصص يوسف الشاروني، وروايات جورجي زيدان، وأفلام نجيب الريحاني، ويوسف شاهين، وعبقرية سناء جميل، وهلم جرا. وعلينا ألا نقرأ تولستوي وديكنز وكافكا وشكسبير وجابريل جارثيا ماركيز وغيرهم! باختصار يصبح علينا أن نلقى جانبا بالحديث الشريف " الدين المعاملة"، أي أن ما يهمنى من الآخرين هو نفعهم وإفادتهم البشرية. لكن البعض يجلس يسبح في بحور الانترنت، ويقلب القنوات الفضائية، ويجري جراحة مياه بيضاء وزرقاء، وينعم بكل ما يجيء من الغرب المسيحي، ورغم كل ذلك يظهر لنا عفنه العقلي المتأصل متسائلا: هل يجوز الترحم على جميل راتب أم لا ؟ كأنما بلغ غاية الدقة في اتباع تعاليم الاسلام ولم يبق إلا السؤال عن جواز الترحم من عدمه! وقد شهد تاريخنا وقائع كثيرة مخجلة من هذا النوع، منها أن الأديب الكبير نجيب محفوظ لم يحصل على منحة دراسية إلي فرنسا لدراسة الفلسفة في حينه لأن القائمين على الأمر حينذاك شكوا بسبب اسمه " نجيب محفوظ " ما إن كان مسلما أم مسيحيا؟! وحين دعت جامعة الملك فؤاد ( جامعة القاهرة) الأديب الكبير جورجي زيدان ذات يوم لالقاء محاضرات عن تاريخ الاسلام بصفته اخصائيا في ذلك المجال، عادت الجامعة فسحبت الدعوة حين تذكرت أنه مسيحي! رحم الله الفنان الجميل جميل راتب، الذى امتاز ببسمة تنطوي على سخرية أرستقراطية لطيفة، تنطوي على المحبة، رحمه بقدر ما أسعد الناس بالعديد من أدواره في السينما والتلفزيون. وقد كشف ذلك الفنان الجميل عن جوهره الانساني حين سألته مذيعة في لقاء تلفزيوني عمن يود أن يتقدم إليهم بالشكر فلم يشكر مسئولا أو وزيرا، لكنه تقدم بالشكر إلي سائق أتوبيس أوقف الأتوبيس وهبط ليصافحه، وعاملة نظافة في مطار القاهرة أصرت أن تضايفه بزجاجة كوكاكولا، وسائق تاكسي، ولم يسأل أحد من أولئك عن ديانة جميل راتب، لأن الفنان بالنسبة إليهم هو الفن الذي قدمه. وقد استقر من زمن في ضمير الشعب المصري أن"الدين لله والوطن للجميع"، وحتى جيل الستينيات لم نكن نعرف ذلك العفن العقلي الذي ينتشر الآن كالفطر ويغطى النفوس. تبقى عبارة الكاتب الروسي العظيم فيودور دوستيوفسكي ملهمة ومشعة:" الذين يتوقون للتعرف إلي إله حي عليهم أن يبحثوا عنه في المحبة البشرية"، أما العفن العقلي والثقافي والروحي فلن تغسله إلا أمطار التنوير والفن والعدالة والعلم.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمشاو .. مناجاة الرب بختم الدولة
- السينما المصرية .. ما الذي يحرق ذكرياتنأ ؟
- الأشواق التي لا تكتمل
- الطائرات الورقية والدولة اليهودية
- ثلاثمائة مثقف مصري وعربي يؤكدون : الأوبرا تنهب إبداع الخميسي ...
- نابليون بونابرت معلقا رياضيا !
- أحمد عبد الله زعيم الطلبة .. النغمة المفقودة
- رمضان في طفولتي
- البرادعي لا يفيد ولا يخلو من السياسة
- دار الأوبرا المصرية تنهب إبداع الخميسي ! فضيحة !!
- أمسية في محبة إبراهيم فتحي
- الإبداع ومواسم الخداع
- بيان من المثقفين والأحزاب المصرية تضامنأ مع الشعب السوداني
- صبري موسى .. الكاتب المعروف المجهول
- سلام لسعد الدين إبراهيم وموشى دايان
- عهد الطفولة .. اخرجوا من فلسطين !
- ترامب.. من إبادة الهنود إلي إبادة العرب
- مقتل بائع الكتب .. موت المثقف
- من المنفلوطي إلي يوجين نيدا
- مائة عام على ثورة أكتوبر


المزيد.....




- شاهد لحظة إضرام رجل النار داخل مقصورة مترو أنفاق مزدحمة بالر ...
- مقتل سيدة وإصابة 11 في قصف اسرائيلي على جنوب لبنان
- مشاهير العالم يحضرون زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز في البندقي ...
- تقرير أمني.. عمليات القرصنة السيبرانية الإيرانية بقيت محدودة ...
- بوندستاغ يقر تعليق لم شمل أسر الحاصلين على -الحماية الثانوية ...
- القضاء الإسرائيلي يرفض طلب نتنياهو إرجاء محاكمته بتهم فساد
- هل خدع الذكاء الاصطناعي الإعلام بفيديو سجن إيفين؟
- محكمة إسرائيلية ترفض طلب نتانياهو تأجيل محاكمته في قضايا فسا ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: نواصل الضغط على روسيا بفرض عقوبات جديد ...
- حريق متعمد في مترو سول.. والسلطات الكورية توجه 160 تهمة لسبع ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - دين الفنان جميل راتب