أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا















المزيد.....

روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6087 - 2018 / 12 / 18 - 11:33
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


إعداد: جورج حداد*


خلال الحقبة السوفياتية كانت جميع الدول المشاطئة للبحر الاسود، باستثناء تركيا، دولا "اشتراكية"، اي تقع ضمن منطقة النفوذ السوفياتية. وكانت تركيا هي الدولة الوحيدة العضو في حلف الناتو (المعادي لروسيا) والتي تملك ساحلا طويلا على البحر الاسود ومن ضمنه الموقع الستراتيجي ذو الاهمية الدولية المتمثل في مضائق البوسفور والدردنيل المطلة على بحر مرمرة وبحر ايجه ومن ثم الفضاء الواسع للبحر الابيض المتوسط الذي يربط بين اسيا وافريقيا واوروبا.
وبذلك كانت المواجهة الجيوستراتيجية الدولية "بسيطة" وخالية من التعقيد: روسيا ومعها جميع الدول المحيطة بالبحر الاسود من جهة، وتركيا وخلفها حلف الناتو بزعامة اميركا من جهة ثانية.
ولكن بعد تفكك المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي حصلت مختلف الجمهوريات على استقلالها، بما فيها الدول المحيطة بالبحر الاسود. واصبحت لكل دولة سياستها الخاصة. واصبح الوضع في البحر الاسود اكثر تعقيدا.
ولكن للاسف ان الكتلة الغربية، ممثلة بالاتحاد الاوروبي وحلف الناتو بزعامة اميركا، استغلت الانفتاح الدولي الذي طبع سياسة الدول المستقلة الجديدة ليس لاجل طي صفحة "الحرب الباردة" والتقارب والتعاون بين الشعوب، بل لاجل استمالة الدول المستقلة الجديدة للانضمام الى مخطط تطويق روسيا وعزلها واضعافها تمهيدا للانقضاض عليها وتمزيقها ونهب ثرواتها اللامتناهية اذا امكن ذلك.
ولكن روسيا لم تكن في كل تاريخها، ولن تكون طبعا الان الدولة التي يمكن ان تخضع لاي قوة معادية.
وللاسف مرة اخرى ان التنظيمات والتيارات الموالية للغرب والمتعاونة مع احفاد النازيين في اوكرانيا نجحوا بما يسمى "الثورة البرتقالية" في اوكرانيا سنة 2005. ومنذ ذلك الحين سلكت الحكومات اليمينية الاوكرانية سياسة معادية لروسيا. وفي الوقت الذي كانت فيه اوكرانيا تمثل حاجة قصوى لروسيا باعتبار ان اراضيها هي همزة الوصل بين روسيا واوروبا للتجارة عامة ولتمرير انابيب الغاز وتصدير الغاز الروسي الى اوروبا خاصة، اخذت اوكرانيا تعادي بدون سبب روسيا، وتسرق الغاز المار في اراضيها، وتتخلف عن دفع مستحقات الغاز الرخيص جدا الذي كانت تحصل عليه من روسيا منذ ايام الاتحاد السوفياتي. وفي الوقت ذاته انتهجت اوكرانيا سياسة تخويف روسيا بطلب الانضمام الى حلف الناتو ونشر الرادارات والصواريخ والقواعد العسكرية الغربية، البرية والجوية والبحرية، بالقرب من الحدود الروسية. واخيرا طفح الكيل. وفي سنة 2008 هددت روسيا بأنه في حال ضم اوكرانيا الى الناتو ونشر القواعد الناتوية قرب الحدود الروسية فإن روسيا سترد الصاع صاعين ليس للقواعد الناتوية في اوكرانيا فقط بل في جميع البلدان الناتوية وعلى رأسها اميركا. وحينذاك كف الناتو عن التصفيق لطلب انضمام اوكرانيا الى الحلف العدواني، وتحول النعيب الاوكراني الى نحيب. وفي شباط سنة 2009 سكّرت روسيا صنبور الغاز وقطعت الغاز عن اوكرانيا واوروبا بشكل تحذيري لمدة أسبوعين. وطلبت الكف عن سرقة غازها وطالبت الدول الاوروبية بتكفل دفع فاتورة الغاز الاوكرانية. ولم يعد ضخ الغاز من جديد الا بعد تنفيذ الشروط الروسية. ومن اجل التخلص جذريا من الابتزاز الاوكراني قررت روسيا الاستغناء عن الموقع الجغرافي الاوكراني كممر للغاز الروسي، وانشاء انابيب غاز قارية تلتف حول اوكرانيا للوصول الى اوروبا عبر بحر البلطيق في الشمال والبحر الاسود في الجنوب، وذلك بالرغم من التكلفة العالية جدا لهذا المشروع الضخم. وتم انشاء مشروع انبوب الغاز الذي سمي "السيل الشمالي" الذي وصل بين الاراضي الروسية وشمال المانيا عبر بحر البلطيق وهو يفي بالحاجات الالمانية الضخمة للغاز الروسي. وطرحت روسيا مشروع انشاء انبوب سمي "السيل الجنوبي" يعبر البحر الاسود الى بلغاريا ومنها كان سيتم التوزيع الى اوروبا الشرقية والوسطى والجنوبية. ولكن بلغاريا كانت قد انضمت الى حلف الناتو والاتحاد الاوروبي، وانتظرت الحصول على موافقتهما للتصديق على اتفاقيات مشروع "السيل الجنوبي" مع روسيا، وهي موافقة لم تأت. فقررت روسيا الغاء الاتفاق الاولي مع بلغاريا التي خسرت الفوائد الكبرى التي كانت ستجنيها من هذا المشروع، لان روسيا تخلت عن "خدمات" بلغاريا، وحولت المشروع الى تركيا اردوغان التي وافقت فورا على المشروع الا انه جرى تغيير الاسم ليصبح "السيل التركي" بدلا من "السيل الجنوبي". ومنذ فترة وجيزة اعلن الرئيسان بوتين واردوغان انتهاء العمل من مد الانابيب في القطاع البحري من مشروع "السيل التركي" وبداية العمل في القطاع البري التركي. وتقول المعلومات ان العمل سينتهي في نهاية السنة القادمة وسيبدأ الضخ في مطلع العام 2020. وفي الوقت ذاته بدأ العمل في القطاع البحري من مشروع جديد سمي "السيل الشمالي ـ 2" الذي سيصل الى المانيا ايضا ومنها سيتم التوزيع على بلدان اوروبا الغربية وسينتهي العمل في مد هذا الانبوب خلال السنتين القادمتين. وحينذاك سيصبح بالامكان تسكير صنابير الغاز الى اوكرانيا وعبرها، بدون ان يتأثر التوزيع الى اوروبا بل بزيادته. وستتلقى اوكرانيا ضربة مميتة في اقتصادها بوجه الاجمال، لانها ستخسر ليس فقط رسوم الترانزيت، بل الاهم انها ستخسر ميزة الحصول على الغاز رخيص الثمن وستضطر الى دفع "اسعار اوروبية" ثمن الغاز، وهو ما سيشكل زلزالا اقتصاديا لها لان كل الانتاج الاوكراني وتوليد الطاقة الكهربائية قائم على اساس اسعار الغاز الرخيصة، فزيادة اسعار الغاز ستعني ارتفاع الكلفة الانتاجية وان موجة غلاء كاسحة ستجتاح الاقتصاد الاوكراني برمته.
ونذكر هنا انه بعد ازمة 2009 انكسرت نسبيا موجة العداء لروسيا وفاز في الانتخابات الرئاسية في 2010 فيكتور يانوكوفيتش وهو سياسي "وسطي" كان يرأس "حزب الاقاليم" ويدعو الى التعاون مع روسيا والاتحاد الاوروبي معا وان تكون اوكرانيا همزة وصل للتقارب الاوروبي ـ الروسي.
وطبعا ان السياسة المعتدلة والمتوازنة لعهد يانوكوفيتش لم تلائم السياسة الاميركية المعادية لروسيا، فدفعت اميركا المليارات لاجل تنظيم الاحتجاجات العنفية ضد يانوكوفيتش وحكومته. وهي الاحتجاجات التي تتوجت بانقلاب فاشستي دموي في شباط 2014 وشن حملة وحشية من القتل والحرق والتنكيل ضد المواطنين الروس والناطقين بالروسية الذين يشكلون اربعين بالمائة من سكان اوكرانيا. وقد رد السكان الروس والناطقين بالروسية على الحملة المعادية لهم باعلان شبه جزيرة القرم العودة الى الوطن الام روسيا، واعلان مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في جنوب شرقي اوكرانيا الانفصال والاستقلال في "جمهوريتين شعبيتين". وعبثا حاولت القوات الاوكرانية الانقلابية ان تستعيد بالقوة المقاطعتين المستقلتين.
وفي 1 تشرين الاول الماضي تم تدشين جسر مضيق كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بالارض القارية الروسية وافتتح الجسر الرئيس بوتين شخصيا، وبدأت مرحلة الاستغناء عن العلاقات ذات الطابع البري بين اوكرانيا والقرم. وقد ارتكب الرئيس الانقلابي الاوكراني بوروشينكو خطأ جسيما بدعوته الى تدمير الجسر، فاحتشدت القوات البحرية الروسية في المضيق لحراسة الجسر وأغلقت الملاحة الى بحر آزوف وفيه الا تحت اشراف وبإذن قوات حرس السواحل الروسية التي حددت الملاحة فيه عبر نقاط محددة بالضبط. وبذلك اختنقت نهائيا الملاحة التجارية والسياحية الى ميناءي بيرديانسك وماريوبول الاوكرانيين على ساحل بحر آزوف، واقتصرت الملاحة من والى هذين المياءين مع الموانئ الروسية فقط على بحر آزوف. وقد ادار حلف الناتو والاتحاد الاوروبي الاذن الطرشاء لبوروشينكو الذي بح صوته وهو يدعو الى تدمير الجسر وارسال الاساطيل الناتوية الى البحر الاسود. وردت روسيا على هذه النداءات المحمومة بحشد القوات البحرية والغواصات المزودة بالاسلحة النووية وخاصة بصواريخ "كاليبر" المجنحة (ذاتية الحركة)، الشبحية، التي تطير بشكل التفافي، وعالية الدقة (اي تغني عن استخدام السلاح النووي)، والقادرة على حمل الرؤوس الحربية الكلاسيكية او النووية، والصالحة للاستخدام ضد الاهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، الرية والبحرية والجوية (وقد سبق واستخدمت هذه الصواريخ بنجاح ضد داعش في سوريا). وتفيد معلومات صحفية غربية ان روسيا حشدت في شبه جزيرة القرم اكثر من 28 الف جندي من خيرة قواتها بحيث تحولت شبه الجزيرة عمليا الى معسكر عائم. كما انها ارسلت آلاف المتطوعين بألبسة عسكرية بدون شارات مميزة الى مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك ولا سيما من المحاربين الشجعان القوزاق الذين يعتبرون حوض الدون احدى اهم مناطقهم.
ويقول بعض الخبراء ان روسيا ستحول البحر الاسود وشبه جزيرة القرم والسواحل الروسية القارية الى معسكر ضخم بحري وجوي وصاروخي وبري (قوات انزال محمولة جوا وبحرا) تشمل دائرة عمله حوض البحر الابيض المتوسط بمجمله واوروبا بأسرها. وبالتدريج ستختنق كل حركة الملاحة والحضور البحري في البحر الاسود الا للقوات والملاحة الروسية، وسيوضع البحر الاسود في حالة اسستنفار قالي دائم، مما سيضطر تركيا للاتفاق مع روسيا على قواعد الملاحة في مضائق البوسفور والدردنيل. وبنتيجة ذلك فإن اوكرانيا وجميع الدول المشاطئة للبحر الاسود التي لن تأخذ الوقائع الجديدة بعين الاعتبار ستتساقط كاوراق الخريف بدون حرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما العمل؟
- اميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية
- من ارسل فرج الله الحلو للموت؟ ومن قتله؟ ولماذا؟
- الاقتصاد العالمي يتراجع بسبب الحرب التجارية
- الحكومة الاوكرانية تغامر باستفزاز روسيا
- صربيا وكوسوفو: النار تحت الرماد
- لنتحدّد قبل ام نتوحّد!
- حول مفهوم الطليعة (الجزء الثاني)
- انحدار الاقتصاد الاوروبي
- برغم المدفوعات الهائلة للحروب اميركا تفقد تفوقها
- العقوبات ضد روسيا تأتي بنتائج عكسية
- الانتخابات النصفية تعمق الانقسامات في اميركا
- تفعيل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا وكوبا
- الاقتصاد الاوروبي يتأخر بفعل العقوبات الاميركية ضد روسيا وال ...
- دبلوماسية الغاز: انابيبب الغاز الروسي ستشمل قريبا كل اوروبا
- الاتحاد الاوروبي يتضرر من العقوبات الاميركية ضد روسيا
- بعد نجاح تجربة سوريا... هل تتدخل روسيا عسكريا في ليبيا؟
- الحرب التجارية الاميركية ضد الصين ...الى الفشل
- العقوبات ضد ايران ستزعزع الدولار والنفوذ العالمي لاميركا
- ترامب ونتنياهو يهربان الى حافة الهاوية


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا