أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - راتب شعبو - حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 1















المزيد.....

حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 1


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6229 - 2019 / 5 / 14 - 01:35
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار أجراه غسان مفلح مع راتب شعبو...

الحوار مع راتب متعب، لأنك لو أردت محاورته بكل ما كتبه هنا في هذه الحوارية، ستجد أنك لن تنتهي، من هذا الحوار الخصب، حيث حاولت أن احك عقله وروحه، خاصة في تجربة السجن، كانت اجوبته، خالية من التعقيد، قريبة من بساطة آل شعبو، الذين دفعوا في سجون الاسد حوالي ال 40 عاما، الدكتور راتب شعبو 16 عاما الدكتور بهجت شعبو 10 سنوات ومنير شعبو10سنوات وابنة بهجت شعبو الدكتورة ماريا شعبو التي ولدت في السجن، حيث قضت أمها المناضلة اليسارية رنا محفوظ اكثر من اربع سنوات. من يعرف قرية كفرية شمال في ريف اللاذقية، حيث ولد راتب يعرف عماذا اتحدث. من هناك اصبح راتب شعبو:
طبيب وكاتب ومترجم، يكتب مقالات في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية. له عدد من الكتب المترجمة أبرزها "أمي مرآتي" و"اكتشاف الإسلام" ورواية "قطار إلى باكستان". كتاب بعنوان (دنيا الدين الإسلامي الأول) عن الجانب السياسي في شخصية الرسول محمد، صادر عن دار شرق وغرب. وله رواية عن السجن حازت على جائزة دمشق لعام 2013، وهي الآن قيد الطباعة في دار الآداب في بيروت. سجن على خلفية نشاطه في حزب العمل الشيوعي في سوريا منذ 1983 حتى 1999، كانت آخر 3 سنوات ونصف منها في سجن تدمر العسكري.

المحور الأول عن السجن:
السؤال الاول: لكونك كتبت روايتك عن السجن ستكون اسئلتي عن السجن لها طابع بعيد قليلا عن السياسة وعما قيل ربما. انت القائل:«خرجت من السجن، فهل يخرج السجن مني». السجن يستوطن ضحيته ويصبح عنصراً دائماً، وأحياناً طاغياً، في ما يمكن أن أسميه الجهاز المعرفي والشعوري للمرء. قولك هذا من ضمن كلام كثير قلته أنت عن السجن وقاله معتقلون كثر، بغض النظر عن اختلافي واتفاقي مع هذا السياق، لكن هنالك جانب سلبي من تجربة السجن، اعتبرني فيه اتحدث عن نفسي، كي لاتأخذ على خاطرك أنت أو غيرك، هنالك حب الحياة المفرط والانانية، والانكفاء بمعناه الفردي كذلك، بقدر ما تحولنا إلى شخصيات عامة!! كما يقال، بقدر ميلنا إلى مساحة من الانعزال تشبه السجن، نرفض فيها أن يقترب احد منها. مع شيئ من"تضخم الذات" ربما نتاج هذا الرأسمال الرمزي، إن قدر لنا اعتبار الاعتقال السياسي رأسمال رمزي، تم بعثرته عند الغالبية منا. اريدك مع ما قلته أنا هنا، ان تحدثنا عن الجانب السلبي للسجن في حياة المعتقل بعد خروجه منه إن كنت ترى ذلك طبعا؟

الجواب الأول:
معظم جوانب السجن سلبية، ولاسيما السجن المزمن. النشاطات الحسنة التي يمكن للسجين أن يقوم بها داخل السجن تهدف إلى مقاومة هذه السلبية والحد من تأثيراتها. القراءة والرياضة وتعلم اللغات والتسلية والتأمل .. الخ، كلها أنشطة تهدف إلى حفظ توازن السجين النفسي والعقلي والبدني. لكن هناك سجون لا تتيح لك أياً من هذه الأنشطة، مثل سجن تدمر العسكري السيء الذكر، هناك كل شيء ممنوع، حتى أن تهرول وأنت في مكانك ممنوع، أن تتمشى في أرض المهجع ممنوع، أن تلعب الشطرنج على رقعة ورقية وبقطع شطرنج ورقية ممنوع، الضحك ممنوع، أن تتكلم بصوت أعلى من الهمس قليلاً ممنوع، أن يكون لك شعر يستر فروة رأسك ممنوع، أن يكون لك شوارب ممنوع، حتى أن تمد نظرك في مدى مفتوح ممنوع، حينها يكون السجن ماكينة لإزهاق العمر الخام، زمناً من التخريب الصرف. الشيء القذر الوحيد الذي فات العقول الزنخة التي صمّمت سجن تدمر هو اللباس الموحد. هذا النوع من السجون مدمر، اللهم إلا إذا قلنا إنه يعلّم السجين الصبر. ولكن ما هو الصبر في السجن؟ هل هو سوى الصفر المطلق، أو اللاشيء، أو السلبية التامة؟ الصبر في السجن هو أن تروض نفسك على الإذلال، وبطنك على الجوع، وجلدك على البرد، وصوتك على السكوت، وأن تتماشى مع إدراك أنك شخص مجرد من اي حق بما في ذلك حق الحياة.
لكن من جهة أخرى فإن السجين الذي ينجو بأقل الخسائر هو السجين الذي لا ينظر إلى السجن كما ذكرتُ آنفاً، السجين الناجي (أو للدقة الأكثر نجاة) هو الذي يتمكن من أن ينسى السجن، وأن يكون من المرونة النفسية بحيث لا ينكسر تحت وطأة أقدام السجن الثقيلة. والحقيقة أن هذا، من خلال تجربتنا، طبع في الشخص أكثر بكثير من كونه تطبع. أي هو أمر لا يكتسبه المرء بالثقافة غالباً.
فيما يخص سؤالك بالتحديد، لا أتفق مع من يقول إن السجن يورث الأنانية وحب الدنيا والانكفاء و"تضخم الذات". على الأقل لا تشكل غالبية النماذج التي أعرفها برهاناً على صحة هذا القول. تقديري أن مثل هذا الحكم نابع من نزعة شعبية تريد أن ترى في "سجين الرأي" نبياً أو إلهاً صغيراً بلا غرائز ولا أهواء، إنه شخص مندور للصالح العام وهو يحوز لذلك على ما تسميه في سؤالك "الرأسمال الرمزي".فحين يبدر من "السجين السابق" ما يمكن أن يبدر من أي شخص، يبدو الأمر مفارقاً ونافراً ويحسب على السجين السابق وكأنه ارتكب معصية و"بعثر رأسماله الرمزي". هذا "الرأسمال" في الواقع يقيد السجين السابق أكثر مما يحرره ويفقره أكثر مما يغنيه، وهو نوع من الصليب الذي يطالبك الناس أن تحمله دائماً لكي "يرضوا" عنك. ونحن دخلنا في هذه الدوامة وجلدنا ذواتنا لأنها شذّت عن الاستقامة المطلقة، كما لو أن قيمة رأينا السياسي تستمد من استقامتنا الشخصية ونبلنا الخاص، وليس من صوابية ما نذهب إليه في آرائنا ومطالبنا ونقدنا. لذلك هذا "الرسمال الرمزي" هو اسم على غير مسمى. على هذا يعيش السجين السابق مشكلة فعلية: النظام يعامله كشر دائم ويغلق في وجهه السبل. والناس يبروظونه في صورة تعجيزية من الكمال وكأنما ليتحدّون تماميته ويحتفلون بتحطمها الذي لا شك فيه (متعة تحطيم الأصنام). النظام يجرده من حقوق المواطن العادي لأنه شر مفترض، والجمهور يجرده من "طبيعته البشرية" لأنه خير مفترض. هذا بالمحصلة مناخ ظالم للسجين السياسي عموماً. هنا أتكلم بالعموم طبعاً، ولا يخفى علي أن هناك سجناء سياسيين أظهروا دناوة في النفس كما لو أنهم يريدون تعويض ما فاتهم من الدنيا، وأن هناك سجناء يريدون من الناس أن تضرب لهم التحية لمجرد أنهم سجنوا.
السؤال الثاني: في سجن صيدنايا بعد أكثر من 11عام فيه، كان هنالك جناح يطل على الزائرين وهم يدخلون قاعة الزيارات، شاهدت فتاة ترتدي "صندلا" ورديا، لم اشاهد سوى قدميها داخل ذلك الصندل، مزيج من الحسية الجنسية ربما!! مع قهر لا حدود له لحظتها، الغريب بالموضوع ان تلك الصورة تحولت بعد فترة إلى عنصر كابوسي اثناء النوم، تتكرر باوضاع واشكال غريبة، لهذا قلت للصديق راشد صطوف المعتقل المزمن مثلي: ان المرأة التي يشكلها السجن لدى السجين السياسي بعد سنوات مديدة من الاعتقال، لايمكن أن يراها في الواقع حتى بعد خروجه، او ربما يحتاج لزمن حتى يتعقلن هذا الاحساس، وربما لا، أليست هذه أحد أمراض السجن؟ ماذا عنت المرأة لراتب في السجن المديد؟ وهل بقيت صورتها كما هي بعد أن خرجت للحرية؟

الجواب الثاني:
دخلت السجن وأنا عازب، وكان هذا في صالحي، ليس فقط من ناحية أنني دخلت السجن خفيفاً من أعباء زوجة وأولاد، بل أيضاً لأن ذلك جعل خيالي حراً في اختيار المرأة التي سأقترن بها، أختارها كما أشاء وأعدل في صورتها وطبعها كما اشاء حين أشاء.
المرأة هي الغائب الأكبر بالنسبة للسجين، وغيابها الواقعي المديد يزيد من كثافة حضورها في الخيال، لذلك هي أيضاً الحاضر الأكبر في مخيلة السجين. لكن أظن أن امرأة الخيال غير امرأة الواقع دائماً، كما لدى السجين كذلك لدى غير السجين. حين تقول "امرأة" فإن هذا اللفظ يوقظ في الذهن صورة ذات جمال غامض لا يتطابق مع صورة اي امرأة واقعية، إلى حد يمكن القول إن هذا اللفظ يوقظ إحساساً جميلاً أكثر مما يوقظ صورة. الفارق بين السجين وغير السجين يكمن في الانقطاع الطويل للسجين عن المرأة الأمر الذي يجعله يبالغ في توقع جمالية المرأة المنتظرة، ويكون بالتالي أقرب إلى الإحباط. لكن من حسن الحظ أن شخصية المرأة وما تكتنزه من جمال روحي ومن حضور زاه، يجسر الهوة لدى السجين بين صور خياله وواقعه.
في سجني المديد شكلت المرأة بالنسبة لي فردوساً مفقوداً. وكان غيابها من أهم مصادر الألم في السجن. يستعصي على المرء أن يدرك تماماً جوهر حاجة الرجل للمرأة. كل إنجاز للرجل يبدو باهتاً بنظره ما لم يحز على اعتراف النساء. شيء يشبه اللغز. أذكر أنني ذات يوم انتزعت من مجلة وأنا في السجن، صورة صبية تجلس على عتبة بيت مؤلفة من درجتين وتبدو قدمها حافية وجميلة وهي تستند بكعبها على الدرجة السفلى. لصقت هذه الصورة على الحائط المجاور لسريري في سجن عدرا، كما يفعل المراهقون، وكنت أتأملها كثيراً، وتمنحني الكثير من الراحة النفسية والمتعة، وكانت قدمها تلك، في نظري، هي أجمل ما في الصورة ومركز اهتمام عيني. يتقاطع هذا مع "قدمك ذات الصندل الوردي". واللافت أن صديقي في السجن الفنان عبد الحكيم قطيفان كان يعلق فوق رأسه مجسماً صغيراً لكندرة نسائية سوداء بكعب عال وانسيابية ساحرة، ربما كانت تعينه أيضاً في تحمل هذا الغياب الباهظ. هناك سر ما في "القدم" كما تلاحظ!
بعد خروجي من السجن لملتْ امرأةٌ تشتتي وضياعي وهشاشتي بطريقة لا تجيدها كثير من النساء. ربما لم تكن جميلة بنظر كثيرين أو قياساً على ابتكارات خيالي السجنية، لكنها رممت روحي وقلمت فجاجتي وجعلتني أراها أجمل من خيالي حين كانت تفرش ذاتها أمام نفسي الأسيرة مثل مرج ممهد أخضر. حتى إذا اطمأنت إلى "نضجي" تركتني. على هذا لم أشعر بمعاناة التفارق بين الواقع والخيال.
آب 2014



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمرد المرأة السورية على الأطر السياسية الذكورية
- جرائم شرف في الثورة
- نجاحات ومخاطر في السودان
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 8
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 7
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 6
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 5
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 4
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 3
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 2
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 1
- إياك أن تموت مع الرئيس المقبل
- بيتنا والاسفلت
- البديهيات والاستاذ
- الكوفيون الجدد
- آلة التشبيه
- حديث اللبن
- أطفال سورية
- العلويون، عزلة ثانية
- رفة عين اسمها الاستيقاظ


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - راتب شعبو - حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 1