العَسَل المُرْ

امين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 6058 - 2018 / 11 / 19 - 18:45
المحور: المجتمع المدني
    

في قرية ( أرادِن ) المُتكئةِ على سفح الجبل ، تتناثر البيوت هنا وهناك ، ولأن الغالبية العُظمى من أهل القرية من أرومةٍ واحدة ، فأن جلّهم أبناء أعمام أو أخوال ، شأنهم شأن العديد من القُرى في المنطقة . القرية الأصلية القديمة كانتْ عالية قريبة من قِمة الجبل على بُعد حوالي أربعة كيلومترات من الموقع الحالي . لكنها مثل آلافٍ غيرها من القُرى ، هُدِمتْ واُعتُبِرَتْ منطقةً محظورة أبان سنوات الكفاح المُسّلَح ضد الحكومات المُستبِدة .
.............
قالتْ لزوجها قُبيلَ خروجه صباحاً : أن " المُدّلَلة " إبنتك الصغيرة ، طلبَتْ البارحة عسلاً لكي تخلطه مع الراشي في الفطور ... فإذا وجدْتهُ في السوق إشتري نصف كيلوغرام .
قالَ لها مُبتسِماً ، كي يُمازِحها ويغيضها أيضاً : تراكِ أنتِ التي تريدين العسل وتلصقين ذلك بحبيبتي الصغيرة لأنك تعرفين بأنني لا أرفض لها طلباً ! .
أجابتْ على الفَور : كلا يارجُل .. هي التي طلبتْ وإسألها عندما تستيقظ من النوم ، فما زالتْ نائمة .
............
في المساء قالَ لزوجته : لم أجد عسلاً أصلياً في سوق القدش ولا بامرني و سرسنك ... ولكني إتفقتُ مع إسماعيل ورمضان ، أن نصعدَ غداً إلى قريتنا القديمة ، ولا بُدّ من حصولنا على عسلٍ طبيعي هناك حيث تتواجد خلايا النحل بِكُثرة . وكلاهُما أي إسماعيل ورمضان مُتحمسان للفِكرة أيضاً ، فمنذ أشهُر لم نصعد للجبل وهي فُرصة لنا للتريُض وتبديل الجَو والإستمتاع بالطبيعة ، من ناحية .. ومن ناحيةٍ أخرى نحصل على العسل الأصلي من الطبيعةِ مجاناً .
جّهزي الخُبز والشاي والسكر وبعض الطعام ليوم غد ، حيث سننطلق صباحاً .
في هذهِ الأثناء جاءتْ طفلته الصغيرة الجميلة ، راكضةً وإرتمتْ في حضنهِ ضاحكةً .. فقّبَلها وقالَ لها : غداً سأجلب لكِ عسلاً مُمتازاً من الجبل ... قاطَعَتْهُ وقالتْ بِحماس : خُذني معكَ ياأبي إلى الجبل . ضّمها إلى صدره بِحنان قائلاً : ليس هذهِ المرّة .. ولكني أعدك بأن آخذك الى قريتنا القديمة ، في الربيع القادم .
...........
توجَهَتْ القافلة الصغيرة في الصباح الباكر ، نحو جبل متين .. أنهم الثلاثة ليسوا أقرباء فقط ، بل أصدقاء أيضاً .. فتبادلوا الأحاديث والنكات طول الطريق الصاعِد .. غمزَ دلوفان لإسماعيل وقالَ مُخاطِباً رمضان : هيه يا عمي رمضان .. يبدو أنها راحتْ عليك ، فأنك لا تستطيع اللحاق بنا . أيّده إسماعيل : شئٌ طبيعي ، فأنه أكبر مِنّا كثيراً . قهقه الثلاثة وقال رمضان : أيها السخيفان .. هي كُلها بضع سنواتٍ فقط . هذا أولاً .. ثم بدأ يركضُ بِهّمة ونشاط وتجاوزهما قائلاً : ألستُما شباباً ؟ إذا إلحقا بي أيها الكسولان .
وصلوا إلى أطلال القرية القديمة ... وأشعلوا الحطب ووضعوا قوري الشاي على النار .. ثم تفرقوا للبحث عن العسل .. وسُرعان ماوجدوا عدة خلايا فيها كمية لابأس من العسل .. كان رمضان أكثرهم خبرةً ولم يكُن يفكر بلسعات النحل وكان ينفخ دُخان سيكارته كل مرة يغرف فيها العسل ، فيبتعد عنه النحل . المهم ملأ دلوفان وعاءه الزجاجي أولاً وقال هذه حصة إبنتي العزيزة . وكذلك حصل كل من رمضان وإسماعيل على كميةٍ معقولة .
وضعوا مزيدا من الحطب على النار وتحلقوا حولها ، يشربون الشاي ، مُطلين على تلك المناظر الخلابة وسط الطبيعة الساحرة ... والهدوء العجيب . الهدوء الذي شّقه فُجأة صوت .. قالَ إسماعيل : إنظروا أنها طائرةةةةة ... ثم إهتزتْ الأرض من حولهم في كُل الإتجاهات .
............
وَرَدَ في نشرة الأخبار المحلية قبل ثلاثة أيام : أن طائراتٍ حربية تركية قصفتْ جبل متين في منطقة العمادية ، ولقى ثلاثة مدنيين من قرية أرادن مصرعهم وهم كُل من : إسماعيل قبلان / و دلوفان صالح / و رمضان أرادني .
وردَ في نشرة أخبار رسمية تركية : ان طائرات أغارتْ على معاقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وقتلت عدة مسلحين إرهابيين .
...............
في العصر .. سألتْ الفتاة الصغيرة أمّها : متى سيعود أبي .. وهل سيجلب لي العسل الجبلي ؟!

#امين_يونس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات