أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - البحر الاسود... بحيرة داخلية روسية!















المزيد.....

البحر الاسود... بحيرة داخلية روسية!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6102 - 2019 / 1 / 2 - 15:55
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


إعداد: جورج حداد*

منذ القرون القديمة كان البحر الاسود يمثل بقعة توتر دولي حيث كانت تلتقي فوق مياهه الدافئة حدود ومصالح ومطامح ثلاث كتل دولية هي: الامبراطورية الروسية (المسيحية الاورثوذوكسية)، والامبراطورية التركية (الاسلامية العثمانية)، واوروبا الغربية (المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية). ودام هذا الوضع طوال مرحلة القرون الوسطى حتى انهيار السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى. وخلال تلك المرحلة اندلعت حروب قاسية فوق مياه البحر الاسود بين الامبراطورية العثمانية (واتباعها التتار والشركس) وبين الامبراطورية الروسية. وكانت الدول الغربية تتدخل دائما لانقاذ الامبراطورية العثمانية من الهزيمة التامة. ومع ذلك استطاع الروس استعادة قسم كبير من الاراضي التاريخية التي سبق للعثمانيين (والتتار والشركس) ان استولوا عليها في شرقي وجنوبي البحر الاسود، ولا سيما شبه جزيرة القرم واقليم ومدينة سوتشي. وكان بامكان الروس ان يحرروا اسطنبول (القسطنطينية) وازمير (سميرنا) من قبضة العثمانيين وان يعيدوهما الى اصحابهما التاريخيين الشرعيين: اليونانيين. ولكن الدول الغربية حالت دون ذلك حتى لا يطل الروس على البحر الابيض المتوسط.
وخلال المرحلة السوفياتية كان البحر الاسود يمثل نقطة رئيسية للمواجهة الجيوستراتيجية بين حلف الناتو (ممثلا بتركيا) والكتلة السوفياتية التي كانت تضم روسيا و(باستثناء تركيا) جميع الدول المشاطئة للبحر الاسود التي كانت تنتمي الى الاتحاد السوفياتي (جورجيا واوكرانيا) او تدور في الفلك السوفياتي (رومانيا وبلغاريا).
وبعد انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي نشأ وضع جديد تحول فيه البحر الاسود الى رقعة مواجهة بين ثلاث قوى كبرى:
ـ1ـ روسيا القومية ـ الاورثوذوكسية الصاعدة بزعامة فلاديمير بوتين.
ـ2ـ حلف الناتو (بزعامة اميركا) ممثلا برومانيا وبلغاريا (العضوين في الحلف) واوكرانيا وجورجيا (التابعتين للحلف).
ـ3ـ تركيا التي يئست من امكانية ضمها الى الاتحاد الاوروبي واندماجها باوروبا، مما زعزع عضويتها في حلف الناتو.
وخلال هذه المرحلة اخذت تظهر اكثر فأكثر رغبة تركيا في انتهاج سياسة اكثر استقلالية عن الكتلة الناتوية بقيادة اميركا، ولو عن طريق التقارب البراغماتي مع روسيا. ولكن رجب طيب اردوغان ذهب بعيدا ورفع شعار "يجب ان نستعيد اراضي اجدادنا العثمانيين"، وظهرت علامات صارخة تدل على توجه تركيا فعلا نحو اعادة بعث سلطنة عثمانية جديدة، بالتعاون مع الجيش الاسلاموي الارهابي العالمي الذي احتضنته، وذلك على حساب البلدان العربية، والمناطق الاسلامية داخل روسيا الفيديرالية (الشيشان وداغستان)، ومن ثم الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة. وقد ردت روسيا بحزم على هذا التوجه التركي: اولا، قامت القوات الروسية بسحق النزعة الانفصالية في الشيشان وداغستان بلا رحمة، وبترت تماما اليد التركية التي امتدت الى روسيا. وثانيا، طلبت الحكومة الشرعية السورية من روسيا المساعدة في رد الهجوم الارهابي العالمي ضد سوريا، فتدخل الطيران الروسي وسحق سحقا جحافل الارهابيين وطارد فلولهم الى الحدود التركية.
ولكن في الوقت نفسه فإن روسيا لم تصعّد الدعاية والخطاب السياسيين المعاديين لتركيا، بل على العكس انتهجت سياسة "احتواء" تركيا من ضمن الجيوبوليتيكا العامة لروسيا الداعية الى التقارب والتعاون والصداقة مع العالم العربي والاسلامي، بصرف النظر عن الاختلافات السياسية والايديولوجية والدينية وجراحات الماضي. وهكذا تجاوزت روسيا كل العقبات ومدت يد الصداقة نحو تركيا ودعتها الى اقامة علاقات حسن الجوار والتعاون، ومدت نحوها انبوب الغاز المسمى "السيل الازرق" لتلبية قسم كبير من حاجة تركيا الى الغاز الروسي الرخيص، كما دعتها الى تطوير السياحة والتجارة بين البلدين، وعرضت انشاء محطة كهرونووية لانتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة لتركيا، كما عرضت بيعها منظومة S-400 الشهيرة لتدعيم الدفاع الجوي التركي، بالرغم من عضوية تركيا في حلف الناتو المعادي لروسيا. ولكن قمة العروض الروسية لتركيا فكان عرض انشاء انبوب الغاز المسمى "السيل التركي" الذي يخرج من الاراضي الروسية ويعبر اعماق البحر الاسود ويجتاز الاراضي التركية حتى اليونان. وسيكون هذا الانبوب مزدوجا اي ذا انبوبين، الاول لتلبية الحاجات التركية، والثاني يعبر الاراضي التركية ترانزيت لتوزيع الغاز الروسي الرخيص في مختلف بلدان اوروبا الشرقية والجنوبية والوسطى بما في ذلك ايطاليا والنمسا. وطبعا ان تركيا ستتقاضى رسوم الترانزيت عن الغاز المار في اراضيها، بالاضافة الى الحصول على اسعار غاز مخفضة بصورة تفضيلية. وهذا كله سيعزز الاقتصاد التركي بصورة لا مثيل لها في السابق، في الوقت الذي تعاني فيه الدول الاوروبية الازمات. والاهم من ذلك انه سيعزز المكانة الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية لتركيا امام جميع دول العالم ولا سيما الدول الاوروبية التي ترددت اكثر من خمسين سنة في ضم تركيا الى عضوية الاتحاد الاوروبي. هذا وقد اعلن الرئيسان بوتين واردوغان ان مشروع "السيل التركي" سيكتمل انجازه في نهاية 2019 ويبدأ العمل في مطلع 2020. انطلاقا من هذه الوقائع الملموسة صار من مصلحة ثاني اكبر قوة بحرية في البحر الاسود (بعد روسيا) اي تركيا صار من مصلحتها ان تمسك روسيا زمام الامن في البحر الاسود، بل وان من مصلحة تركيا ان تساعد روسيا في ذلك بالررغم من عدم رضا اميركا والناتو على ذلك. كما صار ايضا من مصلحة الدول الاوروبية المستوردة للغاز الروسي عبر انبوب "السيل التركي" ان تمسك روسيا امن البحر الاسود وامن انبوب الغاز العابر فيه ولو كان بعض تلك الدول عضوا في حلف الناتو المعادي لروسيا.
هذا احد العوامل الرئيسية المقررة للستراتيجية الروسية في البحر الاسود. والعامل الرئيسي الثاني هو الدفاع عن شبه جزيرة القرم والسواحل الروسية على البحر الاسود. ونتوقف باختصار عند هذه النقطة:
في القرون الماضية قدم الروس دماء غزيرة لتحرير شبه جزيرة القرم والسواحل الجنوبية الروسية من العثمانيين واتباعهم التتار والشركس.
ولكن في منتصف القرن الماضي (1954) قدم خروشوف شبه جزيرة القرم "هدية" لاوكرانيا. وطوال المرحلة السابقة حتى سنة 2014 لم تصبح شبه جزيرة القرم اوكرانية سكانيا وظلت الاكثرية السكانية من الروس.
وفي شباط 2014، وبتحريض وتمويل ودعم من اميركا، وقع الانقلاب الفاشستي المعادي للروس وروسيا في اوكرانيا وصار المواطنون الروس يقتلون في الشوارع بعصي البيسبول الغليظة. فردت روسيا على هذا الاستفزاز الفظيع بأن عمدت الى استعادة شبه جزيرة القرم بطريقة شرعية وبعد اجراء استفتاء شعبي للسكان. والان فإن القيادة الروسية ومعها كل الشعب الروسي تحرص على تطوير شبه جزيرة القرم وحماية امنها. ولهذه الغاية قامت روسيا ببناء جسر مضيق كيرتش الذي يربط الساحل القاري الروسي بشبه جزيرة القرم من اجل الاستغناء عن الممر الارضي الاوكراني الى شبه الجزيرة. وبذلك تم عمليا اغلاق بحر آزوف وتحويله الى بحيرة روسية الخروج والدخول منها واليها يتم بتصريح من السلطات الروسية. وطبعا بدأت روسيا تتصرف على اساس ان القرم ارض تخضع للسيادة الروسية بصرف النظر عمن يعترف او لا يعترف بذلك. وللدفاع عن القرم حشدت روسيا الجيوش والطائرات والغواصات والسفن الحربية للوقوف بوجه اي عدوان محتمل. وتقوم السفن الحربية الروسية بتطويق ومراقبة جميع الموانئ على ساحل البحر الاسود في جورجيا واوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وتتابع كالظل كل سفينة مدنية او حربية تدخل او تخرج من تلك الموانئ. وفي الصيف الماضي دخلت سفينة حربية اميركية في المياه الاقليمية للقرم معتبرة اياها مياها اوكرانية، ولكن السفن والغواصات والطائرات الحربية الروسية طوقتها وانذرتها بالانسحاب فانسحبت بهدوء دون صدور حتى احتجاج كلامي من البحرية الحربية الاميركية. اما في المياه الدولية في البحر الاسود فإن الغواصات والسفن والطائرات الحربية الروسية تقوم بشكل دائم بمناورات استثنائية غير مبرمجة تستخدم احيانا الذخيرة الحية، ويتم اعلام الملاحة البحرية والجوية الاجنبية الحربية والمدنية بعدم استعمال مياه البحر الاسود ومجاله الجوي اثناء المناورات. وهذا سيؤدي بالتدريج الى موت الملاحة التجارية والسياحية في البلدان المشاطئة للبحر الاسود غير روسيا وتركيا. اما عسكريا فإن حلف الناتو واميركا أخذا يتجنبان كليا ارسال السفن والاحتكاك بروسيا في البحر الاسود. ومؤخرا كانت حاملة الطائرات الاميركية هاري ترومان ترابض في بحر ايجه (قريبا جدا من البحر الاسود كمدى عمليات). وحينما علمت بالتنبيهات الروسية بخصوص المناورات الاستثنائية في البحر الاسود انسحبت الى نابولي في ايطاليا، كإشارة حسن نية بأنه لا معنى لنشوء توتر ومواجهة مع روسيا من اجل سلة سمك من البحر الاسود توضع على مائدة ترامب او صهره اليهودي كوشنير.
ويقول بعض الخبراء انه اذا بقي الحال على هذا المنوال، وبعد نهاية العمل الانشائي في مشروع "السيل التركي" وبداية عمله التجاري، لن يعود بعيدا اليوم الذي تجلس فيه الدولتان الكبيرتان (روسيا وتركيا) الى طاولة المفاوضات للبحث في جميع الاتفاقات الدولية المتعلقة بالملاحة في مضائق البوسفور والدردنيل والبحر الاسود ووضع الاسس الاولية لصياغة اتفاقات دولية جديدة تأخذ في الاعتبار اولا المصالح العليا لروسيا وتركيا، ومن ثم الدعوة لعقد مؤتمر عالمي لهذه الغاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوروبا تدخل في دورة للزلازل الاجتماعية
- التنظيم والممارسة الثورية
- روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا
- ما العمل؟
- اميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية
- من ارسل فرج الله الحلو للموت؟ ومن قتله؟ ولماذا؟
- الاقتصاد العالمي يتراجع بسبب الحرب التجارية
- الحكومة الاوكرانية تغامر باستفزاز روسيا
- صربيا وكوسوفو: النار تحت الرماد
- لنتحدّد قبل ام نتوحّد!
- حول مفهوم الطليعة (الجزء الثاني)
- انحدار الاقتصاد الاوروبي
- برغم المدفوعات الهائلة للحروب اميركا تفقد تفوقها
- العقوبات ضد روسيا تأتي بنتائج عكسية
- الانتخابات النصفية تعمق الانقسامات في اميركا
- تفعيل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا وكوبا
- الاقتصاد الاوروبي يتأخر بفعل العقوبات الاميركية ضد روسيا وال ...
- دبلوماسية الغاز: انابيبب الغاز الروسي ستشمل قريبا كل اوروبا
- الاتحاد الاوروبي يتضرر من العقوبات الاميركية ضد روسيا
- بعد نجاح تجربة سوريا... هل تتدخل روسيا عسكريا في ليبيا؟


المزيد.....




- هكذا أنشأ رجل -أرض العجائب- سرًا في شقة مستأجرة ببريطانيا
- السعودية.. جماجم وعظام تكشف أدلة على الاستيطان البشري في كهف ...
- منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي محذرًا: الشرق الأوسط ...
- حزب المحافظين الحاكم يفوز في انتخابات كرواتيا ـ ولكن...
- ألمانيا - القبض على شخصين يشتبه في تجسسهما لصالح روسيا
- اكتشاف في الحبل الشوكي يقربنا من علاج تلف الجهاز العصبي
- الأمن الروسي يصادر أكثر من 300 ألف شريحة هاتفية أعدت لأغراض ...
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب -نشاطات تخري ...
- حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره ويستهدف مواقع للاحتلال
- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.. من التعاون أيام الشاه إلى ا ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - البحر الاسود... بحيرة داخلية روسية!