|
إسلام وحداثة معالم مسار تاريخي
الحسن علاج
الحوار المتمدن-العدد: 6056 - 2018 / 11 / 17 - 02:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إسلام وحداثة ، معالم مسار تاريخــــــــــــــــــــي بقلم : فيفيان كوميرو ترجمة :الحسن علاج تقديــــم لقد ترددت من بين طرق شتى مقاربة الموضوع الذي أسندت إلي دراسته في الوقت الراهن .الحديث عن الإسلاميين بدلا من [ الحديث] عن المجددين الذين قاموا بتغطية العدد الأول من عالم الأديان1*، ذلك ماكان يبدو لي بديهيا وسأبرهن على ذلك . على أنه كيف يمكن الحديث عن ذلك ؟ هل كان ينبغي رسم جدول للتبدل الإسلامي المعاصر مع مختلف إستراتيجياته ومختلف ممثليه ؟ ثمة أعمال عديدة حول الموضوع ، توجد في متناول جمهور واسع 2. فكرت آنئذ في القيام باقتحام الموضوع المبهم الذي تمثله قراءة القرآن للعديد ممن يجهلون العربية ، ولقد كنت قادرة على تبيان كيفية اشتغال فكر إصلاحي وأصولي في الوقت نفسه ـ لأنه ، وبصفة دائمة ، ووفقا لهذا المظهر المزدوج يتوجب فهم الإسلاموية3islamisme)(ـ انطلاقا من اللجوء إلى عدد من النصوص من أجل البرهنة على هذا الموقف أو ذاك فيما يتعلق بالديموقراطية أو الوضع الظالم للمرأة ، على سبيل المثال . وأضيف أن هذا النوع من المقاربة يساير إلى حد كبير مساري الشخصي : فأنا لست متخصصة في الإسلام المعاصر ، بل في نصوص إسلامية قديمة . هذه الألفة مع النصوص تتيح لي الاشتغال على المصلحين الذين يدعون إلى العودة إلى مصادر دينهم ، يحثون على وسم الانتقال الذي يقومون به في وجه تراث " كلاسيكي " أو ، على خلاف ذلك ، بإعادة إنتاج الشيء ذاته اعتمادا على براهين أخرى ؛ ومع ذلك ، فأنا لا أتمسك بهذا الحل ، لأنه يبدو لي أنه من الحصافة تقديم بعض المعالم لمسار تاريخي عام منذ القرن التاسع عشر ، بغاية اتخاذ خطوة إلى الوراء ولإعطاء نقط استدلال بغية وضع حد لهذه البلبلة التي لامفر منها لحدث راهن في طور التشكل ؛ على هذا النحو ، أود أن أتفاعل مع رؤية سوسيولوجية معينة تجعل من الإسلاموية إيديولوجيا بسيطة في قطيعة مع تاريخ تراثه ومحددة خاصة بشروط حداثتنا الغربية . إن لهذا النوع من التحليل حدوده . سأتناول مثالا واحدا ؛ فحينما يقوم متخصص في الإسلام المعاصر مثل أولفييهرواOlivier Roy)(4ببتر الأفعال التي تبناها بن لادن والظواهري من سياقها السياسي وذلك بهدف نقلها إلى سياق [يتعلق] بتحقيق الذات ، أعني في أحسن الأحوال ، [نقلها] إلى خانة الزهد وفي أسوإ الأحوال ، ردها إلى علم الأمراض ، وهو ما يبدو لي خاطئا ، ليس فقط بالنسبة إلى تاريخ الإصلاح الأصولي منذ نشأته في القرن التاسع عشر . أعتقد أنه ينبغي علينا تبني وجهة نظر أكثر شمولية تأخذ في حسبانها الثوابت السوسيولوجية لكن من دون أن تزعزع الرسوخ التاريخي ولاقوة تمثلات تراث ديني لغاية فهم ظاهرة معاصرة . لماذا الإصلاح الأصولي ؟ أفضل هذه العبارة على [عبارة]الإسلاموية ، هذا من جهة ، لأن هذه الأخيرة لم تعد تنطبق على التيارات التي نشأت في القرن التاسع عشر والتي تمتد إلى النصف الأول من القرن العشرين ، ومن جهة أخرى لأنها [عبارة الإصلاح الأصولي] تبدو لي غاية في الوضوح لتعيين قالب ثقافي يضم مجموعة تيارات ذات إستراتيجيات مختلفة . يترجم الإصلاح الأصولي في العربية إلى السلفية salafiyya)( ، ويعني العودة إلى السلفsalaf)( ، أولئك الأجداد الأتقياء الذين عاشوا في بدايات الإسلام ، كما قيل لنا ، التجربة النبوية عن كثب وساهموا في انتشار الدين الجديد في رقعة كبيرة من العالم . سأعرف الإصلاح الأصولي مثل عملية استعمال المصادر الدينية للقرآن والسنة sunna)(5في سبيل اقتراح صيغ في الوجود ، [وصيغ في] العمل ثم التفكير في المسلمين المعاصرين ، الشيء الذي يميز المصلحين الأصوليين عن المتحررين أو المجددين ، إنه نموذج في الفهم أو المقاربة التي يعطونها للنصوص المرجعية ، إنها علاقة معينة بحرفية النص . لماذا الأصوليون بدلا من المجددين ؟ يرتهن الباعث الأول بسوسيولوجية الديني بشكل عام ، لننطلق من ملاحظة مركزة لرجيس دوبري6Régis Debray)(: ليس الدين أسلوبا في الابتكار ، [ابتكار] طقوس ومعايير ؛ ثم إن هذا الأسلوب في الاعتقاد ، في التفكير والابتكار يخص الغالبية العظمى ؛ إن حركة المجددين ، والحالة هذه ، لاتمس في الوقت الراهن إلا مفكرين ، أفرادا ، ليس لهم تأثير على الغالبية العظمى . تتطرق كل مقدمات مؤلفاتهم إلى الصعوبات والعوائق التي تصادفها أفكارهم لكي تصل إلى الرأي العام . بالرغم من الحديث غالبا عن الأغلبية الصامتة التي تحررت ، في صمت ، من تعاليم الإسلام ، فإنه ينبغي في الوقت الراهن ملاحظة أن المفكرين الجدد لايقدمون لتلك الأغلبية الصامتة الأدوات المفاهيمية لتبرير موقفهم ؛ والسبب هو أن أولئك الذين ابتعدوا عن ممارسات الإسلام غالبا مايبتعدون عن أهمية النص القرآني وتعاليمه ؛ أو أنهم يفضلون في حيطة وحذر ألا يقتربوا منه ، فاسحين المجال لعلماء الكلام والمناضلين ؛ وبالمقابل ، وبعد فترة زمنية من ظهوره في نهاية القرن التاسع عشر حتى وإن كان قد واجه معارضة من لدن الأوساط الدينية المحافظة ، فإن الإصلاح الأصولي قد لقي صدى مهما في العالم الإسلامي كله ، ولن يتوقف هذا إلى حدود يومنا هذا ؛ وفي الوقت الحاضر لاتزال الأصولية فعالة ، ديناميكية ، تشكل كتلة . فحتى وإن لم تكن موحدة ، فهي تعتبر تيار فكر وعمل يروم الخروج إلى العلن في الفضاء العمومي . إنها تفيد ، في الوقت نفسه ، من تطور النزعة الدينية المحافظة نحو أطروحات المحافظين ، وكذلك [تفيد] من توسط التغيرات الجذرية في معارضتها للتغريب 7occidentalisation)( . ولعل أهمية التمويل السعودي ، لكنه ليس الوحيد ، تعتبر أحد عوامل تلك الدينامية ، في بنينة تيارات مختلفة ، [أهمية] ولاء أكثر اتساعا من الوهابية بالمعنى الدقيق للكلمة ؛ فهي تعمل على تغذية عدد من شبكات التعليم والوعظ في العالم قاطبة : يمر ذلك عبر معاهد التكوين ، منح دراسية ، تشييد مساجد تعتبر على الدوام مراكز للتكوين الشعبي ، مساعدات النشر وكذلك [إنشاء] مواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية عبر البث الفضائي .8 سيندهش البعض منكم لكوني أعتبر الحركة الوهابية ، التي تهاجم في الوقت الراهن بشدة ، كإيديولوجيا إصلاحية ، على أني سأفعل ذلك ، وستتاح لي فرصة الدفاع عن ذلك ، فهي تربط علاقات تاريخية مع الحركة الإصلاحية . ويتعلق المبرر الثاني ، الذي بموجبه يتم تفضيل الأصوليين في مواجهة الحداثة ، بشكل أقل من سوسيولوجية الديني بشكل عام منها من التفكير السوسيولوجي حول الحركة الإسلامية بشكل خاص ؛ وتعتبر إعادة الأسلمة ، بالنسبة لعالم الاجتماع أولفييهروا ، " فاعلا معينا لسياق ثقافي ، بمعنى زوال ثقافات أصلية لصالح شكل من أشكال التغريب " .9؛ وكونها [الأسلمة] نتاج عولمة 10، فإنها قلما تشكل ظاهرة رد فعل ضد الحداثة الغربية . ويعتبر عالم اجتماع آخر ، فرانسوا بورغاتFrancoisBurgat)(11، الإسلاموية قوة موجهة للحداثة في الإسلام لأنها تندرج في حركات تحرر متلاحقة بخصوص قوى غربية ، سياسية في بادئ الأمر ثم اقتصادية وأخيرا ثقافية12. بالنسبة لروا كما هو الحال بالنسبة لبورغات ، فإن بلاغة الخطاب الأصولية لاوظيفة لها سوى تقنيع تكييف القيم الإسلامية مع الحداثة . ففي تصورهما ، لايتعلق الأمر سوى ببلاغة ، بمعجم يبرر أو يموه سلوكات توجد في قطيعة مع تراث الإسلام ؛ إن قيم الحداثة ، على حد تعبير بورغات ، " قد أعيدت كتابتها بفضل مصطلح النسق الرمزي الإسلامي "13. فما تقوم به الإسلاموية ، بالنسبة إليهما معا ، هو العمل على توسيع نطاق التحديث ؛ ففي مجال الدراسات السوسيولوجية حول الدول الإسلامية ، إن تلك الفكرة المفارقة التي لأول وهلة تبدو أشبه بموجة معارضة للغرب ، بإمكانها أن تصبح قوة موجهة للحداثة فقد سبق ظهورها لدى جاك بيرك14Jacques Berque)( الذي فهم بين الحربين بأن القوميين المناهضين لفرنسا بإفريقيا الشمالية يعتبرون الورثة الحقيقيين للحداثة ، على خلاف الطرق الصوفية أو العلماء التقليديين الذين كانوا مؤيدين لفرنسا . هل يعتبر نقل وجهة نظر النزعة القومية إلى الإسلاموية[نقلا] مشروعا ؟ هذا واحد من الأسئلة التي يجب طرحها في غياب القدرة على تقديم جواب لها مع شيء من اليقين . النهضــــــة لفهم المناخ الذي نشأ فيه الإصلاح الأصولي الذي يتعارض في ذات الوقت مع تراث إسلامي يحكم عليه بالجمود و[يتعارض] مع حداثة أجنبية يعتبرها مهددة ، لابد من استحضار موجة التحرر الثقافية ، التي نشأت في منتصف القرن التاسع عشر ، والتي يعطيها العرب اسم النهضةLa Nahda)(، بمعنى " التقويم " أو " النهضة " ، كما تتم ترجمتها في الغالب قياسا على موجة القرن السادس عشر الأوروبية ؛ وتمتلك هذه الموجة في رأي الأصوليين عيوبا شتى : فهي تتوجه ابتداء إلى العرب حصرا ، عاملة على تمييزهم في قلب الأمة L umma)(الإسلامية ، يعني داخل جماعة بدونفوارق إثنية وقومية . فقد كانت ضمن سياق ذلك العصر تطالببانعتاقهم [العرب] من الوصاية العثمانية وستشكل امتدادا لموجات قومية مختلفة . فيما بعد ، منحت دورا رياديا أو، على أي حال ، دورا أساسيا للعرب المسيحيين ، الذين وجدوا في هذا الفضاء الثقافي الجديد ، إمكانية لتجاوز التمييز التقليدي بين المسلمين وغير المسلمين . بدفاعهم عن العروبة والتحديث ، وفي الوقت نفسه ، الإعلاء من شأن اللغة العربية ، فإنما كانوا يدافعون عن إرث مشترك للمسيحيين والمسلمين ؛ فهم من أسس أولى الجرائد 15، و[هم من] ألفوا أولى الموسوعات وأدخلوا أجناسا أدبية جديدة كالمسرح والرواية ؛ وفي النهاية ، تعتبر النهضة بأن الغرب منذ بونبارت أسهم بشكل فعال لصالح العرب وعلى المستوى السياسي أضعف المماليك الموالين للعثمانيين في مصر وسهل الاستيلاء على السلطة من قبل مستبد مستنير : محمد علي الذي حكم مصر من 1805 إلى 1849 عاملا على تحديث البلاد وفاتحا إمبراطوريته نحو الشرق ( سوريا ، الجزيرة العربية ) وباتجاه إفريقيا ( السودان ، إلى حدود أوغاندا الحالية ) . لم يكن المفهوم السياسي للإمبراطورية في ذلك العهد غير شرعي ثم إنه شكل مصدراعتزاز لدى المثقفين المصريين ؛ وعلى المستوى الثقافي ، سيعمل الغرب على إنعاش الشرق ثم إن هذا الإنعاش يرجع إلى دواعي ذات طابع سياسي : ينبغي التوصل إلى معرفة اسرار التفوق التقني والعلمي للغرب . في عهد محمد علي ، يعتبر رفاعة رافع الطهطاوي (1801ـ 1873)من أعظم رجالات النهضة ، مسلما من علماء الأزهر ، وسيكون إماما لخمسة وعشرين أميرا في بعثة دراسية إلى فرنسا بين (1826ـ 1831)16. لدى عودته وطيلة حياته كلها ، سيصبح رهن إشارة معلمه وسياسته في تحديث مصر . سيؤسس مدرسة تكتسي أهمية بالغة في الترجمة : سيتم ترجمة ألفي كتاب علمي ومؤلفات أخرى في الحقوق والجغرافيا . تغذت النهضة في بداياتها على الترجمة 17لأن النموذج كان هو الأجنبي . هناك اعتراف بتفوق الغرب وتخلف الشرق وضرورة الخروج من هذا التخلف . تم الشروع إذن في الترجمة ، فتملك التقنيات العلمية والأجناس الأدبية الجديدة ، و ، على المستوى السياسي ، [تملك] مفاهيم القومية ، الديموقراطية الدستورية ، الحرية ، احترام الفرد ، وهو ما سيتم استخدامه في بادئ الأمر في مواجهة سياسة الإمبراطورية العثمانية ، وبعد ذلك في مواجهة التدخلات الغربية . تتركز نهاية ذلك التفاؤل بعد الحرب العالمية الأولى وتعزيز سياسة الانتداب من خلال القوى الاستعمارية . يلاحظ أن التطور الليبرالي للنظام العثماني ـ إصلاح المؤسسات ، تحت تأثير الغرب ، عاملا في ذلك على ضمان الحريات المدنية وهو ما يدعى بالتنظيمات ـ قد فشل في إنقاده[ النظام العثماني] ؛ كما لوحظ أن المبادئ الديموقراطية التي تقوي الحياة العامة للدول الأوروبية لم تترجم في سياستهم الخارجية بالنسبة للشعوب الأخرى . في مقابل غرب يختزل في مشروعه التوسعي ، ستتم العودة ، بطريقة مفعمة بالتباهي ، إلى التراث الديني الإسلامي . إن ما أود عرضه هو رسم بياني .لاينبغي الاعتقاد بأن الأمور جرت ببساطة : النهضة أولا ، بعد ذلك الإصلاح الأصولي . التياران متلازمان ولم يتوقفا عن ذلك [التلازم] قط . وهما ليسا متلازمين فقط ، بل قابلان للاختراق مع بعضهما البعض حول قضايا العلوم وتملك التقنيات العلمية ، الإصلاحات السياسية وحتى إصلاح تعزيز اللغة العربية . غير أن منحنياتهما في التطور مختلفة بالنسبة للأزمنة . جمال الدين الأفغانــــــــي أول أعظم علم من أعلام الإصلاح الأصولي هو جمال الدين الأفغاني (1838 ـ 1897) . في سنة 1871 ، قبيل سنتين من وفاة رفاعة رافع الطهطاوي ، حل جمال الدين الأفغاني بمصر حيث ، سيخوض بمعية تلامذته الأوائل ، انطلاق أكبر مغامرة إصلاحية إسلامية جامعة . يعتبر جمال الدين الأفغاني شخصية مركبة . يقال عنه أنه نشأ بأفغانستان سنة 1830 في وسط سني ، غير أن الشك يحوم أيضا حول منشإه بأرض فارس وكونه كان شيعيا . فقد قضى هذا الرجل " السياسي المجادل أكثر من كونه منظرا حقيقيا " على حد تعبير هنري لاوسHenri Laoust)(18، كل حياته مسافرا من بلد إلى آخر ، تحت رحمة الدسائس السياسية لأفغانستان بالهند ، [دسائس] مصر بأرض فارس ، لندن أو باريس في موسكو ، سان بطرسبورغ والقسطنطينية ، تارة يستدعى من طرف الحكام فيغمره عطفهم ، وتارة أخرى موضوع شبهة يكون منذورا للنفي . يتم تقديمه مثل زاهد مسلم ، على أنه فضلا عن ذلك يعتبر عقلانيا وماسونيا : فقد أنشأ حوالي سنة 1880 ، في القاهرة محفلا ماسونيا مصريا تابعا للشرق الفرنسي الكبير . يتم تقديمه مثل خطيب مفلق ، مكون لايكل ، خصص كل حياته لقضية الصحوة الإسلامية . هذا العازب ، المدمن على شرب الشاي والتبغ ، سيلفظ آخر أنفاسه بإقامة محروسة بالقسطنطينية سنة 1897 ، دون أن يقف على أدنى تحقق لوحدة مسلمين منقسمين فيما بينهم . إذ أن فكرة الأفغاني الكبرى ، والتي يقارن من خلالها بشكل عام ، ألا وهي الجامعة الإسلامية . ما يرمي إلى الدفع به إلى الأمام هو توحيد الدول الإسلامية في وجه التدخلات الأوروبية . اتحاد يتجاوز الانقسامات بين العرب ، الأتراك ، الفرس ، الهنود ، وكذلك الشيعة والسنة . إتحاد لن يتم بناؤه لصالح الخليفة العثماني ، الذي يفضح [نظامه] الاستبدادي ، على أنه سيسمح أيضا للفرس ومصر بالحياة ككيانات مستقلة . فما لايحتمله الأفغاني ، هو فقدان السلطة السياسية للدول الإسلامية أمام ضغط أنجلترا ، فرنسا وروسيا ؛ ويقوم رفض الهيمنة الأجنبية باسم الإسلام ضد انحطاط البلدان الإسلامية . ينبري لفضح استبداد الطغاة المحليين ، يطالب بالحريات الدستورية وبنظام برلماني ، لكن مع التأكيد أن الدين الإسلامي وحده القادر على ضمان استقرار المجتمعات وسيادة الشعوب . لابد من تحرير الشرق من الاستبداد الداخلي والإمبريالية الأجنبية وذلك بالعودة إلى مصادر الإسلام . إن الفكرة التي نصادفها على الدوام لدى الإصلاحيين إلى حدود الوقت الراهن ، هي أنه لاينبغي اعتبار الإسلام سببا في تخلف الشعوب الإسلامية . وخلافا لذلك ، فإذا كان هؤلاء مهيمنين في الوقت الحاضر ، فلأنهم انتهكوا المثل العليا لهذا الدين . مثل عليا لم يبق لها أثر في الصدور والضمائر فحسب ، بل تجسدت في القرن السابع وقدمت العون للأجيال المتحمسة الأولى من المسلمين لفتح إمبراطورية . فالعودة ، بالنسبة إلى الأفغاني ، إلى التراث لاتنفصل عن رؤيته السياسية : يتعلق الأمر باستعادة مصادر القوة والسيادة في ظل الإسلام ، التي جعلت منه إمبراطورية ، ثم العمل على بعث الشعوب الإسلامية المنهكة ؛ على أن الرؤية السياسية ليست وحدها هي موضوع النقاش : فلابد كذلك من تطهير الإسلام من تصور قروسطي لمعرفة لاتتناسب في شيء مع اكتشافات العلوم في القرن التاسع عشر ، علوم لامناص منها بعد الآن ضمن الاعتبار الثقافي والسياسي . ربما سبق لكم أن سمعتم عن المناظرة19 التي واجه فيها الأفغاني إرنست رينان Ernest Renan)( أو ، على الأقل [سمعتم] عن محاضرة لإرنست رينان ألقاها بجامعة السوربون في 29 مارس 1883 ، والتي أكد فيها أن الإسلام كان السبب الأساسي في تقهقر الشعوب الإسلامية ، لأن العقل العلمي والإسلام متعارضان . وكان الأفغاني يتواجد في ذلك الحين بباريس ، فقدم جوابا على [محاضرة] رينان في جريدة المناظراتLe Journal des Debats)( في 18 ماي 1883 ؛ وسيثبت الأفغاني بأنه ليس ثمة تناقض بين الوحي والعقل ، بما أن القرآن يحث المؤمن باستمرار على فهم الواقع والتفكير ؛ فالإسلام إذن هو من سوغ ولادة العقل الفلسفي عند العرب . بناء على ذلك ، ليس ثمة ما يمنع تطوير الملكة العقلية في الأنساق العلمية . إن تصلب الأذهان هو من صنع التقاليد ، وليس من صنع الإسلام ذاته . على أن ذلك لم يمنعه من تأكيده على تفوق الدين على العلم 20وهو ما حصل في نقاش مع مثقف مسلم هذه المرة . أثناء إقامته بالهند التي امتدت من 1883 ، وسبقت مجيئه إلى باريس ، أتيحت للأفغاني الفرصة لتأليف مقالة سياسية لاذعة تحت عنوان تفنيد الماديين ووجهت أساسا ضد عالم مسلم مصلح هندي ، هو سيد أحمد خان (1817 ـ 1898) .يطالب سيد أحمد خان باستقلال معين للعقل ضمن مجهود لفهم جديد بالنسبة للقرآن ، وذلك من أجل تحقيق نوع معين من الاتساق بين الفكر الإسلامي والفكر الحديث . غير أن سيد أحمد خان اعتبر تواجد الإنجليز بالهند مكسبا ، لكونه سيسمح للمسلمين بالتقدم أمام الغالبية الهندوسية ؛ سيؤسس في سنة 1875 كوليج أليغارا Aligarh)( الإنجليزي الإسلامي الشهير . لامه الأفغاني لكونه أسهم في تفكيك ارتباط المسلمين بقيم الإسلام ؛ بتنبيههم إلى أن دراسة العلوم تكتسي أهمية بالغة في ازدهار الحضارة بدلا من التشبث بالقيم الدينية21. ينتمي هذا الخطاب المزدوج إلى مايسميه المحللون بتناقضات الأفغاني ، منافحا عن العلوم ضد رينان والتشبث بتراث السلف ضد سيد أحمد خان ، عاملا على تعديل خطابه بالنسبة إلى مخاطبه بطريقة جد سياسية ، سواء أكان [المخاطب] غربيا أم مسلما . بقي المحللون الغربيون جد منقسمين بخصوص القناعات الراسخة للإنسان . والشيء الوحيد الذي لايمكن للشك أن يحوم حوله ، هو إرادة الأفغاني القوية في توحيد المسلمين وفي أن يجعل منهم من جديد فاعلين في التاريخ . محمد عبـــــــده معلم آخر من معالم هذه الرحلة التاريخية ويعتبر من أشهر تلامذة الأفغاني ، هو المصري محمد عبده (1849ـ 1905) ، التقى الرجلان بالقاهرة سنة 1871 وستدوم تلك الرفقة الثقافية قرابة خمسة عشر سنة قبل أن يفرض محمد عبده طابعه الخاص في الإصلاح بمصر . ولد محمد عبده سنة 1849 ، وهي نفس السنة التي غادر فيها محمد علي الحياة . تكون بجامعة الأزهر ، على أنه سيدرك على الفور خمولها الثقافي التي بدت [الجامعة] له أنها ليست في مستوى التحدي الذي تمثله الثقافة الغربية التي تنتشر في البلدان الإسلامية كلها . على ذات الشاكلة التي انتهجها الأفغاني ، فقد دافع عن فكرة أنه إذا لم يستجب المسلمون قط للمثل الأعلى لدينهم ، فلأنهم تناسوا القوة والنقاء البدائي . ينبغي إذن العودة إلى منابعه [الدين] ، وذلك بالالتفاف على النظام البالي للحقوق وأحكام القضاء من أجل تأسيس تشريع جديد ، وفي لمبادئ الإسلام لكنه يكون قادرا على دمج المجتمعات الإسلامية في العالم الحديث ؛ شأنه في ذلك شأن الأفغاني ، فقد خص الاستعمال الشخصي للعقل بمكانة مرموقة في إعادة قراءة النصوص . يمكن القول أن جل عمله ليس سوى دفاع متواصل مخصص لإقامة الدليل على أن الإسلام هو الدين الأكثر اكتمالا من الديانات [الأخرى] : إسلام مثالي ، لم ينتشر عبر الغزو بل بواسطة كماله العقلي والأخلاقي ، الذي شكل مصدرا للتقدم بالنسبة لأوروبا من خلال التأثير الذي مارسه على أصول الإصلاح والنهضة ، إسلام يوافق ، والحالة هذه ، روح الحضارة الحديثة . ومثلما سيقوم بذلك عدد معين من المصلحين بعده ، فقد فضل القرآن على حساب السنة التي لم يعطها كبير أهمية ، على المسلم أن يرتكز على النص القرآني ، ثم على استعمال عقله ، على أن أسبقية القرآن تعتبر مطلقة 22وما على العقل إلا إثبات الحقائق الموحى بها والتي يتضمنها : وجود الله ، خلق العالم ، بعثة الرسل ، القيامة ويوم الحساب . من خلال هذه الزاوية ، نحن نوجد ضمن مفهوم للعقل لايمت بصلة للعقل النقدي : يقوم العقل بتنوير معطيات الإيمان . لكن من خلال زوايا أخرى ، استطاع محمد عبده أن يثبت قدرته على التجديد ، لاسيما على المستوى الاجتماعي والسياسي ، مع السعي إلى تقديم أجوبة لصالح أسئلة عصره مع العمل على استعارة العديد من الأفكار من القانون العام الفرنسي ومن فلسفة الأنوار . ما سيفصل محمد عبده عن جمال الدين الأفغاني يعود بالدرجة الأولى إلى الفعل السياسي . فبعد أن قاسى عدة سنوات من المنفى من سنة 1882 إلى 1889 23، سيتكيف محمد عبده مع السلطةالمصرية الواقعة تحت الوصاية البريطانيةوسيقبل باحتلال أعلى مرتبةدينية ، [مرتبة] مفتي 24الدولة ، من 1889 إلى ساعة وفاته . فقد بقي معارضا لتواطؤ السلطة المحلية مع السلطات الاستعمارية ، إلا أنه لم يكن يرى حلا لتحرير الشعوب الإسلامية في ظل اضطراب سياسي متسارع ، خلافا لرؤية الأفغاني ، فقد كان يرى أن ذلك التحرر يخضع لعمل ذي نفس طويل وعبر مراحل متدرجة : التربية الثقافية ، الأخلاقية والدينية للشعب ، [التربية]التي بدت له ضرورة سابقة على تكوين رأي عام وتطبيق ديموقراطية مؤسسة على تعاليم الإسلام . رشيد رضــــــا يعتبر رشيد رضا(1865ـ 1935 ) ، أحد كبار أعلام الإصلاح الأصولي ، وهو تلميذ لمحمد عبده ، حيث يتم تقديمه كتلميذ . سوري (بلاد الشام) ، نشأ بالقرب من طرابلس في شمال لبنان ، حيث سيقضي سنوات تكوينه من قبل إقامته بالقاهرة وفيها سيلتقي محمد عبده . نال رشيد رضا شعبية كبيرة في مجموع العالم الإسلامي ، وذلك بفضل مجلة المنار ، التي أسسها بالقاهرة سنة 1898 وسهر على تسييرها إلى حين وفاته سنة 1935 ؛ وستستأنف المجلة صدورها على يد جماعة الإخوان المسلمين ، وسوف لن تصمد طويلا ، لكونها ستتوقف عن الصدور سنة 1940 . تعمل المنار في ذات الوقت على نشر مقالات في العقيدة وأخبارا حول مجموع العالم الإسلامي ، الذي تتوفر فيه على مراسلين ، من الهند وإندونيسيا إلى إفريقيا الشمالية . ينضاف إلى ذلك فتاوى رشيد رضا الذي قدم أجوبة على اسئلة تخص موضوعات شتى ؛ كما تتضمن تفسيرا ذائع الصيت للقرآن اسمه تفسير المنار . إنه عمل رشيد رضا الذيضمنه خلاصات مستفيضة لتفسير سبق لأستاذه محمد عبده أن قام بتدريسه في إطار دروس ليلية بالجامعة الإسلامية للأزهر 25؛ وستعمل المجلة طيلة أربعين عاما على نشر أفكار الإصلاح الأصولي . تدعو إلى الصمود السياسي والديني في وجه الضغوطات الاستعمارية . تنتقد الأوروبيين لكونهم يفصلون الهيئة الدينية عن الهيئة السياسية ثم رغبتهم في محو أثر الشريعة حيث يسوغ لهم نفوذهم ذلك . تتوجه بالنقد ضد لائكية الكمالية بتوركيا ، كما تنتقد المسلمين الليبراليين المتهمين بالغربويةoccidentalisme)( ، المتواجدين بمصر والذين يمتلكون منابر الإعلام والأحزاب : [حزب] الوفد أو الليبراليون ـ الدستوريون وكافة التيار الذي يطالب بواسطة الكاتب طه حسين ـ بانتماء مشترك في حوض المتوسط . تنادي المجلة بإحياء الإسلام أمام تحدي الحداثة الغربية ، من أجل إنجاز إصلاح ديني واجتماعي للوحدة الإسلامية ؛ ففي هذا الإطار توجه سهام نقدها [لمجلة] بمعية علماء الأزهر المحافظين . ضمن مجهودها الرامي إلى توحيد المسلمين ، تنادي مجلة [المنار] بتجاوز الفرقة بين السنة والشيعة ، فبعد القضاء على الخلافة على يد الأتراك سنة 1942 وقيام ابن سعود بغزو الحجاز سنة 1924 ـ 1926 ، تحولت [المجلة] إلى مركز نشيط للدعاية لصالح الوهابية الشيء الذي أدى إلى حدوث ردود أفعال عنيفة من قبل الشيعة . لماذا يتم تقديم الدعم لصالح إيديولوجيا نعتبرها في الوقت الراهن [إيديولوجيا] رجعية تماما ؟ الوهابيـــــــة من المعروف أن الوهابية هي مذهب ظهر في جزيرة العرب في القرن الثامن عشر وانتشر بفضل تحالف مؤسسها محمد بن عبد الوهاب مع شيخ قبيلة هو محمد بن سعود الذي اندفع لغزو نجد ثم الحجاز . لكن سرعان ما وضع إبراهيم باشا ، نجل محمد علي ، حدا لهذا التوسع (1812 ـ 1819) . حينما عاودت الوهابية الظهور في بداية القرن العشرين ، فإن السياق السياسي كان مغايرا تماما . انهزام الإمبراطورية العثمانية وسقوط الخليفة . رمز عريق في توحيد المسلمين اختفى . كانت سياسة الانتداب في الشرق الأوسط تحرم البلدان الإسلامية من سيادتها السياسية ؛ أما بالنسبة للمغرب فقد كان محتلا . جميع التشريعات المستوحاة من التشريعات الغربية كانت تهدف إلى اختزال الإسلام إلى دين الحالة الشخصية . اعتبر الوهابيون حينئذ كممثلين للنهضة العربية والإسلامية وقد تم [نفس الشيء] في كافة أرجاء العالم الإسلامي على يد أشخاص أشد اختلافا من الزعيم المغربي القومي علال الفاسي الذي يتحدث عن " ثورة وهابية " 26والفيلسوف والشاعر الهندي محمد إقبال الذي سيكتب بأن " الوهابية هي أول نبض لحياة الإسلام الحديث "27. قدمت المنار في مصر الدعمللوهابية منذ 1920 ، حينما شرع ابن سعود في إعادة بناء العربية السعودية [حاليا] بعد ثاني غزو للحجاز . إن إسناد التيار الذي برز [فجأة] يجد تفسيره بطبيعة الحال من خلال السياق ، على أنه ينبغي القول ، بشكل أعمق ، أن أملا جديدا بزغ : يصبح السياسي مكانا لاهوتيا . والأمل كان معقودا في أن الانحلال الفعلي الذي حصل منذ قرون سيتم التغلب عليه ، الأمل في أن الفارق بين السياسي والديني سيتسع أو يضيق . نجد بين مذهب ابن عبد الوهاب وأسرة آل سعود قرابة ضيقة للمذهب والقوة العسكرية التي حققت فوز الإسلام ، ففي المغرب كذلك ، بين القرن الحادي عشر والثالث عشر ، [وهوقرن] السلالات الحاكمة الكبرى للمرابطين والموحدين ، على وجه الخصوص و الذين طالبوا بالعودة إلى القرآن والسنة ضد المالكية النقليين . يقر المذهب الوهابي بتوحيد صارم على المستوى اللاهوتي . فكما هو الشأن عند الإصلاحيين السابقين ، فإن الدولة الإسلامية الأولى للأجيال التقية تعتبر نموذجية28، كما يتم تسليط الضوء على المصادر الشرعية للقرآن والسنة مع إصرار واضح جدا حول الخاصية المطابقة لهذه الأخيرة [السنة] . وبالفعل ، فإن الوهابيين يطالبون بانتمائهم إلى إحدى المدارس الشرعية الأربعة للإسلام ، الوهابية ، التي تتميز بارتباطها الضيق بالحديث النبوي . يتضمن التوحيد الصارم للوهابية نوعا من " محاربة الخرافة بشكل فعلي " . فقد تم القيام بعدد معين من التخريبات في الحجاز 29. فعندما نقرأ رحلة ابن جبير 30الذي زار مكة في القرن الثاني عشر ، نستطيع فهم شيء ما من قبل جزيرة عربية ما قبل وهابية : ويروي أن الحجاج يذهبون لزيارة المكان الذي شهد ولادة محمد ، [وهو المكان] الذي اقترن فيه بخذيجة ، وفيه نشأت فاطمة ، الدكة التي كان يقتعدهابالقرب من منزل خذيجة . وفي حرم الكعبة ، في مقدور المرء زيارة قبر إسماعيل وقبر أمه هاجر . بالإمكان الذهاب للصلاة في مسجد جبل أبي قبيس ، وهو المكان الذي انشق فيه القمر31للرسول . قام الوهابيون بتدمير كل هذا . ابتداء من أول غزو ، كل القبب المشيدة على قبور صحابة الرسول ، قد طالها التدمير ؛ ويبرر رشيد رضا ولاءه للوهابيين عبر صرامة توحيدها وتجذرها في المنابع الأكثر قدما ، لكن أيضا عبر ديمومة العلاقة بين السلطة السياسية والدين . تتجسد هذه الأخيرة في ظل دولة تصبح كفيلة بمجتمع يخضع للشريعة الإسلامية : تأمر الدولة بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وذلك تبعا للأمر القرآني . نتواجد ضمن إشكالية الفترة الجديدة التي تعلن عن نفسها مع إنشاء بنية سياسية حقيقية تهدف إلى الاستيلاء على السلطة ، ولو في البلد الواحد : الإخوان المسلمون . الإخوان المسلمــــــون لقد لاحظنا أنه في سنة 1935 ، لدى موت رشيد رضا ، ستحاول جماعة الإخوان المسلمين إعادة إحياء مجلة المنار إلى حدود1940 . وجدت الجماعة منذ 1928 بمصر ، وأسست على يدحسن البنا(1906ـ 1949) ، عمل مدرسا في التكوين ، نشأ في ظل أفكار إصلاحية على يد أب كان تلميذا لمحمد عبده . فقد ترك حسن البنا بعض الكتابات ، على أنه يعتبر قبل كل شيء داعية مؤثرا ومنظما : بلغ عدد أعضاء الجماعة في سنة 1948 ، خمس مائة ألف . رؤيتها سياسية : الإسلام هو نظام شامل في الحياة والسياسي هو بعد ملازم له . على السلطة أن تكون إسلامية بهدف أن تؤمن لمجتمع إسلامي كل أسسه كاملة : مدارس ، محاكم ، وظيفة عمومية ، جيش ، اقتصاد ـ الزكاة تصبح نظاما ضريبيا ملزما وليست صدقة فردية ـ ، أخلاق عامة ، حظر الكتب ، الصحف ،أعمال ثقافية ...32وقد تم الاعتراض على كل المجهود المبذول من أجل علمنة المؤسسات القضائية والسياسية منذ القرن التاسع عشر ، وهذا هو ما تشير إليه دعاية الإخوان : القرآن دستورنا33. وبالنسبة إليهم ولمن هم تحت نفوذهم من الجمعيات ، من اللازم توفير شروط لعدالة اجتماعية حقيقية قبل تطبيق الشريعة . فلهذا السبب وجب الاستيلاء على السلطة . أبو الأعلى المــــودودي تم تنظيم الجماعة الإسلامية على ذات المنوال في باكستان سنة 1941 ، والتي أسسها أبو الأعلى المودودي (1903ـ 1979) وكان أبوه تلميذا لسيد أحمد خان . تلقى تكوينا تقليديا ، ثم عمل في الصحافة ، أصبح منظرا للإسلام السياسي ، يعتبر طريقا ثالثا بين الرأسمالية والشيوعية ، لم يقتبس شيئا من الحضارة الغربية ؛ وظف المودودي مفهوما بالغ الأهمية في التحليل السياسي : وهو مفهوم الحاكمية أو السيادة لله . وهو ليس مفهوما قرآنيا ، على أنه يفيد أن الله هو مصدر كل سلطة . يجد تطبيقه الأصلي في المجال السياسي : ترتكز الديموقراطية على مبدإ كافر لكونها تجعل من السيادة الشعبية مصدرا للشرعية السياسية . فبفضل تأثيره أصدرت باكستان أول دستور لها سنة 1956 ، وكان يهدف إلى " إعادة مراجعة كل القوانين المعمول بها على ضوء القرآن والسنة " 34. وسيعمل على مساندة نظام الجنرال ضياء الحق . ما كان ينبغي على باكستان من وجهة نظره [المودودي] ، أن تكون دولة قومية إسلامية ، بل دولة إسلامية ذات رسالة . سيساهم المودودي في تأسيس واشتغال جامعة المدينة بالعربية السعودية والرابطة الإسلامية العالمية . ترك عدة كتابات ترجم بعضها إلى لغات عديدة . ويعتبر تفسيره للقرآن ، الذي استغرق منه ثلاثين سنة ، من أهم ما كتب . سيد قطــــــب وجه أقرب إلى الوجه السابق [حسن البنا] وهو أحد أبرز أعضاء الإخوان المسلمين : سيد قطب (1906ـ 1966) ، ولد بمصر ، بإحدى قرى محافظة أسيوط وهي السنة نفسها التي ولد فيها حسن البنا . تلقى تكوينا عصريا ولم يتلقى دروسا في الفقه ، التحق بمدرسة المعلمين الأولية . أصبح مدرسا وناقدا أدبيا في ذات الوقت . زيارته الوحيدة خارج مصر تلقى خلالها تدريبا تربويا في الولايات المتحدة الأمريكية بين 1949 و 1951 . ولدى عودته عام 1951 ، انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ؛ وبعد انقلاب جمال عبد الناصر والضباط الأحرار سنة 1952 ، سيعاني من الاضطهاد الذي عانى منه كل أعضاء التنظيم . اعتقل سنة 1954 وسيقضي بقية حياته في السجن ، ما عدا ثمانية أشهر قضاها خارج أسوار السجن ؛ وفي شهر غشت 1966 ، سيعدم شنقا بتهمة التآمر على نظام الحكم . يعتبر مؤلفه ، في تفسير القرآن تحت عنوان في ظلال القرآن تحفته ، وهو يضم ثلاثين دفترا كتبت بين 1951 و1966 ، في جزء كبير منها بمشفى السجن حيث كان يتلقى العلاج . لم يكن المؤلف موسوما بطابع عالم دين ، بل بطابع مناضل ؛ وقد أعيد طبعه إلى ما لانهاية حتى أيامنا هذه ، تحولت الأجزاء الستة إلى " عمل مقدس " بالنسبة للمناضلين الإسلاميين في العالم قاطبة . أجريت تحويرات كثيرة على الإسلام تتخلل مادة التفسير نفسها ثم إنها تساعد أكثر على فهم كيفية اشتغال فكر أصولي . لذلك يعمد في حاشية سورة النساء35إلى شرح الصلاحية الدائمة للتربية الإلهية التي تعلن عن نفسها من خلالالقرآن . إنه منهج لايتغير في مبادئهلأنه يتوجه إلى الإنسان ثم إن الإنسان وهب طبيعة إنسانية دائمة . كل تبدلات وكل تطورات المجتمعات الإنسانية لاتستطيع إحداث سوى تعديلات سطحية بفضل ما فطرت عليه من طبيعة ثابتة . ثمة نصوص قرآنية تمتلك صلاحية لا تتبدل بإمكانها أن تتوجه إلى طبيعة إنسانية ثابتة ، إذ أن المصدر هو ذاته : الله . إنه لا ينبغي، من وجهة نظر سيد قطب 36، الاعتقاد بأن الوحي القرآني يجد نفسه محصورا مهما يكن من خلال ما يتوجه به إلى المجتمع المشرك بالجزيرة العربية في القرن السابع . وبالفعل فإن الجاهليةالأولى37قد استبدلتبجاهلية حديثة،[جاهلية] العالم المتحضر الصناعي الأوروبي والأمريكي ثم إن التربية الربانية تجد تطبيقها في النصوص القرآنية . لا تنتمي الجاهلية إلى زمن مضى ومحدد تاريخيا ؛ إنها تتألف من أي نظام يقوم على استرقاق الإنسان لأخيه الإنسان . يلاحظ سيد قطب بأن هذا النظام ينتشر حاليا بالعالم بأكمله : المبادئ ، القوانين ، القيم ، التقاليد ، كل هذا يقوم في الوقت الراهن على أسس بشرية وليست ربانية ، وهذا هو تعريف الجاهلية نفسه . فأمام هذا الوضع ، يعتبر الإسلام المنهج الوحيد الذي يجيز للإنسان الانعتاق من عبودية الإنسان إذ أن كل مبادئه ، كل قوانينه ، كل قيمه لها مصدر رباني . فبتبنيه إياها والخضوع لها ، لن يجد الإنسان قط نفسه خاضعا إلا لله وحده . يرفض سيد قطب أية إمكانية لوضع التعاليم القرآنية في سياقها التاريخي . إن بزوغ الإسلام ، من وجهة نظره ، لا يحدد إطلاقا بالجيل البشري الذي ظهر في أحضانه : " ليس من أقام الإسلام هم المسلمون ، بل الإسلام هو من أقام المسلمين 38". يختلف الإسلام في ذلك عن عقائد أخرى من صنع البشر .يقوم هؤلاء [البشر] بإنشاء مؤسسات وسن قوانين من صنعهم ومن صنع تفكيرهم . وبالمقابل ، فالله الخالق هو من أنشأ الإسلام من أجل البشر . لا ينبغي ، والحالة هذه ، إعطاء أي اعتبار لـ[أي] ظرف تاريخي يملي هذا الفهم أو ذاك في هذا العصر أو ذاك . فالظرف التاريخي الوحيد الذي يجب على المسلمين التقيد به هو [ظرف] تقيدهم بالمبادئ الإسلامية أو بزيغهم عنها . إن النظرية الإسلامية للتاريخ تختلف عن النظريات الأخرى التي تأخذ بعين الاعتبار واقع مجتمع معطى ، تقدم هذا المجتمع وما ينطوي عليه من تطور يحصل في مفاهيم أعضائه . على أن تطبيق هذا الفهم للأشياء على الإسلام سيكون نفيا لطبيعته النادرة لكونه ذو أصل رباني . خلاصــــة أود الرجوع إلى السؤال الذي طرحته في البداية : هل الإصلاح الأصولي وسيلة نقل للحداثة في الإسلام أو ناقل لتغريبه ؟ هل ينبغي الأخذ بـ[رأي] فرانسوا بوغارت حين تقديمه لانبعاث الديني كنتيجة للدينامية العتيقة للقومية العربية المقاومة للإمبريالية ، وهي في الوقت الراهن مناهضة لأمريكا ، والتي لم تعد تجد ذاتها في لغة ماركسية ، بل في لغة لصيقة بالثقافة الإسلامية ؟ 39أوليفييه روالما يقدم الأصولية الجديدة التي ستأتي بعد الإسلاموية كنتاج لتدين متطرف حديث ، فرداني ، مقتلع ،مستعرض ، في قطيعة معتاريخ ، ثقافة ولغة[معينة] ؟40. يبدو لي أن معاينة ظاهرة معاصرة على ضوء تاريخها ، حتى وإن كانت حديثة عهد ، تجيز لنا "موضعة " عدد معين من الإثباتات [في سياقها الحالي] . الإثبات الأول : غالبا ما يتم تقديم الإصلاح الأصولي كظاهرة ارتكاسية . في ما مضى ، كان عبارة عن رد فعل على تدخل القوى الاستعمارية في شؤون البلدان الإسلامية . وهو يعتبر في الوقت الراهن ، رد فعل على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وعلى دعم الدولة العبرية ؛ وهو في أوروبا ، رد فعل على الغيتو الاجتماعي للهجرة وإقصاء البطالة . فلا يتعلق الأمر بإنكار تلك العوامل السياسية والسوسيولوجية ، لكن مع إضافة ، أنه من أجل فهم أقل أحادية ، بأن تلك الشعوب لها أيضا تاريخ وثقافة خاصتين بها ثم إنها لم توجد في عيون الآخر فقط . إثبات آخر : ينخرط التطرف الإسلامي في اللعبة الديموقراطية حالما يتم بناؤها ؛ فالبلدان الإسلامية التي تفرط في استعمال القمع تشجع التطرف الإسلامي . لنفرض أن تلك الشروط المثالية شيدت ، أليس من الممكن أن يتساءل المرء ما إذا كان شكل الديموقراطية ذاته لا يتأثر بها ؟ إذ لا يمكننا أن ننكر على الإصلاحيين الأصوليين الإرادة والاهتمام بغيرية واقعية : [غيرية] الحاجة إلى وضع نموذج سياسي تناوبي لا يفصل سلطة الديني عن سلطة السياسي . ولنا في إيران نموذج لذلك ، فقد قامت بإنشاء مؤسسات أصلية مع مضاعفة برلمان ورئيس ينتخبه الشعب ، مجلس مشورة غير منتخب يسهر عليه مرشد يعتبر وصيا على الدستور . لدينا إطار إسلامي يقوم بتأطير العمل التشريعي بصرامة والشعب لا يعتبر هناك مصدرا من مصادر القانون . أيا كان مصير نظام طهران ، فإن أشكالا أخرى من الحكم ستحاول التوفيق وهو ما لم تقبل به الحداثة كما نفهمها . منذ البداية عمدت الحركة الإصلاحية إلى إعاقة مجهود علمنة المؤسسات القضائية والسياسية ، التي تم الشروع فيها منذ القرن التاسع عشر ثم إنها دائما ما كانت تود الخوض في هذا السياق ؛ وفي سياق آخر ، وهو سياق فرنسا الحالية ، بلد ديموقراطي ، فحينما تطالب حركة مثل إتحاد المنظمات الإسلامية L uoif)( بتعديل العلمانية ، وقد عزز موقفها بكل تلك المناقشات . لا بد من الاعتراف بأنه يوجد لدينا خطان يسيران في اتجاه معاكس : فمن جهة هناك استقلالية أكثر دائمة بين السياسي والديني و ، من جهة أخرى ، أقل على الدوام . إثبات آخر : إن محو الثقافات الأصلية ، الإسلام المغاربي العرفي مثلا ، [محو] جيل الآباء ، لصالح إيديولوجيا متعددة القوميات كالإسلاموية بالنسبة للجيل الشاب ، سيشكل ناقلا للتغريب لأنه يحمل علامة الاقتلاع الناتجة عن العولمة ؛ أفلا ينبغي التذكير بأن المفهوم الإسلامي لـلأمة أعني جماعةمؤمنين متعددة الجنسيات ، بعيدا عن التمييز العرقي ، لم يرتقب [مجئ] العولمة الرأسمالية كي يفصح عن نفسه ثم إن مجلة المنار مثلا شكلت لسانا ناطقا باسمها [لأمة] ضد الإيديولوجيا القومية وضد إسلام الطرق الصوفية العرفي في الوقت نفسه . إثبات آخر : لن تكون الحداثة في البلدان الإسلامية إلا نتيجة لظروف اقتصادية واجتماعية ملائمة ، وهو ما يجعل كل نقاش لاهوتي حول القرآن نقاشا عديم الجدوى وباطلا ، [وحول] تفسيره و [حول] وضع " كلام الله " . وعلى النقيض من ذلك ، فإني أعتقد أن كل هذا يرتبط بعضه ببعض ثم إنه حينما يتعلم الفقهاء محاورة العلوم الإنسانية وبالانفتاح على المقاربة التاريخية النقدية مثلا في نصوصهم المؤسسة ، فإن صلة العنف بالحقيقة ستجد نفسها معدلة . إثبات آخر : لن يصير الديني سوى إيديولوجيا ، بمعنى تمثل خاطئ للواقع ، أو قناع لأجوبة ملموسة لقضايا ملموسة ، تجد أسبابها في شروط اقتصادية واجتماعية للجماعات ؛ أفلا ينبغي القول أن الديني هو أكثر من إيديولوجيا ثم إن ما يمنح المنعة للإسلاموية متطرفة كانت أم لا، هو بالضبط ، تمفصلها مع تراث ديني عريق وارتباطها العاطفي لواقع هو ذاته يعتبر واقعا مقدسا ؟ سأنهي بسؤال : ألا يوجد في مقاربة علماء الاجتماع الذين أتيت على ذكر أسمائهم ، مجهودا لعقلنة صارمة تنكر على الديني أو على النظام الرمزي فعاليته الخاصة في تطور المجتمعات ؟ وسأترك الكلمة الأخيرة للمؤرخ جورج دوبي Georges Dubuy)( . فحينما يتساءل بخصوص ما يطلق عليه الماركسيون التحديد في آخر التحليل للظواهر الاجتماعية ( فهم يموضعون المكان بامتياز في الاقتصادي لذلك التحديد )، ويعتقد جورج دوبي بأن " مجتمعا ما لا يفهم فقط من خلال أسسه الاقتصادية ، بل أيضا من خلال الصورة التي يكونها عن نفسه . [...] لأن ذلك لا يتم وفقا لظروف فهم الحقيقة ، ولكن وفقا للصورة التي يكونونها والتي لاتعطي انعكاسا صادقا إطلاقا ، سوى أن يضبط الناس تصرفاتهم " . ثم يضيف : " إن التساؤل عمن يحدد في المقام الأخير ، إنما يعني طرح قضية خاطئة . لا توجد قضية نهائية . فما يهم ، هو الشمولية ، التماسك ، التعالق . [...] السعي إلى الجمع بين أنظمة عدة بهدف إعادة الواقع الملموس للحياة إلى النظام . " 41 ــــــــــــــــ 1ـ عالم الأديانLe Monde des Religions)(، عدد 1، شتنبر ـ أكتوبر 2003 * عالم الأديان : مجلة فرنسية ظهرت عام 2003 نتيجة لاتحاد مجموعتين كبيرتين للصحافة : مجموعة الحياة والعالمLe Monde)( وهي الجريدةاليومية المعروفة . المترجم 2ـ انظر على سبيل المثال كتاب أوليفييهروا ، جنيالوجياالإسلاموية ، باريس ، هاشيت آداب ، 2001 . 3ـ تعتبر الإسلاموية تيارا فكريا إسلاميا ، ظهر في القرن العشرين . ويفيد" الاختيار الواعي للمذهب الإسلامي كمنهج من أجل العمل السياسي " ـ ضمن معنى لاينكره بعض الإسلاميين ـ ، أو بحسب آخرين ، " إيديولوجيا توظف الإسلام من أجل تحقيق مشروع سياسي : تغيير النظام السياسي والاجتماعي للدولة ، واعتبار الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع " . وتفضل فيفيان كوميرو مصطلح الإصلاح الأصولي على مصطلح الإسلاموية ، لما يتميز به ـ في تصورها ـ من وضوح . المترجم 4 ـ أوليفييهروا : من مواليد 1949 ، يعمل حاليا أستاذا بالمعهد الجامعي بمدينة فلورنسا ، حيث يدير البرنامج المتوسطي بمركز روبيرشومان ، يعمل مديرا ، منذ سنة 1985 ، للبحث بالمركز الوطني للبحث العلمي cnrs)( ومديرا للدراسات بمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية . المترجم 5 ـ السنة هي ماورد عن رسول الإسلام محمد بن عبد الله ، من قول أو فعل أو تقرير . 6 ـ رجيسدوبري : من مواليد فرنسا عام 1940 ، فيلسوف ، صحافي ، وأستاذ جامعي ، موظف سابق . عرف بتنظيره لعلم الوسائط ، نظرية نقدية لنقل المعنى الثقافي في المجتمع البشري . المترجم 7 ـ التغريب أوالتأورب ، مفهوم شاع في كثير من شعوب الشرق منذ القرن التاسع عشر يقوم على الأخذ بالنظم والعادات وغيرها من مظاهر المدنية الغربية والعمل بها ... المترجم 8 ـ انظر : أوليفييهروا ، الإسلام المعولم ، مرج مذكور ، ص 139 ـ 140 9 ـ نفسه ص 10 10 ـ في قراءته لكتاب أوليفييهروا ، الجهل المقدس ، يؤكد المفكر والمترجم هاشم صالح ، أن ازدهار الأصوليات يعود إلى العولمة ، ويشير إلى أن ما يميز الحركات الأصولية هو عداؤها للثقافة وتكفيرها لها . (هل يمكن للجهل أن يكون مقدسا ؟ وهذا ما يؤكد العنوان الفرعي للكتاب : زمن دين بلا ثقافة ، حيث يسعى أوليفييهروا إلى تغليب الدين على الثقافة . انظر : جريدة الشرق الأوسط الخميس 20 مايو 2010 عدد 11496 . المترجم 11 ـ فرانسوا بورغات : مستعرب ومختص بعلم السياسة ، يضطلع بمهمة البحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي . المترجم 12 ـ انظر : فرانسوا بورغات ، الإسلاموية وجها لوجه ، لديكوفيرت ، باريس ، 2002 ، ص 73 ـ 78 13 ـ نفسه ص 27 14 ـ جاك بيرك : (1910 ـ 1995 ) ، عالم اجتماع وعالم إناسة ومستشرق فرنسي . المترجم 15 ـ لايختلف اثنان في ما أسداه العرب المسيحيون من مجهودات خدمة للثقافة العربية ، أمثال ميخائيل نعيمة ، وجبران خليل جبران ، وإيليا أبو ماضي وبطرس البستاني ، والشدياق وكذلك المفكر الماروني جرجي زيدان الذي يعود الفضل إليه في تأسيس مجلة الهلال المصرية المعروفة ، وكذا رواياته التي أسست لما يعرف بالرواية التاريخية . وبطرس البستاني الذي وضع أول موسوعة عربية سماها " دائرة المعارف " . المترجم 16 ـ سيؤلف أثناء مقامه في باريس رواية رحلية تحت عنوان " تخليص الإبريز في تلخيص باريز " ، الذي قام بترجمته إلى الفرنسية عام 1975 الجامعي القبطي المصري أنور لوقا ، الذي وافته المنية في صيف هذه السنة (2006) ؛ أعيد نشر تخليص الإبريز في تلخيص باريز لدى منشورات سندباد عام 1989 . 17 ـ في مقال بعنوان "دور الترجمة في نشر الفكر التنويري في عصر النهضة " بقلم شاهر أحمد نصر ، يشيد المؤلف بالدور الجبار الذي قام به المترجمون الأوائل ، باحتكاكهم بالثقافة الغربية ، حيث قاموا بإرساء أسس عملية الحوار الفكري بين الحضارة العربية والحضارة الغربية .. أمثال الأب أنطون روفائيل ، ويوحنا عنجوري ، وأوغسطين سكاكيني ، ويوسف فرعون .. ويذكر الباحث أن الحركة الثقافية التي نشأت عقب البعثات التعليمية ورواد الترجمة أكثر من ألفي كتاب خلال أقل من أربعين عاما . انظر : موقع الحوار المتمدن http://www.alhewar.org المترجم 18 ـ هنري لاوس، دراسة حول المذاهب الاجتماعية والسياسية لتقي الدين أحمد بن تيمية ، مطبعة المعهد الفرنسي للأركيولوجيا الشرقية IFAO)( ، القاهرة ، 1939 ، ص . 543 19 ـ قال إرنست رينان في معرض حديثه عن انحطاط وتقهقر الدول الإسلامية ، في محاضرته التي ألقاها بالسوربون عام 1883 " كل إنسان يتمتع بالحد الأدنى من الاطلاع على شؤون العصر يرى بوضوح الدونية الحالية للبلدان الإسلامية والانحطاط الذي يميز الدول التي يحكمها الإسلام والبؤس الفكري للأعراف التي لاتقتبس ثقافتها وتعليمها إلا من هذه الديانة " . ولم يفت رينان أيضا الإشادة بالعلماء والمفكرين الذين أسهموا في ازدهار الثقافة العربية الإسلامية خمسة قرون على وجه التقريب . المترجم 20 ـ أو حينما يكون العقل في خدمة الدين كما يرى ميشال أونفري وذلك بقوله : " إن استخدام الدين للعلم كأداة هو أمر يخضع العقل لاستعمالات منزلية ولاهوتية . إن العلم على أرض الإسلام لايمارس لذاته ، بل للزيادة في الممارسة الدينية .. " ص 102 انظر : ميشال أونفري : نفي اللاهوت ت : مبارك العروسي منشورات الجمل 2012 . المترجم 21 ـ انظر : هنري لاوس ، الانشقاقات في الإسلام ، بايو ، باريس ، 1965 ، ص 341 ـ 342 و 359 ـ 360 22 ـ تنحدر هذه المقولة من أصول سلفية نهضوية ، تعتبر أن القرآن صالح لكل زمان ومكان ، مما يحد من سلطة العقل ، ويجعله خادما مطيعا للنص القرآني ، ومحترما للحدود أو الخطوط الحمراء التي يحرم عليه تجاوزها أو القفز عليها .. لاتستدعي الحاجة ، والحالة هذه ، إلى عقل من طبيعة نقدية ، عقل يتمتع بالصرامة اللازمة ، عقل يشكك في كل البناءات التي تم تشييدها والتي تتمتع بالهشاشة ، وآيلة كلها إلى الانهيار والتفتت ، عقل لايهدأ له بال إلا حينما يشرع في التشكيك في كل البداهات والأفكار المطلقة ، والحقائق النهائية الثابتة .. المترجم 23 ـ قام عرابي باشا في عام 1881 بمقاومة الخديوي ، الضباط الشركسيين والجيش والأجانب . فشل التمرد بفعل تدخل الإنجليز عام 1882 فاحتلوا مصر ، وقاموا بنفي محمد عبده لكونه ساند التمرد . 24 ـ المفتي هو القاضي الذي يصدر الفتاوى ، بمعنى إصدار قرار ذي طابع قضائي جوابا على مشكلة مطروحة ، على أن يتم تطبيق الفتوى على كل الحالات المماثلة . 25 ـ كان هذا التفسير الذي أعيد طبعه خارج المجلة ، وكان يغطي اثناعشر جزءا ، جزئيا . لن يتجاوز محمد عبده الآية 125 من سورة النساء ،في حين أن رشيد رضا سيواصلذلك إلى حدود الآية 107 من سورة يوسف . وعلى المستوى السياسي ، فإنه يكونمن الصعب أحيانا تمييز خطاب المعلم عن خطاب التلميذ ضمن خطاب مطنب ، قطع تماما مع الفكر الكلاسيكي ، إنه خطاب ذو هدف تربوي ، تحدوه النية في أن يكون أمينا للسلف مع تقديمأجوبة لانتظارات المسلمين في العصر الحديث ومتبنيا تفسيرا لأسئلةمعاصرة . 26 ـ علال الفاسي ، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي ، الدارالبيضاء ، 1993 (طبعة أولى 1984 ) ، ص 153 27 ـ محمد إقبال ، إعادة بناء الفكر الديني الإسلامي ، باريس ، 1955 ، ص 165 28 ـ اعتقد أقطاب الحركة السلفية ، على اختلاف مشاربهم ، أن الداء الخبيث الذي أصاب جسد الأمة الإسلامية ، يعود أساسا إلى الابتعاد عن السلف الصالح ، والنأي عن تلك الحلقة المضيئة من تاريخ هذه الأمة ، والتي شكلت بدايات ونواة دولة الخلافة . ويندرج السؤال الذي أطلقه شكيب أرسلان " لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون ، في صلب هذا المشكل وهو ما ترتبت عنه أجوبة خاطئة ومغلوطة تماما .. المترجم 29 ـ قام الوهابيون بتدمير وتخريب العديد من الأماكن المقدسة : كالمساجد وقبور الصحابة وأئمة أهل البيت ، وإلى ما قاموا به من سرقة للنفائس والكنوز والخزائن التي لاتقدر بثمن ، بدافع محاربة الشرك والكفر والزندقة . على أنه هناك من يشكك في تلك الدوافع ، برده الدمار الذي حاق بالأماكن المقدسة إلى الحقد والكراهية والحسد ، وطمس معالم الأمة الإسلامية وإقبار تراثها .. 30 ـ كان ابن جبير ( 1145 ـ 1217) أندلسيا من فلانسيا ، كان منخرطا في خدمة الموحدين . أنجز رحلته إلى الشرق بين 1183 إلى 1185 . يمكن قراءة ترجمة بالفرنسية لرحلته ، قام بها ب . شارل دومينيك في كتاب : الرحالة العرب ، باريس ، غاليمار(لابلياد) ، 1995 . 31 ـ انشقاق القمر حادثة مذكورة في القرآن وفي كتب الحديث ، يؤمن المسلمون أنها وقعت في عهد النبي محمد في مكة ، فانشق القمر نصفين بين جبل أبي قبيس ، ويعتبرونها إحدى معجزات النبي . نقرأ في سورة القمر " اقتربت الساعة وانشق القمر " . الآية 54 . لمترجم 32 ـ يرجع القارئ إلى الترجمة التي أنجزها ج . ماريلJ . Marel)( لبحث نشر بالقاهرة عام 1936 وأعيد نشره في مناسبات عدة في السنوات التي تلت . وقد خصه حسن البنا بلائحة قصد إصلاحات ضرورية تهدف إلى إقامة مجتمع إسلامي حقيقي ، ينظر : شرق ، عدد 4 ، ص 58 ـ 62 . 33 ـ انظر : أوليفييه كاري Olivier Carré)( و جيرار ميشو Gerard Michaud)( ، الإخوان المسلمون ، غاليمار أرشيف ، باريس ، 1983 ، ص 40 . 34 ـ انظر : موسوعة الإسلام ، فن ." مودودي " ، 6 ، 863 ـ 864 . 35 ـ سيد قطب ، في ظلال القرآن، دار الشروق ، القاهرة ، 1992 ( ط 17 ) ، 1ـ 6 ، ص 556 . 36 ـ نفس المرجع ص 557 . 37 ـ تعتبر الجاهلية مفهوما قرآنيا ، يراد بها " حالة جهل " ؛ وهي تعني عند المؤرخين فترة الشرك العربي قبل الإسلام . والجهل كما توظفه فيفيان كوميرو قد يفيد الجهل بالإسلام ، والكفر وعبادة آلهة متعددة .. فلفظة الجاهلية لاتعني الجهل الذي نقيضه المعرفة والعلم بالشيء ، وإنما تعني الحمية والأنفة والمروءة والأخذ بالثأر . كما ينسحب مفهوم الجاهلية في تصور سيد قطب ، على الحضارة الغربية والأمريكية . المترجم 38 ـ سيد قطب ، في ظلال القرآن ، مرجع مذكور ، ص . 584 .
39 ـ انظر : فرانسوا بورغات ، الإسلاموية وجها لوجه ، مرجع مذكور . ، ص 15 40 ـ انظر : عالم الأديان ، مرجع مذكور ، ص 49 . 41ـ ذكره جاك دالاران في تقديمه لكتاب جورج دوبي ، فيودالية ، غاليماركوارتو ، باريس ، 1996 ، ص 21 . للإطلاع على النص الفرنسي يرجى العودة إلى الموقع الإلكتروني :eduscol.education.fr
#الحسن_علاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعرية الإخصاء في رواية - عرس بغل-
-
قراءة تحليلنفسية - يقدم هذا المحكي أسس العلاقة بالآخر
-
مفخرة نيتشه
-
فوكو ، الملغز
-
موريس بلانشو والكتابة الشذرية :- زمن غياب الزمان -
-
فرويد ، أسلوب واقعي
-
الطوفان : أسطورة أم كارثة مناخية ؟
-
الأبطال المُحضِّرون ، محسنون وقطاع طرق
-
فرويد أو الذات باعتبارها نصا
-
عزلة الفيلسوف
-
فن المالنخوليا
-
حوار مع باتريك موديانو
-
حوار مع ميلان كونديرا
-
ما لا يمكن الكشف عنه
-
شاعر في مواجهة الهاوية
-
جاك دريدا -أن نترك له الكلمة الأخيرة-
-
أنطونيو تابوكي كتب اللاطمأنينة
-
لودميلا ساراسكينا :- كل ما بَشَّر به حَدثَ -
-
بابِلُ والثقافة
-
ريجيس دوبري : التفكير في الديني
المزيد.....
-
ألمانيا.. الاتحاد المسيحي المعارض يرفض استقبال لاجئين من سور
...
-
-لا صورة استخباراتية واضحة-.. مستوطنون يهود يكشفون تحديات خط
...
-
بن غفير يصدر قرارا بمصادرة -سماعات المساجد-
-
بزشكيان حول الوضع بسوريا: يتوجب على الدول الإسلامية التدخل
-
وزير الخارجية الايراني: لا نرى فرقا بين الكيان الصهيوني والإ
...
-
بزشكيان: على الدول الإسلامية منع استمرار الأزمة السورية
-
عراقجي: الإرهاب التكفيري في سوريا أثبت أنه يتحرك في الخط نفس
...
-
عراقجي: التكفيريون لن يحققوا شيئا أمام المقاومة
-
عقد اجتماع مشترك للحكومة الايرانية ومجلس الشورى الاسلامي
-
هذا الصهيوني يتفاخر بمصادرة مكبرات المساجد!
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|