أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض الأسدي - الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية















المزيد.....



الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1447 - 2006 / 1 / 31 - 09:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المقدمة:

تعود فكرة كتابة بحث علمي عن جذور الأغلبية الصامتة في العراق إلى مدّة سقوط النظام السياسي السابق في العراق، حيث بات من الواضح تماما أن مجيٌ قوة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قد نتج عنه تساؤل كبير يتعلق في بقاء ذلك النظام مدة ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما رزح بها الشعب العراقي تحت سلسلة من الجرائم الكبرى الجماعية, في حين لم ترتفع الأصوات لإدانة ذلك النظام الوحشي إلا بعد سقوطه ؟! وكم كانت المعارضة العراقية في الخارج تعاني في إيصال أصواتها لنصرة الشعب العراقي؟ فالأغلبية الصامتة لا تشمل الشعب العراقي وحده، بل هي ظاهرة تطال الشرق الأوسط كله.
ومن هنا فإن الفرصة السانحة التي أتاحتها القوات المحتلة في التعبير و الرأي من الأهمية إلى جانب دوران سرف الدبابات في شوارع المدن العراقية، وسقوط الآلة العسكرية الفاشية التي أسهمت في المدة 1963 -2003 على ترسيخ تقاليد الأغلبية الصامتة، ومن ثم تحويل حالة الصمت إلى صفة المقدس الدائم .
وإذا كان ثمة من يتحمل مسؤولية الصمت الدائم مع العسكر، فهم أولئك المتعلمين و المثقفين الذين أجهد النظام الفاشي نفسه على زجّهم في مؤسساته المختلفة التي عملت على الإبقاء على حالة استمرار الصمت الشامل، حتى جاءت قوة خارجية لتقويضه ومن ثمّ كسره .. ومن هنا فان على المعنيين بالشأن الثقافي قبل غيرهم تشخيص الحالة ودراستها موضوعيا، ووضع الحلول العلمية وبرامج العمل لها كي نصل إلى حالة طبيعية من التعبير عن الرأي والرأي الآخر بروح حضارية كاملة، كما هي الدول الديمقراطية المتقدّمة، وكما يحدث في البلدان التي تنعم بالقانون والمؤسسات التي يكفل ويصان الرأي فيها. وهذا البحث ما هو إلا محاولة متواضعة في هذا المجال لخدمة الفكر والرأي العراقيين الجديدين.

منظور تفسيري لجذور الأغلبية الصامتة

تعود جذور الأغلبية الصامتة في العصر الحديث إلى وضعية (الاستبداد الشرقي)الذي يعدّ مكونا" تاريخيا و أساسيا" لعموم منطقة الشرق الأوسط. ومن الصعب - على العموم - أن نركن إلى تحليل العوامل الإنتاجية(أسلوب الإنتاج الآسيوي) الذي استدركه كارل ماركس (1) في أواخر سني حياته الحافلة، باعتباره عاملا حاسما"و أساسيا في تكوين البنى الاجتماعية والاقتصادية التي قادت إلى وضعية (الاستبداد الشرقي) بل أن سلسلة من العوامل المتنوعة والمتطامنة إلى حدّ ما : دينية وأنثروبولوجية ومناخية،هي التي عملت على تحديد ظاهرة (الاستبداد الشرقي) الذي يعد المناخ والحاضنة الطبيعية للأغلبية الصامتة دائما (2).
اسهم الاستعمار الأوربي - البريطاني والفرنسي خاصة -في تكريس أفكار الاستبداد في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وتحويله إلى استبداد مركب من عوامل شتى في البلدان التي وقعت تحت الهيمنة و الاحتلال الاستعماريين بعد الحرب العالمية الأولى 1914- 1918م. وإذا كان الاستعمار الفرنسي سواء في حملته على مصر 1798- 1801م أو احتلاله لبلدان المغارب العربية، قد حاول نقل نوع من ثقافات المحتل أسهمت إلى حدّ بعيد في إذكاء روح (النهضة الإسلامية) في العالم العربي، لما مثلته من تحديات جدّية إلا أن الاستعمار البريطاني لم يعمل في الاتجاه نفسه، إذ لم يكن له أي اتجاه ثقافي واضح - اللهم إلا نشاطات تبشير محدودة النطاق في مشرق العالم العربي (3). في حين عمل المستعمرون البريطانيون وبقوة على تأسيس قوى إقطاعية جديدة موالية لهم إلى جانب الإبقاء على القوى الإقطاعية القديمة، كما تمّ الحفاظ على النظام الإقطاعي الموروث عن فترة الاستبداد العثماني، وصولا إلى تحقيق استمرار مصالحه الاقتصادية، وفرض هيمنته السياسية الجديدة الناتجة عن الاحتلال, والبقاء أطول مدة ممكنة في البلاد المستعمَرة من خلال التهيئة الكاملة لمناخ الصمت العام المتوارث عن الحقبة العثمانية.
بدأ تكريس الصمت في العصر الحديث في العراق بواسطة قيام شيوخ القبائل في سلب حق ملكية الأرض من الفلاحين وإلغاء واقع الملكية المشاعية، ومبدأ " الأرض لمن أحياها " الإسلامي التقليدي الذي تمّ إيقاف العمل به منذ مدة الحكم الراشدي تقريبا. وهكذا أصبحت الحروب القبلية حول المراعي والأراضي الصالحة للزراعة وسيلة أساسية لاضطهاد القبائل الخاسرة دائما. فظهر حينئذ ما عرف ب (الخوّة): وهي أعراف سوسيو - اقتصادية تتيح للقبيلة الخاسرة عسكريا أن تدفع إتاوة مالية معينة -سنوية غالبا- إلى القبيلة المنتصرة مثل الغلال أو الحيوانات لقاء الحماية التي توفرها القبيلة المنتصرة لها. كما سمح نظام (الخوّة) في الوقت نفسه أيضا باستغلال مراعي القبيلة الخاسرة (الديرة) وتسخير أفرادها لخدمة القبيلة المنتصرة. وقد وقع على المرأة عبئا إضافيا اجتماعيا تمثل في حالة التزويج القسري( ظاهرة الفصليات في جنوب العراق على سبيل المثال) باعتبار أن تلك الحالة قد توفر لحمة ما بين القاتلين والمقتولين من خلال تزاوج الدماء؛ وهو من أوائل الأساليب في فرض السكوت والقبول بالأمر الواقع عن طريق القسر الجنسي.
انتشر هذا الأسلوب في جنوب العراق بخاصة مكونا معلما اجتماعيا مميزا بقي قائما حتى العقد الأول من عهد الجمهورية الأولى 1958- 2003 م ، ثم فرض الصمت من خلال شيوع مفهوم قبلي يدعى ب ( ذبيحة و منيحة ) وهي تعني بالدرجة الأساس هيمنة اجتماعية واقتصادية دائمة (4) وقبولا بالأمر الواقع status quo لما هو قائم معززا بقيود اجتماعية ثقيلة وأعراف قبلية يصعب كسرها. وفرض الصمت على أفراد القبيلة المنتصرة أيضا؛ إذ أن شيخها ومجلسها الحربي التقليدي، قد جاءا بالنصر والغنائم إليها، فمن الواجب الضمني أن يقبل أبناء القبيلة المنتصرة بطاعة قادتهم المنتصرين العارفين بأسرار الحروب القبلية. ولذلك فقد شاعت عبارات متداولة مثل (يا عونك) و (يا طويل العمر)في المناداة اليومية. وما الرغبة في تطويل العمر إلا إعلانا عن القبول الدائم بالطاعة المستديمة؛ وهي في مضامينها التاريخية ومرجعيتها تعود إلى العصور الإسلامية الوسيطة في السمع والطاعة، توافقا مع الآية الكريمة : " قالوا سمعنا وأطعنا " وهي تحول بين من انتقال الطاعة من الله تعالى والرسول (ص) إلى طاعة (ولي الأمر) بغض النظر عما إذا كان عادلا أم لم يكن؛ فالعدل يتأتى من القوي المنتصر دائما.
أبقت بريطانيا على الأنظمة الاجتماعية القائمة في مشرق العالم العربي، وكان النظام الإقطاعي من ابرز المعالم التكوينية في تلك الحقبة، فوطّدت علاقاتها مع المقاطعجية: وهي طبقة من الموظفين غير الحكوميين تتكون من الزعماء القبليين المحليين تناط بهم جباية الضرائب منذ القرن السادس عشر. وقد نتج عن تلك الستراتيجية تكريس وسائل الصمت العام على الرغم من تغيّر البناء السياسي الفوقي من محتل إلى آخر.
ولم تستطع أفكار الإصلاح العثماني على اختلاف مراميها أن تكون نوعا من (الحراك الاجتماعي) لكسر الصمت العام، سواء في الدولة العثمانية التركية المركزية أو في الولايات التابعة لها من القوميات غير التركية والتي يكوّن العرب غالبيتها. وبقيت فكرة التسلط العثماني ووحدة الدولة العلية قائمة حتى سقوط الخلافة العثمانية وقيام الجمهورية التركية الحديثة . ويعود تفسير ذلك –من وجهة نظري- إلى اقتصار أفكار الإصلاح على نخبة معينة من رجال الدولة والانتلجنسيا الضعيفة التأثير، وعدم إشراك الأغلبية الصامتة فيها. كما أن الوعي السياسي لرجال الإصلاح لم يكن على العموم بمستوى يرقى إلى ذلك. يمكننا أن نلحظ ذلك في المحاولات شبه اليائسة التي قام بها المصلح جمال الدين الأفغاني في إيران والدولة العثمانية,وسعيه الدؤوب لعرض أفكار الإصلاح على الحاكمين فيهما. ولذلك بدأ المعارضون للإصلاح العثماني الترويج لفكرة: إن الإصلاح سوف يحوّل الدولة لقمة سائغة للدول الأوربية التي دخل الدولة العثمانية ضدّها حروبا متعددة الجبهات ومختلفة المراحل. فنظر أولئك إلى أوربا المسيحية(5) عدوا في كل المجالات، لكنهم، في الوقت نفسه، لم يتوانوا عن قبول الرشاوى والهبات الممنوحة لهم لتسهيل امتيازات البنوك الأوربية في الدولة العثمانية ومن ثمّ إغراق الدولة بالديون. ومن هنا فانهم قد ساهموا بقدر كبير في استمرار حالة الصمت في العالم الإسلامي في العصر العثماني على نحو كبير.
وهكذا تأسست لدى عموم الأغلبية الصامتة في الفترة العثمانية نوعا من ذهنية (التحريم المتوارث) في عدم الخروج على ولاة الأمور باعتبارهم ملاكا دائمين للحقيقة الكاملة للأمة الإسلامية آنذاك. وان الخروج على السلطان العثماني هو خروج على الأمة ودينها. ومن ثمّ هو الكفر الذي يستحق مقترفه الموت بحدّ السيف. فعملت تلك الطبقة على النيل من أية بيئة ثقافية إصلاحية، واستطاعت الاقتصاص من الرموز الإصلاحية أو نفيهم من الحياة العامة ليتسنى لهم الإبقاء على حالة الصمت العام قائمة حيّة(6 ) ليتكون في إثر ذلك شرخ كبير بين المعرفة والسلطة لم تستطع كل محاولات الإصلاح الجادّة ردمه.
ومن البدهي، أن للسلطة مهما كانت جوهرا وعرضا يظهر واضحا في أولئك الذين يعتلون ناصيتها وقيادتها من الغالبين، فيصعب على الخاسرين دائما إحداث خرق في الجوهر. وما يقومون به من أعمال رافضة ما هي في مضمونها النهائي إلا انصبابا غالبا في العرض. فلا تجد لها تأثيرا مهما في تغيير البنى الأساسية للنظامين الاجتماعي والسياسي .
وبناء على تلك الوضعية سبه الدائمة الملازمة للصمت العام فإنهم لن يستطيعوا نيل أية معرفة يمكن أن تؤهلهم إلى خرق الصمت على نطاق واسع؛ وغالبا ما تكون تلك المعارف المتيسرة البسيطة تلوى في النهاية لصالح الغالبين(7) في أفضل أحوالها. ولذلك فإن مسائل كالشرعية واللاشرعية، والقانون والفوضى، والولاء والخروج على ولاة الأمور, والتقدم في السلمين السياسي الاجتماعي،والتعبير عن الظلم والعنت الاجتماعيين؛ وهي قضايا تقررها النخبة الحاكمة بالدرجة الأساس، ووفقا لمصالحها الآنية، وتوافقا مع معارفها المتوارثة مما وضع الدولة والمجتمع في حالة سكون دائم يصعب الفكاك عنها.(8) ومن هنا فإن نوعا من السايكلوجيا الاجتماعية قد وضع الخاسرين في حالة قبول مستمر بقدرهم المحتوم . وفي الواقع أن النزعة القدرية القديمة قد استشرت منذ تولي القوى الأجنبية سدّة الحكم في بغداد في بدايات العصر العباسي الثاني على وجه التدقيق بعد أن بذرت في العصر الأموي. ثمّ أصبحت حقيقة يومية معاشه في الفترة العثمانية الأخيرة.
نشأت في ظلّ تلك السكونية الشرقية أعراف في تقديس القائم، واتهام دائم لمن يخرج عن (العوايد = العادات والتقاليد القبلية) منبوذا عن المجتمع ومطرودا منه؛ ومن الملاحظ أن القيم الإسلامية قد انحسرت إلى أقصى حدودها في التعامل الاجتماعي (*). فوصف الخروج عن السرب الاجتماعي ب (الكاولي = الغجري) في المدينة، أو من (الصلبه = غجر البدو من اصل تركي سكنوا جنوب العراق) وهذا يعني نزولا في السلم الاجتماعي. ويبدو أن بريطانيا في استعمارها للمشرق من العالم العربي، بعد أن هيمنت على السواحل والمدن الواقعة فيه، قد أسهمت بهذا القدر أو ذاك في شيوع القيم والتقاليد والعادات البدوية من خلال تحجيم التجارة المتنقلة واحتكار التعامل السلعي بها، والاعتماد على (الصلبه) في نقل الأخبار الداخلية. وهكذا كانت تلك السياسة قد عملت على تقويض إمكانية نمو مدن تقليدية, أو ظهور طبقة تجارية تعمل على قيام نوع من الحراك الاجتماعي النسبي. وبناء على تلك الوضعية فقد تمّ طرد مستمر للقيم الحضارية المدينية وإحلال قيم البداوة التقليدية محلها ( 9).
يذكر الرحالة جيمس بكنغهام الذي زار العراق في عام 1816 م بأن الوضع الاجتماعي فيه سيئ للغاية، وأفضل ما يقوم به الرجل في الريف العراقي ممن لا يجد عملا هو امتطاء صهوة جواده وقطع الطرق (10) بعد أن تضيق به سبل العيش الأخرى. وكان أهالي جنوب العراق -على سبيل المثال- يعيشون من طغيان الماء في فصل الربيع حيث تجفّ الأرض قليلا بما يعرف ب ( الدهله ) وهي نثر البذور في الشقوق, وهذا ما يعرف أيضا ب (الكبش) في مناطق أخر. فتنمو البذور ليحصل نوعان من المحصول الشتوي: كالحنطة والشعير والدخن. ومحصول صيفي، وهو ما يزرع في فصلي الربيع والصيف: كالذرة والسمسم وبعض الدخن حيث تسكن القلة من السكان في المدن والقصبات و القرى. أما الأغلبية فهي تسكن بيوت الشعر التي تنقل على ظهور الإبل السيارة, وقد يتخذ بعضهم صريفة من القصب أحيانا (11).
إن تفسير استمرار الأغلبية الصامتة في أوضاع الصمت الدائم لم يخرق إلا إبان التحديات الكبرى التي واجهت الأمة وبخاصة في حالات اجتياح الجيوش الأجنبية كما حدث في عام 1920 وانطلاق ثورة العراق الوطنية الكبرى. وقد بقيت الأغلبية في العراق لا تشارك في صنع الأحداث- وصدى لها- إلا في جوانب محدودة مما فسح المجال واسعا أمام فئات قليلة أن تتحكّم في مصير البلاد كالنخبة السياسية الملكية 1921- 1958 والعسكرتاريا 1958- 2003م . ولذلك يتوجب علينا أن نتناول أوضاع الأغلبية الصامتة في العراق من خلال تحديد ردود أفعالها بازاء العديد من الانعطافات السياسية الداخلية خاصة.
وإذا كان من الصعب تاريخيا المقارنة بين مرحلتين تاريخيتين مختلفتين فإن من الضروري التعرف إلى نقط التشابه في سلوك الأغلبية الصامتة في كلا المرحلتين. ومن هنا فإن من الضروري أن ندرس ظاهرة الصمت العام في العراق من خلال النظر إلى طبيعة تكوّنها النفسي الذي تأصّل على مدى آلاف السنين في عمق النفسية للإنسان العراقي.



سيكولوجيا الأغلبية الصامتة العراقية

يتجذر الصمت العراقي إلى حقبة ما قبل سقوط بغداد عام 1258م بعد الاجتياح المغولي لها حيث دشن الغزو المغولي بداية عهد ظلامي كبير في العراق أتسم بالتخلف الفكري والثقافي وانحطاط في القيم والمعارف في آن، وكان بديلا بائسا عن عهود الرقي الحضاري والفكري التي بلغت أوجها في القرن الرابع الهجري العباسي، حيث كان ثمة نطور طبيعي للحضارة وفسحة من التعبير تتناسب وطبيعة تلك المرحلة التاريخية. اكن الغزو المغولي، وما أعقبه من حكم التتار قد ألحق بنظام الزراعة التقليدي أفدح الخسائر وأسوأ أنواع التخريب. فزحفت الصحراء على الأراضي الخصبة, وعمت الفيضانات المدمرة حتى عاد العراقيون إلى طرق بدائية جدّا في الزراعة، كما دمر نظام الري الذي يعد بمثابة الجهاز العصبي للحضارة الإسلامية في العراق .( 12)
وتوقّف العطاء الفكري الخلاق للمجتمع العراقي القديم، وكذاك شكل الدولة الموحّد، مما أدخل العراق في آتون من الضعف الشامل والدائم, وكذلك سريان موجة من التفكك للبنائين السياسي والاجتماعي بعد التدهور الاقتصادي المتلاحق، وما أعقبه من تقويض للقوى المنتجة الفاعلة فيه. ثمّ جاءت خيول المغول والتتار لتجهز على ما تبقى من إنجازات حضارية كتابية تمثلت في إحراق وهدر معظم النتاج الثقافي للعراقيين القروسطيين؛ ناهيك عن تدمير المدارس والربط والزوايا التي أسهمت إلى حدّ بعيد في الإبقاء على أسس التعليم الإسلامي التقليدي باعتباره آخر خطّ دفاعي للحضارة العراقية الإسلامية آنذاك. ولم تكن الأغلبية من السكان صامتة حياتيا كما هو شأنها الآن إذ فرض المغول والتتار ومن لحق بهم من سلطات بدائية بعد ذلك من الأقوام الرعوية الهمجية من خلال حملات الإفناء الجماعية التي شنت عليهم.
لم يستطع العراقيون أن يمارسوا دورهم كقوة اجتماعية فاعلة طوال حقب الحكم العثماني على الرغم من محاولاتهم المتكررة في الاستقلال عن الدولة العثمانية بهذا المقدار أو ذاك. واستمرت تلك الأوضاع إلى القرن العشرين حيث مارست الأغلبية دورا سلبيا في التشكّل السياسي للعراق الحديث؛ ويعود سبب ذلك إلى ضعف الوعي السياسي لديها وهيمنة قوى غيبية وجاهلة على الحياة السياسية ارتبطت على هذا النحو أو ذاك بقوى الاستعمار البريطاني (13).
وأسهم رجال الدين الشيعة التقليديون بعد ثورة 1920 في إذكاء روح الصمت الشيعي المبنية على انتظار المنقذ، على الرغم من كونهم يمثلون الأغلبية من السكان؛ وذلك من خلال فتواهم في إبعاد الشيعة عن المشاركة في الحكم. وتمخض عن تلك السياسة السلبية أن أنيطت المناصب الحكومية الأساسية بغيرهم من الطوائف الأخر؛ ويعد هذا الموقف من أسوأ الحالات المكبلة للصمت العام.
كان المتعلمون في الدولة العراقية الحديثة يشكلون ½ % من مجموع السكان في أفضل تقدير، وبلغ الجهل بالدين أشدّه قبيل الاحتلال البريطاني للعراق حتى أفتى بعضهم بتحريم الأكل بالملعقة والجلوس على المائدة ! ( 14) . ثمّ أصبح الدين من وجهة نظر أولئك الفقهاء والمفتون مقتصرا على تحرير الرسائل الفقهية و مناظرات الكلام التقليدية والعبادات وحصر الاجتهاد في ذلك المجال وحده تقريبا. ولم يعمل إلا نزر قليل منهم في ميادين (المعاملات) إلا في وقت متأخّر يصل إلى بداية العهد الجمهوري؛ حينما بدأت الأفكار اليسارية تكون خطرا ماثلا على عقيدة المسلمين التقليدية.
وهكذا كان الدين قوة هامشية في عموم العمل السياسي في العراق في حين أنّ الإسلام واحد من أهم المحركات الأساسية لثورة العشرين. وقد دفع النظام الإقطاعي وقانون العشائر(**) الذين أسهما في إرساء نوع من الرؤية التقليدية الثابتة لحلّ قضايا الصراعات الاجتماعية، كما أسهمت الانتخابات (الشكلية) في العهد الملكي إلى استمرار سيكولوجيا الصمت لدى الأغلبية الساحقة من أبناء الأمة العراقية . ويمكننا أن نجمل بعض ملامح تلك السيكولوجيا من خلال اللاوعي الجمعي للأغلبية الصامتة على النحو التالي :
أولا : الثبات
وهي صفات رافقت جميع الأمم و الشعوب قبل انبثاق الثورة الصناعية، وتتمثل في محاولة كبح جماح التغيير السياسي و الاجتماعي, والعمل على إبقاء القوى الاجتماعية المهيمنة القديمة لأطول مدّة في عملية صنع القرار السياسي .
ثانيا : الخوف
وهو نوع من الشعور الجمعي في رفض الأفراد والجماعات لمبدأ المغامرة (الوقوع في التهلكة) والحفاظ على الحياة في أحلك الظروف كالمجاعات والطواعين والحروب؛ ولا الشخصية أو القبلية باعتبار الحالة الأخيرة ضرورة لاستمرار وضع الحفاظ على الجماعة والخوف من ضياعها أيضا .

ثالثا : الولاء للفرد
ينحدر هذا المفهوم من المواريث الدينية والقبلية على حدّ سواء . فلم يسجل العراقيون خروجا على سلطة الملك الهاشمي الحجازي على الرغم من قيامهم بعدد من الانقلابات العسكرية قبل ثورة 14 تموز / يوليو 1958 . وهكذا فإن نسف الولاء للفرد ( = الأب + شيخ العشيرة "الآغا" + القائد السياسي) قد قدّم مناخا كاملا للأغلبية الصامتة .

رابعا : الإتّباع
وهي أنساق انقسامية دينية وقبلية وأسرية تحافظ على تثبيت خيوط اجتماعية مختلفة في اتجاه من التراتب للحيلولة دون خروج الأفراد عنها، وتعد بمثابة الخيوط المسيطرة على تحركات الأفراد ونشاطاتهم المختلفة والتي تظهر في سلوكهم العام .
خامسا : الترقّّب
يتخذ من الترقّب صفة لازمة للأفراد والجماعات العراقية ،وهي نتاج طبيعي عن فقدان الإرادة في صنع الأحداث . وقد يقود الترقّب إلى تطور مهم في محاولة خرق الصمت، لكن حالة الترقّب القصيرة الأجل لا يمكن أن تحقّق الهدف على العموم، ولذلك فإن الترقب الطويل الأجل ربما يؤدي إلى كسر حاجز الخوف .
عملت التكوينات آنفة الذكر وأخرى أقل أهمية على نشؤ نوع من التفكير التبريري في عدم المشاركة في صنع الأحداث أو التدخّل العملي لحرف اتجاهها على الأقل. ثمّ أصبحت ظاهرة النقد وسيلة للتخلص من ضغوط المعرفة المتراكمة، في حين غاب البديل الذي يرافق أية عملية نقدية، لكن هذه الحالة بقيت محصورة في شرائح محدودة اجتماعيا قامت بتأسيس حركات وطنية وبخاصة بعد عودة بعض الشخصيات السياسية المنفية بعد ثورة 1920 ونشرت جريدة الاستقلال مطالبهم في 9 شباط 1921في إطلاق حرية الصحافة والحريات العامة ورفع المحاكم العسكرية و الانتخاب الحرّ المباشر وغيرها من المطالب (15). وعلى الرغم من تلك الجهود التي حاولت التعبير عن تطلعات الأغلبية وما تمخض عنها في إصدار أول دستور (قانون أساسي) للعراق، واعتبار العراق ملكية دستورية نيابية مقيدة بالقانون (16) إلا أن الملك فيصل الأول لم يلتزم بروح ونصوص الدستور العراقي، وعد تصريحه في 10/ 9/ 1925 في عدم التدخل في شؤون الدولة والحكومة أمرا إعلاميا فحسب؛ حيث كان الملك فيصل نزاعا إلى تركيز السلطات بيده، وكانت بريطانيا تشجعه على ذلك .(17)
وبدأت النخبة المتعلمة عملا متواصلا في التركيز على الهوية العراقية، وظهر عدد من المفكرين العراقيين من أمثال: ابو الثناء الآلوسي، أحمد الصافي النجفي، محمد محمود القشطيني، محي الدين الكيلاني، عبد الفتاح ابراهيم، محمود شكري الآلوسي، جميل صدقي الزهاوي، الأب انستاس الكرملي، معروف الرصافي، محمد رضا الشبيبي، كاظم الدجيلي، فرنسيس جبران، رزق الله غنيمة، شكري الفضلي، خيري الهنداوي، رزوق غنام، عبد الرحمن البنا، ابراهيم منيب، سليمان الدخيل، عبد الحسين الأزري، حسن غصيبة، صادق الأعرجي، عبد اللطيف ثنيان، رشيد الصفار، عبد اللطيف الفلاحي، داود السعدي، كامل السامرائي، سلمان الشيخ داود، محمد االهاشمي، رشيد الهاشمي، رؤوف عيسى، ابراهيم صالح شكر، عطا امين، روفائيل بطي، عبد الغفور الدروبي، يعقوب سركيس، روفائيل بابو أسحاق ، يوسف حبي، محمد بهجت الأثري، محمد حسين الشبيبي، هبة الدين الشهرستاني، توفيق سمعان، عبد الرزاق الحسني، فهمي المدرس، ميخائيل تيسي ، إبراهيم حلمي، عبد الكريم العلاف، عبد الأحد حبوش وغيرهم ..
وحاولت الحركات السياسية اليسارية السرّية إحداث حراك اجتماعي في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية، لكنها افتقرت إلى الوسائل الفاعلة لاختراق الأغلبية الصامتة؛ ومع ذلك فإنها أحدثت تغييرا مهما في النظر إلى قضاياها الملحة والآنية. وكان لاجتياح بريطانيا للعراق مرة أخرى في عام 1941 اثر كبير في خلخلة البنى التقليدية التي درجت عليها الأغلبية الصامتة وبخاصة ما رافق أحداث الحرب العالمية الثانية 1939- 1945 م من مجاعات وتدهور اقتصادي للإنتاج المحلي، ثمّ بلورت تلك الأوضاع المتسارعة نوعا من التفكير بالتفرد الجماعي الأولي، ومنحت اللغة - تجاوزا - صفة القومية؛ بل وتكاد أن تكون الصفة الوحيدة أحيانا مما دعا بعض الجماعات القومية والعرقية وحتى الطائفية أيضا أن تطفو على سطح الأغلبية الساكنة لنعبّر عن ذواتها الخاصة تارة وعن تطلعاتها المعزولة عن روح الجماعة العراقية تارة أخرى. وكانت تلك النخب السياسية تحديدا لا تمتلك مشروعات اجتماعية واضحة وحتى يطال الوضع النخب اليسارية والتقدمية التي نشطت أيما نشاط بعد الحرب العالمية الثانية بخاصة وظهور الاتحاد السوفيتي السابق كقوة عظمى ترعى التحرّر في بلدان العالم الثالث التي تقع في ظلّ القوى الاستعمارية الغربية. ووجهت إلى المجتمع العراقي خطابات جريئة في الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والتمايز القومي؛ وهي موجهة إلى مجموعات سكانية محددة منه: عموديا إلى طبقات العمال والفلاحين، وأفقيا إلى القوميات والأقليات العرقية. وقد سجّل الحزب الوطني الديمقراطي، وكذلك الحزب الشيوعي العراقي إمكانية متواضعة في تحريك الأغلبية في عام 1948 ضدّ معاهدة جبر _ بيفن(18) لكن تلك الأحزاب على العموم لم تمتلك برامج واضحة للحراك الاجتماعي وكانت نشاطاتها السياسية -في جلّها - ردود أفعال بازاء قضايا تظهر على السطح السياسي وليس إيجاد قضايا اجتماعية بعينها؛ ومن هنا فقد خلت برامجها السياسية من البرنامج الاجتماعي المحدد والدقيق مما أسقطها أسيرة التنظيرات البحتة أحيانا والتي لم تسهم بالقدر الكافي في تحريك الأغلبية ووضع تلك الأحزاب في مأزق تاريخي.
ولم تستطع مجموعات الحركات الوطنية والقومية في العراق أن تكون نوعا من الارتداد إلى الذات العراقية البحتة لتنشيٌ لها قاعد ة اجتماعية صلبة يمكن من خلالها إحداث حراك اجتماعي، ومن ثمّ الارتقاء بالعقل العراقي إلى مستوى أعلى في التفكير وبما يتجاوز المكونات العاطفية للجماعات العرقية التي تدعو أحيانا إلى الانفصال .
عبرت شرائح اجتماعية مهمة في المدن العراقية الكبرى عن نفسها ولأول مرة منذ ثورة العراق الكبرى عام 1920 عن نفسها بوضوح تام في وثبة كانون 1948مستغلة الانفراج السياسي الجزئي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. وسجلت الذاكرة العراقية أياما مجيدة لمختلف طبقات وشرائح المجتمع العراقي، كم ظهرت المرأة العراقية ولأول مرة على الساحة السياسية معبرة عن مواقفها الوطنية من جديد منذ عام 1920 حينما دأبت على تحشيد الرجال في المعارك التي خاضوها ضدّ الإنكليز فكون ذلك الأمر صدمة حقيقية للأغلبية الصامتة بكل أطيافها، ومن الملاحظ تاريخيا أن مظاهر الرفض الوطني قد اتخذت تمظهرات شعبية على وجه الخصوص. وتمثلت بالدرجة الأساس بالطلبة الذين لم يألوا جهدا عن المطالبة بحقوق الأغلبية العراقية التي خرج قسم منها عن صمته.
كانت تظاهرات أعوام 1954 وتظاهرات رفض حلف بغداد 1955 ونصرة الجزائر وشجب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من أهم المدد في التعبير عن الأغلبية بعد الثورة الوطنية عام 1920. وعلى الرغم من المطالب السياسية العامة التي اكتنفت تلك التعبيرات إلا أن الطابع العام كان توكيدا للذات العراقية في تشكيل مواقفها السياسية الخاصة. فالمطالب الداخلية عبر عنها في الأحداث الخارجية ويعود سبب ذلك -من وجهة نظري - ليس إلى ضعف أو غياب البرامج الاجتماعية فحسب بل إلى تهميش كبير لمظاهر المجتمع المدني البدائية التي بدأت في عقد الثلاثينات من القرن العشرين . ولعل من أبرز تلك المؤسسات - على سبيل المثال - المرجعية الدينية في النجف التي تأسست منذ اكثر من ألف عام؛ إذ لم تستطع أن تبلور موقفا سياسيا خاصا بها على الرغم من مسؤولياتها الشرعية بازاء ذلك؟ ولم يظهر تيار سياسي إسلامي إلا بعد قيام ثورة 1958 ؟!
في وقت أن الأخوان المسلمين قد ظهروا في مصر منذ العقد الثالث من القرن العشرين. فلم بتكون حزب الدعوة الإسلامية إلا في عام 1959 في أقل تقدير كما أنه لم يتقدم إلى إجازته كما فعل الحزب الإسلامي العراقي حيث قدم في شباط 1960نخبة من مؤسسيه طلبا لإجازته وكذلك حزب التحرير الذي لم يختلف في برنامجه عن الحزب الإسلامي العراقي (19). ويعود تفسير تلك الظاهرة إلى فهم غير عميق لدور الحياة الحزبية في المجتمع ناهيك عن إعلان النخب الحاكمة في رفض التحزّب باعتباره منهجا لشقّ وحدة الأمة والجماعة تحت شعار: ( من تحزّب خان ) ! الذي يضمن للنخبة الحاكمة البقاء في السلطة إلى أطول مدّة ممكنة.

الأغلبية الصامتة والعلاقات الطبقية :

التساؤل الأكثر اهتماما في مسألة الأغلبية الصامتة هو مدى إسهام العلاقات الطبقية في إذكاء الصمت. ولا شكّ بأن الفوارق الطبقية في المجتمعات المتقدّمة صناعيا تعمل على إذابة الصمت العام إلى حدّ كبير. أما في المجتمعات التي لما تزل تشهد علاقات طبقية قديمة، ويتحكّم العامل العشائري فيها إلى حدّ بعيد كما هو الحال عليه في العراق والعديد من بلدان الشرق الأوسط. وهكذا أصبحت العلاقات الطبقية القديمة وما يرافقها من سيادة النظام الأبوي القديم عوامل إضافية ساعدت على استمرار الصمت مدّة طويلة. كما اسهم في الوقت نفسه تخلّف الوعي الديني ( الإسلامي ) في إضفاء طابع الشرعية على أنظمة ذات طبيعة عنفيه في تكوينها وسلوكها السياسيين مما جعل الخروج على الأنظمة السياسية الديكتاتورية خروجا على القيم والمثل الدينية باعتبارها خروجا على (مبدأ الجماعة ) الإسلامي. ولم تشمل تلك الظاهرة على العموم مذهبا معينا أو طائفة محددة؛ بل هي ظاهرة تكاد أن تكون شاملة لجميع طبقات المجتمع العراقي الأولية .
وإذا كان من الصعب أن نجد طبقات اجتماعية مميزة على النحو الذي هو عليه في أوربا والعالم المتقدّم فإن نظرة تكوينية إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة تؤكّد وجود نوع من التمايزات الاجتماعية التي كانت أساسا للنظام الطبقي ، والتي أسهمت -على الرغم من تداخلاتها بالعوامل الطائفية - حيث كانت الطائفة السنية ( الأقلية ) تستحوذ في النظام العثماني والنظام الملكي على مختلف مناصب الدولة، والقوة المالية، وإقطاعيات الأراضي التي تكرّست في عام 1858 وفي تسوية الأراضي في عام 1932 إبان العهد الملكي في العراق .(20 )
وأسهم النظام الطبقي في استمرار وضع الأغلبية الصامتة العراقية على نحو يكفل دائما عملية الاستغلال للفلاحين خاصة. وظهر هذا الوضع في أشدّ حالاته في شمال العراق وجنوبه حيث ظهرت كبريات الإقطاعيات التي وهبها النظام الملكي لأتباعه من شيوخ العشائر والمتنفّذين فيه في محاولة غير سليمة لفرض سيطرة الدولة على المناطق النائية من العراق .(21)

الأغلبية الصامتة في عهود العسكرتاريا السياسية :

منذ أن غادرت السفينة التي أقلت الملك فاروق عام 1952 وهي تمخر عباب البحر المتوسط إلى غير رجعة ، وتوقّف ثلة من الضباط الأحرار المصريين في وداعها وهي تختفي من الأنظار: يكون العالم العربي قد دخل مرحلة جديدة من أنظمة الحكم العسكرية التي لما تزل قائمة إلى الوقت الحاضر. ومن الصعب أن نرى بأن ثمة تقدما سياسيا على طريق الحريات الفردية أو حقوق الإنسان أو على مستوى الحياة الاقتصادية قد تمّ إنجازه بما يكفل ظهور دولة حديثة تتلاءم والشعارات التي رفعتها النخب العسكرية الحاكمة باستثناء خوضها عددا من الحروب الخاسرة ضدّ إسرائيل، وما نتج عنها من تكريس مروّع للدكتاتوريات العسكرية المختلفة .
تمّ تحشد الأغلبية الصامتة وتوظيفها في مهمات جديدة، إذ لم يعد من الضروري إبقائها قيد السكون والصمت العام والدائم بعد أن ازدادت أعداد المتعلمين لدى الأغلبية الصامتة على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخها السياسي والاجتماعي. أصبحت الأغلبية ذات أهمية قصوى في الحفاظ على الأنظمة السياسية الجديدة ، فجندت العسكرتاريا الأغلبية في جيوشها النظامية وغير النظامية ( الميليشيات الشعبية ) كما قامت بزجّها في التنظيمات السياسية ذات الطابع الموحد على وفق العقلية العسكرية في ضرورة أن يكون الجميع في اصطفاف ونسق واحد . فقام ( البكباشي ) جمال عبد الناصر بتنظيم جميع السياسيين المصريين في تنظيم سياسي وحيد دعي ب ( الاتحاد القومي ) ومن ثمّ بعد ذلك ب (الاتحاد الاشتراكي )؛ وحاولت بعض البلدان العربية استنساخ الأنموذج الناصري في بلدانها، بعد أن انتصرت الأيديولوجيا الناصرية في إيجاد قواعد عسكرية موالية لها كما في العراق ( الجبهة القومية ) وكان جلّها يتكون من الضباط العسكريين الحرفيين في الجيش العراقي. ووقفت تلك الجبهة ضدّ التوجهات الوطنية بعد تولى الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم السلطة وبعد نجاح ثورة 14 تموز التحررية التي استطاعت أن تكوّن اكبر قوة لتحريك الأغلبية الصامتة وبخاصة في العام الأول من قيامها. وعلى الرغم من أن الزعيم عبد الكريم قاسم قد انحدر من المؤسسة العسكرية نفسها إلا انه كان من طراز خاص من العسكريين الوطنيين الذين ضربوا أروع الأمثلة في الوطنية والصدق والمسالمة؛ لكن وضعه آنف الذكر لا يعني عدم اقترافه للأخطاء السياسية الجسيمة التي أسهمت بهذا القدر أو ذاك في إجهاض التجربة الديمقراطية التي جاءت بها ثورة 14 تموز الوطنية التحررية .
لم يكن الزعيم الركن عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالنظام الملكي 1921- 1958 مجرد مغامر عسكري طموح تأثر بأحداث إقليمية كثورة يوليو الناصرية؛ إذ لم يتخذ الزعيم الوطني منها مثالا يحتذى به كما فعل زميله عبد السلام محمد عارف الذي كان أنموذجا للعسكرتاريا في العراق . وعكف الزعيم الوطني على وضع الجيش تحت الشعب والوطن مما أثار حفيظة العسكرتاريا العراقية وقتذاك، وكانت أفكاره السياسية تنبع من إيمانه العميق بالشعب العراقي قبل أية مؤسسة تابعة له.
ولد الزعيم الراحل عام 1914 من أب عراقي ينحدر من قبيلة زبيد العربية وأم من قبيلة تميم العربية أيضا، وعاش في كنف أسرة كادحة حيث عمل والده في مهنة النجارة أو مزارعا في منطقة الصويرة الواقعة بين بغداد و واسط، وكان عبد الريم قاسم شابا متفوقا في جميع مراحل دراسته، كما كان انطوائيا إلى حدّ ما كما هو عليه حال معظم عظماء التاريخ الإنساني. وعمل في مقتبل حياته معلما للغة الإنكليزية في منطقة الرميثة في جنوب العراق، وقد ساءه حال تلك الفئة الأساسية في البناء الاجتماعي، ويبدو أن صفة المعلم لم تفارق الزعيم في حياته العسكرية التي لجأ إليها لتحسين وضعه الاجتماعي. وقرأ الزعيم عبد الكريم قاسم إلى جانب ثقافته العسكرية العالية وخبراته الحربية في حرب 1948 بين اليهود والأنظمة العربية التقليدية جميع الأفكار في عصره ، ومن أهم كتاباته :

ـ العروبة نحن حماتها ، وزارة الإرشاد ، 1960
ـ أبناء الأسرة التعليمية إنني أحد إفرادكم ، وزارة الإرشاد ، 1960
ـ أهداف الثورة ، الإرشاد ، 1960
ـ تحيات و رسائل إلى المؤتمرات الدولية ، 1960
ـ أهداف الثورة 1960
ـ جيشنا المظفر في ذكرى تأسيسه ، 1962
ـ مباديٌ ثورة 14 تموز في خطب ابن الشعب البار ( 3 أجزاء )
ـ مباديٌ ثورة 14 تموز في خطب الزعيم 1958 ، بغداد
ومن خلال قراءة محايدة لأفكار الزعيم عبد الكريم قاسم نجد اهتمامه المتزايد بالأغلبية من الشعب العراقي مما جعله عرضة دائمة لأصطدم العسكرتاريا السياسية به، ومحاولاتها إطاحته. ولعل تلك التوجهات من أهم المصادر الأساسية لاستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق ، والتي يتحملها بالدرجة الأساس ظهور التيار الشوفيني في العراق، وما رافقه من تطلعات محمومة إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية (22). وفي الوقت نفسه رأى آخرون بأن الزعيم عبد الكريم هو المنقذ المأمول للأغلبية المحرومة من الشعب العراقي ، وأن الالتفاف حوله هو سبيل النجاة للشعب بأجمعه (23). وإذا ما تأملنا معظم تلك الكتابات في ذلك الوقت يمكننا أن نكتشف البون الشاسع بين وسائل تحريك الأغلبية الساكنة والنظام السياسي الجديد الذي عدّ بأن إيمان الأغلبية بالنظام من خلال إبداء العواطف الوطنية كافيا لحشد الأغلبية إلى جانب النظام؛ ويؤكد ذلك الخطاب المتقطّع الذي أعدّه الزعيم المحاصر من دبابات الشوفينيين لبناية وزارة الدفاع يوم 8 شباط 1963 حيث بقي الزعيم يناشد الشعب (الأغلبية ) حتى اللحظات الأخيرة من حكمه الوطني .
فتح اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم الباب على مصراعيه إلى بداية عهد مظلم من التعامل مع الأغلبية الصامتة من خلال سوقها إلى السجون الكبرى، والأعدامات الجماعية، ووسائل القمع الشامل لكل أشكال الحريات الفردية والجماعية على نحو لم يشهد له تاريخ العراق مثيلا في الإفناء الجماعي والقضاء على كلّ أشكال الاحتجاج الفردي والجماعي وبخاصة بعد انقلاب 17 تموز 1968 مما أدخل الأغلبية الصامتة في أشد ّ محنها التاريخية ضراوة وعنفا على الإطلاق إذ صودرت جميع مظاهر التعبير وزجّت الأغلبية في حروب طاحنة لا مصلحة لها فيها.
ومن اجل وضع مفهوم أوضح للأغلبية الصامتة ومواقفها من أحداث العراق الآنية أجرينا الاستفتاء التالي حول معظم الأفكار التي تجتاح الأغلبية حاليا.

استفتاء حول الأغلبية الصامتة العراقية في 2 كانون أول ّ_ يناير عام 2005وانتهى في 15 من الشهر نفسه :
يعدّ أسلوب استطلاع الرأي واحدا من أهمّ المحاولات لمعرفة اتجاهات الأغلبية الصامتة في العراق في الوقت الحاضر. وقد وجّهت بضعة أسئلة محدّدة إلى 2000 عينة مختلفة بنسبة 58% من الذكور و42 % من الإناث ( أنظر الملحق الخاص بالبحث ) من شرائح المجتمع العراقي وفي المحافظات الجنوبية وبغداد ، في حين لم نستطع استطلاع الرأي للمحافظات الشمالية لعدم توفّر الدعم المالي لذلك .. وظهرت النتائج الآتية:
ما أسباب الحيلولة دون التعبير عن الرأي في العراق ؟ أسباب تاريخية 2% والأنظمة الدكتاتورية 88% وعوامل اجتماعية 7% ( أغلب الذين أكدوا على هذا الجانب هم من الإناث) في حين كوّنت العوامل الأخرى نسبة 3%. ويظهر لنا التحليل للأرقام الناتجة بان الأغلبية الصامتة في العراق ليست على وعي كبير بالعوامل الكامنة وراء الأنظمة الدكتاتورية ، وهي قد غفلت العوامل التاريخية المكوّنة لها. ولكنها لديها القدرة على التشخيص في الوقت نفسه؛ ومن هنا فإنها أغلبية يمكن أن تخرج من أوضاع صمتها في حالة تغيّر النظام السياسي من نظام شامل إلى نظام تعددي .
أما السؤال الآخر المتعلّق : هل حاولت التعبير عن رأيك في النظام السابق ؟ فقد جاءت النسب على النحو الآت: حولت بشدة 18% ( معظم الإجابات من الذكور )ولم أحـاول 9% ( معظم الإجابات من الإناث ) و أحيانا أخذت النسبة الأكبر من الإجابات :73%. ولذلك يمكننا أن نؤكّد من خلال ذلك إن الأغلبية الصامتة في العراق في حالة تمكّنها من العمل على تغيير أوضاعها ما دامت تحاول التعبير عن نفسها في ظلّ أعتى دكتاتورية عرفتها منطقة الشرق الأوسط .
وفي السؤال الثالث الذي تناول مسألة: هل يؤدي التعبير عن الرأي إلى تغيير المجتمع ؟ كانت الإجابات على النحو الآتي: يؤدي 56% لا يؤدي 4% أحيانا 40% كما ظهرت نسبة قليلة جدا لا تكاد تذكر (3 00 , 0 % )في كون التعبير عن الرأي لا يؤدي إلى تغيير المجتمع. وتؤكد هذه الظاهرة تنامي أهمية التعبير عن الرأي في التغيير السياسي و الاجتماعي باعتبارهما رافدين أساسيين من أهم الروافد في العملية السياسية والاجتماعية في آن.
وكانت إجابات السؤال: ما وسيلة الخروج من الصمت؟ قد تركزت على العامل السلمي إذ حصد أكبر نسبة من الأصوات 97% في حين كانت الإجابات على العوامل الأخرى 7% ولم يحز مفهوم الخروج عن الصمت عن طريق العنف على أية أهمية إذ سجّل ( 2 00, 0 % ) فقط. ويعكس هذا التوجّه خيار الأغلبية الصامتة على طريق اللاعنف وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية وكسر الصمت العام.
وحصل السؤال: من المسؤول برأيك عن استمرار ظاهرة الأغلبية الصامتة؟ على نتــائج متفاوتة تعكس الوعي الجمعي بازاء ظاهرة أساسية رافقت العراقيين قرونا عديدة، فقد حصل النظام السياسي على نسبة 48% من المسؤولية، في حين حصلت الأعراف القبلية على13% و القيم الدينية 28% والفوارق الطبقية 12% و11% على عوامل أخرى. وبينت تلك الأرقام الرأي العام الذي ما زال موزعا لدى الأغلبية الصامتة في وضع المسؤولية المباشرة علــى العامل الأساسي، وإذا كان النظام السياسي قد حصل على نسبة أكثر من غيره فإن ذلك يحيلنا إلى ضعف الوعي الاجتماعي لدور الأغلبية واعتقادها الراسخ بان المسؤولية لا تقع علــى عاتقها بالدرجة الأساس وهي تحمل ( الغير ) دائما استمرار حالة صمتها. ولذلك فهي ترى بأن كسر حالة الصمت سوف يأتي من ( الخارج ) على نحو دائم ( كمنقذ ).
وفي السؤال المتعلّق : هل حاولت التعبير عن رأيك في ظل النظام الحالي جاءت بنسبة عالية بالمحاولة بسبب المناخ الجديد للعراقيين وبنسبة 79% و 9% وبعدم المحاولة كان جلّها من الإناث، وهذا الوضع يعكس صعوبة قوة التعبير لدى المرأة العراقية على الرغم من الظروف الجديدة المواتية . أما إجابة أحيانا فقد حصلت على نسبة 12%
وقد استفتينا الشرائح الاجتماعية المختلفة حول: هل للمتعلمين والمثقفين دور في الأغلبية الصامتة ؟ فجاءت الإجابات على النحو الآتي :82% لهم دور مهم و16% لهم دور نسـبي و2% لا دور لهم. ومن هنا فإن الرأي العام يحمّل المتعلّمين والمثقفين مسؤولية كسر حاجز الصمت بالدرجة الأساس. أما في استفتاء الرأي حول استمرار الأغلبية الصامتة وعدم استمرارها فقد جاءت النتائج بنسبة 64% في عدم استمرارها و 36% في استمرارها في العراق . ونرى بحكم ذلك هيمنة وعي الصمت على نسبة كبيرة من المجتمع العراقي قد يستمر مدّة أطول من الزمن .

الخاتمة :
إن الأغلبية الصامتة في العراق والعالم العربي تكون ظاهرة جديرة بالمتابعة الفكرية من مدّة لأخرى فهي في أفضل أحوالها التاريخية بعد سقوط النظام الفاشي في العراق يوم 9/4 / 2003، ومن المفيد أن نذكر في هذا المجال بأن الأغلبية في العراق لم تستطع إزاحة النظام الدكتاتوري على الرغم من كل التضحيات الجسام التي قدّمتها على مدى أثر من أربعين عاما 1963 – 2003، ومن هنا فمن الضرورة بمكان أن ينبري أولئك المعنيين بشؤون الشعب العراقي إلى تقديم نماذجهم للحراك الاجتماعي لعموم الأغلبية الصامتة للحيلولة - على الأقل - دون عودة شبح الدكتاتورية من جديد. أود في نهاية البحث لأن اقدّم شكري العالي إلى جميع من أسهم معي في فرز الأصوات وحساب النسب من أفراد أسرتي وأصدقائي من المثقفين الذين تجشّم بعضهم عناء السفر إلى بعض المحافظات الجنوبية وبغداد. كما أود أن أشير إلى صعوبات في استفتاء الإناث في بعض الأماكن وقلّة ذلك مما عوض عنه في أماكن أخرى. كما أود الإشارة إلى الضعف النسبي في استفتاء المناطق الريفية أيضا. وفي النهاية لا يفوتني أن أشكر موظفات مركز دراسات الخليج العربي – جامعة البصرة اللواتي ساعدنني في التحضير لعمل هذا الاستفتاء.

الهوامش :

(1)حول الإنتاج الآسيوي ينظر :الياس مرقص ، الماركسية والشرق (بيروت ، دت ) ص ص 17-22
(2) لمزيد من التوسّع حول النظام الأبوي والاستبداد الشرقيين ، ينظر على سبيل المثال : د. هشام شرابي ، النظام الأبوي في المجتمع العربي ،ترجمة : محمود شريح ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، د.ت )
(3)سعد إبراهيم محمد ، التبشير أحد أساليب التغلغل الأجنبي في العراق ، مجلة الأمن و الجماهير ،العدد 9 ، آب 1983 ، ص ص 12- 25
(4) ل. ن كوتلوف ، ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق ، ترجمة عبد الواحد كرم ( بغداد : مطبعة الديواني ، د.ت ) ص ص 33-6
(5) د. عبد العزيز نوار ، التاريخ الحديث ـ الشعوب الإسلامية – الأتراك العثمانيون ، الفرس مسلمو الهند ( بيروت : دار النهضة العربية ، 1973 ) ص 410
(6) د. صادق جلال العظم ، ذهنية التحريم ، سلمان رشدي وحقيقة الأدب ، نيقوسيا : مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي – ط3- 1997 ) ص 32
(7) جيل دلوز ، المعرفة والسلطة – مدخل لقراءة فوكو ، ترجمة : سالم يفوت ( بيروت : المركز الثقافي العربي – ط1- 1997 ) ص ص 33-5
(8) المصدر نفسه ، ص 36
(9) د. خلدون حسن النقيب ، المجتمع والدولة في الخليج و الجزيرة العربية – من منظور مختلف ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية – ط 2- كانون الثاني / يناير 1989 ) ص 58
(*) يرى بعض الكتاب الإسلاميين المحدثين بأن تلك الظاهرة تعود إلى ما عرف بالانحراف عن التعاليم الإسلامية الصحيحة ، ودعا ذلك ب( الجاهلية الحديثة ) ، لكن نظرة معمقة إلى أسباب تلك الظاهرة تؤكد أن ذلك الانحسار أكبر من تشخيصه على هذا النحو بكثير ، ولا بدّ من قيام دراسات جادّة لذلك الغرض . أنظر على سبيل المثال : محمد قطب ، معالم الجاهلية الحديثة ( القاهرة ، د. ت ) .
(10) جيمس بيكنغهام ، رحلتي إلى العراق ، ترجمة : سليم طه التكريتي ( بغداد : د. ط . ، 1969 ) ج2 ص 177
(11) بصرة ولايتي سالنامه ( سنويات ولاية البصرة ) دفعة 3 ( الجزء الثالث ) وثائق محفوظة في مركز وثائق البصرة برقم 7885 في 21/ 2/ 1977 ، ص ص 87 ، 91
(12 )william Bayne Fisher , The Middle East : Aphysical , social and Regional Geography ( London , 1966 ) PP. 381-2
(13) لمزيد من المعلومات حول محاولات الاستقلال التي قامت بها القبائل العراقية ضدّ الدولة العثمانية في عهد المماليك ينظر: د. رياض الأسدي، جذور الفكر السياسي في العراق الحديث –1- محاولات الاستقلال المحلي في العراق1750- 1817 ، مجلة علوم إنسانية Journal of humanities& social sciences السنة الثالثة،العدد25،نوفمبر 2005 www.uluminsania.net ؛ وحول ارتباطات رجال العشائر بقوى الاحتلال البريطاني ، ينظر : د . عامر حسن فياض ، جذور الفكر الاشتراكي في العراق ( بيروت ، د.ت ) ص ص 13- 25
(14) د. يوسف عز الدين ، تطور الفكر الحديث في العراق ( بغداد : مطبعة أسعد ، 1976 ) ص 15
(**) ويعد من اسوأ الأنظمة التي ساعدت على تكريس النظرة القديمة للحياة والمجتمع العراقيين ، وهو يعني إمكانية أن تحل الأعراف العشائرية محل القانون في فضّ النزاعات الفردية والجماعية . ألغته السلطة الوطنية في عام 1958.
(15) عبد الرزاق عبد الدراجي ، جعفر أبو التمن ودوره في الحركة الوطنية ( لعراق : منشورات وزارة الثقافة و الفنون – سلسلة الأعلام المشهورين – 1978)ص3 14
(16) حول الدستور العراقي في العهد الملكي ، ينظر : د. عبد المجيد خدوري ، نظام الحكم في العراق (بغداد : مطبعة المعارف 1946 ) ص ص 27-44
(17)Phillip Willard Ireland : Astudy in political development London : Jonathan Capel, 1937) P. 120
(18) سجل الحركة الوطنية ضدّ معاهدة جبر ـ بيفن ، ودور الحزب الوطني الديمقراطي فيها ( بغداد : مطبعة الأهالي ، 1960 ) .
(19) ليث عبد الحسن الزبيدي ، ثورة 14 تموز في العراق ( العراق : دار الرشيد للنشر ، 1979 ) ص ص 274- 5

(20) لمزيد من المعلومات حول الحياة الطبقية في العراق في العهدين العثماني والملكي ينظر : حنا بطاطو ، العراق ـ الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ، الكتاب الأول ، ترجمة عفيف الرزاز ( بيروت : مؤسسة الأبحاث العربية ـ ط2 ـ 1995 ) ص ص 7ـ 57
(21) المصدر نفسه ، ص 66
(23) لمزيد من المعلومات :عبد النافع محمود ، ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في العراق ، رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة القاهرة ، 1973 ) ص 17
(24 ) ينظر على سبيل المثال : عبد الكريم الجدّة ، ثورة الزعيم المنقذ ( بغداد : د.ط ، 1960 ) .

************

أ. م . د
رياض الأسدي
رئيس قسم الدراسات السياسية والستراتيجية
مركز دراسات الخليج العربي
جامعة البصرة
2005






#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب ( علي ومناوئوه) المنهجيتان العلمية والتقليدية
- الليبراليون العراقيون: طريق غير ممهّدة وسير متعثر
- تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض الأسدي - الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية