أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - جورج حداد - التنظيم والممارسة الثورية















المزيد.....


التنظيم والممارسة الثورية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6091 - 2018 / 12 / 22 - 12:26
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    



من الشائع القول إن اصعب خطوة هي الخطوة الاولى. ومع الاعتراف بصحة هذه المقولة، بصورة عامة، فهي ليست دقيقة تماما، ولا يمكن الاخذ بها بحرفيتها، في العمل الثوري شديد التعقيد. فإذا لم يجر إعداد النفس إعدادا كافيا للخطوة المطلوبة، واذا لم تؤخذ بالاعتبار، الظروف المحيطة والقوى الموجودة على المسرح جميعا، لما أمكن حفظ التوازن، فوق ارض النضال المتحركة، بقوة مدوخة، ولكانت الخطوة الاولى زلة قاضية، او كانت ـ في أحسن احتمال ـ الخطوة الاخيرة بالنسبة للقائمين بها.
من هنا ان ما هو اصعب من الخطوة الاولى هو التهيئة والاستعداد لها.
في مثل هذه المرحلة توجد، في الوقت الحاضر، الحركة الثورية الحقيقية في بلدنا. فالخامس من حزيران، وضع حدا فاصلا لهيمنة الاتجاه الانتهازي الاصلاحي الليبيرالي، المساوم مع الرجعية، والمهادن عمليا للاستعمار واسرائيل. وقد بدأت مختلف الجماعات اليسارية تفتش عن طريق جديد، حقيقي. والملاحظ ان ما يوحد هذه الجماعات ـ دون ان تكون موحدة تنظيميا، او في عدد من المنطلقات الايديولوجية والتصورات السياسية، الرئيسية ـ هو الاستنتاج المشترك، بضرورة وحتمية مجابهة اعداء الوطن الخارجيين والداخليين، بقوة السلاح، وانه لا طريق غير طريق الثورة الشعبية المسلحة، لتحقيق التحرر الوطني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من ربقة الامبريالية والصهيونية والرجعية العميلة.
التحول من "سلاح النقد" الى "نقد السلاح" ـ هذه هي، على وجه التحديد، عملية المخاض الجديد التي تمر بها الفئات والعناصر الثورية الحقيقية في لبنان، وهي العملية التي اعطت اشارة البدء فيها، الهجمة الضارية التي تعرض لها الوطن العربي في "حزيران".
والواقع انه قبل "حزيران"، وفي لبنان بالذات، كان يوجد من يدعو الى اعتماد طريق الثورة المسلحة، كخط حتمي للتنظيم الثوري. ولكن هذا الاستشفاف الواعي، من خلال الواقع ذاته، لما يجب ان تكون عليه الحركة الثورية الحقيقية، بقي معزولا، ولم يلق استجابة كافية ـ لا بل لقي الصدود وحتى السخرية ـ من قبل الاغلبية الكبرى من اليسار. كما ان العناصر الداعية الى الكفاح المسلح ـ قبل "حزيران" ـ اكتفت بالتبشير بالفكرة، بصورة مجردة، ولم تبذل محاولات جدية لتجسيدها في خط سياسي نضالي محدد. ومع ادراكنا لروح الثقة العميقة بالجماهير الشعبية، التي تكمن في قول غيفارا "القيام بالثورة هو واجب كل ثوري"، فربما وجدنا لتلك العناصر عذرا، في قلتها وعدم تمرسها النضالي الكافي.
ونحن اذ نسجل هذه الحقيقة، فليس بغير مناسبة، وليس لاظهار تفوق او تقدم بعضهم على الآخرين. كلا ابدا. فالنضال الثوري هو على درجة من الضراوة والتعقيد، انه لا يحتمل اي نوع من المفاخرات الفارغة والجعجعة. ونحن نعلم، بالتجربة، ان رفع الشعارات الصحيحة وحده لا يكفي. فإذا لم يقترن الشعار بالتجسيد الفعلي، وكان رافعه حركة او حزبا او سلطة، فيكون رفع الشعار الصحيح بمثابة ستر للعجز، وفي مطلق الاحوال، تفشيلا او تسخيفا للشعار المرفوع.
انما الذي نريد تأكيده، بشدة، فهو ان العفوية والانجرار وراء الاحداث، هما اللذان يغلبان على الحركة الثورية ككل، وليس عنصر الوعي والتنبؤ العلمي واستباق الاحداث وصنعها. فخط الكفاح المسلح لم يصبح مفهوما و"مقبولا" و"شعبيا"، الا بعد درس فظيع كدرس "حزيران". ولو ان القوى الوطنية والتقدمية كانت تفهم بالفعل، معنى ما تردده هي ذاتها عن الصهيونية والامبريالية، منذ اكثر من عشرين سنة، ولو ان هذه القوى كانت تأخذ بالفعل، بالعبر القاسية من احتلال لبنان والاردن في 1958، ومن الحروب والاحداث في السويس والفيتنام والكونغو واندونيسيا وغيرها، لما تمكن اللص المسلح ان يجوس في الدار، و"الحارس" نائم، ليس فيه ما يدل على الحياة، سوى شخيره العالي.
فهل ان اتساع "شعبية" خط الكفاح المسلح يعني ان القوى الثورية الحقيقية، التي صارت تتبناه، قد انتقلت من حالة نوعية، الى حالة نوعية اخرى، اي تجاوزت العفوية والتجرجر وراء الاحداث والافتجاع بها، الى الوعي والمبادرة والفعل الايجابي؟
مهما كان الجواب صادما للبعض، فتلك هي الحقيقة: كلا!
ان القوى الثورية عندنا لم تخرج بعد من مرحلة الذيلية العفوية. واتساع "شعبية" الكفاح المسلح ليس اكثر من زيادة في اعداد "الموافقين" و"المؤيدين" و"المحبذين" الخ... وهذه الزيادة هي بالطبع ضرورية، وتتيح امكانية اكبر للتحرك الفعلي. ولكن شتان بين الموافقة والتطبيق، بين التجريد والتجسيد، بين التحبيذ والتنفيذ، بين الاحتمال المعلق في الهواء وبالاهواء، وبين الكينونة والفعل الحقيقيين.
في كلام له عن ثورة 1905 في روسيا، يقول لينين ان الجماهير تعلمت في بضعة ايام، ما لا تتعلمه في سنوات من الحياة العادية. والتحرك الجماهيري، الذي شهدناه في "حزيران" وبعده، دليل اخر على عمق مقولة زعيم الثورة الروسية. ولكن الوعي الثوري الجماهيري يمكن تشبيهه بالطاقة البخارية، التي اذا كانت طليقة و"مفلوشة" وغير منضبطة فهي لا تفعل سوى رفع حرارة الجو، وتعطيل الرؤية الحسنة. اما اذا ضبطت بصورة علمية موجهة، فإنها كفيلة بتسيير جميع قطارات العالم...
وانتشار فكرة الكفاح المسلح، هو احد البراهين، او البرهان الرئيسي، على ارتفاع مستوى الوعي والاستعداد الثوريين، لدى الجماهير التي اكتوت بنار النكسة. ولكن السؤال المركزي ـ الذي سيبقى الوعي الجماهيري طاقة كامنة غير مستغلة، حتى الاجابة "العملية" عليه ـ هو: ماذا تعلمت القوى والعناصر الثورية الموجِّهة والمنظِّمة من تجربة "حزيران" المرة؟
لقد مضى زمن طويل ـ بقياس زمن الحرب عامة، والحروب الثورية خاصة، مثلما هي الحرب العربية حالياـ على "الايام الستة" السود، التي يمكن وصفها، دونما مبالغة، بأنها الصاعق الذي سيفجر او هو فجر الاصطدام الكبير الشامل، المفتوح والنهائي، بين الامة العربية التقدمية قاطبة، وبين الامبريالية ونابها الشيطاني، الصهيونية، وذنبها الحقير: الرجعية الخائنة. والاحداث تتوالى بسرعة وعنف من حولنا. واسرائيل توجه ضرباتها الغادرة المتتالية. والرجعية تتحرك. والامبريالية تشدد قبضتها على بلدنا. النار حولنا، وسيف ديموقليط مسلط فوق رؤوسنا، ومع ذلك: كل شيء هادئ و"مستقر" على "الجبهة" اللبنانية.
حوار برج بابل
اجل، ومهما كان الاعتراف بذلك مؤلما: ان القوى والعناصر الثورية اللبنانية لم تستطع الى الان ان تخترق "الباب المرصود"، كيما تسهم بقسطها في المعركة، معركتها الخاصة، ومعركة العرب اجمعين. وكيما نكون منصفين، علينا ان نعترف بأن هذه القوى لم تلبث جامدة كليا، بل اخذت بعد "حزيران" تدور كل منها حول نفسها، وبعضها حول بعض، في دوامة لم تهتد بعد الى الخروج منها، اذ انفتح بحدة الحوار الحائر، حول مسالة أيهما قبل؟ ايهما اولا: التنظيم الثوري؟ ام الممارسة الثورية؟
ومجرد انفتاح هذا الحوار، هو ادانة ضمنية للتنظيمات القائمة، ولاشكال النضال السائدة، على السواء. ولكن ذلك لا يعني البتة ان الحوار بحد ذاته، اي المسألة التي يدور حولها، هو حوار حقيقي، وقائم على ارض صحيحة. انه نوع من الضياع الغيبي، انه حوار ميتافبزبقي، ينظر الى الواقع بحالة جمود وانفصال، انه هو نفسه يعاني الجمود والانفصال عن الواقع. ولئن كانت مسألة الحوار جديدة على القائمين به، فهي ليست جديدة على الحركة الثورية العالمية. وكيما نجاري ـ بقصد التفاهم المتبادل ليس الا ـ بعض اطراف الحوار، الذين لهم ولع خاص "بالفلسفة" على الغير، نقول ان هذه المسألة هي نسخة خاصة من المسألة الفلسفية القديمة، قدم الوعي الفلسفي، مسألة الخلق او الكينونة: ايهما اولا: المادة، ام الحركة؟
وحتى في الفكر الشعبي العامي، الغريب عن بعض "الاساتذة"، نجد تصويرا فكها، ولكنه طريف وذكي، للمسألة اياها، في "حزورة": أيهما اولا، الدجاجة (الكائن)، ام البيضة (الصيرورة)؟
على ان هذه المسألة قد حلها العلم، واعطت التجربة الجواب عنها، منذ زمن بعيد. فالمادة لا توجد من غير الحركة، وهي تنمو وتتطور وتتحول، مع الحركة وبها. والحركة هي جوهر المادة، وهي حركة ذاتية، تنشأ من التفاعل، الداخلي والخارجي، لخصائص المادة. وحتى ابسط اشكال الحركة (كالحركة الميكانيكية والحركة الفيزيائية) تجعلنا نتأكد من صحة هذا الجواب العلمي المجرب. فالارض هي ما هي، لانها تدور دورتيها، فإذا توقفت اضمحلت. وهي تتغير ، لانها تدور. وكل دورة لها، هي مختلفة عن الدورة السابقة والدورة اللاحقة، لانها ـ الارض ـ تتغير مع كل دورة، فلا تبقى هي ما كانت، الا بما هي كائنة وتكون.
ربما هذه ألفباء، في النظرة العلمانية الى الكون، ومن غير الواقعبة الثورية في شيء، القول ان هذه النظرة هي وقف على الماركسية. فالفكر البورجوازي، ايضا، يتبناها، انما في حدود: الطبيعة، وفي حدود الانسان كظاهرة "طبيعية". على ان هذا الفكر "يعجز" عن ان يمد هذه النظرة لتشمل المجتمع، والانسان كظاهرة اجتماعية. وظهر هذا العجز سابقا في "كبوة" الفيلسوف فويرباخ، حينما اراد اجتياز عتبة المجتمع. ويظهر حديثا في كل مستحدثات ما ـ دون ـ الماركسية، وما ـ فوق ـ الماركسية، كالنظريات الجنسية والوجودية والبسيكولوجية، التي لا تستطيع النظر الى الانسان، الا كحيوان أليف، بحاجة الى تحريره من غرائزه، وبحاجة الى "تنوير" اعتباطيته.
ونكاد نستغني عن القول ان الكثيرين من الوافدين الجدد على الماركسية، لم ينهضوا بعد من "كبوة فويرباخ"، ولا زالوا اسرى حبائل الشكليات العقيمة، بالنسبة لثوري حقيقي، الناتجة عن الفرق بين الحركة الطبيعية والحركة الاجتماعية. وهذا ما تبرهن عنه مواقفهم المثالية، والميتافيزيقية، من المسألة التي يدور حولها الحوار، الذي يصبح حوارا حائرا ومحيرا معا، في صفوف القوى والعناصر الثورية عندنا.
ولكننا في أمس الحاجة لان نقول ان ألفباء النظرة العلمية الثورية للكون، هي انه لا توجد قوانين كونية خاصة للطبيعة، واخرى للمجتمع. والخصوصية هي فقط في شكل وطريقة تحقق هذه القوانين الكونية، وهو التحقق الذي يصبح تحقيقا، في المجتمع، نسبة لخاصة الوعي التي يتفرد بها الانسان.
فما دامت مسألة العلاقة بين المادة (الكتلة) والحركة، متلازمة في الطبيعة، فالشيء ذاته يصح ـ من حيث الاساس ـ في المجتمع. فلا توجد مؤسسة من دون مبرر وجودها، اي العمل الذي تقوم به، والذي توجد به وله.
وفي السؤال المطروح: أيهما اولا، التنظيم ام الممارسة الثورية، من العبث ان ينتظر البعض الجواب الذي يرغبون به، عن أسبقية ما غير واقعية. فالتنظيم الثوري، هو كيان الممارسة الثورية. والممارسة الثورية هي كينونة التنظيم الثوري.
والكيان والكينونة هنا، ليسا مظهرين خارجيين منفصلين، لفعل "كان"، وهو ما يصطلح لغويا على تسميته "الفعل الناقص"، الملازم للتعريف عن حالة عارضة، او فعل طارئ، لشيء او لكائن، موجود قبل الحالة والفعل بذاتهما، بل هما الوجود بذاته: الكتلة والحركة والعلاقة الوجودية بينهما.
فكما ان الممارسة الثورية ليست شيئا مجردا، يمكن تصوره من دون التنظيم القائم بها... كذلك فإن اي تنظيم لا يعيش الممارسة الثورية ويعايشها، يمكن اعتباره اي شيء: شلة، حلقة، نادي مناقشة، مستنقع فكري... وانما ليس تنظيما ثوريا.
ان النضال والممارسة الثورية ـ اي الصراع الاجتماعي، الطبقي والوطني ـ ليس اختراعا من احد، ولا هو قضية مزاج فردي، بل هو حقيقة موضوعية، خارجة عن ارادة الفرد الواحد، وتنم عن تناقض مصالح الجماهير الشعبية مع مصالح مستعبديها. ولذا، فهو يتحتم ان يكون نضالا جماعيا، منسقا وهادفا، اي: نضالا منظما. فالتنظيم هو اداة ووسيلة النضال الثوري، وهو طريقة فعله، ومظهر وجوده.
والاعمال "الثورية" الفردية غير المنظمة، تضر في اغلب الاحيان، بالنضال الثوري الحقيقي،، لانها نادرا ما تتوافق، بأسلوبها او بتوقيتها، مع الضرورة العامة للثورة. وحتى ولو كانت هذه الاعمال تصب في الاتجاه الصحيح، الذي تتطلبه الحالة المعينة، في المرحلة المعينة، فإنها ـ ومهما كثر عددها في وقت واحد ـ تزعج العدو مجرد ازعاج، وسرعان ما يستطيع التغلب عليها، فلا تتمكن من الوصول الى اية نتيجة بارزة ملموسة، بسبب تبعثرها، وعدم وجود رابط عملي هادف فيما بينها. وهكذا، فإن الاعمال الفردية صحيحة التصويب، لا تأخذ معناها الحقيقي، الا في حال وجود التنظيم الثوري الذي يجمعها، حيث تصبح حينذاك نوعا من الروافد الصغيرة له. واذا كان من غير المحتم انضمام جميع المناضلين، بصورة آلية، الى هيكلية التنظيم، فإن من الضروري ان يكون التنظيم: القطب والمحرك والموجه والمرجع، لجميع النضالات الجارية.
المحتوى الحقيقي للحوار
قلنا ان الحوار القائم غير حقيقي، ولكنه موجود، وقد يرى البعض في ذلك اختلاطا ما. الا اننا اذا استقبلنا الامور من وجوهها، لا من قفاها، لزال كل لبس. فاذا خطر لصياد ما ان يرمي شباكه على رؤوس الاشجار، مدعيا انه انما يريد ان يصطاد السمك، فمن غير المعقول ان نسمي ذلك صيدا حقيقيا، حتى ولو رأيناه بأم عيوننا.
وعلى هذا المثال، فمن الطريف جدا، ان جميع المتحاورين تقريبا هم منضوون في تنظيمات جديدة او قديمة، وبعضها شارف سن الشيخوخة. كما ان جميع الظروف الموضوعية للكفاح المسلح، السياسية وغير السياسية، متوفرة. وقد عبرت الجماهير عن ارادتها بحزم. واكثر: لقد بدأ الكفاح المسلح. فالمطلوب بعد الان البحث لا في الشروع او عدم الشروع به، بل المطلوب شيء واحد، وليس اي شيء آخر، وهو: دعم الكفاح المسلح، والمساهمة المباشرة فيه، بمختلف الاشكال. ولا نظن احدا يجرؤ على القول ان المعركة ضد اسرائيل ليست معركة لبنان ايضا.
هذي الشجرة... وهذي الفأس... فلماذا التقاعس عن الاحتطاب؟
ولنأخذ مثلا حسيا اكثر قربا من الافهام، حتى بالمسافة: في حين نصرف الجهد والوقت في الحوار العقيم، تقوم الرجعية، بشكل مخطط ومدروس، باضطهاد المنظمات الثورية الفلسطينية، ومحاولة قطع الطريق على اي عمل لبناني، من شأنه دعم المقاومة العربية الفعلية، مسدية بذلك خدمة مجانية او غير مجانية للعدو، بحجة حماية لبنان، وكأنما أمن لبنان هو رهن بصيانه اسرائيل من العطب، وبإطلاق يدها في العدوان، كيفما تشاء، وضد من تشاء، وكأنما امن لبنان رهن ايضا باستمرار اذلال الشعب اللبناني عن طريق تفزيعه باسرائيل، وبالاسطول السادس الاميركي، من قبل الاحتكارات الامبريالية والطغمة المالية "الوطنية!" المرتبطة بها.
فأي صوت ارتفع للدفاع عن اخوتنا الوطنيين الفلسطينيين، الذين كانوا اول ضحايا اسرائيل، والذين تحملوا عذابات التشريد ومهانة التحقير اللئيم، والذين يتصدون اليوم ببطولة، للوحش الامبريالي ـ الصهيوني، ويقدمون الحياة فداء، لا للارض المحتلة وحدها، الفلسطينية وغير الفلسطينية، بل وفداء لبنان وسوريا والاردن والعراق ومصر وكل الارض العربية المهددة، اما بالاحتلال، واما بأن ترضخ شعوبها باستخذاء امام السادة المستعمرين والصهاينة، وترضى حياة الاستغلال والعبودية؟!
وبالتحديد: ماذا فعلت تنظيمات (!!) المتحاورين، تجاه هذا الواقع الصارخ؟!
لا شيء! لا شيء! حتى الان!
فماذا يعني اذن ان يتقدم "تنظيم" و "ثوري" خطوة الى الامام، ليعلن بصوت جهوري، موافقته على الكفاح المسلح، مشترطا على الناس ان يفكوا اولا حزورة البيضة والدجاجة؟!
اي بيضة؟ واي دجاجة؟... تلك هي المسألة!
ان المغزى العميق للحوار ان التنظيمات القائمة ـ كما كانت، او كما هي الان ـ قد فوجئت بالمعركة، التي انفجرت في وجهها، دون ان تحسب لذلك حسابا. اذ كان في ظن بعضها ان المعركة مع الاستعمار واسرائيل هي مسألة المستقبل المطوي في الغيب، بينما كان بعضها الاخر يعتقد، ان انتظار المعركة مرادف لانتظار ما لا يأتي. فانصرف هؤلاء وأولئك، للنضال الليبيرالي الاصلاحي. وترهلت التنظيمات واعتادت الحياة اليومية، بل وغرقت الى حد كبير فيها، واصبحت مكشوفة، وبطيئة رد الفعل، وشبه عديمة المبادرة. وكل هذا، والعدو يدبر المؤامرات، ويشحذ السكين لجماهيرنا.
وعوض ان تعمد التنظيمات المعنية، او اكثرها جدارة على الاقل، الى استخلاص العبر والدروس اللازمة، وتتجه الى تجديد نفسها، عن طريق التطهر بنار المعركة، اخذت تستر عجزها متخبطة في التراجع، ومثيرة جوا من التشاؤم والبلبلة، النابعين من ذاتها، وليس من روحية الجماهير الثورية.
وهكذا تحكم هذه التنظيمات على تفسها بالسقوط ـ بصفتها تنظيمات ـ ونحن نرى بأم العين تخلخل انضباطها التنظيمي، وتهافت او تفكك وحدتها الشكلية، مما يفسح المجال "لاطلاق يد" العناصر الثورية الصلبة، داخل هذه التنظيمات وخارجها، نحو ايجاد تنظيم ثوري حقيقي جديد.
الخاصة الرئيسية للتنظيم الجديد
وهناك ملاحظة اساسية حاسمة، يتوقف على الاخذ او عدم الاخذ بها، فشل او نجاح اية محاولة للمساهمة في انشاء التنظيم الثوري الجديد:
ان هذا التنظيم هو "جديد" بمعنى انه خاص، آني ومشروط.
فهو، اولا، ليس جديدا بمعنى انه ينشأ في ارض خالية من "التنظيمات الثورية". بل هو ينبثق من بعض هذه التنظيمات، والى جانب بعضها، وعلى انقاض بعضها. ولهذا، فإذا لم يكن هناك ما يميزه نوعيا عن التنظيمات القائمة سابقا، فلن يخرج عن كونه اضافة عددية عادية، لا تكون فعلا اكثر من تكتل جديد، من جملة التكتلات التي تنشأ نتيجة تفسخ وتفتت التنظيمات الموجودة.
وهو، ثانيا، لن يكون جديدا على "الثورية"، من الناحية الايديولوجية، والنظرية، والشعارات الثورية، التي اصبحت "تتخم السوق"، الى درجة يتوجب معها ان يكون المرء خبيرا في الالوان والالحان، حتى يستطيع التمييز اي لحن وأي لون، عائد لأي تنظيم وأي تنظيم.
وواضح اننا لا نقصد مما تقدم التقليل من شأن مبدأ التنظيم، وضرورة الايديولوجية والستراتيجية الثوريتين. كلا!
وانما نقصد شيئا آخر، هو العكس تماما، وهو انه جرت وتجري الاساءة الى التنظيم الثوري، والى الايديولوجية الثورية، والى الستراتيجية الثورية ـ على ايدي اربابها بالذات ـ وذلك بتفريغ هذه المفاهيم من محتواها الحقيقي الوحيد، الا وهو: الممارسة الثورية الحقيقية.
اذن، فإن الخاصة الرئيسية التي سيمتاز بها التنظيم الثوري الجديد، والتي لا يوجد ولا يبرر وجوده ولا يكون جديدا، الا بها، فهي: الممارسة الثورية، اي تجسيد الايديولوجية الثورية في الحياة العملية، بالنضال من اجل تطبيق الستراتيجية الثورية!
واذن، فإن اي كان ـ فردا، او مجموعة او تنظيما قائما ـ لن يدخل التنظيم الجديد، الا من باب: الكفاح المسلح، الذي به تتحقق الثورة!



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا
- ما العمل؟
- اميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية
- من ارسل فرج الله الحلو للموت؟ ومن قتله؟ ولماذا؟
- الاقتصاد العالمي يتراجع بسبب الحرب التجارية
- الحكومة الاوكرانية تغامر باستفزاز روسيا
- صربيا وكوسوفو: النار تحت الرماد
- لنتحدّد قبل ام نتوحّد!
- حول مفهوم الطليعة (الجزء الثاني)
- انحدار الاقتصاد الاوروبي
- برغم المدفوعات الهائلة للحروب اميركا تفقد تفوقها
- العقوبات ضد روسيا تأتي بنتائج عكسية
- الانتخابات النصفية تعمق الانقسامات في اميركا
- تفعيل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا وكوبا
- الاقتصاد الاوروبي يتأخر بفعل العقوبات الاميركية ضد روسيا وال ...
- دبلوماسية الغاز: انابيبب الغاز الروسي ستشمل قريبا كل اوروبا
- الاتحاد الاوروبي يتضرر من العقوبات الاميركية ضد روسيا
- بعد نجاح تجربة سوريا... هل تتدخل روسيا عسكريا في ليبيا؟
- الحرب التجارية الاميركية ضد الصين ...الى الفشل
- العقوبات ضد ايران ستزعزع الدولار والنفوذ العالمي لاميركا


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - جورج حداد - التنظيم والممارسة الثورية