الحسن علاج
الحوار المتمدن-العدد: 4877 - 2015 / 7 / 25 - 02:54
المحور:
الادب والفن
شاعر في مواجهة الهاويـــــة
بقلم :جاك ـ بيير أميتي *
ترجمة : الحسن علاج
رجل ما يغادر قريته ، الأحبة والأصدقاء . يصمم على اكتشاف ما هي الطبيعة ، الصمت ، الغيوم ، الرحلة ، الليل . يحيا ضمن الضجة المخنوقة وحدها لسيره في المروج . إجمالا ، فإن كل الرومانسية الألمانية تنتمي إلى هذا التيار . من نوفاليس1 Novalis) ( إلى تيك 2Tieck) ( ، من شاميسو3 Chamisso) ( إلى شليغل4 Schlegel) ( . لماذا ؟ فلأن جان جاك روسو5 قد مر من هنا . لقد طرح العناصر الثلاثة التي بشرت بالأزمنة الجديدة . ( ال) طبيعة المعزية والمترعة بالعلامات . ( ال) لحظة وتفكيرها المتألق . (ال) ذات ، بمعنى الذات التي أصبحت أخيرا حرة ومستقلة في عهد الثورة الفرنسية [ هي] المواطن .
ويعتبر هولدرلين 6Holderlin) ( ابنا لهذه الثورة ، ثورة حساسية مرتبطة بثورة سياسية . ولد سنة 1770 ، إنه ينتمي إلى ذلك الجيل المتحمس الذي اعتبر سنة 1789 فجرا لعصر جديد . شيلينغ7 Schelling) ( وهيغل ، زميلاه ورفيقاه في الدراسة ، أصيبا هما نفسيهما بالارتباك ، وجرفهما الحدث . لكن بعد فترة من الفردانية البطولية ( وضع بيتهوفن8 " البطولي " ـ السامفونية الثالثة ـ ) بعد ثيرميدور Thermidor) ( ـ شهر نونبر ـ ، ها هو ذا انقشاع للوهم الأوروبي الكبير . من جديد أدواق ducs) ( وورتمبورغ 9. يحلم هولدرلين ، وقد ظهر عليه نبوغ مبكر ، دائما بعالم تصبح فيه العلاقات الإنسانية متحررة من كل كراهية . ابتداء من سنة 1800 ، سيتخلى الرومانسيون عن الآمال السياسية الكبرى . ينكب هيغل على التأمل في التاريخ بداخل جامعة ألمانية أعيد تشغيلها ؛ أقام بخاصة صرحا ثقافيا من أجل أجيال المستقبل . شيلينغ ، الذي قام بتأليف هوية طبيعة النفس ، ابتعد عن هولدرلين مؤسسا فلسفة أرواحية وميتافيزيقية . بقي هولدرلين الشاعر : رجل اللحظة ، في الكتابة ( انظروا إلى تجاورات الكلمات التي تذكر برباعيات بيتهوفن الأخيرة ) كما في الحنين . إنه كان يرغب في الانضمام إلى الآلهة الإغريقية ، الحرية الفرنسية ، الطبيعة الألمانية . على أن كل شيء تفتت . إنه يمت بصلة إلى ذلك الجيل الذي سوف يعيش الحداد . كل عمله سيتم تشكيله حول تلك القطيعة الجدلية بين الواقع التجريبي والاجتماعي المؤلم ، ثم الإعلان عن شكل نبوئي جديد ، موضوع من أجل أزمنة الحرية والانفتاح . تصدر عزلة هولدرلين ربما ، من هناك . مثالية لم يتبقى أمامها سوى الانشغال على الشكل كإمكانية ، كمخرج . اللغة الألمانية لغة ضعيفة ، فككتها أشعاره التي تشبه نداءات يائسة تحت سماء فارغة . بين الخاص والعام ، وبين الذات وتعاليها ، توجد الهاوية فاغرة فاها .
فنيا ، فالشذرة هي التي جرفته ضد الوحدة الرمزية الخاطئة للبورجوازية . بشر هولدرلين بنيتشه 10. الإحساس الفرجيلي أمام منظر أو أنشطة فلاحية ، هو ما يتكرر عند هولدرلين ، شاهد على عالم ضائع ، في الوقت نفسه طفولة للبشرية وأثر لوحدة زائلة . وقعت القطيعة : بين الرجال أنفسهم ، بين الرجال والآلهة . يمشي هولدرلين في جبال أوفرنيا 11Auvergne) ( ، على طول الأنهار ، باحثا في لمعان المياه ، في البريق المعدني لمنحدرات المياه ، هذا الكشف المستحيل . " هدوء الأثير ، فهمته ؛ ولغة الناس ما فهمتها أبدا " ، كتب هولدرلين . إن تمثيل العالم الداخلي و [ تمثيل ] العالم الخارجي ، اللذين كان ينبغي عليهما أن يتشكلا جدليا ، ليس سوى تمزق مروع . إنه ـ جزئيا ـ معنى هذه الرحلة [ مشيا ] على الأقدام ، سنة 1801 ، حينما انطلق الشاعر صوب بوردو ، تاركا كل ما كان أقرب إليه : بلد سواب 12Souabe) ( ، أسرته ، أصدقاءه . كان يسافر ويقول ، في بعض رسائله ، كيف أنه كان يطارد العلامات : طيور ، قمم ، عيون [ ماء] ، آلهة آتية ، نساء سمراوات ، في نوع من النداء الفاقد للاتجاه والمجنون . فضلا عن ذلك ، لم أكن لا عالم اجتماع ، ولا محللا نفسانيا ، فقد وجدت صعوبة في تقديم فرضيات حول هذه ال" عزلة الهولدرلينية " ، لكنه من الواضح أن المبالغة في مجاملة هولدرلين تجاه أمه تعتبر إشارة على ذنب عظيم . لقد لعبت سنوات اللاهوت البروتستانتي ، بدون شك ، دورا في هذا الذنب . فبعيدا عن أن يكون هولدرلين شاعرا للثورة والتدمير ، هو شاعر العقاب والخطإ ؛ فهو يتحدث عن الآلهة كما [ يتحدث ] عن الآباء بحكم غير عادل بالنسبة إليه ، هو الابن المطيع .
إن الإحساس بكونه مهملا ، اجتماعيا ، بممارسته لمهنة مرب ( يذكرنا هذا بحرمان جوليان سوريل13 Julien Sorel) ( ...) ، إنه يعبر عن ذلك بانتظام في رسائله . إن ألم كونه مرفوضا من الوسط الاجتماعي في علاقاته الغرامية ( مع سوزيت غونتار14 Suzette gontard) ( ، ابنة الصيرفي ) يضاف إلى هذا الإحساس بالنبذ . يبقى إذن حل واحد ، لكنه حل ضعيف : " الهروب فوق القمم حيث النسيم العليل . " إنه نفس حل نيتشه . و [ حل ] نيرفال 15Nerval) ( . منذ سبع وثلاثين سنة . ضمن سلبية روح مخدرة ، فقد كان " ينتظر الآلهة الآتية " .
ـــــ
• جاك ـ بيير أميتي Jacques – Pierre Amette) ( ، حاصل على جائزة الغونكور سنة 2003 لفائدة كتابه : عشيقة بريخت ( دار نشر ألبان ميشال ) ، وله كتاب عن هولدرلين : وداعا للعقل ( دار نشر غراسي ، 1991 ) .
ـ عن المجلة الأدبية الفرنسية : Le Magazine Littéraire ) ( . أكتوبر ـ نوفمبر 2007 عدد ممتاز تحت رقم : 12
1 ـ نوفاليس ( 1772 ـ 1801 ) . شاعر ، روائي ، فيلسوف ، مشرع ، عالم جيولوجيا ، عالم معادن ومهندس معادن ألماني .
2 ـ لودفيغ تيك ( 1773 ـ 1853 ) . شاعر ، مترجم ، ناشر ، روائي وناقد ألماني .
3 ـ شاميسو ( 1781 ـ 1838 ) . شاعر ، كاتب ، عالم نباتات فرنسي ـ ألمالني .
4 ـ شليغل ( 1772 ـ 1829 ) . فيلسوف ، ناقد وكاتب ألماني .
5 ـ جان جاك روسو ( 1712 ـ 1778 ) . كاتب ، فيلسوف وموسيقي ناطق بالفرنسية .
6 ـ هولدرلين ( 1770 ـ 1843 ) . شاعر وفيلسوف ألماني .
7 ـ شلينغ ( 1775 ـ 1854 ) . فيلسوف ألماني ، يعد أكبر ممثل للمثالية الألمانية وكان قريبا من الرومانسية .
8 ـ بيتهوفن ( 1770 ـ 1827 ) . مؤلف موسيقي ألماني .
9 ـ وورتمبورغ : دولة قديمة كانت موجودة بالجنوب الغربي من ألمانيا .
10 ـ نيتشه ( 1844 ـ 1900 ) . فقيه لغة ، فيلسوف وشاعر ألماني .
11 ـ أوفرنيا : إقليم أوفرنيا هو واحد من 22 إقليما فرنسيا ، يقع وسط فرنسا .
12 ـ سواب : إقليم تاريخي بألمانيا .
13 ـ جوليان سوريل : بطل رواية الأحمر والأسود لاستاندال .
14 ـ سوزيت غونتار ( 1769 ـ 1802 ) ، شكلت مصدر وحي وعشق كبيرا للشاعر هولدرلين والذي عمل على الاحتفاء بها في روايته الرسائلية .
15 ـ جيرار دو نيرفال ( 1808 ـ 1855 ) . كاتب وشاعر فرنسي ، عرف بفضل أشعاره وقصصه القصيرة وبخاصة عمله بنات النار .
#الحسن_علاج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟