|
قيود الابداع والرمز ...؟
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1465 - 2006 / 2 / 18 - 06:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
.. كثيرة هي الأعمال الأدبية من شعر ورواية وقصة ومسرح ، يلجأ مبدعــوها إلى التســــتر خلف خندق الرمز في الهجوم والدفاع عن مبادئهم الإنسانية متخطين قيود الرقابة الســلطوية والمؤسساتية .. عن طريق ترميز الأسماء والمكان وحتى الزمان وكذلك العنوان وبأســــلوب إبداعي ينم عن موهبة وسلاسة عبرجسرالإدراك لما يقصده الكاتب برموزه الملــونة بألوان الطيف السياسي والاجتماعي ... ومع التأكيد ان الكتابة الرمزية هي جمالية إبداعية بحد ذاتها ورونقا يجمل به العمل ويصقله حتى لو لم تكن هناك قيود ، فالمثل يقول ( قي الصـــــراحة وقاحة ) فالترميز وفي كثير من المواقف الأدبية يكون لازمة إبداعية لتقديم الفكرة وطرحــها بشكل مراعٍ للأخلاق والذوق العام ، فعند ذكر العورة أو العملية الجنسية أو صفة غير حميدة لإنسان ما .. . هناك من يستعملها سافرة تؤذي شعور الآخرين ، وهناك من يرمز إليها بشكل لطيف يتقبلها كل إنسان ولا تؤذي الشعور العام ، فالرمز إذا هو غطاء للسفور الجائر ، ولكن بحجاب تقاس سماكته بسمك شفافية الكاتب والمبدع ... ولكن الاستغراق في الرمز لمجرد الرمز يحوّل العمل إلى غموض وإبهام وتشـــــظٍ وانفلات وتعمية غير مبررة ...؟ انّ سنين القحط الإنساني والثقافي الطويلة ، وعبر قرون من استبداد تاريخي جـــائر ، وفي جوٍ من قمع السلطة ، إلى درجة محو كلمة الحريّة من قواميس شعوبها ، والتصــاقهم بكلمة العبد ،حيث تحول الفرد إلى كتلة من الخوف الدائم والحــــــــــذر والتوجس حتى من أقرب المقربين إليه وإلى تبعية عمياء لمعتقد الحاكم وعبداً لسلطته ... وعندما حاول المثقف أن ينفث عن كربه ومعاناته لجأ إلى لغة الحيوانات وتصرفاتهم لإبعــاد الشبهات عنه ، وعندما تجرأ أحدهم وخاطب الخليفة ناصحاً ... كانـــــــت النتيجة أن قُطّعت أوصاله وأُطعِمَ من لحمِه مشوياً وهو ينازع ...! ومع انطلاقة صيحات الحرية الفرنسية ورفع شعار الحريّة والعدالة ، وتدحــــرج الرؤوس بشفرة المقصلة كثمنٍ غالٍ ... بدأ العالم يفكر في هذا الممنوع عليهم والقيود التي تقف حائلة عن ممارسة إنسانيتهم ..ولما كان المثقف دائماً في خط الهجوم الأول ، والذي لم يجد وسيلة لكسر قيود السلطتين الدينية والسياسية ، سوى اللجوء إلى المدرسة الرمزية عبر عوالــــــم الإبداع الثقافي من شعر ورواية وقصة ومسرح والتي كانت ولم تزل تعبر عن كوامن القهر عبر زمن مجدب ورقابة قاسية على الكلمة ، وكان من السهل على الكاتب الروائي أن يلف ويدور بحرية وليونة وفي مجال واسع لدبلجة أفكاره مرمزة وإرســـالها إلى المتلقي دون أن يقع في مصيدة السلطة ، وكذلك المسرحي كـــــــان لديه من الحرية الحيز الرحب ليبدع في الترميز حتىّ وهو يؤدي مشهداً صامتاً .. إلا أن ذلك السهل على الروائي والمسرحي كان صعباً على القاص فميدان ابداعه ضيق جداً ولا يساعد على المناورة والإفلات ، إلا لمن تسلح بموهبة متفوقة ، واستطاع كثير من كتاب القصة القصيرة استخدام الرمز وبتقنية عالية ، وأفلتوا من مقص الرقابة وسطوته وأما الشاعر ذلك البطل الأسطوري حذا حذو الآخرين ، وأول مافعله انفلاته من القافــــــية المقيدة والفاضحة لأفكاره ، وثار على القديم وحرّر الشعر من قيود الوزن الواحد للقصيدة ، ومحرراً أفكاره في ذات الوقت من قيود السلطة .. وافتعل الشعر الحر والنثر وشعر التفعيلة وغير التفعيلة ، ونجح في البداية ، ولكن الانطلاق السريع وعبر كسر القواعد المنظــــــمة لإبداعية الشعر ، أدى إلى انفلاته وكثرة مدعيه ، وراح كل من يرصف كلمات جميلة يسمي نفسه شاعراً ويصدر ديواناً ودواوين ... ويحضرني قول للشـــــــــــــــــاعر الروسي أندريه فوزيستسكي : ان النثر دائماً يتسم بشاعريته ، حتى أنه لم يعد هناك فرق بين النثر والشـــعر ،انني أعتقد أن القرن الواحد والعشرين سيقضي على الشعر ، وسيحدث اندماج بين مختلف أنواع الأدب والفن وسرت جائحة الانفلات الرمزي إلى الرواية أيضاً ، وصارت الرواية مجرد كلمات تملأ الصفحات، وأحداث لارابط بينها ، تحاول أن تفهم مايريده الروائي ، وتخرج بنتيجة ،أن الراوي ذاته لايعرف مايريد .. ! انطلاقات كلامية عبر محطات متنوعة ، فنتازيا مبــــهمة لاتجمع بينها إلا كلمة روايه ...؟ والمسرح لم يكن أحسن حالاً ، لقد استغرق الرمز المضمون واكتفى بالشكل إلى لوحـــــات استعراضية وألوان وأقنعة ومربعات ومكعبات وأشكال هندسية متنوعة وموسيقى صاخــــبة ورشق ألوان المصابيح الكهربائية ، وإبهار لمجرد الإبهار ، ولهاث متقطع ولكن دون نتيجة .. لن نفهم شيئاً ، والذي يزيد الطين بلّة غلبة الحوار العامي على معظم الأعمــال والتي تبث تلفزيونياً عبر المؤسسة الاعلامية ... أما القصة القصيرة ، تزحلقت وتقطّعت وحُجّمتْ مع قصرها إلى قزم قصير جـــــداً ، أيضاً لهاث متقطع كمن يصعد درجاً ، يفحُّ وأنفاسه تتلاحق ، وقلبه ينبض بشدّة ، ليخرج بجملة أو جملتين أو عدة أسطر ليلدَ مسخاً لاروح فيه وكلمات بلا معنى ، وبلغ التشويه في هذا الجنس الأدبي القصة القصيرة إلى حدّ صعوبة إيجاد تعريف له .. مجرّد صفـــــحات تُملأ بفواصل مرّقمة أو بمحطات انطلاقية ، تحاول أيضاً أن تفهم شيئاً .. انها مرحلة العـــــــجز الإبداعي الإنحطاطي ...! قد يكون ذلك مما توقعه الشاعر الروسي أندريه ....؟ ان الكتّاب الأوائل كانوا يقرؤون ويطالعون كثيراً ، والمطالعة تولد الحلم والحلم يولد الإبداع ، وكتّاب اليوم يلتصقون بالمرئيات الفضائية كأصنام ، يتلقون المستورد من الأفكــار الهجينة والمعدّة والمدروسة مسبقاً ، وقد صُلِبَت أعينهم وتجمدّت عقولهم ومات الحلم فيهم وكــــــذلك الإبداع ، فقيود السلطة انقلبت من مادية إلى مرئية ، وسحر الرمز وجماليته تبخر مع تلاشي الحلم ...؟ وأقتطع جزءاً من مقال للدكتور سليمان العسكري وعنوانه – الترجمة وتفاعل الثقافات عبور على جسور حضارية – ثمّة أمر بديهي آخر في مسألة( الثقافة غير المفهومة)فالخيال الغربي ، بكل أطيافه مدين لأجنحة الخيال الشرقي عموماً، والعربي منه على وجه الخصوص ، والمثال الأوضح هو ألف ليلة وليله التي تشيع في الغرب تحت مسمى ( الليالي العربية) ..... فإذا كان لعمل فنّي يضج باللمسات الإبداعية العربية كل هذا التأثير في المخيلة والإبـــــداع الغربيين ، فكيف تكون الثقافة العربية – وإبداع المخيلة العربية في قلبها .. وبالنتيجة أقول هل مات الحلم والخيال فينا وصار حكراً على الغربيين .. أم ان مناخ الحرية السائد عندهم وغياب قيود السلطة هو الذي أحيا الحلم فيهم ... !؟
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة والمثقف بين الجانبين المادي والروحي
المزيد.....
-
دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازون
-
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
-
انقسام في الكونغرس بعد أول إفادة بشأن ضرب إيران
-
البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
-
اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا
...
-
بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا
...
-
الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا
...
-
كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
-
-نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض
...
-
البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|