مناع النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 1526 - 2006 / 4 / 20 - 07:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
البشرية نوعان , سواء أكانوا دولا أو قبائل , جماعات أو أفرادا , أو أي شكل من أشكال الوجود البشري على وجه الأرض . نوع يعمل لدنياه , وآخر يعمل لآخرته . وعبر مسيرة الحياة , تغيرت التسميات والصفات وتعددت, بحيث أصبح النوع الأول يسمى –أهل الدنيا /السياسة/ , والنوع الثاني يسمى – أهل الآخرة / الجنة / . لكن المسافة الفاصلة بين النوعين أخذت تتسع رويدا رويدا , حتى كادت تستحوذ على القسم الأكبر من كل منهما , حيث اختلط الحابل بالنابل , وتأخذك الحيرة في التصنيف أو التمييز بين هذا وذاك , وأصبح الفرد يطمع –ولا أقول يطمح – للجمع بين الاثنين ليفوز بالأفضلين - كما يقولون – فضلّ وأضلّ , وأضرّ ولم ينفع , وبذلك يكون قد نال الأخسرين , فلقد خسر الدنيا والآخرة معا .
الدنيا /السياسة/ تحتاج بل ويجب أن تخضع للتحليل والتركيب , والتخطيط والتجربة , ومحاربة التوكل والاتكال . ترفض التبعية وتحارب الجمود والركود , تعمل بمفهوم الثابت والمتحول , تعمل من أجل التطور والتطوير والارتقاء , فخطأ الأمس هو صحيح اليوم , والعكس صحيح . لاشيء مقدس , وإنما كل شيء قابل للنقاش والتمحيص .
الدنيا/ السياسة/ تحتاج إلى العقل العلمي والفكر النقدي قولا وعملا . ترفض المستحيل , وترتاد المجهول ,تبحث عن كل جديد ومفيد , همّها معرفة الحقيقة وأسرار الكون وتسخيرها لخدمة البشرية , بحيث تمنع الخوف والرهبة , لتحلّ محلها الطمأنينة والرفاهية . بينما الدين / الجنة / يحتاج إلى الإيمان المطلق , والتبعية الغريزية , والرضا والتسليم بما قدّر الله وقضى (( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون )) . (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) . (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) . لقد تم ربط الإيمان بالتوكل على الله .
الدين / الجنة / يعني التنسّك والتبتّل والانقطاع لعمل الخير والعبادة , والزهد في الدنيا ومباهجها , والتعفف عن مغرياتها ومفاتنها .
الدين / الجنة / يعني أن تشعر في كل لحظة من لحظات عمرك أنك بين يدي الله وأمامه يراقبك قولا وعملا , ويسجّل لك كل صغيرة وكبيرة , حسنة كانت أم سيئة . وأنّ يوم القيامة وساعة الحساب آتية لا ريب فيها . فأنت دائما وأبدا بين يدي الله . لا يعرف المنكر ولا الفواحش إليك سبيلا , ولن يصيب الخطأ منك مكانا . لقد ترجم هذا الخليفة الأموي – عبد الملك بن مروان – ترجمة عملية عندما نودي به خليفة للمسلمين . حيث كان منقطعا للعبادة في المسجد زاهدا متبتلا , بايعه المسامون بالخلافة وهو في المسجد يقرأ القرآن , وعندما تيقّن من ذلك , أطبق القرآن وقبله ثمّ وضعه تحت سجادة الصلاة في المسجد مودّعا إياه بعبارته المشهورة : (( هذا آخر عهدي بك )) .إذ أصبح لابدّ له أن يختار بين الدنيا/السياسة/ وبين الآخرة/الجنة / فاختار , وبذلك يكون قد طوى مرحلة من حياته ليبدأ مرحلة جديدة مختلفة تماما ومخالفة تماما لسابقتها , وفعل ما فعل ...
أما اليوم . وفي الدول المتخلفة عامة , وفي الأقطار العربية خاصة , فإننا نرى العجب العجاب , حكاما ومحكومين , سياسيين ومتدينين , دنيويين وآخرويين , رجالا ونساء , وجميع ما يخطر ببالك من تصنيفات أو تسميات . كل هؤلاء يجمعون بين الدنيا والآخرة, السياسة والدين , يتهافتون متقاتلين للوصول لأعلى المراتب في هذه أو تلك . فرجل الدين قائد سياسي , أو رئيس لحزب أو عضو في حزب سياسي أو ديني . ودائما هو دنيوي على كل حال , يسعى بكل ما أوتي من قوة ومعرفة ولا أقول –علم- جلّ العلم عما يفعلون - يسعى لخدمة السلطان ونيل رضاه , ليمكنه هذا من إذلال العباد وخضوعهم له ولمركزه وسلطته الدينية , ناسيا أن الله وحده هو الوحيد الذي يجب أن يُخشى منه ويُطلب رضاه بالعمل الصالح وقول الحق , ومساعدة المحتاجين وإكرام الوالدين , ومحاربة الظلم والظالمين أينما كانوا وأيّا كانوا ؟؟!!.
وبالجهة المقابلة نرى أهل الدنيا/ السياسة/ ورجالاتها , مازالوا متأثرين ومتمسكين بمعتقداتهم الدينية , يعملون بموجبها من وراء ستار , يتملقون رجال الدين ويتقربون إليهم ويخطبون ودّهم , خوفا منهم تارة , ونكاية بأحزاب أو سياسيين علمانيين تارة أخرى ., ودجلا وكذبا في جميع الأحيان .
حتى هذه اللحظة و وقد دخلنا القرن الواحد والعشرين – الألفية الثالثة – لم نجد حكما عربيا أو حزبا سياسيا أو تحالفا طرح العلم والعلمانية بشكل واضح وصريح ونفّذه قولا وعملا , اللهم إلا بعض الأحزاب التي ولدت مؤخرا .
أما الأنكى من ذلك فهو ظهور أحزاب دينية أو أفراد متدينين يعملون بالسياسة ويسعون للوصول إلى السلطة , وقد داست على الآخرة بأقدام الدنيا , وبدّلت الجنة بجهنم , والسماء بالأرض , وأبي ذرّ بأبي لهب , وتعلن تضليلا ودجلا أنها تعمل عملا دينيا ومن أجل الآخرة والجنة . وزيادة في الدجل والتضليل فهي ترتدي – قيادات وأعضاء –لباس أهل الدين المتقشفين الزاهدين , يمارسون الطقوس الدينية من جهة ويهاجمون أهل الدنيا /السياسة/ من جهة أخرى , يمارسون الحكم باسم الدين –بالنسبة للفئات الحاكمة - , ويمارسون العمل السياسي والدنيوي – بالنسبة للأحزاب الدينية التي لم تصل للسلطة بعد . فأين الله ؟؟!! وأين الدين والتديّن , وأين الجنّة من كل هذا ؟؟!!. الدين لله , والدنيا للناس .
الجنة لمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر - وعمل صالحا- وهنا لابدّ من التذكير بأن عبارة –من عمل صالحا- في كفة , وبقية الإيمانات في الكفة المقابلة ,بمعنى أنه لا خير في كل هذه الإيمانات إن لم تقترن بالعمل الصالح .
الدنيا لمن آمن بالعلم وشجّعه وعمل به , وحارب الجهل والأساطير وتحرر منها وحرر الآخرين من عتمتها .
الجنّة للمؤمنين الزاهدين المتبتلين الركّع السجود . وليست للقتلة والدجّالين , ومن لا يعرفون من الدين إلا اللباس أو الطقوس , أو الحقد .
السياسة تحتاج إلى العقل العلماني العملي . والدين يحتاج إلى الإيمان المطلق , والانقطاع للعبادة والعمل الصالح فقط -فقط - فقط .
الدين : أن يكون هناك متسع في الحياة الدنيا وفي الآخرة , في الأرض والسماء لكل المؤمنين الصابرين الصادقين عاملي الخير والصلاح من جميع الديانات والانتماءات السماوية والأرضية , وليس لفئة واحدة , أو طائفة واحدة, أو مذهب أو تعاليم .
الجنة لجميع الصالحين , وبغير ذلك الكفر والضلال , فهل نؤمم الله وجنته الواسعة لنا فقط دون غيرنا ؟؟!! .
وأخيرا أقول : إن الذين يكفرون بالله وملائكته وكتبه ورسله ,وفقط –عملوا صالحا- أحبّ إلى الله وأفضل من المتدينين المنافقين الدجالين الذين يضللون الناس ويأكلون أموالهم بينهم بالباطل , ويتقاتلون متهافتين على الدنيا والآخرة طمعا في الاثنتين معا . ((فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة )) .
#مناع_النبواني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟