أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حبيب - لا بغايا و لا خاضعات














المزيد.....

لا بغايا و لا خاضعات


عماد حبيب

الحوار المتمدن-العدد: 1514 - 2006 / 4 / 8 - 05:07
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


سكب عليها لتر بنزين. تحجّرت عيناها رعبا، و تحجّرت اوصالها. أشعل الولاّعة و أخذ يدنيها و يبعدها من جسدها المبلّل بالوقود، و كانت أصوات قطراته المتساقطة من ثيابها تقع على الأرض لتحدث دويّا لا يسمعه و لا يحسّ رهبته غيرها، هي و صديقتاها اللّتان تراقبان الموقف في عجز. بينما كان صديقاه يراقبان مدخل تلك الغرفة التحتيّة الصّغيرة المعدّة لحاويات القمامة في العمارة. فجأة و دون أن تدري أو تنتبه لتهديداته و إهاناته حاولت دفعه لتخرج هاربة، و لا يدري أحد الاّ هو كيف نشبت فيها النيران. تحوّلت بلحظة لشعلة حيّة، تسير على قدميها، بل تجري على قدميها نحو اللامكان. تملّكت منها النار و حاول و اصدقائه دون جدوى اخمادها. و لم تمضي ساعتان حتى لفظت انفاسها في طريقها إلى المستشفى. أحرقوها حيّة. سوهان ذات السبعة عشر ربيعا. أمّا هو فاسمه جمال، في مثل سنّها، و يقطن نفس الحي، و سيقول فيما بعد أنها كانت صديقته و هجرته لغيره و اراد فقط إخافتها. و حين قدمت الشرطة للقبض عليه، تعالت اصوات ابناء الحي من اقرانه لنصرته.

كانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس. وفاة فتاة في الضواحي الباريسية ليس بالامر الجديد، و ضحايا العنف الذكوري من النساء تهمّ كلّ الطبقات. لكن الأمر زاد عن حدّه ليس فقط لبشاعة الجريمة، و لكن لموقف ابناء الحي الذين لم يخفوا تعاطفهم مع جارهم، و لم يخفوا في تعليقاتهم اعتبار سوهان بشكل ما مسؤولة عمّا حدث. لم تكن سوهان المسلمة محجّبة، بل كانت صديقة لشاب فرنسي، كان ذلك كفيلا لتصنيفها في الخانة الثانية. منذ انتشر الفكر الاصولي في الضواحي الفقيرة ذات الاغلبيّة المسلمة، صارت النساء تصنّف في خانتين لا ثالث لهما، المحجبّات الخاضعات للسلطة الذكوريّة، اللواتي يجب ان يتزوّجن رجالا من بلدهن الاصلي أو من ابناء الجالية، و اللواتي لا يجب ان يندمجن في مجتمعهنّ، باعتباره مجتمعا كافرا، و الأخريات، المتحّررات المنبتّات عن اصولهن، الخائنات، الساقطات، من الآخر، البغايا. و كانت سوهان تصنف في هذه الخانة. فاستحقت من وجهة نظرهم الموت حرقا. فكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس.

و لأنّ رد الفعل على ما حدث و يحدث و ينذر بالمزيد كان وجوبيّا. كانت جمعية لا بغايا و لا خاضعات. أسّستها و قامت عليها مجموعة من السيّدات الفرنسيّات ذوات الأصول المهاجرة في أغلبهنّ. و وجدت تعاطفا و تجاوبا لم يكن يتوقّعه أحد، حتى صارت الجمعية النسائية التي لم يمضي على تأسيسها سوى بضع سنين في مرتبة الاحزاب السياسية ذات التأثير على المستوى القومي.

الاسم مستفز. ليس رغبة في الشّهرة، أو لجلب الانتباه، و لكن لأن القضيّة مستفزّة. و الإسم معبّر أيضا. بل هو أصدق تعبير لأهداف الجمعيّة و لفكر أغلب النساء و الفتايات. هنّ لا يردن سوى العيش بكرامة، دون أن ينعتن بابشع الأوصاف لمجرّد رفضهنّ الخضوع للسلطة الأبوية أو الذكورية، لمجرّد رفضهنّ الزّواج القسري في سن صغيرة حفاظا على ما بقي معشّشا في أدمغة آبائهن و أمهاتهنّ من مفاهيم بالية للشّرف، و سترة البنت و الزواج من ابن البلد. لا يرغبن في أن يلبسن كالبغايا، و لكن لا يردن لأحد أن يفرض عليهن لباسا معيّنا و خاصّة الحجاب.

زواج غريب بين الاصوليين و المنحرفين يحدث في هذه الاحياء، و مناخ عفن نتج عن استغلال بعضهم للحريّة المتاحة و غياب التأطير الرسمي لاسلام فرنسا، حيث ينصّب من شاء نفسه متحدّث باسم الاسلام، و يأتي من لا يتقن حرفا من الفرنسية ليعمل كإمام و واعظ، ناشرا الفكر الاصولي و التكفيري، مستغلا أزمة هوية شباب الضواحي و احساسه بالعنصرية و الاقصاء. و كما انتشرت فتاوى تحليل السرقة و الاجرام لان اموال الكفاّر غنائم للمسلمين، انتشرت فتاوى الزام النساء بالحجاب و تكفير من لا تضعه على رأسها. و يتطوّع شباب الحي لتنفيذ الفتاوى و فرض الاحترام. و التحرش بكل من تعيش على الطريقة الفرنسية، وسلتهم في ذلك. يحدث هذا في فرنسا و ليس في بلد شرقي. لذلك كان لا بدّ أن يكون الإسم مستفزّا و معبّرا.

ترقد سوهان الآن في مثواها الأخير، و يحاكم جمال منذ يومين على جريمته، و تنشط الجمعية التي صارت الأشهر و الأكبر، و تستمر المعركة، معركة كل النساء لعيش حياتهن كما يرغبن بحرية و كرامة و مسؤولية، لا بغايا و لا خاضعات.



#عماد_حبيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جراحة لإصلاح ختان الإناث
- أزرق نوتردام
- إنّ محمّدا قد مات
- الإسلام الإصدار 2.01
- أحلام باريسية
- الكنيسة الأزهرية
- توم و جيري ، إيران و اليهود
- حرق الكتب من جديد
- رسم تقريبي لإرهابي
- أغنية للأزرق
- صاد تشال
- الجهاد الالكتروني
- جنازة ليشبع الجميع فيها لطما
- ظهور الرسول في فلم
- خير مليونير أخرج للناس
- نهاية طريق و عاصفة
- دكتاتورية الأغلبية
- حوار مع الله
- لا حماس حل ... و لا الدولة الدينية حل
- أساف و نائلة


المزيد.....




- بادري بالتسجيل” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- “خدلك راتب شهري” رابط التقديم في منحة المرأة الماكثة بالبيت ...
- هيني سرور: -المرأة هي التي تدفع أكبر ثمن في الحروب..-
- نحو انتكاسة خطيرة لحقوق المرأة في تونس: تعديل مجلة الأحوال ا ...
- قبل الأوان … قتل العاملات بين تواطؤ الدولة واستغلال السوق
- “7000 دج تنتظرك!” تعرفي على تفاصيل منحة المرأة الماكثة بالجز ...
- طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر.. سجلي ...
- تأويلات العدالة: قراءة في مآلات التقاضي في قضايا العنف ضد ال ...
- موسيقى كناوة، عندما تكسر النساء القاعدة
- مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء سلسلة غارات إسرائيلية على مناطق ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عماد حبيب - لا بغايا و لا خاضعات