أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رنا جعفر ياسين - جدارية














المزيد.....

جدارية


رنا جعفر ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 1529 - 2006 / 4 / 23 - 12:10
المحور: الادب والفن
    


لم تكنْ لأشعةِ الشمس ِالمفتولةِ و هي تعربدُ على سكون ِ تلك الظهيرةِ الصاخبةِ القيظِ إنعكاساً ملحوظاً عليهِ , متقوقعٌ في ارتكازهِ على ركام ِ حائط بـَلِيَ من الخنوع ِ , يسندُ عليهِ أوهامه ُ و ربما الآمه ُ غيرَ مدركٍ لما يدورُ حوله ُ
. . . يعبثُ بما في يدهِ من نفاياتٍ .

هو الطاعونُ الذي بدا واضحاً على مخيلتهِ المتشعـّبةِ في الغياب ِو الذبولُ يطرِّزُ محيـّاه رغمَ ضراوةِ عينيهِ في التحديق ِإلى ما في يديهِ من نفايات .
تفاعله ُ الفيزياوي بانَ جليّاً من هستيريةِ يده ِ في طردِ الذبابِ عن وجههِ المتسخ ِ , يطردها بيدٍ و بالأخرى يعبثُ بقاذوراتهِ بعد أن يلمّها من الأزبال ِ و الأشياءِ المرميةِ قربَ حاوياتٍ أو قربَ بيوتٍ في شوارع ٍ تكتظ ُُّ اليومَ بالأزبال ِ ( بدلَ النباتاتِ .. و هذه مفارقة ٌ أخرى ) .
و حينَ يكونُ في مأمن ٍ من الذبابِ تراهُ يتفحـَّصُ ما يمسكه ُ بفرح ٍكمن يمسكُ محارة ً يبحثُ فيها عن لؤلؤةٍ نفيسةٍ , و على يمينهِ قنينة ُ ماءٍ كان قد حزّها بأسنانه فاصلاً عنها عنقها فبدت كقدح ٍكبير ٍ ( مشرشب ) الحافات يملؤهُ الوسخُ
إلى جانبهِ كيسٌ مجعدٌ أسودُ اللون ِ.


هكذا كانَ دوماً يثيرُ السؤالَ بذهولهِ و شرودهِ الممتزجين ِ. . .
يجيءُ من مجهول ٍ يلوذ ُإليهِ في الصباح ِ من تشرّدهِ المسائي غيرَ قاصدٍ الوصولَ إلى اللاشيء ِ , خارجا ً عن ميقاتيةِ الزمان ِ و ستراتيجية المكان كفنار ٍ تصفرُ فيه الريح ُ و تعوي , يقبعُ في البحر ِدونَ أن يعومَ على موجةٍ أو تهزّهُ إرتجافة ُ الأسماكِ الوليدةِ .

كان الظهرُ رغمَ فظاظتهِ هو وقتُ لعبِ أفكارهِ في فضاءٍ مشحون ٍ بسخونةِ الجو تارة ًو بتلاشي وجودهِ طوراً فهو يحاكي مجهولاً لا يدركُ كنههُ و ماهيـّتهُ إلا هو , و حينَ يعودُ ( مضطراً ) إلى حضورهِ الآدمي لا ينفكُّ يأكلُ و يأكلُ و يأكلُ كمن يجترُّ بقايا الإنسانية في خضم ِ حربٍ تلتهمُ الشعوبَ و تواريها في غيابٍ مقيم ٍ في معدتهِ المتقيحة , ينزاحُ بينَ فينةٍ و فينة ٍ عن ركودٍِ ذاتهِ في قعر ِالوحدةِ الموغل ِ في الحلكةِ الى مجالسة كلابِ الشارع ِ وهي تفترشُ الأرضَ قربهُ بجموح ِ الباحثينَ عن سكينةٍ أو مأوى تلوذ ُ به من تسيبها .


و الفضولُ يأكلني عن ماهيـّةِ هذا الجوال ِالمتشرّد ليلاً تحت الجسور ِأو قربَ المقابر أو على أعتابِ كراجاتِ السكرابِ . . . و هو على هذا الحال ِ منذُ شتاءاتٍ مريرةٍ .

. . . . . .
. . . . . .
. . . . . .

في أحدِ النهارتِ الطويلةِ الأمد . . . كان هناكَ شيءٌ لا يشبهُ سابقاتِ هذا النهار . .
كانَ جالساً متكوّراً , ساكناً و هادئاً كأنهُ في حلم ٍ لذيذ ٍ يعانقُ الشمسَ او يضاجع القمرَ
لكنه بدا غريبا . . ملتذاً بغيابهِ

اقتربتُ منه
كانَ الذبابُ يدورُ حولهُ . . على شفتيهِ و اذنيهِ وعلى عينيهِ المغلقتين
أمسكتُ كتفهُ فمالَ جانباً و سقطَ َ على الأرض ِفأنسكبت قنينة ُ الماءِ الآسن ِ حولهُ
. . . انه ميت .

بسرعةٍ تلقفتُ ذلك الكيس علـّهُ يدلـّني على هويةٍ لمجهولي أو أي عنوان ٍ يوصلني لمن يطفئوا ظمأ السكينةِ في روحهِ الثكلى
لم أعثرُ على دالـّةٍ سوى جدرايةِ محمود درويش و شريط ُ تسجيل ٍ مقطوع كتبَ عليه ( مديحُ الظلِّ العالي ) و صورة أمرأةٍ جميلة و قطعة خشبٍ بالية كتبَ عليها بخطٍ بائس ٍ :
وحدي
آهِ يا وحدي
و لم أقترفَ الوحدة َوحدي وأنا المؤولُ بالغيابِ
وحدي و لم أكنْ الوحيد
وحدي و لم أعتد حضورَ الحاضرين
وحدي

و حدي وصلتُ بوحدتي الخرقاءَ
لأموتَ وحدي

يا أيها الـ ( وحدي ) بينَ الأوحدين
أنا مثلكَ . .
وحدي أجوبُ بوحدتي
وحدي أشرِّدُ انتظاري
مرة ً
أخرى
و أخرى
و أ ُخر َ

وحدي
و يالشقاءِ وحدي على وحدي
أنفجرُ وحدي
أ ُشظـّي وحدتي وحدي

لم أكن وحدي لأولدَ مرة ً أخرى لوحدي
كم طواني غيبكم و أنا المؤولُ بالغيابِ
و أنا من عمر آدم وحدي

و سأظلُّ وحدي
وحدي

. . . . . .

كانَ هذا كلَّ مايملكُ مجهولَ الهوية .






ايار - 2005
بغداد



#رنا_جعفر_ياسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة ُشرف
- أطوار بهجت ... عزاء أبيض
- نصب الحرية
- رثاء الزهور
- رأسُ السنةِ الحربية
- هذيان يشبه الموت
- خديعة
- صناعات
- لعشق سيولد في بلاد الموت
- بعيداً عن طفولتهم .. قريباً من مسارات الغضب
- البطالة .. طريق معبد للارهاب
- الشرعية في التمثيل السياسي
- مُختنقينَ من تبديل ِ الوجوه
- رسالة الى طارق حربي
- حوارُ أم
- كتبتها سراً .. أبعثها علناً
- همسُ الليلك ِ
- سيدُ الأساطير
- خلف الأبواب الموصدة
- ثلاثية.. في رؤية احادية


المزيد.....




- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
- فريق بايدن استعان بخبرات سينمائية لإخفاء زلاته.. وسبيلبرغ شا ...
- معرض الدوحة الدولي للكتاب يختتم دورته الـ34 بمشاركة واسعة
- منح المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف وسام جوقة الشرف الفرنسي ...
- بعد 14 عاما...أنجلينا جولي تعود -شقراء- إلى مهرجان كان السين ...
- اكتشاف سر نشأة اللغة لدى أسلاف البشر
- مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان جنوب لبنان
- مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة... فضاء للتجديد الروحي ...
- زوجات الفنانين العرب يفرضن حضورهن في عالم الموضة
- صور عن جمال الحياة البرية ستذهلك


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رنا جعفر ياسين - جدارية