أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - العناكب















المزيد.....

العناكب


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 6127 - 2019 / 1 / 27 - 01:45
المحور: سيرة ذاتية
    


بعكس ذكور الطيور التي تبني الأعشاش إرضاءً للأنثى، فإن أنثى العنكبوت هي التي تبني (تنسج) أعشاشها. العنكب هو إسم الذكر بالمناسبة.
شخصياً، أنا صديق لللعناكب، لأنها مفيدة جداً إذا سمحت لعدد صغير منها بمشاركتك السكن، فهي تقضي على كل الحشرات الاخرى بشكل بيولوجي. هذا لأني أسكن في الدانمارك، التي ليس فيها عناكب سامّة (عدا بعض الهواة الذين يحبسونها كحيوانات أليفة مثل الكلاب والقطط والأرانب والثعابين وحيوانات اخرى عجيبة) كما في أمريكا اللاتينية أو اوستراليا وغيرها (لا وجود للعناكب في القطب الجنوبي، لكنها موجودة في كل مكان آخر). أشهر الأصناف السامّة هي «الأرملة السوداء» التي تقتل الذكر الذي جامعها فور الإنتهاء من رذائلها، وقد أستخدمت أيضاً في سيل من الأفلام على هيئة إمرأة ترتدي السواد وتنتقم شرّ إنتقام من قتلة زوجها، أو شريرة متعطشة للدماء تذبح يمنة ويسرة.
في الحقيقة حتى الثعابين هنا، على ندرتها، ليست سامّة كثيراً، فلدغتها، التي يُصاب بها بضع أشخاص في السنة، ليست أسوأ بكثير من لسعة البعوضة.

العنكبوت ليس حشرة كما يعتقد الكثير منّا، بل ينتمي إلى العنكبيات التي بدورها تنتمي إلى المفصليات (Arthropod)، كالعقارب والقرّاد والسوس وكثير غيرها.
خيوط أو نسيج العنكبوت هي تشكيل هندسي مُتقن تُنسج للصيد والحماية في ذات الوقت، حيث يقوم العنكبوت بوضع مادة غرائية لاصقة على الشبكة من الخارج والداخل تاركاً لنفسه درباً للتجوال فيه بيسر، لكن حتى لو وقع في خطأ غبي وسلك المسار اللاصق، فإنه يقوم بتذويبه بمادة زيتية يفرزها جسده ليتحرّر بسهولة من الفخ.
بعد الإفراغ من تشييد هذا الصرح الهندسي، يقوم ببناء مخدع خاص موصول بالشبكة الكبرى، وهو بمثابة مرصد إستشعار أيضاً. الإستشعار هو اهتزاز الخيوط حين تتوه فيه فريسة.
نظراً لتوفّر هذه الأسلحة الفتاكة، فإن نظر العنكبوب ضعيف لأنه ليس بحاجة كبرى له.
حينها يهرع للف فريسته ولدغها بجرعة سمّ لشلّها، ثم شرنقتها، ليحقنها أخيراً بلعاب يجعل من أعضاء الفريسة الداخلية حساءً. ثم يجلس ويتمتّع (هذا ما أعتقده) بمصّ السائل وكأن فريسته علبة مرطبات تاركاً إياها قشرة هشة.

هناك أيضاً العنكبوت الذي لا خبرة له في بناء البيوت بل يتمّوه بخبث ويُغّير ألوانه بإنتظار الفريسة. وإن أخطأت فراشة أو حشرة ما بالإقتراب، فإنه يثبتها ببعض الأرجل الثمانية (للعناكب ثماني أرجل دائماً)، ويشلّها بجرعة كافية من السمّ، وهكذا.

أيضاً هناك صائد السمك الكبير (يصل طوله إلى ثماني سنتيمترات) الذي يعيش على ضفاف الأنهار، وفي فترة جوعه يسير على الماء كنبيّ، مستعملاً خاصية التوتّر السطحي، ليلدغ الأسماك ويمزّقها إرباً بفكيه القويين.
والعنكبوت الأكبر الذي قد يتجاوز طوله العشرين سنتيمتراً يأكل الفئران وحتى الطيور الصغيرة.

نوع عنكبوتي يعيش في المياه، إلا أنه بخلاف الأسماك التي تستخلص اوكسجينها من الماء بعملية حرشفية بديعة، فإنه يُخزّن فقاعة من الاوكسيجين يستوردها من السطح ويخزّنها في البيت المبني تحت الماء على شكل فقاعة أكبر، فيُطلقها هناك مُحّولاً الفقاعة إلى صالة مُكيّفة بعد أن يغلقها بإحكام بطبيعة الحال.
لكن ليست كل أنواع العناكب (هناك ٤٥٫٧٠٠ نوع منها ١١٣ من الصنف شديد السُميّة) دموية ومفترسة، بل هناك نوع نباتي ضئيل الحجم يتغذى على أوراق الأشجار.
النوع الذي لن أستقبله في بيتي (لا وجود له هنا في كل الأحوال) هو ذاك الذي شكله يشبه زرق الطيور ويتميّز برائحتة السيئة لسببين، الأول هو إبعاد الأعداء والثاني لجذب الحشرات.

لماذا كل هذه الثرثرة عن العناكب؟ إليكم السبب:
على الطرف السفلي من حائط بيتي الغربي، وضعت أنثى عنكبوت عدداً هائلاً من البيوض، فُقست اليوم، فسارعت إلى نسج خيوطها. هكذا هي، حالما تخرج من بيوضها.
طبعاً الإناث منها قامت بهذه الحياكة، كما أثبت العلماء، ولا فكرة لدي عمّا ما فعله الذكور في غمرة هذا النشاط.

هذا الحيوان له حيّز هائل في قصص وأدبيات وحدوتات وفنون العالم. فكلنا نعرف، على سبيل المثال، مجموعة أفلام سپايدرمان الهوليودية، وأيضاً في عدد يصعب حصره من أفلام الرعب والسايانس فيكشن، كما إنه صورة إيحائية للأشياء القديمة المُغبّرة المنسية في أقبية البيوت أو غرف السطح المليئة بأمور الآباء والأجداد التي يتركها الناس هناك لأسباب يجهلونها.

وهو أيضاً يُثير رعب الكثيرين، حتى صار له إسم مَرَضيّ: رهاب العناكب (باللاتينية: arachnophobia).
هو يظهر بقوة أيضاً في الأدبيات الدينية، حتى أن هناك سورة مخصصة له في القرآن.
وفي الأحاديث قصة غار ثور التي لجأ إليها النبي للحماية قيلت بعدة نسخ، منها أنه كان وحيداً، وفي روايات اخرى أن أبو بكر كان بصحبته.
«عن الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ اقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ».
كثير من الأئمة رفضوا هذه الحديث وأضعفوه (الألباني)، وبعضهم صححّه (ابن كثير وابن حجر)، وحجتهم أن القرآن لم يذكرها. والآية ٤٠ في سورة التوبة لا تذكر النبي محمد، بل تتحدث عن إثنين (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)، والذين كفروا يطاردونهما.
«إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْإِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الآية ٤٠، سورة التوبة)».
أعتقد أن القرآن يُشير إلى قصة تعود إلى القديس فيليكس النولي (القرن الثالث الميلادي، أي قبل الرسالة المحمدية بأربعة قرون)، لأن الثقافة السريانية/السورية هي التي كانت سائدة ومُسيطرة على مجمل الشرق الأوسط حينذاك.
وفيليكس وُلد من أبوين إيطاليين وانتقل إلى سوريا ثم اعتنق المسيحية. وهناك طارده الرومانيون الذين لم تسغهم المسيحية في البداية، فلجأ إلى غار ونسجت العنكبوت خيوطها… وهكذا بقية القصة.
الروايات هنا متضاربة أيضاً، فمنها ما يقول أنه كان بمفرده وأخرى تقول أن الأسقف ماكسيموس كان بصحبته.
وقبل ذلك بكثير تتحدث كتب يهودية عن قصة مفادها أن النبي داوود كان مُلاحقاً من جنودٍ فاختبأ في كهف قرب القدس، فقام عنكبوت ونسج بيتاً على مدخل الكهف، فلما رأى الجنود بيت العنكبوت استبعدوا أن يكون أحد قد دخل المكان فذهبوا.

الجو عاصف بارد جداً في هذه الليلة، وهذا يجعلني أفكر بعناكبي المتسمّرة على الحائط. هل سيمضي الليل على خير؟ هل ستتطاير أجسادهم الضعيفة الصغيرة وتتمزق خيوطهم التي تنقصها الحياكة الحرفية؟ هل أدعو بعضهم إلى دفء البيت أم أترك الأمر للطبيعة التي عالجت هذه القضايا منذ ملايين السنين؟

الدانمارك، صيف ٢٠١٨



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجرّد خطوة اخرى نحو وضع حد للحياة
- في ثقافة التفويل
- أكثر من نصف جسمك ليس بشراً
- الألزاس، ذهاباً وإياباً بالسيّارة (الجزء ٢ من ٢)
- الألزاس، ذهاباً وإياباً بالسيّارة (الجزء ١ من ٢)
- رسالة إلى جورجيت
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا (الجزء الأخير)
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا (الجزء الثاني)
- السفر بنظام الإنتر ريل في أوروبا
- السُكياكي
- كاروشي وكاروجيساتسُ
- واشوكُ ويوشوكُ
- في زيارة مسقط رأس كينزابورو
- الساكورا، روح الربيع الياباني
- أم كلثوم وأنا
- الساكيه، «نبيذ» اليابان
- حفلة ليلة السنة الجديدة
- محمد عبد الوهاب وأنا
- القطط وأنا
- البيرة، وما أدراك!


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - العناكب