أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - عيد وقبور وفنطازيا














المزيد.....

عيد وقبور وفنطازيا


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 6316 - 2019 / 8 / 10 - 00:21
المحور: سيرة ذاتية
    


عيد وقبور وفنطازيا


كُلُّ فنطازيا العيد على الطريقة العراقيّة ، تجدونها في المقابر العراقيّة.
كُلُّ فنطازيا العراق الراهن ، وفوضاه ، تجدونها في المقابر العراقيّة ، التي ترتدي كاملَ فنطازيّتها في أوّل أيامِ العيدِ "السعيدة".
في العيد السابق ذهبتُ إلى المقبرةِ وحدي ، لأتحاوَر مع "موتاي" على طريقتي الخاصة.. حواراً يليقُ بي كمثقّفٍ "عضوي" ثرثار، ويليق بهم كراحلينَ أعِزّاء ، طواهم الصمتُ إلى الأبد.
أوّلُ شيءٍ حَدَثَ لي عند وصولي إلى المقبرة ، هو أنّني لم أستطِعْ الوصولَ إلى أيّ قبرٍ من القبور العشرينِ ، الموضوعةِ على أجندةِ السعادةِ "العيديّة".. وذلكَ لفقداني جميعَ نُقاطِ الدلالةِ "المقبريّة" ،على امتدادِ عشرة كيلومترات مُربّعة ، من القبور "النمطيّة".
ولكنّني كنتُ قد قطعتُ ما يقربُ من ثلاثينَ كيلومتراً للوصولِ إلى المقبرة ، ولن أدَعَ ذلكَ التَعَب يذهبُ هَدْراً .
لذا قرّرتُ التجوّلَ بين القبور ، وقراءة "البيبلوغرافيا" المُدوّنة على شواهدها.
خمسونَ "سَطْلاً" ، مع خمسين فتىً ، حُفاةً ونصفُ عُراة ، كانت تُرافقني في تجوالي ، وكأنّني في موكبٍ مَلَكيّ .. وكانت تُباغتني .. وكنتُ أتعَثّرُ بها ، ما بينَ قبرٍ وقبر.
رأيتُ أحدهم وهو يبكي بمرارةٍ فوقَ قبرٍ حديث التكوين. كانَ يُدمدِمُ مقاطِعَ من شيءٍ ما ، لم يكن غريباً على مسامعي. اقتربتُ منهُ وسمعتهُ يُردّد بهمسٍ أُغنية حسين الجسمي "إجَه الليل ، إشْيِخَلْصَه الليل .." ، فوجدتُ روحي الموجوعةَ تُرَدّدُ معه دونَ وعي "يا يابه .. يا يابه".
أحدهم كان يسقى شتلةً ميّتَةً ، كانت قد ماتَتْ قبلَ أنْ يموتَ المَيّتُ بقرونٍ عديدة.
عشرةُ نُسوةٍ كُنَ يتحدّثنَ بحبورٍ في موضوعٍ "دُنيوّي" خالِص، و "نسويٍّ" خاص، لا علاقةَ لهُ بالموتِ، وبالميّت.
رجُلانِ تائهانٍ في منتصف العُمر ، شككتُ في أنّهما قد إحتسيا مشروباً ثقيلاً ، يسألانِ بعضهما ، وهُما يُشيرانِ إلى قبرٍ بكامل عافيته: هل هوَ هذا ؟ ويُجيبانِ بعضهما ، وكأنّهما غريبان : لا .. ليس هذا .. ثمّ يقولُ أحدهما للأخَر : لَكْ هاي غير ورطة .. ويبتعدانِ عن القبر مُتَرَنِّحَين، وهما يضحكانِ ضِحكةً مُجلجِلة.
عشرُ عوائلَ بكاملِ مشمشها ، إقتادوا معهم مائةَ طفلٍ كانوا جميعاً يتقافزونَ فوقَ قبرِ الميّتِ، ليكونَ بذلكَ أكثرُ الموتى سعادةً في هذا العالم.. بينما ترتدي صبيّاتُ العائلةِ"الحزينة" أحدثَ أزياءِ الزمنِ "الجُزئيّ" ، بما في ذلك بنطلونات الجينز، ذواتِ البُقَعِ والرُقَع.
سيّدٌ وسيّدة .. ارستقراطيّان بكاملِ أناقتهما .. يحملانِ باقةَ وردٍ باذخة ، يضعانها وكأنّهما ينحيانٍ لأمير، فوقَ قَبرٍ أجرَدٍ سرق منهُ لصوصُ المقابرَ كُلّ المرمرَ الذي كان يرتديه قبلَ أسابيعَ قليلة .. ويُغادرانِ بأسىً عميق ، بينما عطرهما الباريسيّ ، يملأُ المقبرة.
أخيراً .. قبرٌ معزولٌ .. وأعزَل .. ينامُ قربهُ بسلامٍ عجيب ، كلبٌ وحيد.
كلاهما ، الميّتُ والكلب ، كانا ينامانِ في كهفِ الوقت .. في إنتظارِ زمانٍ عادل.
ذلكَ هو قبري.



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا الليل .. ذلكَ الليل
- بينَ الحرب .. وضُحاها
- خطة التنمية الوطنية في العراق 2018 – 2022
- أثيوبيا .. من المجاعة ، إلى الإزدهار
- السَخام .. السَخام
- شَتْلات أثيوبيا الباسقات .. وشَتْلاتنا اليابسة
- في قديمِ الزمان
- إنَّها الكوابيسُ ياعزيزتي .. إنَّها الكوابيس
- دَعِ النملةَ تَصْعَدْ .. فلا شيءَ هُناك
- أفيالُ الإمبراطوريات تتصارع وتضحك، وعشب الحواشي يبكي، ويدفعُ ...
- متلازمة القلب المكسور ، الذي هو قلبي
- أسبابُ البكاء الطويل
- أرضُ الأسى في قومِ نوح
- الأشياءُ نظيفة ، يأتي أحَدهُم ، ويُوَسِّخُها بالكلمات
- الزعماء الديموقراطيّون - الشعبويّون و مُحافِظو -بنوكهم- المر ...
- غرائب وعجائب الإمتحان العراقي الطويل
- الأفلامُ الهنديّةُ تجعلني أبكي
- من أينَ إذَنْ .. كانَ يأتي الحليب
- تماماً كالفرَحِ الآنَ .. تماماً كالبُكاءِ الحديث
- عيد فِطْر رقم واحد .. عيد فِطْر رقم إثنين


المزيد.....




- الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الان ...
- الولايات المتحدة غيّرت مسار المواجهة - كيف سترد إيران؟
- خاص يورونيوز: إسرائيل ترفض تقرير الاتحاد الأوروبي حول غزة وت ...
- خبير إسرائيلي: تل أبيب لا تريد التصعيد والكرة في الملعب الإي ...
- هل فشلت -أم القنابل- في تدمير -درة تاج- برنامج إيران النووي؟ ...
- أحداث تاريخية هزت العالم بالأسبوع الرابع من يونيو
- الرأسمالية نظام -غير ديمقراطي- يستنزف جنوب العالم ليرفّه عن ...
- هل يطلب المرشد الإيراني وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟
- كيف نُفذت الضربة الأميركية على إيران؟ وما الأسلحة المستخدمة؟ ...
- كيف يرد الحوثيون بعد هجمات واشنطن على إيران؟


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - عيد وقبور وفنطازيا