أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حقي - اللص والسكير















المزيد.....

اللص والسكير


مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 1523 - 2006 / 4 / 17 - 09:51
المحور: الادب والفن
    


.. لفظته عتمة الليل من ماخور الغجريات وهو يترنح ثمــــلاً ، ويضحك بملء شدقيه مردداً ..
: بنت الكلب شلّحتني كل شيء .. ولن أقرب امرأة لثلاثين يــومـاً
.. لقد هزل فيه كـل شيء ، وحتى مشيته البطيئة غير المتزنة باتت تتعبه ، وتمنى لو يحبو ... مدّ يده متفحصــاً بقايا نقود متفرقة هنا وهناك من جيوبه ، علّها تكفيه إجرة تكسي إلى بيته ، أمضى أكـثر من أسبوع يكد ويتعب ، وينصب ويضحك على الذقــون لتأتيه بنت الحرام تلك ،وخلال ساعتين تستنزفه وما جناه في أكثر من سبعة أيام .. هو بالتأكيد لن يقدر على معاودة عمله إلا بعد يومين ليجمـع قواه المسروقة في أحضان النورية التي استهلكته حتى الثمالة وصار شبه خرقة مهلهلة . إنها أشبه بأنثى عقرب تقتل الذكر بعد جماعها ليأكل منه صغارها .. ولكنها أنثى رائعة حتى لو ( موتته) وجعلته طعاماً لعشيرة العناكب ..
اقترب من الشارع العام .. كان شبه خاو في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. وقبل أن يتجاوز ركناً مظلماً منه وهو يتمايل ، باغـــته شاب مراهق يشهر سكيناً ، وأمره بأن يفرغ جيوبه ... ولم يستطـع أن يتمالك نفسه من القهقهة وبصوتٍ عالٍ .. وارتبك الشاب ورفــع سكينه عالياً وهو يهدد ..
: سأذبحك إن لم تصمت ..
ولكنه استمرّ في ضحكه وهو غير مبالٍ بالسكين المشهر ذي النصـل اللامع .. وتمالك نفسه وقال
: اذبح يارجل طالما أني مبسوطٌ ، وأنت زدتني حبوراً وانشـراحاً .. وانطلق بموجة ضحك أخرى أدهشت اللص ... وأمره ثانية
: اسكت يا رجل ، ماهي قصتك ، ألا تخشى الموت ، سأطعـنك ..
: قلت لك افعلها ، ماذا تنتظر .. ولكن أؤكــد لك أنك ستخسر كل شيء ، كخسارتي أنا لكل الأشياء ..
: أريد مالك فقط ، واذهب أنت وأشياءك الأخرى في حــال سبيلك
: أنت مهبول ولا شك ..
: ولماذا ...؟
: ومن يخرج من عند جواهر الغجرية ، هل يمكن أن يبقى عنده من مال ..؟ إنها منظف سريع للجيوب وبمرتبة خمس نجوم ..
ولعن الشاب الغجرية والسكير ، وأدار ظهره مغادراً ، ولكن الرجـل أمسك بتلابيبه
: إلى أين أيها الشاب ... دخول الحمام ليس مثل خروجه ..
حاول اللص جاهداً التملص
: يا أخي أعتقك ولا أريد منك شيئاً فقط اتركني أبحث عن رزقي في غير هذا المكان الشؤم ..
ولكن السكير تشبث به
: لن أتركك حتى توصلني إلى البيت , لتسليني في الطريق ..
مفاجأة لم تكن بالحسبان ، وراح اللص يرجو الضحية
: لاإله إلا الله ، قلت لك اتركني يا رجل ، خارج من لدن غجـرية وخالي الوفاض وتريدني أن أمشي معك ، وأنا أبحث عن شيء اسمه المال ..
ولكن السكير لم يتركه
: أيها الشاب ، ليس كل شيء بالمال ، عليك أن تمشي معي لنتحدث سوية ، ونتسلى ..
حاول الشاب بكل قواه أن يتملص من قبضة الثمل الذي أحكـم على ساعده بشدة وباءت محاولاته بالفشل ، وقـرر اللص بينه وبين نفسه


أن يسايره ويهرب منه في أول فرصة سانحة
سأل السكير اللص
: ياعكروت .. ماذا دفعك لتشليح الناس تحت التهديد بالسكين ، وأنت ماشاء الله شاب بكامل صحتك ، وبإمكانك أن تعمل وتكدح وتحصـل على ماتحتاجه من مالٍ ..
ورد الشاب مستهزئاً
: وهل كنت أنتظر مشورتك ، لقد حاولت ، ولي أكثر من أســبوع أجلس في الشارع العام مع جيش من العاطلين عن العمل ، نستجدي بعيوننا البائسة المارة علّ أحدهم يترفق بنا ويستخدمنا في أي عمـل
... ألمهم أن يستقر في جيبي ما يشعرني بإنسانيتي وكرامتي ..
صدق يارجل كرهتُ حياتي .. كل يوم أعود مساءً ، وعيون الأهـل تراقبني بتساؤل , ويصدمهم منظر خيبتي , ويتألمون لأجلي ، لأنني لم أجد عملاً ، ووالدتي تحاول أن تدس في جيبي بعض الليرات دون علم أبي ، وتصرّ إن بعد الصبر الفرج .. ولكن حتى متى تدوم مأساة مشهد الخيبة المتكررة كل يوم ، شاب طول وعرض ( ومافي بجيبي فرنك ) وأرى شباناً يتبخترون بعرباتهم الفارهة ، وينفقون المـال بلا حساب ولا وجع قلب ، صدقني ان ماينفقونه في اليوم على الكــولا والدربي والشوكولا يزيد على مصروف أسرتنا اليومي ، وتريدني ألا أشلّح وأسرق ، وأنا أبحث عن عمل ولا أجده ...
وربت السكير على كتف الشاب بعد أن أفلت ساعده وهو يواســيه متأثراً
: أيها الصديق الصدفة ، العمل لايأتيك هكذا بغمضة عين ، وأنا مـع والدتك ، وعليك أن تصبر ، وماوراء الصبر إلا الفرج ، ثم أن الناس درجات ، ومن يرفع رأسه إلى الأعلى دائماً ستؤلمه رقبته ، ولو كان كل انسان لايجد عملاً يقدم على تشليح الناس ، لامتلأت السجــون


بالعاطلين عن العمل ، ومن ثم أنا متأكد أنك لم تتابع تعليمك وتسربت من المدرسة ، ولم تتعلم مهنة ، أليس عليك حقٌ أيضـاً في ماآل إليه حالك ...
تنهد الشاب وتمتم
: كثير مما قلته صحيح ، وفي واقعنا أخطاء كثيرة ، وإن لجوئي إلى السرقة كان حلاً عاجلاً ، ولكن صبري قد نفذ ..
استكان اللص لسميره الثمل ولم يعد يفكر بالهرب .
وسأل السكير اللص
: لم تقل لي ماذا يعمل والدك ، وكم عدد أفراد أسرتك
تحسّر الشاب
: الوالد موظف بسيط ، واخوتي سبعة وأنا أوسطهم
وخرجت عبارة استنكار من السكير وعلى السليقة ..
: العمى سبعة ... ! وموظف بسيط ، كيف لو كان والدك مديراً ..
ورد الشاب بتأثر
: عاتبت والدي كثيراً ، لماذا جاء بنا وهو غير قــادر على توفير المعيشة اللائقة بإنسان ومثل( البني آدميين ) الآخرين ،ورماني والدي بالكفر والزندقة ، وراح يتلو علي الآيات ويقرأ الأحاديـــث ، وإن رزقنا في السماء ، صدقني راقبت السماء أكثر من ليلتين على سطح دارنا متوسلاً .. ولكن ..
وهنا راح السكير يبحث في جيوبه هنا وهناك ، وأخرج كل نقــوده التي تزيد قليلاً على أجرة التكسي ، ثم خلع ساعته ، وسحب خاتـمه الذهبي وناولهم للشاب
: خذ هذا ماتيسر الآن ، ومشي حالك ، حتى تجد عملاً ، وإذا تعذر ، ستجدني في الأسبوع القادم مساءً في هذا المكان مع غلتي الأسبوعية ونتقاسمها ، حتى تفرج عليك وينقطع رزق جواهر بسببك ..




وهنا انفجر اللص الشاب ببكاء مرير وهو يضم السكير إلى صدره ، وأعاد المال والساعة والخاتم إليه وانطلق يجري حتى غيبه الظلام ..



#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الحضارات أم سقوط الهة أم توكل قدري
- جمالية العجيلي في أبطاله
- كسوف الشمس أم كسوف العقل والحريات
- الرواية عالم واسع والروائي يتناول ركناً حياً من واقع اجتماعي ...
- أيتها النساء عليكن النضال ضد النساء
- هذا لم يحدث في سوربة ..؟
- لن ينالوا من أفكارك النبيلة ..؟
- رسالة إلى الأخ السيد حسن آل مهدي
- لما كانت المرأة نصف المجتمع ، فمن يمثل هذا النصف سياسياً وتش ...
- التسونامي
- الحضارة والديموقراطية
- قيود الابداع والرمز ...؟
- الثقافة والمثقف بين الجانبين المادي والروحي


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حقي - اللص والسكير