أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - البازلّاء














المزيد.....

البازلّاء


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6131 - 2019 / 1 / 31 - 14:01
المحور: سيرة ذاتية
    


إعدام البازلّاء على يد المن.

أوراقها الناعمة كأيدي الرضْع، وزهورها البيضاء البريئة هاجمتها قطعان من حشرات المن، سرعان ما تكاثرت، دون تزاوج، إلى آلاف، وملأت عصائر جسدها الدبقة الصمغية ما تبقى من الأوراق.
الأوراق، بدورها، إنكمشت على نفسها وتجعّدت ومرضت، ثم ماتت واحدة تلو الاخرى.
نعم، تركتها تموت، وأنا حزين، لأنني مازلت أرفض إستعمال المبيدات الحشرية.
كان هناك عناكب ودعسوقيات وحشرات مفترسة اخرى اشتركت في وليمة مستمرة والتهمت الكثير من المن، لكن الأخيرة تتكاثر بجنون.

علاقتي بالبازلّاء تعود إلى أيام الطفولة، وبالبازلّاء البريّة على وجه الدقة.
في الواقع لم نكن نعرف في القامشلي إلّا ذاك النوع البرّي.
في فصل الربيع، بينما كانت سنابل القمح خضراء غضّة، في الأرض الواسعة التي كانت تفصل الحدود التركية وشمال حي قدور بك، كانت البازلّاء البريّة تنمو جنباً إلى جنب مع شقائق النعمان، ونوع آخر من البازلّاء كنّا نقطفها حين تنتهي الأولى. إسمها كان «الشوقلّة الخاتونية»، بينما النوع الثاني كان «شوقلّة» وحسب. أصل التسمية لا أعرفه.
وقطفها ارتبط دوماً بـ «شرّو»، حارس تلك الحقول على صهوة جواده مُلّوحاً بكرباجه. كان يظهر فجأة ويُطاردنا، نحن، هؤلاء الذين كانوا يُغامرون، بترك الدروب الترابية النحيلة التي كانت تربط المدينة بقرية المحمقيّة، بالدخول إلى حقول القمح على جانبيها.
كنّا نخشاه كثيراً، وكذلك الفتيات والنساء اللواتي كنّ يختبأن خلف سيقان القمح الكثيفة لقضاء حاجتهن، في فترات الذهاب في المشاوير والتنزّه وتبادل النظرات الخبيثة مع الشبّان. و شرّو كان يأتي، صارخاً مُهدّداً من على صهوة حصانه المُتعرّق.
لم أر ذلك بعينيّ، لكن سمعت مراراً عن فتيات كنّ يركضن فزعات وسراويلهن عالقة بسيقانهن. سمعت أيضاً عن نساء كن يُخفن أطفالهن، مثل «إن لم تنم سيأتي شرّو ويضربك».
هل كان إسمه شريف؟ لا فكرة لدي. لكن إسم شرّو كان مُناسباً في كل الأحوال.
مذاق الشوقلّة الخاتونية كان أشهى حينذاك، ربّما بسبب نوعية المغامرة.

بعد إنتقالي إلى دمشق، تعرّفت، في مطاعم الطلاب في الشعلان وبوفيات الجامعة، على وجبة الأرز والبازلّاء. وبعد ذلك صارت واحدة من خضاري المُفضّلة.

المن (Aphid) حشرة لها لون أخضر مُنعش، أو داكن يقترب من الأسود، لكن هناك أيضاً فصائل منها تتلّون بلون النبات أو الشجر الذي تغزوه. وحينما تكثر أعدادها تنبت لبعضها أجنحة فتطير لتبدأ مستعمرة جديدة في مكان مُناسب.
ومن الأمور العجيبة أن هناك أنواعاً من النمل، خاصة الأصفر الأوروبي منه، يقوم بتربية هذه الحشرة وحراستها ليُبعد بقية الحشرات المُفترسة عنها. أثناء الصيف «يسرق» النمل أعداداً وفيرة من بيوض المن ويخبئها في حفره تحت الأرضية، وفي الربيع في العام التالي، حينما تفقس هذه البيوض، يقوم بنقل الحشرات الوليدة إلى نبتة أو شجرة، يعرف النمل أن المن يحبّها. وحينما تكبر وتمتلأ أجسادها يسعى إلى ضرب أقفيتها بقرون إستشعاره لحثّها على إخراج قطرات خضراء لزجة، لها طعم العسل، من مؤخراتها. النمل يعشق السكريات.
وأذا تذكّر أحدكم حلوى «المن والسلوى» فإنكم لا تخطئون. تاريخياً، وفي كردستان العراق، كانوا يصنعون حلوى من تلك المادة الصمغية التي كانت الحشرة تفرزها وتتكتّل على الشجر، بخلطها مع الطحين.
الحلوى التي مازالت تحمل نفس الإسم في العراق تُصنع بمواد ومحتويات مختلفة، على ما أظن.

بقية خضاري سليمة، حتى هذه اللحظة. لنرى.

الدانمارك، صيف ٢٠١٨



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعوض وحشرات اخرى
- العناكب
- مجرّد خطوة اخرى نحو وضع حد للحياة
- في ثقافة التفويل
- أكثر من نصف جسمك ليس بشراً
- الألزاس، ذهاباً وإياباً بالسيّارة (الجزء ٢ من ٢)
- الألزاس، ذهاباً وإياباً بالسيّارة (الجزء ١ من ٢)
- رسالة إلى جورجيت
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا (الجزء الأخير)
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا (الجزء الثاني)
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا
- السُكياكي
- كاروشي وكاروجيساتسُ
- واشوكُ ويوشوكُ
- في زيارة مسقط رأس كينزابورو
- الساكورا، روح الربيع الياباني
- أم كلثوم وأنا
- الساكيه، «نبيذ» اليابان
- حفلة ليلة السنة الجديدة
- محمد عبد الوهاب وأنا


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - البازلّاء