أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط















المزيد.....

أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1553 - 2006 / 5 / 17 - 03:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مقالة تنبؤية نشرتها مؤخرا، قالت روز ماري هوليس: "سينظر الأوربيون إلى أواخر القرن العشرين بوصفها زمنا فاصلا بين الحرب العالمية الثانية والحرب الطائفية التي ستغمر ما كان يسمى يوما الامبراطورية العثمانية، وستفيض منها لتبلغ الاتحاد الأوربي. ولن تكون هذه حربا بين دول أو قوى عظمى أو امبراطوريات، ستكون بالأحرى أشبه بحرب أهلية".
السيدة هوليس التي تعمل مديرة للبحث في معهد الدراسات الملكية البريطاني ذو السمعة الطيبة، تشاتهام هاوس، تعتقد أن بعض دول الشرق الأوسط يمكن أن تنعزل عن هذا الصراع بفضل مزيج من تكثيف الأمن وإحكام المراقبة ووفرة الثروة. وسينتعش الطلب على المرتزقة لحماية الشركات والسياسيين وبعض الأحياء المسوّرة. لكن الصراع المميت سيندلع في موجات تدوم واحدتها أشهرا في ضواحي ليدز وكوبنهاغن ومارسيليا وحلب والخليل وكركوك والاسكندرية.
ستصمد الدول في أوربا، لكن ليس دون التضحية بالديمقراطية الليبرالية، بينما ستتفكك بعض دول الشرق الأوسط، ومنها ستنطلق شرارة الحرب. وترصد هوليس التي كتبت مقالها من رام الله في فلسطين محركين لنشر العنف والفوضى هما العراق الآخذ بالانهدام حسب تعبيرها، وفلسطين بعد انتخاب حكومة حماس ومقاطعة الغرب لها.
وتختم بالقول: "ستكون الحرب المقبلة شأنا شرق أوسطيا وأوربيا بالتحديد، جولة جديدة في حكاية عمرها قرون. أما الأميركتان والصين واليابان وأفريقيا جنوب الصحراء والهند، وربما روسيا، فستكون ممتنة إن استطاعت النأي بنفسها عن هذه الحمأة".
تتخلل المقال روح من القدرية والتشاؤم. والباحثة البريطانية امتنعت عن اقتراح أي شيء لمعالجة خطر تحلل الدول في الشرق الأوسط وخسارة الديمقراطية الليبرالية في أوربا.
وتتجنب هوليس بصورة نسقية استخدام صيغ ظرفية تفيد الاحتمال أو الترجيح، نترجمها عادة إلى العربية باستخدام لعل أو ربما أو من المحتمل أو المرجح...، وهي صيغ أكثر من شائعة في اللغة الانكليزية، وشيوعها واسم لروح النسبية واللايقين المواكبة للحداثة الفكرية. طوال مقالها المعنون: "أوربا والشرق الأوسط: حرب المواقع الطائفية قادمة"، تستخدم الباحثة فعل will الذي يفيد التقرير والجزم، فضلا عن الاستقبال. من جهة المضمون، قد تكون هذه فضيلة للمقال. إنه مقال بالغ القسوة والكآبة والتشاؤم، لا يبذل أي جهد لتخفيف تقديراته أو إضفاء صفة نسبية عليها. فكأن مديرة أبحاث تشاتهام هاوس تقمصت روح زرقاء اليمامة وهي تنذر بني قومها بالفوادح القادمة.
فهل ما تتنبأ به الباحثة البريطانية مرجح؟ إن وظيفة المؤسسة البحثية في بلدان الغرب، مراكز الدراسات الاستراتيجية بالخصوص، هي مساعدة المجتمعات وصناع القرار على تكوين صورة صادقة عن العالم المحيط بهم من أجل تلافي أخطاره المحتملة ورسم السياسات التي تتيح صون الأمن الوطني بمعناه الواسع. وليس من الضروري أن يوفق جهاز استشعار المخاطر البحثي في كل توقعاته، وليس هذا معيار فائدته. المعيار هو استيعاب العالم معرفيا، وحسن التوجه فيه عمليا، وترسيخ القدم فيه كيانيا.
وللأسف ليس ثمة ما يقوي قلب المرء على التشكك بتنبؤات الباحثة البريطانية أو اتهامها بالتهويل. لكن لعل المتابع يلاحظ نوعا من عدم التوازن في مقاربتها. فتحليلها مبني على حقيقة أن كل من أوربا والشرق الأوسط، وهما معا، نظم دولية فرعية، ما يصيب أيا منها ينعكس على غيره، وتمس آثاره العالم. وهي نفسها تقول إنه يجمع أوربا والشرق الأوسط "تاريخ مشترك وجوار جغرافي وروابط بشرية وتواصلات معقدة وترابط اقتصادي، ما لا يترك مجالا لانتصاب حواجز بينهما". رغم ذلك يبدو تفجر الحرب الطائفية شأنا شرق أوسطيا، تصيب أوربا منه "طراطيش" ثقيلة. أما "إلقاء اللوم على أوربا"، وهذا عنوان فقرة من المقال، فيبدو لها محض عامل محرض على انتشار حروب الشرق الأوسط الطائفية على أرض الأوربيين. وفي نظرها أن مزيج الطائفية المنفلتة وحروب الميليشيات ونزعة معاداة الغرب في الشرق الأوسط سيتسبب في إثارة توترات إثنية وطائفية في أوربا.
الباحثة تتمسك بمقاربة منظومية عند تقدير العواقب المحتملة، فقط لتهجرها عند تقصي الأسباب. أوربا تخلت عن الامبريالية، تقول، لكن العرب لا يزالون يتذكرون مسؤولية بريطانيا عن حال الفلسطينيين وعن هشاشة العراق، وحداثة عهد الفرنسيين بالاستعمار وما إلى ذلك. يتذكرون ذلك اليوم بغضب متزايد.
ويبدو لنا أن الرفض اللاشعوري من قبل الكاتبة للاقتراب من قضية المسؤوليات (نذكر أنها كتبت مقالتها في رام الله، حيث لا يمكن لبريطاني نزيه ومنصف ألا يكون ممزق المشاعر)، هو ما يكمن وراء امتناعها عن اقتراح إطار لمعالجة مخاطر انفجار الشرق الأوسط. لكن الأمر لا يتعلق بالمسؤوليات بحد ذاتها، بل بالأحرى بتطوير مقاربات عملية لمعالجة هذا الانفجار القيامي الذي اكتفت باتخاذ موقف نبوئي حياله. هل للأوربيين ضلع في المسؤولية عن الأوضاع الشرق أوسطية التعيسة؟ بلا ريب. هل هم المسؤولون عن هذا الأوضاع؟ قطعا لا. لكن التلبث عن توزيع المسؤوليات، مهما يكن عادلا، لا يحل أية مشكلة. وهو يتعارض مع التحليل المنظومي الذي لا نفلح في مقاربة قضايا الشرق الأوسط بالخصوص دون الانطلاق منه. إن مشكلات الشرق الأوسط منظومية، أسبابها منظومية، ومعالجتها لا يمكن إلا أن تكون منظومية. وأعني بذلك أنها مشكلات مترابطة ضمن نظام دولي فرعي، يشكل شبكة معقدة من التفاعلات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والأمنية. المسؤوليات هنا تفاعلية. إذ ما إن تتكون المنظومة حتى تنتج أسباب دوامها وآليات إعادة إنتاجها الذاتية، المستقلة بهذه الدرجة أو تلك عن "محركها الأول". وإن كان ذلك لا يوفر أساسا لأي موقف بارانوئي، فإنه أيضا ينال من صدقية أية مقاربة عرجاء وغير متوازنة كالتي صاغتها السيدة هوليس.
بدلا من انتظار القيامة والتضحية بالديمقراطية الليبرالية في أوربا من أجل إنقاذ الدولة، ربما يتعين التفكير في مفاوضات عالمية، يشارك فيها العرب والإيرانيون والإسرائيليون والأوربيون والأميركيون، وتناقش فيها القضايا الجوهرية (فلسطين والسلام والأمن والتنمية والديمقراطية) بعين العدالة والمساواة، بعيدا عن طموحات الهيمنة والإخضاع وأوهام التفوق، بعيدا أيضا عن التنصل من المسؤوليات أو رميها على الغير.
ما نعرفه عن العالم يجعل من ذلك أضغاث أحلام؟ نعم. لكن عالم اليوم ليس معيارا للمعقول، وهو لا يعد موطن الأديان القديم بغير الكوابيس والموت والجنون.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارج السلطة: تحول موقع الماركسية الثقافي
- تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية
- في أية شروط تغدو الطوائف فاعلين سياسيين؟
- من سلطة غير دستورية إلى أخرى
- إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟
- مقاربتان حولاوان في التفكير السياسي العربي
- العدو ذات تنقذ نفسها، ونحن ينقذنا التاريخ، لكن بأن نغدو موضو ...
- ماذا يفعل السلاح في الشارع؟
- التلفزيون والسجن: صندوقا السلطة
- لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!
- طاقة الرمزي والعقلانية الرثة
- الطغيان والواقعية النفسانية
- حداثتنا الفكرية: قومية ألمانية، علمانية فرنسية، اشتراكية روس ...
- إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!
- الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط