|
السلطة تدين..حماس تبارك..وماذا بعد؟
أحمد أبو مطر
الحوار المتمدن-العدد: 1526 - 2006 / 4 / 20 - 09:19
المحور:
القضية الفلسطينية
العملية الانتحارية في المحطة المركزية القديمة في مدينة تل أبيب ، التي تبنتها حركة الجهاد الإسلامي يوم الاثنين الموافق السابع عشر من أبريل الحالي ، وأوقعت العشرات من الإسرائيليين بين قتيل وجريح ، أدانها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووصفها بأنها ( إرهابية وخروج عن الإجماع الوطني الفلسطيني وتضر بالمصلحة الوطنية العليا لشعبنا ) ، كما أدانها عبد القادر حاتم القيادي الفتحاوي ، في حين أن حكومة حماس باركت العملية ، إذ صرّح (وصفي قبها ) وزير شؤون الأسرى في حكومة حماس : ( إن العملية الإستشهادية في قلب الكيان الصهيوني الغاصب ، تأتي في مسار المقاومة الفلسطينية المشروعة والرد الطبيعي على خروقات الاحتلال ) ، كما باركها خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي التي تبنت العملية ، وأعلن ناطق آخر من الحركة أن ( منفذ العملية هو الشاب سامي محمد أحمد " 20 عاما " من بلدة ( برقين ) غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية ) . وأضاف الناطق الذي أطلق على نفسه اسم ( أبو أحمد ) ، أن ( هذه عملية مشروعة من قبل كافة القوانين والأعراف الدولية والدساتير والشرائع السماوية ولا يجوز لأحد أن يستنكر هذه الفعل الجهادي ) . كيف يمكن قراءة هذا المشهد الفلسطيني ؟؟.
أولا: إن قيادات المجتمع الفلسطيني ليس موحدة التفكير في التعاطي مع القضايا الإستراتيجية التي مطلوب دوليا اتخاذ موقف واضح منها ، والمجتمع الفلسطيني الآن في وضع غريب رغم أنه نتيجة الخيار الديمقراطي ، فرئاسة السلطة التي هي بمثابة رئاسة الجمهورية معترفة بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967 ، وموقعة معها على العديد من الاتفاقيات والتفاهمات التي أجلت قضايا أساسية مثل حق العودة والقدس لمفاوضات الحل النهائي التي كان ينبغي أن تتم قبل عام مترافقة مع قيام الدولة الفلسطينية ، والحكومة الفلسطينية أي رئاسة الوزراء بيد حركة حماس التي لا تعترف بدولة إسرائيل وتسميها ( الكيان الصهيوني الغاصب ) .
ثانيا : نتج عن ذلك تضارب وتناقض في العديد من الأمور ، وخير مثال معاش هو أن رئاسة السلطة تعتبر عملية تل أبيب ( إرهابية وتضر بالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني ) ، في حين أن رئاسة الوزراء أي حركة حماس تعتبرها ( مقاومة فلسطينية مشروعة ) .
ثالثا : إن التضارب في المواقف ليس حكرا على الرئاستين ( السلطة والحكومة فقط ) ، ولكن بين الرئاستين وفصائل أخرى ، فمثلا بصدد العملية ( الإرهابية الإستشهادية الإنتحارية المشروعة ) ترى حركة الجهاد التي نفذت العملية ( أنها ستقف بجانب الحكومة - حماس – إذا بقيت على درب المقاومة ) ، وهذا يعني أن أي تغيير في سياسة حكومة حماس كما يتوقع البعض ، فسوف يؤدي إلى الصدام معها ، خاصة أن حركة الجهاد لم تشارك في الانتخابات التي أوصلت حماس لرئاسة الحكومة الحالية . وتوقع البعض هذا التغيير في سياسة حكومة حماس ، يعزى إلى أخبار تفيد قرب صدور فتوى من مهدي عاكف زعيم الإخوان المسلمين في مصر ، تسمح لحركة حماس بالاعتراف بدولة إسرائيل لأن هذا الاعتراف في صالح الشعب الفلسطيني ، وتفيد نفس المصادر أن الفتوى في حال صدورها ستكون استجابة إخوانية لضغوطات من الحكومة المصرية ، التي لوّحت لحماس بالعين الحمراء ، عندما رفض علنا وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ، استقبال محمود الزهار وزير الخارجية في حكومة حماس ، وكان تبرير رفضه ( أنا مشغول وكل وزراء الحكومة المصرية مشغولون ) ، وفعلا لم يستقبله أي وزير مصري ، وفي اللحظة الأخيرة ، اجتمع به الفريق عمر سليمان مدير المخابرات الذي يقوم منذ سنوات برحلاته شبه الشهرية إلى غزة والضفة للتوفيق بين الفصائل الفلسطينية وتحديدا بين فتح وحماس.
رابعا : ضمن المشهد الفلسطيني المذكور ، يفصّل البعض السياسة الدولية كما يتمنى هو أن تكون، وليس كما هي السياسة الدولية في تطبيقاتها الميدانية ، فبالنسبة للعملية المذكورة في تل أبيب ، رغم الإدانات الدولية الشاملة للعملية ، إلا أن الناطق باسم حركة الجهاد التي نفذت العملية، يرى كما أوردنا سابقا ( أنها عملية مشروعة من قبل كافة القوانين والأعراف الدولية ) ، وهو يعتقد أن حركته أقوى قوة نووية في العالم ، والجميع يرجفون خوفا من هذه القوة ، لذلك يقول : ( ولا يجوز لأحد أن يستنكر هذا الفعل الجهادي ) ...لا أحد !! أي بما فيهم مجلس الأمن الدولي والقوى العسكرية العظمى الخمسة أو الستة واللجنة الرباعية التي تضم كل أوربا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ....هكذا بالحسم القاطع : لا يجوز !!!. وقد حدث الجواز وأدانها غالبية الدول والقوى والمنظمات الدولية ، ومن المتوقع اجتماع لمجلس الأمن لإدانة العملية .
خامسا : ضمن هذا المشهد الفلسطيني الملتبس ، يصبح في بعض الحالات سامي أبو زهري الناطق باسم حماس ، ناطقا باسم السلطة الفلسطينية أيضا رغم التناقض بين سياسة السلطة و حماس ، فيوم الاثنين السابع عشر من أبريل الحالي قال سامي أبو زهري : ( تعقيبا على التصريح الصادر عن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة ، حول الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة على أساس برنامج المنظمة واعتبار أن سبب معاناة شعبنا هو برنامج الحكومة الفلسطينية ، إننا في حركة حماس ننظر ببالغ الاستياء إلى هذه التصريحات التي لا تساهم إلا في الحملة الدولية الإسرائيلية لعزل شعبنا و حصاره والتضييق عليه ...إن ما يطرحه أبو ردينة لا يعبر على الإطلاق عن موقف الرئيس محمود عباس ، ولذا فإن ما يجري هو استغلال مواقع رسمية لمهاجمة الحكومة الفلسطينية ) . هل يعقل هذا التصريح وبهذا الحسم ( على الإطلاق ) ؟. وهل هذا يعني أن نبيل أبو ردينة أقوى من الرئيس محمود عباس ، ويصرح بما يريد دون العودة لرئيسه ؟. وكيف عرف سامي أبو زهري أن هذا التصريح ( لا يعبر عن رأي الرئيس محمود عباس على الإطلاق ) ؟. هذا لا يصح إلا في حالتين : أن يكون سامي أبو زهري قد اتصل بالرئيس محمود عباس ، وأعلن له صراحة أن تصريح أبو ردينة لا يعبر عن وجهة نظره على الإطلاق ، أو أن يكون الرئيس عباس قد فطن إلى تجاوز أبو ردينة له ، فكلف سامي أبو زهري أن ينطق بلسانه في نفس وقت نطقه باسم حماس !!!!!.
بناءا على هذه الفوضى والتناقض والتنافر والتناحر ، يصبح السؤال الملح هو : وماذا بعد ؟؟
أعتقد أن المشهد الفلسطيني الموصوف أعلاه ، لا يحتمل سوى حل من اثنين :
الأول : أن تعترف حكومة حماس بدولة إسرائيل وبكل الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ، رغم إجحافها وعدم تقديمها لإنجاز ملموس للشعب الفلسطيني ، وفي هذه الحالة تكون الرئاستان الفلسطينيتان ( السلطة والحكومة ) منسجمتان في السياسة والرؤى ، مما ينجم عنه تنسيق أشمل وأوضح ، مما يبطل الحجة الإسرائيلية الخاصة بعدم وجود شريك فلسطيني حقيقي لمفاوضات السلام ، وهذا من شأنه أن يدفع القوى الدولية خاصة اللجنة الرباعية لمزيد من الضغط على إسرائيل ، ولمزيد من الدعم للشعب الفلسطيني ورئاسته وحكومته .
الثاني : إن لم يتحقق الأول ، فالأفضل هو استقالة الرئيس محمود عباس ، وعندئذ يتسلم رئيس الحكومة إسماعيل هنية صلاحيات الرئيس لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة ، وفي هذه الحالة تكون كل مقاليد الرئاسة والسلطة بيد حماس ،لا ينازعها أحد في أي مجال كما في الاتهامات الحالية بين الحكومة والرئاسة ، وبالتالي تتحمل المسؤولية كاملة أمام الشعب الفلسطيني في السلبيات والإيجابيات ، أما في الوضع التناحري الحالي فكل طرف سينسب الإيجابيات لنفسه والسلبيات لغيره .
أما الدعوات المطالبة بحكومة وحدة وطنية ، فهي دعوات عاطفية خطابية لأنه لا يمكن وجود وحدة وطنية إلا على أساس التوافق على برنامج سياسي واضح محدد ، وهذا ما هو غير متوفر الآن بين السلطة والحكومة ، لذلك يصبح الحل هو في واحد من الحلين المذكورين ، كي لا يستمر هذا التناقض الذي يزيد من معاناة شعب أصبحت غالبيته على حافة الجوع !!!. فهل تكون السلطة وحماس على مستوى المسئولية ؟!!. [email protected] www.dr-abumatar.com
#أحمد_أبو_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من المختل عقليا في الاعتداءات على الكنائس القبطية في الإسكند
...
-
حماس : السياسة والمقاومة لا يلتقيان
-
فتح ملف الوليمة الحيدرية
-
انتبهوا..وصلت طالبان إلى القاهرةانتبهوا : وصلت طالبان إلى ال
...
-
هل هناك داع لعقد القمة العربية؟
-
التعايش بين الأديان في الأقطار العربية..واقع أم وهم؟؟
-
مقام عراقي بألحان فلسطينية
-
كيف كان سيتصرف الرسول لو كان حيا؟
-
ماذا نريد من العالم: تفاهم أم صراع؟
-
محمد الأسعد يكتشف خطأ في طبعة عربية لمخطوطة إبن فضلان
-
الأردن و حماس..العلاقة والهدف
-
رحلة إبن فضلان..الحلقة الثانية
-
بداية نهاية العقيد
-
رحلة إبن فضلان في بلاد الصقالبة
-
ماذا خسرنا وماذا ربحنا
-
هل كان ذلك إنتصارا للرسول؟
-
وصلت الرسالة الدانمركية...وماذا بعد؟؟؟
-
عن مؤتمر فيينا والمقاومة والعنف والإرهاب !
-
حركة حماس : الغاية تبرر الوسيلة
-
قيس عبد الكريم : الفلسطيني العربي
المزيد.....
-
لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار
...
-
حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب
...
-
جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي
...
-
السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي
...
-
قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل
...
-
-يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في
...
-
-تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن
...
-
الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود
...
-
-بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز
...
-
هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟
المزيد.....
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|