أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رياض الأسدي - تعال إلى انسية زارالولو














المزيد.....

تعال إلى انسية زارالولو


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1506 - 2006 / 3 / 31 - 06:52
المحور: المجتمع المدني
    


كتب على باب (الأنسية) الرئيس بلغة بابلية قديمة: مرحبا بزائري زارالولو المسالمة. يمكنكم خلع خفافكم لأن الأرض نظيفة. نرجو عدم رمي الاوساخ في الشوارع. نرجو عدم استخدام أية كلمات نابية في التعامل. انسية زارالولو دينها السلام.
ولم يكن في الحقيقة غير حارسين اثنين عند الباب، ودودين، على نحو مثير، ولم يكونا يملكان غير عصوين صغيرتين من الخيزران تستعملان للزينة أصلا، ولا تستخدمان إلا في حالات نادرة. لم يسأل الحارسان الرسميان عن سبب القدوم إلى (انسية) زارالولو كما هي العادة السائدة، لكن كل قادم يراقب من الجميع عن كثب لأن مهمة الأمن في زارالولو عامة. وكانا حارسان يبتسمان دائما. ربما من الصعب ان يظن المرء بأنهما مجرد حارسين لولا شروعهما بفتح الباب المكون من القصب والجريد وحبال القنب.
كانت (الانسية) تنعم بهدؤ غريب منذ البداية، حيث يتجول الناس تملأهم الفرحة الداخلية والخارجية، ويشع السرور من قسمات وجوههم. والشمس مشرقة على نحو آخر. ولباس رجالهم بسيط ونساءهم محتشمات، ولا يمكن ان تجد ثمة متسول يطلب من زائر غريب صدقة. وليس ثمة سكارى مزعجين. من أراد ان يحتسي قليلا او كثيرا من البيرة او الشراب المعتق ثمة أماكن محددة له، هناك، قريبا من قصر (انسي: الحاكم المنتخب في كل عام) المبني من اللبن القديم والجندل القوي حيث يمكنه ان يشاهد الجميع عن كثب.. الاطفال هم اكثر الأشياء ضجيجا في زارالولو وهم يتراكضون متصارخين هنا او هناك..
وكلّ من يصادفك يبتسم لك قائلا: صباح الخير زارالولو! فترد كما هي العادة هناك: كل الصباحات زارالولو! وفي زارالولونا ليس ثمة جيش، أبدا، فقد عمدت إلى وضع بعض الحرس عند الحدود النهرية وبعض المخافر عند شرق المملكة حيث تقع مملكة الطناطله. وحينما تتعرض زارالولو إلى خطر يهب الجميع فيها للدفاع عنها نساء ورجالا وشيوخا، ويوضع الاطفال والمرضى والعاجزون تماما عن القتال في اماكن آمنة. لا تطمع زارارلولو في ستراتيجيتها البسيطة المعلنة إلا إلى السلام. ولذلك تجد شوارع زارالولو باسماء السلام 1 السلام 2 السلام3 .. والدوارات دوارة الطمانينة، دوارة الدعة، دوارة أمش كما تشاء، دوارة كن آمنا..
ثمة اذاعة محلية بسيطة في زارالولو حيث ياتي سكانها صباحا لسماع اخبار الانسي الحاكم، والشعر، وما يتعلق بأخبار الممالك المجاورة التي تكن العداء شبه الدائم لزارالولو من خلال شنها هجمات من حين لاخر. يحق لأي زارالولي أن يتكلم بما يشاء على المنصة مادام لا يتفوه بكلمات نابية. كما يمكنه ان ينشد الشعر او يؤلف النكات او يرقص أو يغني.. كلّ ما في الامر عليك ان تلتزم دورك.. ومن المفيد ان نذكر ان معظم النكات كانت تتعلق بشخص الانسي التي كان يتقبلها بسرور بالغ. وهو أيضا من كان يؤلف النكات المضادة.. زارالولو ظاهرة سياسية لاتشبهها أية ظاهرة اخرى في التاريخ كله.
يمكن لزائر زارالولو أن يقابل من يشاء من الناس بلا مواعيد مسبقة بما في ذلك السيد (انسي) حاكمها المنتخب. وفي أي وقت يشاء لأن تلك هي مهمته. كما يمكنهم الذهاب إلى بيت الانسي في أي وقت إذ لا حرس يمنعهم, ولا حماية تحول دون رؤية الحاكم. وغالبا ما كان الانسي يسير مع اي زارالولي ويتجاذبان الحديث.. وليس شرطا ان تزور الانسي بطلب او حل لمشكلة بل يمكن لأي زارالولي ان يزور الانسي لتبادل النكات مثلا.. ولذلك فإن الانسي يعرف كلّ نكات الزارالوليين غالبا.
كان سكان زارالولو يجتمعون كل عام في ساحة المدينة الرئيسة في بداية الربيع، ويقولون: من أراد ان يكون (انسي) فليصعد إلى المنصة ويقدم نفسه. وعندئذ تجد كثيرا من النساء والرجال يصعدون، ومن لا يوافق عليه الناس يقاس ذلك بمستوى (التعفيط) الذي يلاقيه من العامة. اما إذا لم يواجه إلا بعفطات قليلة فهو يكون (أنسي) ذلك العام. هكذا هي انتخابات زارالولو التشريعية. وقد ورثوها عن اجدادهم حتى اظطروا بعد مدة من الحروب ضد زارالولو إلى كتابتها على رقم طينية مفخورة والاحتفاظ بها في مكان آمن.
اما أصعب القوانين في زارالولو فهي تكمن في قانون الأقامة والجنسية. لا بد لكل من يسكن زارالولو بشكل دائم ان يلتزم تماما بقوانينها السلمية. ومن يخالفها ولو مرة واحدة يبعد عنها نهائيا ويمنع من دخولها. ولا تمنح الجنسية للمقيمين في زارالولو إلا بعد مائة انسي: اي مائة عام حيث يمكن لدرن الممالك المجاورة ان يكون قد محي تماما.
وزارالولو هي الدولة الأنسية الوحيدة التي يوجد فيها تاريخ مكتوب ودستور مكتوب. ويتعدد الزارالوليين في دياناتهم إذ يحق لكل زارالولي او مقيم ان يعبد ما يشاء من الاشياء او الاعتقادات بشرط ان تكون سلمية لان السلام في زارالولو دين الدولة الرسمي. ولذلك تجد في تلك الانسية من يعبد الشمس والقمر والنار والمحراث والماء والخالق لكل شيء والجسد والاعضاء التناسلية وغيرها من الاعتقادات. ولا يحق لأي زارالولي ان يتدخل في الشؤون الدينية لأي زارالولي آخر على الاطلاق، ولا يبدي امتعاضه ولو بزمة فم لأن ذلك الامر مخالف لدين السلام الرسمي للانسية.
ويحرم الزارالوليين (الملش) من الرؤوس للرجال والنساء وخاصة بين الازواج. ويعدون ذلك من الكبائر والعظائم التي تحل بالفرد والجماعة في آن. وهي من التطنطل التي جبلت عليه مملكة الطناطله المجاورة لهم. ومملكة الجنانوة الصحراوية. ولذلك هم يتذكرون آخر (ملشه) بين امراتين زارالوليتين قبل احد عشر انسي. ومن هنا فقد حرمت (الملشات) كلها منذ وقت طويل. ولعل كلمة ميليشيات التي تستعمل اصلها من (ملش) الرؤوس المخالف لدين السلام الرسمي منذ ذلك الوقت. والله أعلم بتطور الكلمات..
زارالولو مملكة عراقية غير خيالية تقع في منطقة بغداد الجديدة كما تشير الحفريات.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدل العلماني/الديني: علي الوردي ومحمد باقر الصدر
- إلى العراقيين الذين ينامون وارجلهم بالشمس: من ينهب العراق ال ...
- الرأي العام في العراق الآن
- الإعلان الرسمي للحرب الاهلية في العراق
- الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟
- ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل
- بيان إلى (بلابل جنجون
- الاواني المستطرقة
- أدب الحرب العراقي:كتابات إنسانية ام اكذوبة حكومية؟
- دراسات في الفكر الوطني
- الأوتجية واللوكية
- سياسات دمقرطة الشرق الإسلامي،طروحات الولايات المتحدة حول (ال ...
- شعارات القطيع الاسمنتية - سياسات إفراغ المحتوى الإنساني- الع ...
- توماس فريدمان: قناعاتنا الأميركية بازاء عالم متغيّر
- الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية
- قراءة في كتاب ( علي ومناوئوه) المنهجيتان العلمية والتقليدية
- الليبراليون العراقيون: طريق غير ممهّدة وسير متعثر
- تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية


المزيد.....




- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...
- تقاذف الاتهامات في إسرائيل يبلغ مستوى غير معهود والأسرى وعمل ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رياض الأسدي - تعال إلى انسية زارالولو