أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرتضى محمد - طارق ياسين ... وضوح ثان للرؤية والبيبان والريح /قراءة في ديوانه (وضوح أول)















المزيد.....

طارق ياسين ... وضوح ثان للرؤية والبيبان والريح /قراءة في ديوانه (وضوح أول)


مرتضى محمد
(Murtadha Mohammed)


الحوار المتمدن-العدد: 6264 - 2019 / 6 / 18 - 04:28
المحور: الادب والفن
    


"انني في آخر ايامي اودعكم بكثير من الألم وقليل من الامل" هكذا كان الحدس الذي اختتم به الدكتور طه حسين مشواره. وهكذا يتخيل لي مداخل المقدمة التي وضعها الأستاذ سلام إبراهيم في تناوله الدقيق لأبعاد وأطر وخلجات وهواجس وثورات الــوضوح الأول في تجربة الشاعر طارق ياسين. تلك التجارب التي أثرت كم الابداع الذي خرج بمذراة وحفنة من (طحين السيّاح)* بوجه غول النكوص الفكري الذي امتدت يداه لتمسك بداهة الخلجة التي تنتابك لحظة الحب أو الجنس أو الأغاني أو حتى تلك المحاولات التي تبتعد محاولة شرب نخب مع أله ما. في الحياة العراقية مثلت تجربة الانتقال الشعرية في مجال الشعر العامّي (الذي لا اعرف كيف توضع نقاطة واحاسيسه في خانة التصنيف؟ أوليس الشق الأول من العبارة: الشعر!) انتقاله هائلة وهامة أشبعت دراسةً وتحليلاً وعمقاً في الطرح والاستعارات** حتى أصبحت كمنشور يعطي ما أستطرده القدر من محبة. "أن القراءة الأكثر نجاحاً هي تلك القراءة التي تعقد فيها...الذوات المخلوقة/المؤلف والقارئ اتفاقًا تاماً"1 ؛ وعليه لابد للمبدع/الشاعر/طارق ياسين "ان تنشأ طريقته التي تعبر عن تجربته وحياته لا أن يرث طريقة جاهزة، فلا طريقة عامة نهائية في الشعر"2 :

سمعت من القديم بفارة خربت ســـد
وتأملت معنى الشـــر ...
شفته ما أله فد حد
أن كان الشر بكد الفاره ...
يهدم سد! اشكد يهدم لعـــد
لو غده بكد الســــــــــد.

من مفردة تجولت بحرية تامه وبموسيقى محببه للسمع كانت (لعـــد) غير مألوفة في الشعر العامي (على الرغم من غنجها وتمايلها كمفردةٍ مدنيةٍ مشبعةٍ بالليالي) ان تجعلك تستسيغ القراءة والترتيب لنوافذ تفتح على وعي مغاير، وطريقة و (مجال جديد للكتابة***)، كتابة ستكون وتكوّن مساراً دالاً على تلك الذات:

مشت خطوه وشعرها المضوي بالشارع
ضوه خافت ايوخر الفيّ
وعطف عيونها التلمع يكف بالشمس نافوره
وضحكتها كمر ... لو نجمة مولودة بليالي العيد
تتأمل وجه طفلة العصر من جامة مكسورة

ها هي الصفحات النفسية التي تجول بفكرها الذي سبق وجودها حتى من خلال الرؤية التي تسترد ما بدا لها من خلف حجب الأتربة والضبابيات الكثيفة التي لا تنفع معها أي شمس:

نجمتك بالنهر سالت
حسك لعب بالكمرة...
وختل بين العشب والطين
طلعنه من نهار سوادنه مضيعين
معنى الشمس والليل وحياة الناس ...
العالم بين واحد نازل وصاعد
كطعنه اثنين وثلاثين صبيره ... مجد طفله
والف مجرى نبع صافي والمضطرب بس واحد
العالم حبسني اشما كلت واسع
اقره الناس أملهم
من كبل ما احجي وياهم وأمل روحي
أكف بين الصدى والصوت، ...
حايط سومري امفلش
وأخط فوكه هوى جروحي...

باحث هو عن المطلق النسبي؛ ذلك الذي يعلل ما اعتراه من قراءة واستشفاف للحاضر الماضي، حاضره هو وماضينا نحن، باحث عن تجليات الروح التي تريد الانعتاق من الجسد الحياتي لغاية مـــا هو يألفها ويرددها غناؤه الغير مسموع، بكل شغف:

انه وحدي بغرفة معزوله،
كراسيها وضوه البيهه غنه
وحدي أعرف روحي...
واستوحش وأغني بروحي وحدي
يمكن يكون الغنه ...
سبب طيفك الوهمي ...
اختلطت اوهام البراسي ويه طيفك
وانفصل عني المغني
آه يا روحي المحبّه
ع المحب زحمة بوحدته ...
في النشيد التاسع من الجحيم (61 -63( يقول دانتي 3 :
أنتم يا أصحاب العقول الراجحة
استشفوا العقيدة التي تخفيها
هذه الاشعار الغريبة بمجازاتها
نعم الاشعار، بالفعل هي الاشعار التي قادت الشاعر/الذي عرّج (بمنحاهُ التأملي) ومبتغاه العارف رغم حدّة المعرفة وقسوتها على تلك الروح المثقلةِ بشفافيةٍ غير مألوفة:

مكسورة المري من أيام
بين وجوهنه المجروحة بالأيام
لم منها الخيال وعمر مرايه وحواجب سود
طير موكر من البرد ع العامود
يتصنط حجي من التيل
عن ضحكة بنته شفافك لكلبي جسر
والامل فوك يفوت

عروجُ من ألف الثقافة وابعادها التي تبقيها على مسافة خارج جميع الاسطر والمتاهات التي تذهب دلالاتها وهدفها النبيل في أثراء الواقع وانتشاله من الوهم وتلك الأبواب المغلقة بوجه الأغاني والترنيمات:

كالي تريد الصحيح
كوم سد الباب الذي منهه
تجيك الريح
وأخلص وأستريح
كلت: بيني وبين روحي
لو اسد الباب اللي بره ...
يمكن اكعد وأستريح
لكن الباب اللي جوه
اشلون اسدهه وهيه باب
وهيه ريح

انتظر، وقرأ، وكتب، وعانى، وأحب، وخاف، وتكهن، ورأى، واستشف، وعبر وحدهُ، نعم وحدهُ عبر كل تلك التساؤلات التي توجد معنا عند خروجنا الى هذه الحياة، وحتى سفرنا الآخر ربما الى البداية أو الى اللا(أين):

تتذكر كتابات الفجر تضحك على الحيطان
تتذكر حياتك من الأفكار والدخان
اتغربت كل ذكرياتك بيك...
حفرت نهر ايامك
حبك... حجيك...آلامك
اخذو صمتك وراحو... ردوه الك صديان
جنهم حجو بالدخان
وتوضح كلام الفجر وحده ...
وخّرت عنه مسافة آخر الحيطان
عديت الشوارع ورجعت تعبان
شعلت اثنين وثلاثين ليله بالسره بذهنك
خفيه انتظر عيدك
واتلمس ضواها بذكريات أيدك
مثل الطير تتنفس كبل متموت ...
حط راسك بحضني وموت
بس تتلمس الحيطان...
ما تعرف منين تفوت
لو كثرت حياطين الضجر ...
شوف بعينك الدنيه بغمج صحراء ...
واعبر وحدك الوحده.

لقد عبر وحده رغم وجود كل تلك الوجوه والاغاني والامل الذي كان يبشر (بليالٍ عشر)، عبرها وحده رفقة أبواب حلمه، وتكهنه، وامله، ونداءه، وصرخته، عبرها وهو يجري بطرقات المدينة التي ألفها وعرف القادم من وراء أبوابها محملاً بكل تجليات الدم:

فريت المدينة بليل
فريت المدينه وخبطت ع البوب
كتلهم اجتّي الريح... دهو البوب
أخاف الريح تخلع بوبكم وتظل دشر...
والدور بينه تدور
وكل واحد يحط لوحه على اجتافه ...
سفين وينتظر طوفان .....
فريت المدينة بليل
شفت الريح اجتي من بعيد تون ...
بداية سيل
شفت النجم فص محبس باصابعها
وظهر جدها محني ع السجادة
طوه آخر صلاته، ورجه السجادة بركن حجرة
وجته الطفلة من فتحت الباب تفوت
خضره تصيح كعدوني
وجدمها الحافي يرسم ساجيه زغيرونه بالكمرة ...
وجمرات الجكاير فتّحت بالظلمة عين الديج...
راد يصيح ... وتوترت حنجرته
وصاحت من بداله الريح
وصياحي اختلط بالريح
وبقيت اصرخ ... اصرخ لحد الصبح الما بيّن من الريح
شفت الخيل ...
يجدح ع الحصو والجير حافرها ...
والعثره الزغيره توّكع اعكاده.

كان وسيظل (ابحار خطر) بوجه (التجربة) لان الشاعر/الانسان/الثوري، (لا امتثال) لديه تجاه أي (دعوه) تأتيه من (فرح ضايج). طارق ياسين كان وسيبقى (مشروع قصيدة غنائية) لأي مدينه شريطة ان تكون بلا اسوار، طارق ياسين (مشروع قصيدة) لــ (نزهة) تحمل بداخلها (تعب) خاص لـــ (زينب)، طارق ياسين كانت رحلته بـــ (قطار الألم) ليعرف ان (لا خبر) قد حملت لنا كل الحامض حلو، والشربت؛ لنحتفل بالكلمة والموقف على الرغم من بُعدِ السنوات وقربها في الآن. طارق ياسين حمل معنا ومع الوطن كل الانتظار الذي ربما يأتي بعد حين عن "طريق ريفي وشجرة في وقت مساء، عندما يجلس استراجون على مرتفع من الأرض محاولاً نزع حذاءه، ساحباً إياه بكلتا يديه. يلهث. يستسلم منهكاً، يرتاح قليلا ليبدأ المحاولة من جديد كما بدأها"4
-----------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
* طحين السياح: هو عبارة عن دقيق الأرز الذي يخبز بطريقة خاصة، ويشبه الخبز. يشتهر استخدامه في جنوب العراق.
** تنظر الثورة النوابية/دراسة اسلوبية في الشعر العامي للمبدع (مظفر النواب) /حسين سرمك حسن/دار ضفاف.
*** اسم رواية للكاتب (فيلدنك جوزيف اندروس)
المصادر:
1) دور القارئ في روايتي فيلدنك جوزيف اندروس وتوم جونز/ ولفكانك آيرز/ترجمة فاطمة الذهبي/دراسات/الثقافة الأجنبية/العدد الأول 2017.
2) ديوان الشعر العربي /الجزء الأول/ أدونيس/الطبعة الخامسة/دار الساقي.
3) الكوميديا الإلهية /دانتي أليغييري/الطبعة الاولى/دار ورد/2002.
4) في انتظار جودو/مسرحية/ صمويل بيكيت/ترجمة د. ازهر سليمان/دار نينوى.



#مرتضى_محمد (هاشتاغ)       Murtadha_Mohammed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغنية* تناغي آية ، في دعوة للتشجير
- ( دانيج) وسندسٌ و (سبرات) وأستبرق ، دلالات الكلمة وجنون الصي ...
- حوادث على هامش الارق
- (لي هايدن) الجوانب الخفية في شخصية -البطل-
- نخبٌ للوحي الدائري
- لا تصفيق بعد المشهد الاول
- جدل الأفيون ... وكان الجدل مثار للجدل
- الانثى والخطيئة والاستفهام !!
- نص بالعامية العراقية
- (أم رشرش)1 أغنيةًً تبتعدُ منها، لتقربك ب (شنكل أحمر)2
- الفصام 1، والاضطراب الثنائي القطب 2: أسئلة بين الرومانسية، و ...
- ذائقة حسبالي* تقول (حسبالي)
- ايادٍ من خلال الموج ....
- -تخيل -1 و - شوهد من قبل -2: أغاني تبصر في الضباب المقدس
- -الحاصودة- و -يا عشكنة- أغاني الماء الذي صدّع نفسه
- قدر و كأس وأله
- الشلل الرباعي يحول دون لمس يد جوليا! شرعنةُ الانتحار أم رفضه ...
- ((نص بالعامية العراقية))
- استنشاق لما تأخر منكِ
- *سوناتات نيرودا وهواجس أحدهم للصديق الاخير *


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرتضى محمد - طارق ياسين ... وضوح ثان للرؤية والبيبان والريح /قراءة في ديوانه (وضوح أول)