أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الحسن علاج - رسالة غلى شاب نيتشوي















المزيد.....


رسالة غلى شاب نيتشوي


الحسن علاج

الحوار المتمدن-العدد: 6254 - 2019 / 6 / 8 - 03:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رِسَالَةٌإِلَى شَابٍّنِيتشَوِيٍّ
عند كل جيل ، يكتشف بعض اليافعين نيتشهNietzsche) ( ثم يختارونه كمرشد . تلك هي حالة أندريه جيدَ(André Gide) وحالة جيم موريسونَJim Morrison) (. وحالتكم أيضا ؟ يقدم ألكسندرُ لاكرواAlexandre Lacroix) ( ، الذي مر من هنا ، بعضَ النصائح للتلاميذ المفجرين للقيم .
ألكسندر لاكروا(1)
ترجمة : الحسن علاج


بدءاً عليَّ أَن أَقُولَ لَكَ أَنّ َنِيتشَهَ يُعتَبَرُ فَيلَسُوفاً لِليَافِعِينَ . فهو يُدين بتلك النِّعمة إلى خاصيتين سحريتين لأسلوبه . أولاً ، وحيثما فتحت كتابا من كتب نيتشهَ ، وإذا أنتَ تصفحتَ على وجه السرعة صفحةً صدفةً ، سوف يكون لديك انطباع أنه يتحدث إليكَ ، عن انشغالاتكَ ، رغباتكَ ، عن طموحاتكَ الظَّمِئة ، عن معاناتكَ . أيُّ فيلسوف آخرَ لم يحدث هذا التأثيرَالغريبَ ، [تأثيرَ] فكر يتوجه إليكَ دون وساطة لا يعير أيَّ اهتمام لأحكام الآخرين .
ثم، إن نيتشه هو حليفك على الدوام ضد عالَمِ الراشدين . لا يمتلك أي نوع من العقل الجاد ـ وحتى حينما يتخذ نبرةً صارمةً ونُبوئيةً ، فلكي يصدح بفظاعاتٍ وبالتالي اختبارَ حدودَ طراز أسلوب راقٍ . أنتَ شابٌّ ، تعشقُ التفكيرَ بضرباتِ مطرقةٍ ، دون بهرجات ودون وضع أي اعتبار لأولئك الذين يخفون ضعفَهم وراء أكاذيبَ واهيةٍ ؟ إن نيتشه هو مِثلُكَ ، ثم إنه سيساعدك على التصدي ، إلى السخرية من المؤسسات وكذلك من كل المبادئ السامية التي يَخضَع لها الراشدون الاعتياديون .
وهذا هو السَّببُ ، أكثر من سُقرَاطَSocrate) ) الذي حَكَمَ عليه قُضاةُ أثينا بشرب سُمِّ الشَّوكَرَان بحجة تأثيره السيئ على الشبان المستمعين ، فَإِلَى نيتشَهَ يَعُودُ لَقَبُ مُفسِدِ الشَّبَابِ . علاوة على ذلك ، فإن ذلك التأثيرَ يتم التحقق منه عن بُعدٍ وفي كل جيل : منذ نهاية القرن التاسع عشر ، لم يتم إحصاء المراهقين الذين تَحَرَّرُوا من الأخلاق المشتركة ، وبالفعل فقد كانوا يتيهون أحيانا ـ يستحسن تحذيركَ عِندَ العُبُورِ ـ ، بعد قراءة جنيالوجيا الأخلاق أو نَقِيضُ المَسيِحِ . لكن ما هي أفكارُنيتشه التي يكون بمقدورها ممارسة جاذبية ما على عقلك؟ نسوق منها أربع أفكار .
نقيض الدرس 1:
أنَا آخَرُje est un autre) (
ثَمَّةَ قرابةٌ مذهلةٌ بين نيتشَهَ ورامبُو Rambaud) ( ، مذهلةٌ عندما يعلم المرء أنه لم يسبق لأحدهما أن تحدث عن الآخر البَتَّةَ . ففي رسالته الشهيرة " رِسَالَةُ الرَّائِي " الموجهة إلى أستاذه جورج إيزامبارَGeorges Izambard) ( في 13 ماي 1871 ، يُصَرِّحُ أرثورُArthur) ( ، وهو في سن السادس عشرةَ ، بِقُوَّةٍ : " مِنَ الخَطَأِالقَولُ : أُفَكِّرُ : يَنبَغِي القَولُ : يُفَكَّرُ بِي . ـ مَعذِرَةً لِلُعبَةِ الكَلَامِ . "(2)وهو ما أوحى له بصيغته الشهيرة ، ازدراء لافت للنظر لكوجيتوcogito) ( دِيكَارتَ : " أنَا آخَرُ . " وليس ذلك بالتأكيد ببعيد عما سيكتبه نيتشه في ماوراء الخير والشر ( " أحكامُ الفَلاَسِفَةِ المُسَبَّقةُ " ، شذرة17 ) ، في سنة 1886 : " أما بالنسبة لخرافة المناطقة ، فإني لن أتهاون أبدا على التركيز على واقعة صغيرة وهي أن تلك العقول الخرافية لا تعترف بها عن طيب خاطر : أعني أن فكرة تأتي حينما ترغب "هي " ، وليس حينما أرغب "أنا" ؛ بحيث يغدو تزييفا للوقائع قول : إن المبتدأ "أنا" شرط للخبر "أفكر" . إنه يفكر : لكن القول إن هذا الـ"ـهُ" بالذات هو ذاك "الأنا " العتيق الشهير ، يبقى مجرد فرض أو زعم ، إن تكلمنا باعتدال ..." (3)
أود أن أُلفِتَ انتباهكَ حول تناقضٍ جَلِيٍّ : إن رامبو ونيتشه متعاظمان معروفان وهما ، وبالرغم من ذلك لم يُقيما أيَّ وزن للذات . فهما لايؤمنان بوجود الذَّاتِيَّةِ . فال"أَنَا " في نظرهما ليست سوى شيءٍ طالَهُ البِلى والقِدمُ . فإذا كانا يتصوران نفسيهما غالبا مثل الضفدعة التي ترغب في أن تكون أضخَمَ من الثور ـ فإن صَبِيَّ الأردينَArdennes) ( بادعائه دفن فيكتورَ هُوغُو Victor Hugo) ( ، والألماني المنفِيَّ في تورينو مُؤَكِّداً شَطرَهُ للتاريخ الغربي إلى شطرين ـ ، لا يتعلق الأمر بتضخيم الأنا ( فهما لا يؤمنان ثانية واحدة بهذا الضمير ) ، لكن حُبّاً في اللعب . لذلك بإمكان المرء أن يتباهى كما يريد ، طالما أنه يحافظ على معنى السخرية .
في رسالة وجهها رامبو إلى الشاعر بولَ دميني(Paul Demeny) ، يدير الأمور هكذا : " أَنَا آخَرُ . فَإذَا مَا أفَاقَ النُّحَاسُ وَوَجدَ نفسَهُ بُوقاً ، فليسَ الخَطَأ خطؤُهُ(4) . "فما هي المراهقة والحالة هذه ، إن لم تكن تلك اللحظة من حياتك حيث يتغير جسمك ، حيث يصبح النحاسُ بوقا ، والخشبُ كمنجةً ، والصنبورُ الصغيرُ للطفل إلى ذَكَرٍ بالغٍ ؟ اليافِعُ هو ذلك الكائنُ الذي يراوده الإحساس ، أمام مرآته ، على جلده ، في أحلامه ، بأنه أصبح آخرَ. فهذا ما يجعل من المراهق ظاهرة تكتونيةtectonique) ( ، يعمل على نسف الحدود حكيما إلى حَدٍّ ما من المَنَاطِقَةِ الذين يرغبون في حَصرِ هويتكَ .
نقيض الدرس 2
الهَدَفُ الحَقِيقِيُّ لِلأخلاَقِ هُوَ إضعَافُكَ
قام نيتشه في البحث الأول من [كتاب] جنيالوجيا الأخلاق ، الصادر بتاريخ 1887 ، بالشروع في التَّخلُّصِ من الأخلاق المسيحية ـ اليهودية . اِقرأِ النَّصَّ ، فهو يعتبر واحدا من أقوى اللَّكمات لتاريخ الفلسفة بِرُمَّتِهِ .
تكمن قوة نيتشه ، في أنه لا يكتفي بنقد تعاريفَ الخير والشر التي نقلتها المسيحية ؛ وبالفعل ، فهو يقدم دليلا ضد كل أنساق القيمة . يبرز بأن أخلاقا ما ، بمعنى مجموعة من التعاليم الأخلاقية التي تبعث على التقوى ، المعايير التي تصلح لإصدار حكم على فِعلكَ ، هي على الدوام أداة للهيمنة . يُلَقِّن القساوسة رعاياهم على البقاء متواضعين ، أن يُقيمُوا الحُجَّة على الصبر والخضوع ، وأَلاَّ ينتظروا الكثيرَ من هذا العالَمِ ـ وعلى كل حال ، أليس كذلك ، غِبطَةً أبدية يوعدون بها حالما يعبُرون عَتَبَةَ الخروجِ . لكن كيف بالمرء أَلاَّ ينتبه إلى وجود خُدعةٍ ، وهو أن " الطبقة الكهنوتية " تخدم مصالحَ الأقوياء وأن الأقوالَ المعسولةَ والمواسيةَ لا تهدف إلا على أن تُبقِيَ على الشعب جامدا وخاضعا ؟
كذلك فإن نيتشه يكشف الحجاب عن الأُسِّ السيكولوجي للأخلاق : إنَّ كُلَّ شَخصٍ يُلَقِّنُكَ دَرساً يَسعَى إلَى السَّيطَرَةِ عَلَيكَ ، إلَى مَنعِكَ مِنَ التَّعبِيرِ بِحُرِّيَّةٍ عَنِ القِوَى الَّتِي تَسكُنُكَ . " فقد تم اعتبار ، يوجز [نيتشه] ، قيمة ال"قيم " كمعطاة ، حقيقية ، أبعد ما تكون عن وضعها موضِعَ شكٍّ وتساؤلٍ [...] . أيضا فماذا لو كان العكس صحيحا ؟ وماذا لو وُجِدَ لدى ال"صالح " عَرَضُ تراجعٍ وعلى ، ذات الشاكلة ، خطرُ ، إغواءُ ، سُمٌّ ، مُخدِّرٌ ، سوف يسمح للحاضر بالعيش على حساب المستقبل ، ربما رفاهية زائدة ، مع قليل من الأخطار ، لكن أيضا ضمن أسلوبٍ أكثرَ حقارةً ، أكثرَ فظاعةً ؟ ...بحيث إِنه سيكون الخطأ خطأُ الأخلاقِ إذا لم يتمكنِ النوعُ البشريُّ أبداً من بلوغ أعلى درجات القوة والجلال الذي يطمح إليه ؟ بحيث إِن الأخلاق سوف تكون خطرَ الأخطارِ ؟ "
حينما تَعرَّف القُرَّاءُ الفرنسيونَ الشَّبابُ ، على أعمال نيتشه ، في ترجمات هِنرِي ألبيرَ(Henri Albert) في نهاية تسعينات القرن التاسع عشر (1890)، حدث ذلك كما لو أنه تم فتح نافذة غرفة معزولة . عاصفةٌ عنيفةٌ هبَّت في الرؤوسِ . وقد تأثر بها جيد بنوع خاص ، فثمة عملان من أعمال الشباب يحكيان عن تلك الأزمة ، الأغذية الأرضية (1897 )واللاأخلاقي (1902). فالكتابان طالهما القِدمُ ، على أنه قد يروقانِكَ ربما . لم تتم الإشارة فيهما إلى نيتشه ـ لم يكن جِيدُ Gide)) يسعى لأن يكون واعظا ـ ، ومع ذلك فقد عمل على ابتكار شخصية مفكر حر ، مِينَالكَهَMénalque) ( ، الذي يَعبُرُ المحكيين عاملا على نشر التعاليم النيتشوية . إنَّ مِينَالكَهَ هو من يأخذ على عاتقه مهمة الكلام المتطاير شررا في الأغذية الأرضية : " عَائِلَاتٌ ، أُبغِضُكُنَّ ! مَنَازِل ُمقفلةٌ ؛ أبوَابٌ مخفيةٌ ؛ تَمتع ٌحقودُ بِالسَّعَادَةِ . ـ أحيَاناً ، غَيرَ مَرئِيٍّ ، كُنتُ أُولِي وَجهِي شَطرَ نَافِذَةٍ ، وَكُنتُ أستَغرِقُ كَثِيراً مِنَ الوَقتِ فِي تَأمُّلِ عَادَةِ بَيتٍ . كَانَ الَأبُ هُنَاكَ، بِالقُربِ مِن َالمِصبَاحِ ؛ وَالأُمُّ تَخِيطُ ؛ وَبقيَ مَكَانُ الجَدِّ فَارِغاً؛ ثَمَّةَ طِفلٌ ، بِالقُربِ مِنَ الأَبِ ، كَانَ يَدرُسُ ؛ ـ وَكَانَ قَلبِي مُترَعاً بِالرَّغبَةِ فِي اصطِحَابِهِ مَعِي على الطرقات . "نيتشه هو من يمسكُ بيدكَ ، يقودكَ خارج المنزل مُطَمئِناً لَكِن مُمِلاًّ ، يجعلكّ تتعرفُ على العَالَمِ ...عند اهتدائه إلى تلك الفلسفة ، ماذا طرأ على مِيشالَMichel) ( ، البطلِ الغامضِ لروايةِاللاأخلاقي ؟ فقد أصبح ، من جهة ، حساسا أكثرَ فأكثرَ لجَمَالِ الغِلمَانِ ، فقد عمل على دفع زوجته الشابة مَارسُولِينَاMarceline) ( نحو عزلةٍ فذبولٍ مأساويين . جيدُ لم يكن ببعيد عن ذلك ، فقد باح في تقديمه لطبعة 1927 ل[كتاب] الأغذية: " لقد كتبتُ هذا الكتابَ في الوقت الذي ـ بواسطة الزواج ـ قمتُ فيه بترسيخ حياتي ؛ حيث تخليت طوعا عن حرية أكثر من ذلك أن كتابي أَثَرٌ فنِّيٌّ ، كان يطالب بها فورا . " بينما كانت مارسولينا في انحدار ، كان ميشال ينفتح على أسلوبِ حياةٍ جديدٍ في العالَم أثناء رحلة سياحية بإيطاليا : " كَانَ الطَّرِيقُ مِن رافيللو إلَى سُورِينتَاSorrente) ( غايةً فِي الجَمَالِ فَكنتُ لاَ أرغبُ هذا الصَّباحَ فِي ألاَّ أرَى شيئا أكثرَ جمالاً علَى الأرضِ . القَسوَةُ السَّاخِنَةُ للصَّخرِ ، وفرةً الهَوَاءِ ، الرَّوَائحُ ، الصَّفَاءُ ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يُترِعُنِي بِالجَمَالِ الرَّائِعِ لِلحَيَاةِ ، وَكَانَ يَكفِينِي إلَى هَذَا الحَدِّ مِن أيِّ شَيءٍ آخرَ مِثلَ فَرَحٍ خَفِيفٍ مَا كَانَ يَبدُو أنَّهُ كَاَن يَسكُنُنِي ؛ ذِكرَيَاتٌ أو حَسَرَاتٌ ، أمَلٌ أو رَغبَةٌ ، مُستَقبَلٌ وَمَاضٍ لاذَا بِالصَّمتِ ؛ مَا كُنتُ أعرِفُ مِنَ الحَيَاةِ إلاَّ مَا تَجُودُ بِهِ اللَّحظَةُ ، وَمَا تَنتَزِعُهُ . ـ أيُّهَا الفَرَحُ المَادِّيُّ ! كُنتُ أصرُخُ ؛ إيقَاعٌ حَقِيقيٌّ لِعَضَلاتِي ! صِحَّةٌ ! ... "فلتذهب إذاً لإعادة شاب ، بعد هذا ، على النهج المسيحي ...
نقيض الدرس 3
" المَوتُ للضُّعَفَاءِوَالمُحبَطِينَ ! "
احترس ، تشكل تلك الحكمة الذروة المتأججة لعمل نيتشه . ستجِدُها في الشذرة الثانية من نقيض المسيح : " مَا هُوَ الشَّيءُ الجَيِّدُ ؟ ـ كُلُّ مَا يُثِيرُ فِي الإِنسَانِ الشُّعُورَ بِالقُوَّةِ ، إرَادَةُ القُوَّةِ ، القُوَّةِ ذَاتِهَا . وَمَا هُوَ الشَّيءُ الرَّدِيءُ ؟ـ كُلُّ مَا يَتَأتَّى مِنَ الضُّعفِ . [...] المَوتُ للضُّعَفَاءِوَالمُحبَطِينَ ! أوَّلُ مَبدَأٍ فِي مَحَبَّتِنَا لِلبَشَرِ . فَلاَ بُدَّ مِن تَقدِيمِ يَدِ العَونِ لَهُم . " هل كان نيتشه يرغب حقا في قول ما فهمتَه بقراءتكَ لتلك السطور ؟ ففي معركته ضد القيم اليهودية ـ المسيحية التي تُتَّهَمُ لكونها مضادةً للطبيعة ، ضمن رغبته في قلب " القيم الخاطئة " للقساوسة ، وكان ينبغي أن يذهب إلى هذا الحد ، إلى قلب عِظةِ الجَبَلِ . " طُوبَى لِلمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ ... " ، " طُوبَى لِلمُتَوَاضِعِينَ ... " ،" طُوبَى لِلوُدَعَاءِ... " ، يَعِظُ يَسُوعٌ(5). " المَوتُ لِلضُّعَفَاءِوَالمُحبَطِينَ ! " ، يَرُدّ ُنَقِيضُ المَسِيحِ . فإذا كانت هذه الصيغة صادمة لبعض الأفكار الدقيقة ، فإنها ترتبط بمفعولها البلاغي : فبواسطة جرأتها ، يبدو أنها تضعكَ دفعة واحدة داخل معسكر الأقوياء . تقرأُها ، وَهُوب ! سحر : لن تعود ضعيفا ولا محبطا ، إنك في الجانب الساطع للقوة .
على أن ذلك لم يكن هو رد فعل جان بيلويري (Jean Péloueyre) بطل رواية تلقينية لفرانسوا مورياكَFrancois Mauriac)(، قُبلَةٌلِلأَبرَصِ ( 1922). يقدم المشهد الافتتاحي جَانَ ، سليلا للبورجوازية اللانديةlandaise)(الغنية ، للأسف بِبَشَاعَةٍ مُنَفِّرَةٍ ، في صراع مع الحكمة النيتشوية . يقرأ فقرة من نقيض المسيح التي ذكرتها لك للتو ثم يظل متحجرا : " كَانَ وِعَاءُ قَلبِهِ يَتَهَشَّمُ عَلَى قِطَعٍ غَيرِ مَرئِيَّةٍ . فَلَو كَانَ يَمتَلِكُ أقرَاطَ دانيال َترازيسَDaniel Trasis) ( ذَلِكَ الوَجهُ الَّذِي لَم تَكُنِ النِّسَاءُ لِتَتَوَقَّفنَ عَن مُلاَطَفَتِهِ مُنذُ طُفُولَتِهِ ، كَانَ جان بيلويري مُنضَمّاً إِلَى زُمرَةِ العَوَانِسِ وَالخَادِمَاتِ ؟ فَقَد كَانَ وَاحِداً مِن أولَئِكَ العَبِيدِ الَّذِينَ يُدِينُهُم نِيتشَهُ ؛ اِكتَشَفَ فِيهِ مَظهَراً مُتَدَهوِراً ؛ فَهُوَ كَانَ يَحمِلُ عَلَى وَجهِهِ حُكماً لاَ مَفَرَّ مِنهُ ؛ كُلُّ وُجُودِهِ كَانَ مُشَيَّداً مِن أَجلِ الهَزِيمَةِ [...] . " بقراءة نيتشه ، أَسَالَ الاِبنُ الأكثرُ ورعا لأسرة بيلويري جرحا غائرا . على أنه لدى قراء آخرين ، نفس الكلمات أججت الرغبة إلى مجزرة دامية . وفي أسوأ الحالات ، فإن ذلك يمكن أن يقدم ذلك الهَذرَ لبراندونَBrandon)() ، أحَدِ أبطال الفيلم الأول لألفريدَ هيتشكوكَ(Alfred Hitchcock)بدون ألوان (1948):
" م. كانتليM. Kntley) (
ـ من سوف يقرر أن إنسانا يكون أكثر وضاعة كي يقتل ؟
براندون
ـ بَلِ الصَّفوَةُ ، فهي من تمتلك الحق في ارتكاب جرم الموت !
م. كانتلي
ـ من سيشكل تلك الصفوة ؟
براندون
ـ اوه... أنا بذاتي . فليب ... روبيرت ، ربما ...
روبيرتRupert) (
ـ أنا آسف ، كانتلي، إنك لا تنتمي إلى الصفوة .
م. كانتلي
ـ أنا لا أمزح .
براندون
ـ ولكن نحن لسنا كذلك ، السيد كانتلي. تتكون الصفوة من أولئك الرجال الذين يمتلكون تفوقا ذهنيا وثقافيا ما يجعلهم فوق التصورات الأخلاقية المقررة سلفا .الخير والشر ، الصحيح والخطأ من صنع الإنسان العادي ، هذا الكائن الوضيع الذي يستطيع الاستغناء عنها .
م. كانتلي
ـ إذاً فأنت تتفق مع نيتشه ونظريتِهِ بخصوص الإنسان الأعلى !
براندون
ـ أمر لا ريب فيه ... ينبغي شنق العاجزين والأغبياء ، إنهم بأعداد لا حصر لها فوق المعمورة . "
دار هذا الحديث في قلب الفيلم ، في ظروف جنائزية : قام براندونُ وفليبُّ باغتيال دافيدَDavid) ( ، ابنِ كانتلي؛ فقد قاما بتنظيم حفلة صغيرة مع بعض المعارف ، من ضمنهم روبيرت ، أستاذ سابق للفلسفة وهو من جعلهما يكتشفان نيتشه ـ قام بتأدية الدور جيمس ستيوارت James Stewart) ( ، عبقري . وُضِعَت جُثَّةُ دَافِيدَ في صندوق ، تم تقديم العشاء عليه[الصندوق] . وشيئا فشيئا ، فإن الشابين القاتلين ، قام أحدهما بتأبين الجريمة ، وانهار الآخر عليها بِعَصَبِيَّةٍّ ، سوف يفضحان نفسيهما ...
ومع ذلك ، ينبغي عليكَ أن تعرفَ أن هذا الفيلمَ ليس في الحقيقة تخييلا . فهو مأخوذ من أعمالَ مختلفةٍ ، قام ماييرُ لوفانُ(Mayer Levin) بسردها مع العديد من التفاصيل في روايته جريمةcrime)((1956). وقعت الحادثة بشيكاغو عام 1924 .كان الجانيان صبيين من أبوين مليارديرين نابغتين : ناتانُ ليوبولدُNathan Leopold) ( ، حاصل على درجة اختبار الذكاء (QI) 210 ، يجيد أربع عشرة لغةً ، وريشارُ لويبُRichard Loeb) ( ، الأصغر في صفوف جامعة ميشيغان Michigan) ( ، سبع عشرة سنةً . الضحية كان صبيا صغيرا في الرابع عشرة سنةً ، عَمِلاَ على خطفه ثم خنقه ؛ ومما لا شك فيه أنهما ألحقا بعض الأضرار بالجسد ، قبل إخفائه في قناة في أرض مهجورة . ومن أجل الحيلولة دون التعرف على هوية الجثة ، فقد عملا على رَشِّ الوجه ، اليدين والأعضاء التناسلية بحامض الكلُورِيدرِيكَchlorhydrique) (. فقد قاما بالدفع بخطتهم المختارة بعناية إلى أبعد الحدود ( التي قضيا سبعة أشهر في الترتيب لها ) : ومن أجل خداع البوليس حول الدافع الحقيقي ـ اقترفا جريمةً كاملةً ـ ، فقد طالبا بفدية من الأبوين . خلال الأيام التي سبقت انتقالهما إلى الفعل ، قاما بإلقاء خطاباتٍ حماسيةً على مرأى ومسمع من الناس حول نظرية الإنسان الأعلى وحول نيتشه ، وقد قاما بنشرهما بكثرة بالتناوب في الصحافة وَوُظِّفَتَا من قبل هيتشكوكَ ولوفانَ ! لكن ذلك المونتاج سوف ينهار بطريقة غايةً في السخرية : فقد سقطت من أحد العبقريين النابهين نظارتيه ، ذَوَاتَا عَلاَمَةٍ فاخرةٍ وطرازٍ نادرٍ ، تماما أمام الجسد المقتول . قد يفيدكَ ذلك كَدَرسٍ : مثلما يَعتَقِدُ الإِنسَانُ الأَعلَى ، الَّذِي لاَ يَنظُرُ إِلَى الخَشَبَةِ الَّتِي فِي عَينِهِ . (6)
نقيض الدرس 4
سَوفَ تُعَظِّمُك َعِبَادَةُديُونِيزُوس
هو ذا فِيديُو يمكنكَ أن تراه في المُكَبِّرَةِ بسهولة على الإنترنت . يدور الحدث في فاتح شتنبر 1968 بمركز الفنون المسرحية لسراتوغاSaratoga) ( ، بكاليفورنيا . خلف الكواليس ، وبالضبط قبل حفل موسيقي أدته فِرَقُ الرُّوكِDoors)(، جيم موريسون ، الذي قام في نظري بامتصاص شيءٍ آخَرَ غير الحليب الفاتر ، جلس ، إلى البيانو ، بقميصه الرياضي الجلدي . إذ أتاه الإلهام ، فارتجل " قصيدة غنائية إلى نيتشه " إنه لأمر فظيع ، من وجهة نظر موسيقية خالصةٍ ـ فحتى ولو أنه لم يسبق لكَ في حياتكَ الاقتراب من البيانو ، فإنه سوف يكون بإمكانكَ أن تفعل منه الكثيرَ . وبالنسبة لكلمات " قصيدته الغنائية " ، فهي إلى حد ما مفككةٌ : " ضَمَّ بَينَ يَدَيهِ عُنُقَ الفَرَسِ / وَقَبَّلَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ / أحِبُّ فَرَسِي / اِحتَشَدَ الجَمعُ / ظَهَرَ مُؤَجِّرُهُ فَأخَذَ فرِيدرِيكَ إلَى البَيتِ / فِي الطَّابَقِ الثَّانِي / حَيثُ شَرَعَ فِي العَزفِ عَلَى البَيانُو مِثلَ أحمَقَ : / آهٍ ... لَقَد صُلِبتُ ! " إنه أبعد ما يكون عن رامبو ( الذي أعجب به جيم أيضا ) ، لكن ماذا يهم ، فإن النتيجة لم تكن أقل من ذلك : ثمانون سنة بعد انهياره ، في حارة بمدينة تورينو ، استمر نيتشه في تمثيل مرجع عظيم لأكبر فرقة من نجوم موسيقى الروك في السبعينات . أَيُّ فيلسوفٍ آخَرَ يستطيع أن يتباهى بإحداث تأثير ما في مغنِّيي الروك التافهين ؟
طبعا ، ليس النقد اللاذع لليهودية ـ المسيحية هو الذي أغوى جيم موريسونَ ( فقد كان متحررا إلى حد ما منها من أندريه جيدَ الشاب ! ) ، بل بالأحرى تقريظ السكر الديونيزوسِيِّ الموجود في كتاب ولادة التراجيديا، 1 (1872) . " فَأن يَكُونَ ذَلِكَ تَحتَ تَأثِيرِ الدَّوَاءِ المُنَوِّمِ الَّذِي يَسوُقُ الحَدِيثَ عَنهُ كُلُّ الرِّجَالِ وَالشُّعُوبِ البِدَائِيَّةِ فِي أناشِيدِهِم ، أو حِينَ اقتِرَابِ فَصلِ الرَّبِيعِ العَاجِلِ الَّذِي يَعبُرُ الطَّبِيعَةَ بِرُمَّتِهَا فَيَهُزُّهَا مِنَ الرَّغبَةِ ، تَستَيقِظُ تِلكَ الانِفعَالاَت ُالدّيُونِيزُوسِيَّةُ الَّتِي ، كُلَّمَا فَازَت بِالقُوَّةِ ، أبطَلَتِ الذَّاتِيَّةَ إلَى حُدُودِ النِّسيَانِ الكُلِّيِّ لِلذَّاتِ . " فهاهنا أيضا ، لم يكن رامبو ببعيد : " أَرغَبُ فِي أَن أَكُونَ شَاعِراً ، وَأَعمَلُ عَلَى أن أَجعَلَ مِن نَفسِي رَائِياً(6) . [ ...] يَتَعَلَّقُ الأَمرُ بِالوُصُولِ إلَى المَجهُولِ عَبرَ تَشَوُّشِ المَعَانِي جَمِيعِهَا . "
سُؤَالٌ : هل أعجب فريدريك بتكريم جيم ؟ ليس ذلك مضمونا ! " فَأن يَجُوبَ المَرءُ مَدِينَةً فِي المَسَاءِ : يَسمَعُ فِي كُلِّ مَكَانٍ إلَى أدَوَاتٍ مُنتَهِكَةٍ بِاندِفَاعٍ احتِفَالِيٍّ ـ ثُمَّ يَتَدَاخَلُ مَعَهَا عَوَاءٌ بَرِّيٌّ ـ مَاذَا حَدَثَ ؟ ـ يَحتَفِلُ الشَّبَابُ بِعِبَادَةِفَاغنِرَWagner) ( ... "كتب الفيلسوف تلك السطور في آخر أيام حياته ، في [كتاب] قضية فاغنر . عُد إلى الجملة ثم استبدل كلمة " فاغنر" ب"روك " ، ستحصل على حكم ذي قيمة سابق التأثير . وَهَكَذَا ، فَإِذَا أَنتَ أَحبَبتَ نِيتشَهَ ، فَلَيسَ مِنَ المُؤَكَّدِ أَنَّهُ يُحِبُّكَ . لأَنَّهُ لاَ تَعنِي النِّيتشَوِيَّةُ فِي شَيءٍ ادِّعَاءَ المَرءِ بِأَنَّهُ نِيتشَوِيٌّ .
ــــ
(1)ـ ألكسندر لاكروا : كاتب مقالات ( كيف يمكن العيش بدون الإيمان بأي شيء ؟ ، فلاماريون ، 2014 ) ، روائي ، مدير تحرير مجلة الفلسفة، صدرت له مؤخرا رواية تحت عنوان : الرجل الذي يهوى الكثير من العمل ( فلاماريون ، 2015 ) .
(2)ـ آرتوررامبو الآثار الشعرية ،ترجمة : كاظم جهاد ،منشورات الجمل ، طبعة ثانية 2008. كذلك الصفحة 51 من نفس الكتاب .
(3)ـ ما وراء الخير والشر ، فريدريك نيتشه ، ترجمة: حسان بورقية ،أفريقيا الشرق ، 2012 ، الشذرة 17 ، ص 29 .

(4)ـ آرتوررامبو،الآثار الشعرية ، مرجع سبق ذكره ص 328 .
(5) ـ عظة الجبل ، إنجيل متى 5 : 1ـ 7 :29
(6) ـ " لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها . أو كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني أخرج القذى الذي في عينك وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى الذي في عين أخيك ." ،آيات 41 ـ 42 من إنجيل متى .
ـ مصدر النص : مجلة الفلسفة ـ (philosophie , magazine . hors série, été 2015 ) عدد ممتاز . صيف 2015 .



#الحسن_علاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمس الحقيقة
- آدم
- من يكون آدم وحواء ؟ - حوار مع طوماس رومر
- حوار مع ميشال سير
- إسلام وحداثة معالم مسار تاريخي
- شعرية الإخصاء في رواية - عرس بغل-
- قراءة تحليلنفسية - يقدم هذا المحكي أسس العلاقة بالآخر
- مفخرة نيتشه
- فوكو ، الملغز
- موريس بلانشو والكتابة الشذرية :- زمن غياب الزمان -
- فرويد ، أسلوب واقعي
- الطوفان : أسطورة أم كارثة مناخية ؟
- الأبطال المُحضِّرون ، محسنون وقطاع طرق
- فرويد أو الذات باعتبارها نصا
- عزلة الفيلسوف
- فن المالنخوليا
- حوار مع باتريك موديانو
- حوار مع ميلان كونديرا
- ما لا يمكن الكشف عنه
- شاعر في مواجهة الهاوية


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الحسن علاج - رسالة غلى شاب نيتشوي