العقيد عميروش ... والقس الأمريكي [1]

الطيب آيت حمودة

الحوار المتمدن-العدد: 6135 - 2019 / 2 / 4 - 22:39
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

.

في جو صائف من يوم 17 غشت ،1958 في الطريق الرابط بين (القصر / برباشة ) من الولاية الثالثة التاريخية ، كتيبة من جنود جيش التحرير بقيادة الملازم ( محند واعلي أوخالد ) تقيم كمينا للعدو اعتاد المرور لتموين الثكنات العسكرية بما يلزمها ، وأثناء إنتهاء المهمة - و قبل مغادرة المكان - لا حظوا قدوم سيارة صغيرة من نوع (رونو 4 ) يقودها شخص تبين بعد توقيفه أنه رجل دين مسيحي برتبة قس إسمه GREFFITH ومن جنسية أمريكية ، ... المجاهدون أحرقوا سيارته ، واقتادوه معهم نحو مركز القيادة بجبال( أكفادو) فتعليمات عميروش صارمة بعدم الإعتداء على الأشخاص الأجانب إلا بعد النظر في قضيتهم .

القس الذي انبهر بالانضباط الثوري .

بقي َ القسُّ lester E . GREFFITH في مركز القيادة في انتظار مجيء عميروش ، الرجل المكلف بالإتصالات المجاهد ( محمد صبحي ) كان حاضرا لوقائع وصول العقيد عميروش وإعلامه بالقبض على هذا القس الأمريكي يقول ب(أنه لم يكن راضيا على فعل جنوده ، ووجه ملاحظات قاسية للذين قبضوا عليه ) لعل فعلهم يندرج ضمن إطار التعويض عن فشل المهمة الأساس ، ويستطرد الشاهد أن أذنيه التقطتا قول عميروش لهم (( إنه رجل دين ، له عقيدته ، ولنا ديننا وعقيدتنا ، فلماذا أوقفتموه ؟ هل تعتقدون بمثل هذا الأفعال ستربحون الحرب ؟.)) وأعطى تعليمات بحسن معاملة السجين وحاول جديا تصحيح خطأ كتيبته .
القس الأمريكي بقي مع المجاهدين ثلاثة أشهر ، يلاحظ حركاتهم ومعاملاتهم وسلوكاتهم وانضباطهم وتطبيق أوامر قياداتهم ، ففهم أن هؤلاء ثوار من أجل قضية ... قضية تحرير وتحرر ، قضية رغبة جامحة لتحرير وطن من مستعمر ، إنها قضية شعب يبحث عن حريته ، وهو مقيم في مركز القيادة الثالثة حاول . GREFFIT التعبير عن تعاطفه مع الثورة ، فحاول الإتصال بمنظمات إنسانية عالمية (كالصليب الأحمر ) الذي بلغ الأمر للفاتيكان ومنظمات أخرى ،وهو أمر لا تريده فرنسا لأنها ترغب أن تسوق للعالم بأن ثوارنا ماهم سوى خارجون عن القانون ! وقتلة مجرمون !) .

عميروش بنظرة إنسانية عميقة وفعل مؤثر عالميا .

عميروش دائم الحركة والتنقل في ولايته الثالثة ، عندما يعود إلى مقر قيادته كان يحرص على لقاء هذا السجين الأمريكي ، فقد تكونت بينهما علائق صداقة مؤنسنة ، في يوم إطلاق سراحه استفسره عميروش عن مدى رضاه بظروف إقامته في المركز ، تلكأ السجين قليلا و قال عن استحياء بأن ساعته اليدوية نزعت منه أثناء نقله كاحتياط أمني ، فما كان من عميروش سوى أن نزع ساعته ووضعها في معصم القس الأمريكي ، معتذرا له عن خطأ حرق سيارته ، وزوده برسالة مطلوب منه تسليمها لممثلي الجبهة في نيويورك التى تحوي داخلها أمرا بتعويض ناقل الرسالة بقيمة السيارة المحروقة .

درس ثوري ... وصدى عالمي .

إطلاق سراح القس الأمريكي.... حدث كبير تناولته وسائل الإعلام الغربية بكل اهتمام ، استغلها المسجون لدى الجبهة تقديم صورة ايجابية عن الثوار في كل لقاءاته وحواراته مع وسائل الإعلام ، مفندا وقاضيا على كل البروباغندا الفرنسية الهادفة لتشويه الثورة ، عند وصوله إلى وطنه أمريكا تواصل lester E . GREFFITH مع المكلف بالإعلام لدى الجبهة السيد ( محمد يزيد ) الذي وصلته الرسالة ، فما كان منه سوى تلبية أمر عميروش بتعويض ذلك القس بقيمة السيارة التي حرّقت في أعالي القصر ، وسط ذهول من حضر .

عرفان القس الأمريكي بنبل الفعل و قيمته الإنسانية جعل منه أكثر عطاء تجاه الثورة ، فقد سخّر جُهده و سيارته المسترجعة لخدمة القضية الجزائرية عبر ربوع الولايات المتحدة بشساعتها ، واتصل بالسيناتور الشاب (كينيدي kennedy (، هذا الأخير الذي حرص على ملاقاة القس السجين للظفر بحقائق قيمية عن حقيقة الثورة الجزائرية من حيث التشكيل والتنظيم ، فقد وجدت القضية الجزائرية خير سفير لها وممثل في شخص السيناتور [جون كينيدي ] الذي غدا مدافعا عن ثوارها منافحا عن حقوقها ناسجا علائق تعاون مثمر مع قيادات الثورة قبل الإستقلال وبعده ، وهو ما توضَّح خلال زيارة أول رئيس للجزائر المستقلة أحمد بن بلة للبيت الأبيض الأمريكي في 15 أكتوبر 1962 حيث حظي باستقبال رائع من قبل الرئيس الأمريكي كنيدي ، وقال واحد من إخوته ( بأن جون كنيدي كان من أكبر أصدقاء الشعب الجزائري) إنها [رسالة عميقة نسج خيُوطها العقيد عميروش ذات يوم في غابات أكفادو ] .

°°هذه القصة بملامحها الإنسانية و نظرتها نحو أفق عالمي واسع ، لا تقيدها عقلية القبيلة ، ولا رجعية المتدين، ولا الوطنية الضيقة ، إنها نظرة الراغب في تكوين دولة المواطنة التي تذوب فيها العرقيات و الأديان والثقافات ، فالوطن هو الجامع المتجمع ولصالح الجميع النافع .
_________________________________________________________
[1]القصة مستوحاة من كتاب : ( عميروش حياة ، موتتان ، ووصية) للكاتب سعيد سعدي

#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات