أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 7















المزيد.....

الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 7


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6223 - 2019 / 5 / 7 - 13:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثقافة التشبيح وظاهرة التشبيح الموازي
في الواقع ساهمت ظاهرة التشبيح في تخريب المجتمع السوري من خلال التأثير على قيم المجتمع ومعايير النجاح والفشل فيه. فقد تركت ظاهرة التشبيح في المجتمع السوري، وخارج دائرتها الخاصة، أثرها في اتجاهين:
الاتجاه الأول، شمل طيفاً من المجتمع راح ينظر إلى التشبيح كنموذج مرغوب لتأمين "القيمة" وسبل العيش. فحين يتهيب الناس "الشبيح" ويتقبل المجتمع السلبطة والكسب غير المستحق على أنهما شطارة، يصبح من المنطقي أن يمارس الكثير من أبناء المجتمع، ممن لم يتح لهم أن يكونوا ضمن دائرة التشبيح الموصوفة، السلبطة والتشبيح، كل منهم في مجال عمله. يصبح من الممكن أن يمارس الموظف والحرفي والطبيب ومعلم المدرسة وسائق السرفيس والبائع .. الخ التشبيح (السلبطة) ضمن الحدود التي تتيحها له مهنته. وعلى نطاق أوسع أدت ظاهرة التشبيح إلى انتشار ظاهرة أخرى على هامشها يمكن تسميتها ظاهرة التشبيح الموازي، حيث يتبنى الكثير من الشباب مظهر وسلوك وتعابير الشبيحة دون أن يكون لهم أي صلة فعلية بالشبيحة. والغرض من ذلك هو استثمار رأس المال الرمزي للشبيحة في سوق العلاقات الاجتماعية. ويستغل الشبيح الموازي خوف الناس الذي يصدهم عن المواجهة، فترى الناس يتراجعون أمامه ويحلون أي إشكال على حسابهم لتفادي ما يمكن أن يلحق بهم نتيجة الوقوف في وجهه، إذا كان هذا المدّعي شبيحاً حقيقياً. وقد تكون ظاهرة التشبيح الموازي أكثر تواجداً في اللاذقية، التي هي مهد الظاهرة الأصلية والظاهرة الموازية. من المعتاد أن تجد في الشوارع شاباً يسير وسط الشارع دون أن يعدل من مساره أو سرعته حين تقترب منه سيارة، وإذا خطر للسائق أن ينبهه بالبوق فإن هذا الشاب "المتشبِّح" سوف يكتفي برمق السائق بنظرة استنكار توحي، كما تحتفظ ذاكرة الأهالي من مشاهدات ومن مرويات عديدة، بأن وراء هذه النظرة تكسير للسيارة وبهدلة للسائق. فلا يبقى أمام السائق إلا أن يسير على سير الشاب حتى يتاح له تجاوزه.
الاتجاه الثاني من تأثير ظاهرة التشبيح على المجتمع، شمل غالبية المجتمع الذين باتوا لا يعرفون سبيلاً للسلامة سوى السكوت عن كل شيء بما في ذلك حقوقهم التي لا يمكن لقانون أن يحميها في ظل التشبيح وتغول أجهزة الأمن. ففي فترة الاستقرار التي شكلت الفترة الذهبية للتشبيح بمعناه الخاص، نجح النظام في تأميم الخطر والخوف اللذان باتا مركزيين كالسياسة والاقتصاد في دولة الأسد. الجهة الوحيدة التي يحق لها أن تخيف المواطن وتشكل خطراً دائماً على حقوقه، بما في ذلك الحق في الحياة، هي السلطة المستبدة باستطالاتها الرسمية وغير الرسمية (الشبيحة). كان ثمة أمان عام في سوريا صحيح، ولكن لم يكن لمواطن أن يأمن على نفسه إذا خرج من البيت أن يعود. يقضي المواطن السوري حياته وهو على حافة هذه الهاوية، لا يحميه منها قانون ولا دستور. لا يعر ف المواطن السوري حين يضع قدمه على الأرض أو حين يتكلم أو يلتفت أو يبتسم أو يكشر، هل تجاوز خطاً أحمر ما لجهة ما (وما أكثر الجهات التي تتفرع كأذرع الاخطبوط وتلتقي في جسد واحد هو السلطة المستبدة الكلية الحضور)، وهل عليه بالتالي أن ينتظر ردعاً ما. الأمان العام وانعدام الأمان الشخصي هي السمة المميزة للنظام المستبد على الطريقة البعثية الأسدية. في ظل هذا الحال تصبح ثقافة الاستسلام سائدة، وهذه الثقافة التي تزدهر في مناخ الاستبداد والتشبيح، تعود من ناحية ثانية لتحرض مجدداً الاستبداد والتشبيح. "فالإنسان الذي غرست أنظمة القمع خوفاً عريقاً في نفسه، يشجع كل من حوله على التطاول عليه، كما أنه يعرف هو نفسه كيف يستغل الفرصة للتطاول على الآخرين حين يرى الفرصة سانحة".
التشبيح الثقافي
جوهر التشبيح الثقافي هو ضعف الجدارة الثقافية عند المثقف الشبيح وتبعيته بالتالي لقوة النظام السياسي لحصوله على ما لا يستحق من تسهيلات، وما لا جدارة له به من مناصب. نوع من التعايش (symbiosis) والتجاذب بين نظام سياسي قاصر يحمي نفسه بالقوة، وبين مثقفين قاصرين يحمون نفسهم بالنظام. النظام يعطي هؤلاء "قيمة" ومناصب لا يستحقونها وذلك على حساب غيرهم من المثقفين، وهم يدافعون عن النظام بخيره وشره. فمن النادر أن تجد مثقفاً مبدعاً ضمن هذه الدائرة المتنفّعة. يكون هؤلاء المثقفون شديدي الدفاع عن النظام إلى درجة تنزيهه عن النقد، أو للدقة عن النقد الفعال الذي يمكن أن يخدم في التغيير. غير أن هذا في الحقيقة لا يكفي للتعريف بالتشبيح الثقافي، فلا بد من تقديم إضافة حاسمة إلى هذا التعريف كي تتضح صورته، وهي أن المثقف الشبيح يشكل واجهة لردع غامض، قد يتخذ شكل العنف الجسدي (على شاكلة ما حدث مع رسام الكاريكاتير علي فرزات) أو الاعتقال (كاعتقال الفنان يوسف عبدلكي) أو الفصل من اتحاد الكتاب (كما جرى للشاعر أدونيس). يحاجج المثقف الشبيح خصومه مستنداً إلى حائط أجهزة الأمن وجماعات الشبيحة الجاهزة لإنزال أي "عقوبة" بحق من يرشحهم للعقاب. فيمكن للمثقف الشبيح أن يدمر حياة زملاء له إذا ارتأى أن إنتاجهم الثقافي (الذي لا يفهمه ولا يتابعه الشبيحة العاديون وضباط وعناصر الأمن) مضاد للنظام، أو فيه تلميحات غير لائقة بحق الرئيس مثلاً. على هذا يمكن القول إن المثقف الشبيح هو العين الثقافية للأجهزة الأمنية أو الواجهة الثقافية في موشور ظاهرة التشبيح.
ومن حالات التشبيح الثقافي التي يعرفها شخصياً كاتب هذه السطور، أنه جرى اعتقال أحد النقاد السوريين وهو في الستين من عمره، لأنه نشر نقداً لقصيدة (اسماعيل) للشاعر السوري أدونيس التي يهجو فيها الشاعر بلغة رمزية نظامي البعث على ضفتي الفرات (العراق وسوريا). فقد رأى الشبيح الثقافي (وكان مستشاراً ثقافياً في القصر الرئاسي) أن في هذا النقد تعدياً يطال سيادة الرئيس، وأبلغ ذلك إلى الجهات التي يهمها الأمر، فتصرفت. وكان أن تم اعتقال ونقل هذا الناقد مخفوراً إلى دمشق، واحتجز لمدة تزيد عن الشهر وتعرض إلى تعذيب شديد كاد يودي بحياته، قبل أن يتمكن من أن يوضح لجلاديه أنه يشرح ما يقوله الشاعر دون أن يعني هذا أنه يتبنى قول الشاعر.
خاتمة
إن انتصار النظام السوري على المجتمع بعد سحقه حركة الإخوان المسلمين في 1982، شكل البيئة التي تكاملت فيها واستقرت ظاهرة الشبيحة. وتناولنا المواصفات التي تحدد الشبيحة، ثم بحثنا في أصل التسمية. ولاحظنا أن الشبيحة ما قبل الثورة السورية في آذار 2011، لم تكن مجموعات عنفية بحصر المعنى، بل كانت مجموعات لها وظيفة أساسية هي تأمين مصالح المعلم، وكانت تلجأ إلى العنف حين تصطدم مع جهة ما في طريق تحقيق هذه المصالح. وما أحداث العنف والاستفشار التي أقدم عليها شبيحة ما قبل الثورة واستهتارهم التام بكل القيم المستقرة في وجدان الناس، إلا جانب واحد من صورتهم، لكنه الجانب الذي يكشف حقيقة نظرتهم إلى أنفسهم (كأسياد) وإلى الناس (كعبيد)، ويكشف العمق الحقيقي للدولة الأسدية التي احتضنت وحمت هذه الظاهرة.
وحاولنا تحرير هذه الظاهرة من إسار الصورة النمطية الفقيرة عن الشبيحة والتي أشاعتها كتابات متسرعة ودعائية أكثر منها بحثية. وقد كثرت تلك الكتابات جراء الطلب الشعبي الواسع على معرفة هذه الظاهرة غداة شيوع تداول لفظ الشبيحة في سياق الثورة السورية. فركزنا على التحولات التي طرأت على ظاهرة الشبيحة بعد اندلاع الثورة في سوريا. وحددنا هذه التحولات بأنها تنظيمية (الانتقال من حالة أقرب للفوضى إلى حالة التنظيم الهرمي)، وعددية (زيادة هائلة في عديد هذه التشكيلات)، ووظيفية (الانتقال من العمل لخدمة مصالح المعلم إلى خدمة السلطة "العامة" التي ظهرت مباشرة بمثابة "معلم عام") وأخلاقية (التحول في وعي البيئة المحيطة من جماعة منبوذة أخلاقياً إلى جماعة مقبولة على أنها تدافع عن الوطن ضد الإرهاب، فضلاً عن دخول عناصر جديدة لها قبول اجتماعي جيد على خلاف عناصر الشبيحة التقليديين المنبوذين أخلاقياً) وسياسية (دخول هذه الجماعات إلى مجال السياسية من باب العمل على قمع الثورة). وهي تحولات فعلية ومهمة تكاد تجعل ظاهرة التشبيح ما قبل الثورة مقطوعة عما بعدها. ولا يربطهما سوى الجوهر العميق المتمثل في تأليه النظام وإعلائه على ما سواه من قيم أو اعتبارات.
ورصدنا بعض هوامش ظاهرة الشبيحة، مثل ظاهرة التشبيح الموازي حيث يستثمر بعض الشباب، ممن لا علاقة فعلية لهم بدائرة التشبيح الخاصة، الرصيد الرمزي للشبيحة للإيحاء بأنه ذو سلطة لكي يمرر مصالح معينة أو فقط لكي يرضي ذاته ببعض العنتريات. وأشرنا إلى تأثير ظاهرة التشبيح على تعميم سلوك السلبطة في المجتمع. وعرجنا على ظاهرة التشبيح الثقافي. كما تناولنا في السياق مستقبل هذه الظاهرة، فرأينا أن ضعف سيطرة الرئيس وضعف الإجماع من حوله سوف يؤدي إلى تراجع في هذه الظاهرة واتخاذها أشكالاً مختلفة قد تكون أقل فجاجة وفجوراً.

آذار 2013



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 6
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 5
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 4
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 3
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 2
- الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 1
- إياك أن تموت مع الرئيس المقبل
- بيتنا والاسفلت
- البديهيات والاستاذ
- الكوفيون الجدد
- آلة التشبيه
- حديث اللبن
- أطفال سورية
- العلويون، عزلة ثانية
- رفة عين اسمها الاستيقاظ
- خيانات مضمرة
- براميل على الذاكرة
- -المقامر- على أضواء سورية
- الموت تحت التعذيب
- بيت في المخيم


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 7