أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - رياض الأسدي - ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل















المزيد.....



ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1477 - 2006 / 3 / 2 - 09:40
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نشرت هذه الافكار العراقية التي تتناول الشؤون الداخلية للعراق على مدى ثلاث سنوات شبه متواصلة في الصحف المحلية او المواقع الإلكترونية، من اجل وضع صورة واضحة عما جرى ويجري في العراق.. قسم من هذه الميكروسكوبات تتناول الجامعة والتعليم عموما، وذلك بحكم المهنة التي يزاولها الكاتب. وعلى الرغم من ان الكاتب الذي يعيش في العراق دائما لم يستطع ان يكتب كل المآسي والفظائع التي شاهدها فيه بعد 2003 وخاصة بسبب الحملات التي تشنّ لتصفية وتهديد الكتاب الوطنيين بين حين وآخر، وما تعرض له، ولا مجال لذكره الآن؛ إلا انه مازال يعتقد ان شمس للحرية - الأقل وحشية- قادمة إلى العراق رغم أنف الدكتاتوريات القديمة والجديدة. وقد جمعت هذه الأعمدة الصحفية كميكروسكوبات خدمة للقاريء العربي والعراقي والمكتبة الإلكترونية العربية.





اتفقنا على أن نتفق !


الخلاف دائما : دينمية للحياة وروحها ، ولحركتها المتصاعدة ونسغها ، وقوتها وقدراتها المتنامية . ومن الطبيعي أن تجد ثمة مجموعة بشرية تتفق على قضايا واحدة ، ثم تكون لها وجهات نظر مختلفة , وآراء متنوعة ، وسبل مغايرة في تحقيق الأهداف التي رسمتها سلفا. وتلك سنة الله في خلقه ، وجدل العالم في وصفه . فآنت تجد التوأمين السياميين مختلفين في الأمزجة والطباع ، وبصمة الإبهام , وفي التطلّعات ، وفي اختيار الألوان والملابس .. فعلام يرى البعض منا في الاختلاف خطورة ، وفي التنوع مدعاة لسحب البسط من تحته ؟ ففي كل اختلاف آية ، وفي كل تنوع في الطبيعة المادية والبشرية آية أخرى ، لعلنا نعقل ، ولعلنا نكف عن أن يكون الآخر مثلنا دائما .
ربما يتساءل الإنسان عن السر في رغبة البشر العارمة على أن يكون الآباء كالأجداد ، والأبناء كالآباء ، والأمهات كالجدات ، والبنات كالأمهات . والرعية كالحكام . والتلاميذ كالمعلمين . والممثلين كالمخرجين . والموظفين كالمدير العام والمدراء العامين كالوزير والوزراء كرئيس الجمهورية أو الملك أو الأمير : إنه النظام الأبوي العتيد (الباترياركيpatriarchy ) الذي ورثناه عن ثقافتنا الشرقية القديمة ، وما يزال فاعلا فينا حتى الوقت الحاضر وإلى ما نشاء : يطوح بنا تارة ونطوح به أخرى ؛ نلعنه زمنا ونبكيه آخر ! . ومن الصعب أن نتخلّص منه في النصح وكتابة المقالات والصياح في الأزقة والحارات ، وكذلك في اتخاذ فلسفات الغرب والشرق والشمال والجنوب ومناهجهم السياسية ، لأنه ببساطة يكمن فينا ( نظامنا الأبوي ) في لا وعينا الجمعي التاريخي ووعينا اليومي ؛ فعمره فينا آلاف السنين، منذ بدء الحضارة ، كما أن إشارة كارل ماركس إليه في ذيل بحثه الكبير عن العمل وراس المال وبما عرف ب( طريقة الإنتاج الآسيوي ) هي إشارة صغيرة ومتأخرة . ولعلنا نبدأ من جديد في دراسة النظام الأبوي من منظور مختلف .
ولذلك ، فإن طبيعة النظام الأبوي خادعة ، مموّهة , غريبة ، يكتنفها الكذب العام وتسفيط الكلام والركض وراء الفرد إلى حدّ بعيد . يعتوره النسق المظلل للجماعات والأفراد في تأليه الأفراد ، وإضفاء صفات عليهم ما انزل الله بها من سلطان ، على الرغم من إن ممارسيها من ( الآباء شبه المحصّنين والأبناء غير الرصينين ) يدركون هذا الأمر غالبا ، ويعرفون فساده ، إلا انهم يستمرون في خداع نفوسهم وغيرهم أيضا ، غير عابئين بالنتائج ولا مهتمين بما يمكن أن تؤول إليه الأحداث ضدهم ! ؛ وتلك والله هي الطامة الكبرى أيتها السيدات والآنسات والسادة ؛ لأن نظام الاتفاق المبني على النظام الأبوي لن يلبث أن ينهار عند أول مواجهة كبيرة أو جادّة .ولسوف يحصد ما بذره الزارعون بأيديهم قمحا أسود لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ وهذا ما حدث عمليا لعبد الناصر وشاه إيران وصدام وستالين وخروتشوف وفرانكو وهيلاسيلاسي وحاكم جزر القمر ! والقائمة من الطول بحيث يمكن أن تستهلك العمود كله وتعبر على عمود ( كان يا ما كان ) فتحل أسماء الآباء المؤسسين للباترياركية محل أسماء الممثلين والمطربين والموسيقيين والمخرجين ، وهذا من أشد الظلم لكثيرين ؛ لأن الفنانين لم يمنحوا الإنسانية غير المتعة سواء تذوقناها أم لم نتذوقها ، في حين لم نجترع من آبائنا المسيسين أولئك إلا طعم الدماء الحارة ، ولم نشم منهم إلا الروائح الكريهة .
ومن هنا فإن المثل القائل : اتفقنا على أن لا نتفق ! يأتي دائما بعد انهيار إمبراطوريات الآباء المؤسسين وسقوط تماثيلهم اللعينة السود دائما ، وما يوم ألمانيا النازية وروسيا الشيوعية ورومانيا وبولندا والعراق وجورجيا ببعيد ؛ والقائمة في هذا المجال من الطول بحيث يمكن أن تستهلك الجريدة بأكملها ، وهذا ما لم يسمح به ـ طبعا ـ رئيس التحرير !
والاختلافات بين الأفراد والجماعات طبيعية وضرورية وهي تعلن عن وجود حياة ما فينا ، نسغ صاعد و نسغ نازل ، ومن غير الطبيعي : أن لا تجد ثمة اختلاف هنا أو هناك .. ولكن لابدّ أن تنضج تلك الاختلافات والخلافات ووجهات النظر المتباينة قواعد ومناهج نتفق عليها منذ البداية تكون لدينا مرجعا ولخلافاتنا ملجئا . والشعوب والأمم الحية كانت وما تزال تجد في تلك القواعد والمرجعيات ـ مهما كانت بسيطة ـ أساسا للعمل ، وطريقة للتآلف . فوحدة العراق قاعدة لا اختلاف عليها ، والنظام الديمقراطي سبيل لا يمكن أن نتخطاه بعد سلسلة التجارب المريرة للأنظمة الدكتاتورية السابقة . والدستور الدائم صمام الأمان لجميع العراقيين. هذه هي الأمور وغيرها كثير يمكن أن نتفق عليها حقيقة . فهل نغير المثل الدارج الآن ؟




مركز لتوثيق الحرب و دراسات انتفاضة آذار1991


بعد اندحار الجيش العراقي من الكويت عام 1991 وهرب فلوله منها زرافات ووحدانا , جلست باكيا مستذكرا جميع المآثر التي قام بها هذا الجيش الباسل العظيم من 1948 إلـــى 1958وكيف تحول من أداة تدافع عن الشعب إلى سكين باشطة لجزّ رقاب أبنائه بعد أن سيطر عليه الفاشيون القومويون عام 1963 . بكيت لأني خدمت في هذا الجيش زهرة أيام شبابي كضابط احتياط فيه ، ولمدة سبع سنوات متواصلة بأيامها ولياليها وموتها وعذاباتها إبان الحرب العراقية الإيرانية كلها . وأعرف دقائق هذا الجيش وخبايا سياقاته بعد أن حوّله صدام إلى ماكنة لحرث زرعه الأسود فيه . لقد اشترى صدام ولاء الضباط الاحتياط والضباط المطوّعين بثمن بخس يمكن أن يحصل عليه أي عامل بسيط في الولايات المتحدة في بضعة أشهر ، ومن خلال ذلك العرض الرخيص لسيارات السوبر ـ تحولت إلى برازيلي بعد ذلك ثم إلى أمل في الحصول على سيارة صالون ـ وقطعة الأرض في أطراف المدن ، مقابل تطوعهم في جيشه الذي بدأ بنزع صفته العراقية منذ أن قامت دباباته بسحق ثوار الانتفاضة عام 1991 ، ولتحل بالعراقيين واحدة من أكبر النكبات في تاريخهم الحديث على الإطلاق .
ولم أكن أتوقّع بأن يأتي هذا الجيش بدبابات T72 الروسية المتطورة والهاربة من جحيم الكويت ليضرب بها الحيانية والمدينة والهوير وخمس ميل والكرمة والمراقد المقدّسة في النجف وكربلاء وغيرها من مدن وقصبات العراق. ثم يـأتي الصفيق ليضع أنواط الشجاعة على صدور الجبناء الذين أصبحوا أسودا على أبناء جلدتهم ، ولا أعرف كم منهم يشبه الفريق الشهيد بارق الحاج حنطة و اللواء عبد الزهرة شكارة المالكي حينما قال وهو إمامنا في الصلاة في إحدى زنازين ( سجن الحاكمية ) : "إخواني وصية ، والوصية أمانة ، لمن يخرج حيا من هنا : إني فعلت ما فعلت من أجل شعب العراق وحده وضد صدام القذر أولا !" مثل أولئك وغيرهم كثير كانوا هم الضباط الذين يستحقّون رتبهم بجدارة ، قبل أن يحول صدام الرفاق إلى ملازمين على الرغم من إنهم لم يحصلوا على الشهادة المتوسطة .
كانت فلول الهاربين الحفاة العطاشى والجياع الذين تورمت أقدامهم من المشي في صحراء المطلاع ، أو أولئك الذين قدموا من فيلكا والعبدلي والعاصمة تبشّر بهزيمة منكرة لسوف يتذكرها العراقيون بعد ألف عام ؛ حرب لا معنى لها ، وموت عشوائي غير مبرر ، كانوا يلعنون صدام وورطته في الكويت طوال الطريق ويسبون أسلافه ، لأنهم لم يعرفوا حتى هذه اللحظة سبب دفعهم إلى معركة غير متكافئة على الإطلاق ، فقد أصبحوا مجرد فئران سهلة الاصطياد على صحراء المطلاع من طائرات العدو الأميركي وحلفائه. كانت رائحة الجثث المحترقة للجنود العراقيين الهاربين بالتريلات تزكم الأنوف على طريق صفوان - أم قصر . كما أن مجمع رفات الشهداء القريب من المنطقة أصبح مرتعا للكلاب السائبة التي تناهبت الجثث بعد أن قصف ، وهرب منه الحرس من الجنود والضباط ؛ هكذا كان صدام يولي القتلى اهتمامه وهكذا كانت الأمور تجري ، فعلام بقاء الولاء بعد ذلك ؟! أمن أجل السيارة وقطعة الأرض التي لا يملكها صدام فالأرض ـ كل الأرض هي ملك الله تعالى ـ فلماذا لم يثر هذا الجيش على صدام ويطيح به ؟ إنه سؤال سوف يبقى قائما إلى أبد الدهر يا ضباط جيشنا الأشاوس ! وبخاصة ممن يظهرون الآن من القيادات العسكرية المهزومة والمنكسرة وعلى شاشات القناة الشرقية نصف الصدامية والنصف الآخر عفلقي !
إن وجود مركز عراقي موضوعي ومحايد وعلمي لتوثيق الأحداث التي مرت بالعراق سواء العسكرية منها أو أحداث الانتفاضة يعد مهما جدا إلى الأجيال العراقية القادمة ، والتي يتوجب علينا نحن المسؤولون أن نوثقها لهم لكي لا يأتي من يأتي ويزيف تاريخهم لهم أو يجعله يصبّ في هذا الرافد أو ذاك . فالبلدان التي خاضت الحرب ضد العراق كإيران والكويت لديها مثل هذه المراكز العلمية . لكنها تكتب بالطبع من وجهة نظرها الوطنية ، وهذا حقّ لها ، ولكن من حقّنا أيضا أن نكتب الأحداث التي مرت بالعراق من وجهة نظر العراقيين أيضا . ومن هنا فإن توثيق أحدث الحرب وانتفاضة آذار من الأهمية بمكان . وبما أننا لدينا مركز وثائق البصرة التي تحولت إلى رماد بسبب الحواسميين وقوات الاحتلال البريطاني وتعاضدهما معا ، ولذلك أقترح أن يكون هذا المركز التابع إلى جامعة البصرة نواة لذلك الجهد الذي سوف يستمر سنوات وسنوات وبخاصة إن وثائق الانتفاضة يمكن جمعها الآن ، وكذلك وثبة عام 1999 والتي كانت البصرة علما متوحدا فيها . فهل تستجيب جامعة البصرة ؟ أم أن السفرات إلى الخارج أهم من تاريخ المدينة ؟ و (الحوي ) أوقع من دماء الشهداء ؟ .


تعلّم القضاء على الفساد الإداري في خمسة ايام!


عندما دخلت إحدى الدوائر الحكومية في عهد الطاغية قطعوا لي (باص دخولية)، وكأنني ذاهب إلى سينما صيفية. يا للسينما الصيفية التي اختفت من حياتنا في عهد صدام، كما اختفى عديد من الأشياء الجميلة فينا. وعندما توجّهت إلى أول موظف لتقديم المعاملة فتح مجرور الطاولة الجانبية وقال: في خدمتك أستاذ!. و رأيت في المجرور أكداسا من فئة (250 )دينارا المزدانة بصورة القائد طبعا. وراح الموظف يقلّب المعاملة من كل الوجوه، فقلت:
ـ إن المعاملة لا تحتاج إلا إلى تحويلها إلى المدير المسؤول فهي كما ترى ... كاملة الأوصــاف ياعيني!
فأجاب: طيب أدفع 250 هنا. وأشار إلى المجرور المفتوح..
ـ لكني دفعت المقسوم لكم في الاستعلامات بباب الدائرة ؟
ـ الاستعلامات شكل وهنا ... شكل ثاني حبك !!
فأردت أن أكون متحاذقا معه، فهتفت :
ـ ألا تخاف من المخابرات ؟! أنا حكومة!
وعندئذ طفق يضحك بصوت مجلجل هذه المرة قائلا:
ـ لا، خوفتني، يمآآآآآآ! لن أخاف أبدا، كان غيرك أشطر !
ـ لماذا ؟؟ هل المخابرات شيء بسيط؟
ـ يابه د..قم!
ـ هآآآ؟!
ـ السيد المدير العام(بتاعنا) عضو شعبة !
ـ وماذا يعني ذلك ؟!
ـ طبعا! فكل عضو شعبة في المخابرات، ولو كنت في المخابرات العراقية، لركضت معاملتك من السيد المدير مباشرة، وبيد فراشه الخاص، والآن تأكدت بأن حضرتك لست في المخابرات، ولا حتى ( رفيق ) حزبي !
ـ وكيف عرفت هذه الأخيرة دخيل الله ؟!
ـ لأن كل عضو شعبة مرتبط بالمخابرات، أفهم!!، عراقي جحش!، ومديرنا عضو شعبة (معدّل) يا فحل! وهذه المسألة يعرفها كل رفيق حزبي في العراق العظيم. أدفع ربع واستر على نفسك. زووووج!
ـ لا بالله !!
ـ وعقوبة لك (فصل مربع) ادفع وأنت ساكت ألف دينار، مفهوم ياضابط المخآآآآآآبرات، أصيح لو أسكت
ـ أسترنا يا معود مو كنا بس نشاقا
ـ تتشاقا مع المخابرات؟! ادفع بسرعة إن الله يحت الساترين؛ وإلا سأخبر أمن الدائرة بأنك تنتحل صفة المخابرات.. طررررطور!
لم يكن أمام ذلك الحاذق المرتشي إلا أن أدفع المقسوم(ألف دينار وربع!) بسبب تحاذقي الغبي، وأهرول أمامه إلى موظف آخر، بعد أن اتخذت قرارا نهائيا ألا أكون متحاذقا مع أي موظف في دوائر الدولة الرسمية وغير الرسمية وكل ما يمت إلى السلطة بصلة.
كانت الرشوة أمرا طبيعيا في النظام السابق. ولم يكن بالإمكان معالجتها إلا بزوال ذلك النظام البائس. وفي الأنظمة الديمقراطية لا يعني اختفاء تلك الأمراض نهائيا. فالديمقراطية ليست حلا سحريا لجميع المشكلات والمعضلات التي تواجه الدولة أو المجتمع؛ لكنها في الوقت نفسه تفرض نوعا من الالتزام بالقوانين والأنظمة، وكذلك نوعا من الشفافية و الرقابة العامة على أجهزة الدولة. كما أن للصحافة دورا كبيرا في تشخيص الحالات الشاذة وغير القانونية في دوائر الدولة؛ ومن هنا فإن النظام الديمقراطي يكفل للمواطن حرية الدفاع عن نفسه، والاعتراض لدى عديد من الجهات التي يمكن أن تساعده في إيصال صوته إلى أعلى المستويات.. وإلى طرح شكواه بسهولة أمام الرأي العام. هذا إذا كان هناك نظام ديمقراطي بحقّ وحقيق.
وفي ظل النظام الديمقراطي يمكن للخروقات المالية والإدارية أن تتحول إلى الضؤ بسرعة كبيرة. فلا يفترض أحد ما بأن تكون تلك الأعمال المشينة في خبر كان في آلية الأنظمة التعددية، لأن النظام الديمقراطي يوفّر أشكال متعددة من الرقابة تفتقر إليها الأنظمة الديكتاتورية عموما. أما كيف يمكن للرشوة أن تعيش في ظل النظام الديمقراطي ؟ فإن الإجابة على هذا السؤال تكمن في طبيعة ذلك النظام ومدى وجود المؤسسات الضامنة لحرية الراي والتعبير والنقد والمساءلة للمسؤولين بدءا من رئيس الجمهورية امام البرلمان وحتى أصغر موظف في الدولة.
ولن تحدث تلك الوضعية بين ليلة وضحاها بل يتوجب ان تحمى بالتربية وانتشار ااخلاق الوطنية في كلذ حدب وصوب. ولا نعني بذلك أنتشار الخطب والمواعظ الدينية والاخلاقية فحسب؛ بل قيام نظام اخلاقي مؤسساتي تحميه الدولة والمجتمع على حدّ سواء من أجل كبح جماح النفس الإنسانية الأمارة بالسؤ أولا - إلا ما رحم ربي! - فقد كان النظام السابق قد جعل من الرشوة حالة طبيعية يمارسها موظفو الدولة على اختلاف مناصبهم، وتعدد وظائفهم حتى أصبح النظام السياسي في العراق يذكّر بالفساد الإداري الذي كان عليه نظام الشاه محمد رضا بهلوي - وزاد عليه قاطات! - فكان ذلك العامل من أهم العوامل في سقوط بهلوي المدوي في منطقة الشرق الأوسط. لكن الفساد الإداري لم يسقط صدام وإنما تقنية طائرات ودبابات العم سام، إذ لم تستطع كلّ وسائل الانهيار جرفه من أمامنا.. فهل نقول "شكرا" للعم سام والجد "أبو ناجي" و"الخوال الجدد!" ( أبو شفقة ومسدسين)؟؟
بالطبع، إن الأخبار الأخيرة عن حجم الرشاوى التي تلقتها حكومة صدام من مئات الشركات في ظلّ مذكرة النفط مقابل الغذاء قد بلغت مليار و800 مليون دولار على مدى سنوات المذكرة، وكما أعلن عن ذلك بول فولكر رئيس لجنة التحقيق في فضيحة النفط مقابل الغذاء في أخر تقرير رسمي قدّم إلى الأمم المتحدة. ولا ادري هل أن السيد فولكر قد جاء ب( طاري) كوجي عنان الابن البار لكوفي عنان أم أن القضية تلفلفت؟ الله أعلم والسيد فولكر!
و يا ترى ماذا يعني ذلك أمام الفضيحة الأكبر للحاكم المدني بول بريمر (حفظه الله ورعاه!) الذي اختفت في عهده 7-8 مليار دولار من أموال الشعب العراقي الذي لا يجد أحدهم لقمة خبز في العصر العولمي الأميركي، وهم ينامون على بحار من النفط ؟ وكيف يمكن للسيد راضي الراضي رئيس لجنة النزاهة المستقلة النوم وهو يرى أموال العراق المسكين نهبا من أعضاء الحكومة السابقة او اللاحقة وهو راضٍِ ؟! حيث سرق مليار دولار في وزارة الدفاع السابقة وحدها؟ وهل تتجرا لجنة النزاهة على محاسبة (الصاحب) بول بريمر وتصدر أمرا بالقبض عليه من الأنتروبول؟ لو فعلت مثل هذا الأمر – والعياذ بالله!!- لوضعوا السيد راضي الراضي في سجن بوكا!، وربما وجّهت إليه تهمة مساندة الإرهاب وحسب قانون مكافحة الإرهاب العالمي.
كان حجم الفساد الإداري في عهد صدام أكبر وزنا، وأوسع انتشارا، وأعمق جذورا، فقد أصبحت الرشوة ميزة اجتماعية، ووجاهة شخصية، وكادت أن تكون عرفا اجتماعيا لولا أن تداركنا الله تعالى – وليس ثمة أحد غيره طبعا- بزوال ذلك النظام الفاسد، والاستثنائي بكلّ شيء حسب مفهوم صدامح فقد كان أستثنائيا بالفساد الإداري أيضا. ولأن نظام صدام حالة نادرة في التاريخ الإنساني، فإن أمراضه وقيمه سوف تبقى مدّة غير قليلة، ما لم نعمل على نحو استثنائي – أيضا- على إزالتها.
وإذا كانت الرشوة عملية ذميمة و في مختلف مجالات العمل فإنها جدّ خطيرة في الجانب القضائي والتربوي، ولا يمكن السكوت عنها بأي حال من الأحوال. لأنها إن حلّت في هذه المجالات فاقرأ على الدولة السلام. لكن نظام صدام غضّ الطرف عنها حتى في هذا الميدان أيضا، ولم يحاول إصلاح أو معالجة ذلك الورم الخبيث بسبب أن تلك الظاهرة تمارس في أعلى المستويات الحزبية و الحكومية. فكيف بنا الآن وقد ضربت الرشى إطنابها في كلّ حدب وصوب؟ وفاقت معدلاتها ما كان في عهد النظام السابق أضعافا مضاعفة. وحدد تقرير دولي مؤخرا بان العراق اول بلد يعاني من الفساد الإداري: أي رقم واحد في الفساد!
وتكمن خطورة الفساد في الجانب الإداري تربويا وقضائيا في أننا سوف نخرّج قصابين بدلا عن أطباء، وعمّالة قتلة تنهار العمارات والبيوت على رؤوس ساكنيها بدلا عن مهندسين أكفاء بسبب السؤ في تعليمهم والرشوة التي أوصلتهم إلى شهاداتهم، ومعلمون يحتاجون إلى ألف باء التعليم في اختصاصاتهم فلا يخرّجون لنا إلا تلاميذ أميين وهلم وجرا. ولا يضاهي تلك الخطورة إلا القضاء حيث يعمل بالرشوة على إطلاق سراح المجرمين أو يدخل السجن أبرياء لا ذنب لهم. وفي مجال التربية والتعليم العالي والقضاء تكون الرشوة والفساد الإداريين من أخطر ما يمكن على المجتمع والدولة، ولا يمكن لأية حكومة مهما كانت توجهاتها وفلسفتها ومستوى الكفاءة فيها، أن تغض النظر عن ذلك إلا إذا كانت قد نزعت عنها صفة الدولة نهائيا كحكومتنا السابقة العتيدة.
ومن الاخطاء الشائعة ان لدى العراقيين قبل سقوط النظام (حكومة وعلم!) هذا ما كان يظنه عراقيو الخارج ومن لفّ لفهم من جماعة الاميركان. وفي الواقع ان السنين الاخيرة افرزت على نحو واضح عددا من الحكومات مارسها اهل العوجة فقد كان عدي حكومة ونظاما سياسيا، وقصي كذلك، وعلي حسن المجيد، وحتى لعبد حمود حكومته الخاصة.هذا ما كانت عليه تقاليد أبناء العوجة في (الاقطاع السياسي) الذين يرون الحكومة رطانة بالواو فقط! أما حكومة اليوم فعليها ان تعالج قضايا الفساد الإداري بالطريقة نفسها في معالجة قضايا الإرهاب الذي يتعرّض له العراقيين يوميا ولا أحسب انها تحتاج إلى أية رطانة بأي حرف إلا بحروف ع..ر..ا..ق...
كان النظام السابق سيئا في كل شيء، لكننا لا يمكننا أن نوعز ذلك السؤ له وحده بل إلى تهاوننا- لنعترف ونتكاشف- والنكوص عن مواجهته بعد ان (ثرم) معظم طاقات العراق البشرية المفكرة في الحروب والسجون والمقابر الجماعية والحصارات والموت الجماعي. أجل، رغم ذلك: فإني أوعز كلّ الانهيار الاخلاقي والسياسي والاقتصادي في العراق إلى عجزنا عن المواجهة، وخشيتنا من البطش، وكسلنا وتراخينا وصرفنا لعبارة : الله كريم وهو حلال المشاكل اكثر من اية عبارة اخرى!
وإلى سؤ إدارتنا للازمة التي اجتاحت العراق من أقصاه إلى اقصاه. وإلى ما كان عليه وضع ذلك النظام العبثي الجاهل الذي كان يتلذذ بالتدمير.. وعلى العراقيين الآن في إدارة الدولة الجديدة، و في هذه المرحلة أن يثبتوا لأنفسهم - قبل غيرهم- بأنهم قادرون على التغيير بالاتجاه الصحيح، وأنهم من الكفاءة على مواجهة المخاطر المحيطة بهم من مختلف أنواعها.. فقد كان النظام السابق قد عقد العزم تماما على معالجة التحديات التي تواجهه أمنيا، وأمنيا فقط. وما عدا ذلك فهو أمر ثانوي لا يستحق النظر،مما وضعه في عزلة دائمة عن الشعب. وخير دليل على ذلك : إن صدام كان عاكفا على كتابة رواية جديدة ـ ما بعد الحداثة الطلفاحية طبعا، ووفق المدرسة التفكيكية ـ فما حاجته بعد ذلك إلى الأنظمة الإدارية الحديثة، ما دام العراق سوف يتفكك بعده - معاذ الله - وعلينا أن نثبت العكس تماما، ومن خلال العمل على تشخيص هذا الكم الهائل من مخلفاته . أما السادة الجدد الحاكمون بأمر دستورنا العتيد، فإن عليهم أن ينظفوا دورهم ومكاتبهم وآذانهم وأنوفهم من روائح الفساد الإداري الطاغية في كلّ مكان، بعد ان صنّف العراق دوليا بأنه الدولة رقم ولحد في هذا المجال. فهل ثمة ما هو اخزى؟ وإلا.. فإنهم قد يضطرون إلى إدارة الدولة بحرف الواو الذي أعتاد على تداوله تكارتة صدام.. او ابتكار حرف آخر.. وربما من لغة أخرى.. وقبل أن يقرأوا كرّاس: تعلّم الإنكليزية في خمسة أيام! عليهم أن يضعوا كتابا: كيف نقضي على الفساد في خمسة سنوات او أقل.. فهل ثمة من يمتشق القلم أو الحسام من اجل العراق؟


عرضحالجية (أبو سامي)
كلّ أربعة بعشرة فلوس!

ليس ثمة اجمل ولا انبل ولا أشرف من اولئك الرجال الذين نصبوا موائدهم لمساعدة الناس في كتابة العرائض قبل مائة عام امام المحاكم، وبعض الدوائر ذات المساس بحياة الناس. اولئك (عرضحاجية) يخدمون بشرف. لكننا وجدنا في الاونة الاخيرة من سني المحتل ثمة (عرضحالجية) جدد من نوع آخر، لا علاقة لهم أبدا بعرضحالجيتنا التقليديين، ولا يتنسبون لهم من قريب او بعيد، اللهم إلا في ممارسة الكتابة يوميا.
أوراقهم.. عفوا أولئك العرضحالجية لا يستخدمون الورق كثيرا هذه الأيام.. أقلامهم .. مكسورة.. لا حبر فيها.. بل حتى الأقلام طلقوها هذه الايام.. ألوانهم .. لا لون ولا رائحة ولا طعم لهم.. لكنك يمكنك اكتشافهم رغم ذلك.
ولكن ثمة تحذير مهم: من حاول الشرب من مياههم فسيبؤ بغضب من الله شديد قبل ان ينؤ بغضب التاريخ - هذا الغضب غير مهم - او بغضب الشعب القطيع النائم - غضب لن يأتي بعد مائة عام في أقل تقدير- ولذلك ليس امامنا إلا الله وغضبه طبعا!. ومن هنا فإن العرضحالجية في نعيم دائم وامان متفاقم.
إنهم عرضحالجية السيد الجديد( أبو سامي) الذي ورث التخت عن صاحبه العتيق ( أبو الزنجار) أبو ناجي.
قسم منهم كانوا عرضحالجية (الأستاذ عدي) سابقا. آخر مرة رأيت واحدا منهم كان قد جمع عددا من الراقصات (القوميات) و"صحفية" جميلة بيضاء مع بعض قارعات الطبول والدفوف من النساء السوداوات، ووضع الجميع في سيارة كوستر مبردة تابعة للاولمبية، وغادر بهم من البصرة إلى بغداد، في رحلة للأحتفاء بميلاد النجل الاكبر. وحينما وصلت الفرقة إلى مبنى الأولمبية أعيدت بالكامل - مع مكافاة مقدارها خمسون ألف دينار لكل مشارك - ما عدا الصحفية البيضاء طبعا التي تمت أستضافتها لمدة أسبوع في مزرعة خاصة...
قسم، من اولئك العرضحالجية متعددي المواهب، تخرجوا من مدرسة عرضحالجية ( أبو ناجي) القديم : أولئك قد تقاعدوا، ولكن ما زال بعضهم يعرض خدماته، وقد فقد طقم أسنانه.. ومن اجل ان لا يلفظ كلمة صحفي " ثحفي" أو "تحفي" والاخيرة أقرب إلى الواقع؛ اولئك المزنجرون من العملة النادرة طبعا ما زالوا احياء يرزقون ويمكنهم في أية لحظة ان يكونوا من المتحولين النشطين أيضا.
اما العرضحاجية المعاصرون فهم يعملون في مكاتب انيقة، ولديهم مولدات كهرباء. إنهم يحبون كلّ ما هو حديث ويوصلهم بالسادة الاجانب الصفر.. وأفضل مكان لهم بالنسبة لي وكما يحكى لي: قصر صدام حيث مقر القوات البريطانية في البصرة. اما في بغداد فهم من رواد (الجنة الخضراء) طبعا.
اولئك يريدون ان يجعلوا بكلماتهم الشعب العراقي معزولا عن محيطه العربي، وعن محيطه الإسلامي، وعن محيطه العراقي في النهاية. ولذلك هم يتطيرون من كلمتي فلسطين والامة العراقية او الامة الإسلامية. اما إذا حدثتهم بالاسلام فإنك رجعي او فاشي او تكفيري أو أسطوري.. او ماركسي فاشل أيضا. هم لا يجيدون تحديد الهويات بأي حال من الأحوال.
وهم لا يحبون إلا (أبو سامي) و (ابو ناجي) ومسترنوح فيلدمان!
و للامانة التاريخية قسم كبير منهم كانوا من محبي "الكرملن" وعشاق الديالكتيكية! لكنهم وجدوا بعد تمحيص وتفحيص: ان اللعبة دارت إلى العولمية، ولذلك فقد دار سكانهم هذه الايام. فأصبحوا بين لية وضحاها من "المتربللين" كما أنهم من المدافعين عن عصر الاتصالات وتقديم التنازلات وتبويس اللحى الفاجرات.
عرضحالجية آخر وقت
يرون في الشعب العراقي شعوبا..
وفي الامة العربية وهما
وفي الامة الإسلامية أكذوبة !
ليس لديهم أية حقيقة ثابتة
كل اربعة بعشرة دولا.. لا بعشرة فلوس فقط.
كلمة الحقيقة ممحوة من قاموسهم تماما، ووضعوا بدلا عنها كلمة مصرية "الفبريكه"!
هذا عصر "الفبريكه"!
من لحق به نجا ومن تخلف عنه غرق!
يمكن للقضية العراقية ان تكون مجرد "فبريكه" أليس القضية الفلسطينية أصبحت "فبريكه" عمرها اكثر من نصف قرن؟ ويمكن ان نعدّ للعراقيين "فبريكات" تتلائم مع التلوينات.. ومع اللهجات .. ومع اللغات .. ومع الجهات.. ومع الطوائف .. ومع القبائل .. ومع البدائل.. أيضا!
من الصحيح تماما بأن الشعب العراقي بكل أطيافه غير طائفي ولا عشائري وليس متعصّبا لأية ديانة أو فئة عرقية، وما نسمعه او نقرأه هنا او هناك لبعض العرضحالجية من أضطهاد للديانات او الاقليات او غير ذلك فإنه يتمّ من خلال اجانب تكفيريين او عملاء جدد من ابناء جلدتنا- للأسف ـ أعمتهم الاوراق الخضر السحت ليس إلا.. اولئك فقط ممن أشترتهم قوى الاجنبي ووظفتهم على نحو غير جيد للإساءة للوطنيين العراقيين من الكتاب الملتزمين بوطنيتهم. فالالتزام بالنسبة للعرضحاجية جريمة ! أي نوع من الالتزام! وهو تحجر وتمحور وتكلس. المهم الطيران على الاشجار ومن كان له جناحان قويان فليرفرف أينما يشاء.
العرضحالجية يكرهون كلمة (هوية) لأنهم في الأساس لا هوية لهم.
المشكلة حينما يبدأ بعض (النفعيين العرضحالجية) من حملة "شارة العباس!" على جباههم بقطع اوصال العراق لهذا السبب اوذاك.. فقط. .حينما يريدون للعراق ان ينسلخ عن بحره العربي تمهيدا لسلخه عن محيطه الإسلامي بعد ذلك يبدأون بشن حملة من الأكاذيب والاكاذيب المفبركة وحدها؛ وقد يعلنون انهم من ضحايا النظام الصدامي او هم من مناضلي الشعب إذا ما ضاقت بهم السبل. لكن زبدهم لا يشتريه احد، وكلماتهم لا تقنع حتى الاغبياء.. ويبقون عرضحاجية صغار مكشوفين. سطرهم العباس قبل الناس! اولئك الكتبة المسخ يريدون ان يكون العراق مسخا آخر لقوى محتلة بغيضة وحسب. اولئك "سطرهم" الامام العباس(ع) على جباههم!! ويمكن لأي عراقي أن يكتشفهم بسهولة.. تماما مثلما " سطر" من سبقهم من امثال المجرم المقبورحسين كامل كما (يحلل) جمهرة العراقيين.. أليس كذلك؟
إنهم يكرهون اية وحدة من الوحدة العربية إلى الوحدة الإسلامية وحتى الوحدة الوطنية لكنهم لا يصرحون بذلك الآن .. وسيفعلون ذلك عما قريب.. الم اقل لكم انهم عرضحالجية لا مذهب لهم.
هذه النعمة الربانية في وحدة العراقيين التي حبانا الله بها علينا ان نتواصل على ادامتها والعمل يوميا على رعايتها وفي كلّ محفل. لأننا ببساطة إذا لم نفعل ذلك فإن النعم لا تدوم.. وعلينا أن نشكر الله تعالى عليها، فلم يعرف تاريخ العراق القديم والوسيط والحديث أي نوع من الصدامات العرقية أو الدينية أو الطائفية، وهذا هو كتاب التاريخ العراقي فليقلبه من يشاء.
والعراقي في شخصيته عطوف (بكاء) على نحو غريب (حسينيا) حتى وإن كان مسيحيا!! ألم يلطم معنا الاولاد المسيحيون والصابئة في اليوم العاشر؟ اولم تأتِ جارتنا الصابئية بخبز العباس والخضار والجبن- الوحيدون الصابئة من يضعون الجبن مع الخضار في اليوم السابع!- فتأخذه النساء المسلمات للتبرك.. أما النساء العراقيات المسلمات فقد كنّ وما يزلن يذهبن إلى الكنائس لطلب الحاجة من العذراء مريم (ع) كنّ 99% منهن-أيام زمان- يعتقدن أن مريم عراقية من أهل الموصل.. وان المسيح من اهل القوش!!
العرضحالجية يرون في كلّ وحدة خطرا على مصالحهم، وفي كلّ تواءم خدعة صغيرة؛ إنهم يعيشون من فتات الفرقة دائما. وما حبّهم للنظام السابق والنظام الحالي إلا توكيد لذلك. فلماذا يصرّ اولئك البائسين من كتبة (المحتل) العرضحالجية الجدد على إثارة النعرات هنا او هناك؟ خسئوا وخسئت مواقعهم واقلامهم- عفوا كيبورتاتهم!
العراقيون اقوى من كلّ البذاءات.. أقوى من كلّ التقسيمات، وسيرون آجلا ام عاجلا تلك اللحمة العراقية التي لن تستطيع أية قوى اجنبية فكفكة عراها. عراقيون حتى النخاع. عراقيون حتى قطع النفس!. ومن أراد ان يتأكد فليذهب إلى الشارع وليسأل اي انسان .. وما يوم السباح الشهيد عثمان العبيدي الأعظمي ببعيد: الشاب الذي هبّ لأنقاذ ابناء جلدته..
قد تكون دماءنا من فصائل مختلفة هذه مشيئة الله ولا احد يتدخل فيها.. لكن جلودنا واحدة .. وعيوننا واحدة .. ومن لديه شكّ فليسأل من سبقوه من أهله..
وإذا كان ثمة من يريد تحديد ظاهرة ما من (العرضحالجية) فليبدأ بالغوص عميقا في أسبابها.. وعندئذ سيجد مخابرات أية دول ...!! اجل القضية لا تتعلق بنا كعراقيين بل بغيرنا ممن يحاول ان يجد له موطيء قدم بيننا.
كان العراقي - وما يزال- يقف دائما بحسّه الذكي ضدّ كلّ المشروعات التي تحاول تجزئة شعبه الواحد منذ بدء الحضارة فيه وحتى يومنا هذا؛ وحينما نؤكّد ذلك لا نأتي بشيء جديد.. الجديد هم اولئك الذين يجدون في العراق مزرعة للاجنبي.. أو مزرعة للوافدين الجدد من (المستعرقين) الذين بدأت أسماؤهم تتهاوى الواحد تلو الآخر. وفي القادمات من الايام سنشهد عددا اكبر من اولئك الفزاعات وهي تغادر إلى ديارها الاصلية ودكاكينها في لندن وواشنطن و.. و.. و.. وتل ابيب!
ولو أن أمة غير العراق تعرّضت إلى ما تعرضت له من مجاعات وحروب وأوبئة وفيضانات ومقابر جماعية لمحيت من على سطح الأرض. وأن الله وحده هو الذي حبا هذه الأمة بالقوة الممزوجة بالصبر الطويل. الصبر الذي يعيبه علينا البعض.. وما علم بأنه من أعظم فضائل الانبياء في أرض الرسالات: العراق. سلاما عليك ياسيدي يا أبراهيم الخليل، سلاما يا أبا الأنبياء كلهم. سلاما يا أبن اور يا أبراهام العظيم الموحد الاول في عالم ما بعد الطوفان!
كان العراقيون شعبا مسالما منذ البداية دائما، وليس كما يحاول ان يروج البعض من المرتزقة: ان تاريخ العراق مبني على العنف؛ أغلب مظاهر العنف في العراق كانت وراءها قوى خارجية.. ومن أراد منكم ان يتأكد بروية فليقرأ تاريخ العراق جيدا وبتانٍ، وسيكتشف هذه الحقيقة التاريخية بسهولة أيضا.
وتعود محاولة تفسير ذلك إلى أن الخيرات كانت تفيض عن العراق منذ القدم، ولذلك أصبح محطّ أنظار الغزاة من الهضبة الإيرانية والصحراء وسلاسل الجبال النائيات على حدّ سواء، مما جعل منه بلدا غير مستقر غالبا. وقد عانى العراق بسبب ثراءه هذا الأمرين خاصة بعد اكتشاف البترول فيه قبيل الحرب العالمية الأولى. ولو تأملنا ثروة العراق النفطية الآن باعتباره صاحب ثاني احتياطي في العالم ـ إن لم يكن الأول حسب إحصاءات أخيرة ـ فإن الأمة العراقية المظلومة لم تستفد من هذه الثروة الطائلة في أي يوم من الأيام، إن لم تكن وبالا عليها !
ويا للأسف الشديد: أن هذه الثروة ستبقى وبالا وحملا دمويا علينا أيضا ما لم نحزم أمرنا ونعود إلى جذورنا الوطنية الأصيلة وحدها قبل أن يخترع لنا أعداؤنا من العرضحالجية الجدد ـ وهم كثر الآن بتعدد أنواع ثرواتنا وحجمها ـ أصولا وجذورا مزيفة لا عمق لها في الأرض العراقية. فتكون الثروة وتقاسمها سببا للفرقة بعد ان عجزوا في (تصنيع) اسباب اخر.
إنها المخططات دائما. ومن قال انهم لا يخططون لنا فهو واهم.. ولكننا ومن اجل الحقيقة ينبغي علينا ان لا نحيل كلّ ما نواجهه إلى العوامل الخارجية، ونقعد غير مكترثين وكاننا حصلنا على منتهى الحقيقة، فما الذي يعنينا غيرها؛ بل الاهم أن نعمل ونعمل ونعمل.
العرضحالجية السابقون واللاحقون يريدون منا ان نعاف حضن محمد عجبا عجبا من يعاف حضن أبيه؟؟ هل يظن العرضحالجية القدماء والجدد ان الرسول (ص) يمكن أن يخفت أسمه من آذان؟ هل يعرف القوميون الآن سرّ فشل "مشروعهم الحضاري"؟ كثير من العرضحالجية جاحدون.. وقليل منهم من يحب غيره. لكنهم عندما تحضر الإنسانية تراهم هم المدافعون عنها فقط! من يدافع عن الإنسانية لا يتخاذل في الدفاع عن ابناء جلدته وهم أقرب البشر إليه. لكن الادعاء هو الديدن!
ثمة عرضحالجية كهوفيون يظنون أن (محمدا وآله واصحابه ومدرسته وتراثه الاخلاقي والإنساني) حكر لهم، وهم في جانب الحق وكل المسلمين على باطل، وهم على ظلالة.. أولئك عرضحالجية من طراز خاص. هل نسوا أن الرسول محمد أرسل إلى الإنسانية كلها بل إلى الجن والانس وهو ليس حكرا على مذهب ولا طائفة ولا فرقة ولا حزب ولا ميليشيا! من أراد ان يخدم الرسول فليخدم أبناء شعبه اولا بأخلاص وصدق وحميمية ولا يهرب ثرواتهم! ومن أراد ان يخدم الرسول حقيقة ليحمل جنسية محمد في الاخلاق قبل جنسيته.
لماذا يحاول بعض العرضحالجية تشويه صورة القرآن بالاتيان بما هو منبوذ وغريب من الاخبار الأسرائيلية؛ ام ان الأسرائيليات - وهم ومؤامرة- وبدعة لا أساس لها كما يرى العرضحالجية الجدد.
والعرضحالجية لا يحبون كلمة مؤامرة دائما..
حسنا ان أسرائيل لا تتآمر و لا تخطط للعراق وهي بعيدة نسبيا عنه.. جيد.. خوش! فلماذا يعتمد الجيش البريطاني على الضباط اليهود اكثر من غيرهم في البصرة .. مثلا ..؟ وماذا يفعل شخصية صهيونية مثل نوح فيلدمان الذي وضع ما يسمى بقانون إدارة الدولة في زمن الحاكم المدني بول بريمر.. ؟!! ولماذا أعترف بريمر اخيرا بعدم الاكتراث لرسائله التحذيرية إلى البيت الابيض والتي ادت فيما بعد- حسبما يدعي هو نفسه- إلى تفاقم الارهاب..؟ هذا هو الممحو من السطور ايها العراقيون، فعلام يريد الكتبة ( عرضحالجية المحتل) التغاضي عن قضايانا المصيرية ؟ لأجل الورق الاخضر طبعا وما أدراك ما الورق الاخضر..؟
ولماذا لا تعلن نقابة الصحفيين العراقيين عن اسماء اولئك الصحفيين المتعاونين مع المحتل؟! هل تخشى عليهم من القتل؟ وماذا ينتظر المتعاون مع الاجنبي المحتل؟ إذا كانت لدى النقابة ما يكفي من الادلة لتقدمها إلى القضاء.. ام أن القضاء العراقي مشبوه أيضا؟!
ياللعرضحالجية إنهم لا يحصلون إلا على الفتات!!
أقلامهم لا تصلح لتكحيل عيون عراقية
جلودهم من فراء الذئب ( أبو سامي)
(أبو سامي) وريث أبو الويو! ( أبو ناجي)!!
لكنه ألعن منه مثل بوز حذاء قديم.
وبعد ان فشلوا في بذر بذور الفتنة الطائفية أستعدوا أيها العراقيون لأفشال الفتنة الثرواتية.. ويقولون ان (أبو سامي) لا يخطط.. توزيع الثروات بين العراقيين اخطر من أية لعبة جربت يا سادة! تنبهوا واقرأوا الممحو..
ومن العجيب يا أبناء جلدتي أن الأمر لا يتعلّق بالثروات الطبيعية فقط ، بل ان الامر كلّه سيستعر بالتوزيع لها .. فلتعلموا أيها العراقيون: ان هذه الثروات الباطنة هي من الله سبحانه. وهو لم يخصصها لطائفة ولا لقومية ولا لعرق ولا لمدينة ولا لحزب ولا لشخص ويجب ان توزع على وفق خطة شاملة للعراق كلّه.
فقد حبانا البــارئ العظيم ـ وسعت حكمته - حتى شملت الثروات الظاهر والباطن فينا بأنواع متعددة منها الناضبة كالبترول وغيرالناضبة أيضا.. و لسوف تدرّ على العراقيين خيرا إلى يوم الساعة: كالمراقد والمواقع الدينية المقدّسة لدى العالمين الإسلامي والمسيحي على حدّ سواء. ويمكن للعراقيين أن يعيشوا كراما من هذه وحدها.. فقط!
فلا يخدعنكم احد من العرضحالجية أذناب المحتل بحيلة الثروات ولا تتفرق قلوبكم.. العراق كله خيرات من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. وليس من طامع فينا غير الاجانب مهما كان لونهم ومن اية بقعة جاءوا...
ومن شبه الثابت: أن العراق كان يحتوي على ما يقرب من ثلاثين مليونا من البشر في العصر العباسي الثاني، وهو ما لم يتوافر عند أية أمة آنذاك تسكن وسط وحول نهرين عظيمين؛ ولم يكن وقتئذ نفط ولا بريطانيا ولا ولايات متحدة ولا حتى إسرائيل ! وعاش العراقيون حكاما للعالم القديم و الوسيط مئات وآلاف السنين. كانوا مركز حضارة العالم القديم بلا منافس. كلّ ذلك بسبب ذكائهم الجمعي.
لكن العراقيين في العقود الاخيرة منذ عام 1258 وحتى يومنا هذا، لم يعملوا على تحريك طاقاتهم الكامنة ولم تتولاهم حكومة من عندهم منذ سقوط بغداد وقبل ذلك أيضا. هذه هي المرة الاولى في تاريخهم الوسيط والحديث ينتخبون حكومة - باذن الله- من عندهم. فهل يدرك الحكام القادمون معنى ذلك؟؟
ويبدو أن قدر الأمم الثرية هو أن تدفع الأثمان غاليا دائما في الدفاع عن نفسها وعن وجودها وعن قيمها الكبيرة أيضا، ولا مناص من ذلك . ولكن قدرها في الوقت نفسه أن تنهض بسرعة قياسية وأن تتحسس المخاطر المحيطة بها أسرع من غيرها أيضا؛ وهذه منحة التجربة الدائمة في مواجهة التحدّيات الخارجية، كما أنها حبيت بطاقة لمعرفة المخفي والمستور والمبيت لها.
وإذ يحاول أعداء العراق والامة في هذه الأيام أن يضعوا لهم هنا وهناك مواطئ أقدام مهزوزة في هذه الزاوية أو تلك، فيمنون هذا أو يمنون ذاك بالمغانم الصغيرة والمصالح السحت الزائلة، وقد يزرعون فزّاعاتهم في هذا الحقل أو ذاك؛ لكن العراقيين يبقون هم الأقوى، لأنهم الأقدر على التشخيص بحدسهم فقط !
وإذا كان الأجداد من ظافري الجدائل و ممن استطالت لحاهم، الأميين، لم يخدعوا بالدعاوى العرقية والطائفية والجهوية و"الفستوقية"!؛ فهل ينتظر أعداء العراق منا وفي هذا العصر الذي يعرف بثورة المعلومات والأتصالات أن نخدع ؟!
إنهم يحاولون،،،
وهذا ديدن كلّ عدو طامع ،وقد يحسنون الطرق في إشعال نار الفرقة والتعصّب الأعمى و المفتّح ! ولكن إلى حبل قصير ونفس قليل، وما أسرع ما يكشفوا، وما أبشع الفضيحة آنذاك. و لكن ما لم ولن يدركه الأعداء أبدا: أن للعراقيين (حدس خاص) في كشفهم مثل أشعة ما تحت الحمراء، مهما تلونوا ومهما تقنّعوا وأقنعوا؛ العراقيون منذ 1920هم القارئين الجيدين للممحو، والمتربّصين بين السطور والكلمات، والدعوات، ولن يأتي كائن من يكون من غير جلدتهم ليتمكّن من بيع بضاعة كاسدة وقديمة عليهم كان (الأكسباير)1920 قد مسح ووضع بدلا عنه عام 2005، لأنهم منذ القدم خير التجّار وخير رحّالة ويتلقّفونها وهي طائرة ! أليس كذلك أيها العرضحالجية؟
أدعوكم أيها المواطنون العراقيون - يا أصدقائي- أن تقرأوا الممحو من سطوري المتواضعة هذه؛ وإنني واثق تماما بأننا ـ ربما ـ جميعا سنكتب بقلم واحد أو كيبورد واحد ليس مهما؛ المهم هي الفكرة من اجل الإنسانية والحقيقة و فيمالله عراقية.



أمّ الفقراء الغنية قديما وحديثا


البصرة عروس الخليج العربي، وأم الدنيا، (الزنكينه)، أم الفقراء،العربية دائما وأبدا، بوابة العالم الشرق أوسطي الكبير القديم، تأتيها السفن الصغيرة والكبيرة من مختلف أنحاء العالم، مزودة بما لذ وطاب من تجارة العالم العتيق، وهي تصدر التمر البصري إلى مختلف مدن الخليج العربي . والبصريون اجتهدوا في تصدير كل ما يردهم عن طريق موانئ البصرة ونهرها العظيم ( شطّ العرب) وطرق مواصلاتها البرية إلى مختلف أنحاء العراق، ثمّ إلى بلاد الشام عن طريق الموصل ـ حلب ـ البحر المتوسط ـ أوربا .
والبصرة، كما تصفها كتب الرحلات القديمة و الحديثة في القرنين الثامن والتاسع عشر (طريق أوربا الوحيد قبل حفر قناة السويس عام 1868) وهي تربط بين العراق والعالم القديم عبر سواحل البحر المتوسط .. تلك المزحة التاريخية الثقيلة التي جاءت بالأوربيين غزاة إلينا.. و كان في البصرة منذ أن وطأها (الإسكندر المقدوني) ميناء عامرا يدعى (الأبله) حتى أن أحد الباحثين المصريين وهو الدكتور (طه الحاجري) وضع رسالة في أبي بحر عثمان الجاحظ يرى بأن (الأبله) هي تصحيف وتخفيف عن (أبولوس) اليونانية ؟
هكذا ولدت البصرة من رحم تاريخ العراق القديم والإسلامي بصورة طبيعية وليست بطريقة قيصرية، كما ولدت مدن أخر. فترعرعت كل أحداث هذا التاريخ فيها تقريبا، فلا يقلب الباحث صفحة من صفحاته إلا ويجد أن للبصرة شأنا خاصا بها، وموقفا مختلفا، ورأيا متفرّدا. ويعود تفسير ذلك إلى طبيعة المجتمع البصري المؤسّس على التجارة وحرية الفكر والتعددية الأولية في أثوابها القديمة البسيطة؛ حتى قيل عنها قديما: بأن أي إنسان (حرّ) لـه رأي مختلف ويخشى على نفسه هياج الغوغاء أو سفه العامة من الناس في بلده عليه بالرحيل إلى البصرة !
وفي البصرة كان يعمل أناس من مختلف أنحاء العراق والبلدان المجاورة أيضا، وقد تخصصت كل مجموعة منهم في مهنة معينة؛ فالعجم للخبز والخبز (التفتوني) أبو السمسم، خاصة، والهنود للخدمة والخياطة وصناعة السمبوسة والفلافل والعمبة والكاري؛ ولذلك ليس اعتباطا أن كان في العشار وهو قلب البصرة التجاري الذي كان يستوفى فيه (العشور 1/10) على المواد الواردة، أن ثمة سوق يدعى ب( سوق الهنود) حيث تجد فيه كلّ تجارة الهند تقريبا آنذاك. أما أهل المنطقة الشرقية القادمين من المنطقة الشرقية للجزيرة العربية فتخصصوا في زراعة الخضار، وأهل أبي الخصيب لزراعة النخيل والعنب والتين، وأهل الزبير والكويت للإشراف على القوافل التجارية التي تصل نجد ومعظم أنحاء الجزيرة العربية بعد ذلك. وأهل الفاو لصيد السمك النهري والبحري. والصابئة للصياغة والحدادة فبرعوا فيها أيما براعة. كانت البصرة قد أعلنت تخصصها الاقتصادي قبل آدم سميث على أية حال .
وحينما كان يصعب على البصريين وقتذاك استيراد الموز الصومالي الكبير، إذ لم تكن ثمة وسائل نقل وحفظ حديثتين كما هو عليه الحال هذه الأيام، كانت بساتين أبي الخصيب من أكثر مناطق العراق إنتاجا للموز ذي القطع الصغير، الحلو، وكان بعض البصريين يشترونه أخضر ويدفنونه في التمن أو الطحين حتى ينضج . لم يكن أهل البصرة ( حفاة ولا عراة ولم يشبعوا من الطماطم كما أراد أن يصور حال العراقيين بعض البعيثة الأشرار) كان وما يزال العراق من أغنى بقاع الأرض قبل اكتشاف السيد البترول.. فهل ثمة خير أكثر من ذلك في زمن كان القحط يجتاح مناطق كثيرة من العالم ..؟ وبسبب تلك (البحبوحة العراقية من العيش) حسدت البصرة وأصبحت محطّ أطماع الفرس والترك وبدو الصحراء على حدّ سواء, فنالت منهم ما يكفي من حصارات واجتياحات عسكرية ومصائب لأنها الغنية فقط.
كانت البصرة تدعى (بأم الخير) و( أم البساتين) وهذه الأوصاف تطلق على بغداد الحزينة أيضا. و لم يأت ذلك الوصف الشعبي الشائع( بصرة الخير) اعتباطا، فمعظم ( مسواق ) أهل الكويت ـ على سبيل المثال ـ كان من سوق الخندق، ولهم في ذلك سجلات وديون ومعاملات. والماء كانوا يحملونه في مهيلات و (دوب) من شط العرب أيضا، فلم يكن في الكويت آنذاك إلا بضعة آبار منتشرة هنا وهناك في (جليب الشيوخ) ومناطق أخر فيها. والبصرة والكويت بلد واحد حتى جاء ذلك الأرعن صدام فحوّل الأنظار، وخرّب الودّ، وقطع صلات الرحم، و أشعل الحقد بين أبناء الأمة العراقية الطافحة بالثراء القديم والجديد. لكنّ الطارئ تافه وزائل مهما كان عاتيا. وما يمكث في الأرض من فعل الخير هو الباقي أبدا.
والخير في البصرة يفيض عنها دائما. والبصريون رحماء بالآخرين، مهما كانت جنسياتهم ، ومهما كان لونهم، وحسبهم، ونسبهم, والجهة التي جاءوا منها. لأنها ميناء العالم القديم. ولذلك فقد جعلها الفنان ليناردو دافنشي (قلب العالم) في توقّعاته الشهيرة. و دليل تلك الرحمة القديمة والحديثة كتب العلامة البصري الميرزا عباس جمال الدين رحمه الله, وهو من علماء الدين البصريين الزهاد المعروفين، يحثّ إخوانه المسلمين العراقيين والبصريين خاصة من الحجيج للعطف على أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة في نهاية النصف الأول من القرن العشرين من خلال حمل الملابس إلى مسلمي تلك المناطق لأنه رحمه الله وجدهم أنصاف عراة، والجوع قد اخذ منهم مأخذا كبيرا في سني جدب قاسية. هكذا كان البصريون يفكرون بالقاصي والداني .
و من المفيد أن نذكر بأن البصرة كانت تشعّ بالخيرات الدائمة على كلّ ما حولها, وفي مختلف العصور، فلم تكن مدينة (أنانية) كما هو شان العديد من المدن القديمة آنذاك؛ فالبصرة بموانئها الرحبة منطقة تجارية كبيرة، ترى في التجارة روحها وفي السلم ازدهارها ، ولذلك فقد كانت في أيام النزاعات المسلحة العامة ( تدين بالكف) أي بالكف عن القتال في حرب الجمل وصفين .. كما أنها بقيت منارة للثقافة الإسلامية القروسطية من خلال احتضانها للفرق والجماعات و المذاهب الفقهية والاتجاهات الفلسفية و الكلامية والنحوية وغيرها؛ وكل ذلك في محصلته النهائية وجه آخر من وجوه (الخير العام) الذي كانت عليه هذه المدينة الزمردة الخلابة التي تحولت في زمن البعيثة إلى أرض خربة؛ وكان (خراب البصرة) له اكثر من موقعة، وغير عصر . والبصرة كأنها لما تزل تدين (بالكف) إلى يومنا هذا، عن كلّ ما هو معكّر لصفو الأمن، ومعرقل لعجلة التقدم . عجبا هل ينسخ الفكر عبر العصور أيضا؟
و البصرة حاضرةـ في كل حين واوان ـ ففي الأحداث المتعلقة بالعراق العظيم ، ترى البصرة مزروعة في عقول أبنائها القدامى والجدد، مذ كانت معسكرا لجيش الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب ( رض ) وإلى يومنا هذا. ولم تنحن لغاز غزاها، ولا لمهاتر تجرأ على أسوارها، ولا لطامع فيها من غير أبنائها، عزيزة، عربية خالصة، صابرة، أبية ،لم تستكن إلى سلطة أجنبية غاشمة حاولت فرض هيمنتها عليها، ولا لانت إلى (طاغية) طوال تاريخها، ولا استكانت لغير أهلها، حتى أن كتب التاريخ العثماني تحدثنا عن محاولاتها (الاستقلالية) غير مرة .. فالبصرة بقيت شاهرة فداءها ضدّ الجبروت الصدامي منذ البداية مرورا بعام 1991 وما تلاه من أحداث جسام, وحتى آخر سنوات حكمه الأسود، في وقت استكانت مدن كثيرة أخر في العراق،لكنها ، بقيت تقاوم بأجساد أبنائها دائما. ثمّ لم تلبث حتى تعود إلى حضن العراق الكبير ودفاعا عنه أولا لأنها أبنته البارة به دائما. ولا غرو أن رشح من أهل البصرة والمحمرة والجزائر (الجبايش) ثلاثة ملوك جنوبيين للعراق، وهم : السيد طالب النقيب نقيب أشراف البصرة، والشيخ خزعل أمير المحمرة، والشيخ سالم الخيون زعيم قبيلة بني أسد .
ولا يعود تميّز البصرة التاريخي إلى بعدها عن مركز الدولة في الآستانة ( أسطنبول ) كما يرى بعض الباحثين غير المتعمقين في شؤون العراق، بل إلى نزوع (روحها) في التحرر من أية سيطرة أجنبية، مهما كان لونها، ومهما كانت صفتها، ومن أي إناء نضحت، ورغبتها في ممارسة شؤونها بنفسها دائما. ويبدو أن تلك (الروحية) قد كلفت البصرة كثيرا في العهد الصدامي الأخير، فطفق أبناؤها يذودون عنها في وقت لم تستطع مناطق كثيرة في العراق أن تشير إلى (الطاغية) بسبابة واحدة أو بكلمة إلا همسا خائفا، او دعة باهتة, غريبة على النَفَس العراقي المفعم بالشمم. وبقيت البصرة ثائرة حتى عام 1999 ولم تهدأ يوما واحدا, حتى سقوط ( هبل ) العصر. وكل ذلك من وجهة نظري (خير عميم وزاد تاريخي وافر) أيضا ، ونعمة ستبقى أبد الدهر.
وبقيت معالم (الخير) بادية على أبناء البصرة حتى النصف الأول من القرن الماضي، فقد كانت حاضنة دائمة لكل الفقراء الوطنيين والإقليميين الذين يقدمون إليها للعمل في موانئها أو بساتينها أو تجارتها. ولذلك لم توصف ب ( أم الفقير ) إلا بسبب حقيقة عرفها كل من جاء إليها وسكنها . ولا غرو في أن الخير قرين البصرة منذ القدم. فعندما كنا صغارا كان آباؤنا يأخذوننا إلى الخياطين الهنود أو الباكستانيين ليخيطوا لنا ( قوط ) من أفخر الأقمشة الإنكليزية ( أبو العلمين ) المستوردة، فيدفعوا دينارين مقدما، وفي كل شهر دينارا واحدا، لننعم بملابس جديدة دائما (فمن أين جاء البعيثة بفكرة انهم قد علّموا العالم لبس النعال؟!) وأهل البصرة من التجار الميسورين كانوا يدفعون (رواتب شهرية) إلى العديد من الأسر المتعففة البصرية ، وتلك كانت عادة خفية ، ولا تظهر إلا بعد موت ذلك التاجر أو ذينك الميسور. فحالة (التضامن والتكافل الاجتماعيين) في البصرة مشهود لها حتى مجيء (الفاشست المستعربين) الذين سيطروا على التجارة والزراعة والمهن وعباد الله أجمعين . . ولم يكن تجار البصرة من أعيان البصرة إلا أناس عاديون إلى حدّ بعيد، يشاركون أبناء مدينتهم أحزانها و أفراحها، دون أن يكوّن (العامل الطبقي) إسفينا كبيرا كما هو في مدن أخر في العالم .
وفي هذه الأيام يبدو أن (خصوصية البصرة) سوف تعود إلى عهدها السابق مزدانة ـ هذه المرة ـ بنفنوف الحرية الأحمر الجميل، ورافلة بالمجد التاريخي الكبير، لمدينة لم تعرف الذل أبدا، ولم تركن للمحتلين ( المحلّيين والأجانب) والطغاة( المحليين والأجانب) على حدّ سواء، و بعد تكوين دولة عراقية ديمقراطية آمنة حرّة ومستقلة، وجلاء آخر جندي أجنبي عنها، حينئذ فقط : يمكن لخصوصية البصرة أن تكون متكاملة وحقيقية .



الحسين: المقتول المنتصر الاكبر على الأرض



كيف يمكن لإنسان أن يكتب عن مظلمة تاريخية كبرى حدثث قبل أربعة عشر قرنا وهي ما تزال حاضرة في النفوس وفي الضمائر وفي الأرواح؟ كانت ظاهرة الحسين تتجدد كلما وقع ظلم على فرد او جماعة او شعب أو أمة. ولاشكّ بان ثمة حوادث كثيرة لها مستوى من الوقع النفسي في التاريخ ما يجعلها ماثلة إلى يومنا هذا ليتعلم منها الناس ما يشاؤون من عبر ودروس ومثل وقيم ولكل مقداره من الفهم، ولكل حظه من التطبيق. لكن واقعة الطف لها من الميزات ما يجعلها الاكثر قوة في التكوين، والأشد أيغالا في الوحشية والعداء لأبسط معاني الإنسانية من الطرف الغاشم، كما أن لها من الرهبة التي تخلفها في النفس الإنسانية مما لا تادانيها أية رهبة أيضا.
وإذا ماقلبنا صفحات التاريخ الإسلامي نجد واقعة (الحرة) تلك الواقعة المثيرة حيث اجتيحت المدينة المنورة بنساءها وأطفالها وصحابتها، ونبشت قبور شهداء أحد بحجة وضيعة تتعلق بأستصلاح الأرض..كانوا يريدون النكاية بحمزة الشهيد عم رسول الله قبل غيره مرة اخرى.. وكان الغاية منها معرفة هل ان شهداء احد لم تبل اجسادهم حقيقة؟! فوجدوهم كانما قتلوا الساعة؟؟ فارتدت امانيهم إلى نحورهم، ورغم ذلك لم يؤمن عتاة بني امية بالرسالة حتى بعد ان تبين لهم بكل الوقائع صدق رسول الله وانتشار دعوته.
وواقعة اخرى اكثر أهمية كانت تريد البحث عن روح الحسين الجهادية وحبه للعدالة أنتهت بأستشهاد زيد بن علي زين العابدين إمام المجاهدين الأحرار الذي فضل الثار بالسيف من الطغاة المارقين، فعلق جسده عاريا بعد صلبه على باب الكوفة حتى قيل ان العنكبوت قد نسجت على عورته أحتراما له.. هكذا صنعت الثورة ما يكفي من الثوار على مرّ العصور. فهل ثمة ثورة في التاريخ تتجدد في ثورات قرنا بعد آخر؟ وحتى الثورة العباسية التي أنطلقت بعد ذلك كانت تدعو إلى (الرضا من آل محمد) وهي في تلافيفها أستثمرت واقعة الطف بهذا الشكل او ذاك.
لكن قضية الحسين (ع) بقيت هي الأعظم، وهي الاوقع، وهي الأبقى على مرّ التاريخ، في درسها الروحي والتاريخي والإنساني والتحرري. قضية تجد في كل القضايا الإنسانية والتحررية قسطا فيها، وفي كل المراحل أيضا. فلا يظنن أحد من المتأخرين بان واقعة الطف مجرد حادثة من حوادث التاريخ، وكلّ ما تتضمنه انها موغلة في الوحشية وحسب؛ بل هي واقعة ضمن حساب ألهي.. ورؤية خاصة لما سيأتي..الطف تتجدد فينا وتنتشر كلما طال بنا الزمن، وسواء حوربت من الطغاة أو من القالين فهي باقية تتوسع في نفوس الناس.
أكد الحسين - منذ البداية - على ان مهمته تكمن في أحياء سنة الشورى بين المسلمين وتطبيق الشريعة المحمدية على مستوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم تماما مثلما كانت على عهد رسول الله (ص). ولذلك فقد صرخ بوجه قاتليه الاعراب: هل من سنة غيرتها؟! ومن هنا فقد أفصح الحسين في واقعة الطف عن واحد من اهم المباديء التي اكد عليها الغربيون بعد ذلك في سيل الحقوق الإنسانية الا وهو (حق الثورة) الذي أقرّ ولأول مرة في الثورة الفرنسية. هذا الحق كان حسينيا بقضه وقضيضه.
هذا الحق في الثورة على الحكام الجائرين قد كفلته السيرة السياسية للخليفة الاول أبي بكر الصديق (رض) أيضا، وفي خطبته او خطابه السياسي الأول للأمة أيضا بقوله" ايها الناس فاني قد وليت عليكم ولست بخيركم, فأن أحسنت فأعينوني وإن اسأت فقوموني..اطيعوني ما اطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" ومن المعاني الاخيرة للخطاب السياسي البكري نكتشف ان لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مهما كان موقعه. وهي في مضمونها تدعو الناس إلى الثورة على اولئك الظلمة والفجرة غير الطائعين لله تعالى.
ولا ندري من أين جاءت فكرة عدم الخروج على الامام الجائر؟! وقد رايناها صريحة في الخطاب السياسي الاول لمؤسسة الخلافة. لا شك بأنها من بناة ووضّاع الدولة الاموية الذين كان يعجّ بهم البلاط المدموغ بالبيزنطية في دمشق. فالثورة الحسينية اكدت على حق الإنسان على مقارعة الظلم بالوسائل كافة بما فيها أستعمال السلاح.. ومن هنا ليس أعتباطا ان اطلق على الحسين (ع) لقب (ابو الثوار) أو ( أبو الاحرار) أو ( ثأر الله وأبن ثأره) كان الامام الحسين واحدا من اكثر رموز التاريخ القديم والوسيط والمعاصر ثورية وعدلا إن لم يكن هو الرمز الاكبر على الاطلاق. ومفهوم الثورة الحسيني مرتبط بالعدالة في معانيها الشاملة دائما. ولكن أية عدالة؟
لم يكن الإمام الحسين يفترض العدالة مما يرى من عندياته وكما رآها معظم الثوار والمصلحين والدعاة, بل هي العدالة الربانية التي امره الله بها.. وهي الدعوة الدائمة والكاملة للفوز بمعانيها الكبرى. والعدالة الحسينية مطلقة المعنى, كبيرة في مراميها واكثر الستراتيجيات الموضوعة على الأرض والتي دعا فيها الحسين إلى كلّ العصور بقوله: إذا كان دين محمد لا يستقيم إلا بدمي فياسيوف خذيني!
وقد يخالج نفوس البعض بان المسلمين من أتباع مذهب اهل البيت الذين تربوا على حبّ الحسين وطريقة الحسين وروح الحسين في التعامل الحياتي يجدونه أسطورة؛ وهو بالفعل كذلك.. لكنه أسطورة بشرية تسير في الزمان ممتلئة بالحقيقة. ولننظر إلى رغبته - روحي له الفدا- في أسقاط التكاليف عن أقرب الناس اليه. ففي البدء لم يرد الامام الحسين لأحد من أهل بيته أو أصحابه ان يلج هذا المعترك الغريب إلا بمحض إرادته: سبعون رجلا امام جيش عرمرم محتقن بالهمجية و من اكثر بغاة الارض غطرسة ووحشية. فخيّرهم بين البقاء معه او الموت، وترك لهم الباب مفتوحا.. وهم من أختار طريقة الحسين في الحياة الأخروية، وهم من فضل البقاء في الذاكرة القادمة، وطريقة تثبيت روح الجهاد في مقارعة الظلم بكلّ صوره. وحتى ذلك الاسود (جون) الإنسان البسيط قرر أن يبقى مع الحسين فأعتقه من لحظتها. لا يركز مؤرخو الثورة الحسينية وقرائها كثيرا على جون. ولنتامل قول الاخير حينما أراد الامام الحسين ثنيه عن موقفه قائلا: ألا تريد ياسيدي لدمي ان يختلط بدمائكم الطاهرة؟ عند هذه اللحظة فقط قبل الحسين انظمام جون للركب. كانت قضية الدم المراق واحدة من الرموز الكبرى في الطف. كما قبل في الوقت نفسه تحول السيد العربي من الخندق المقابل (الحر الرياحي) إلى خندقه للبحث عن الحقيقة ولعد ان رآها ماثلة قوية امام الناظرين: حقيقة الموقف من الباطل.
اما حادثة قتل الطفل علي الاصغر الرضيع؛ فهي درس للإنسانية لم يفعله احد من قبل.. وحجة على صيانة حقوق الاطفال في الحياة. قام الحسين بعرض طفله عليهم من اجل شربة ماء لأنه يمثل منتهى البرأة واللامسؤلية. فما كان جوابهم إلا سهم ذبحه من الوريد إلى الوريد. هذا ما لم يقم به ثائر في الزمن القديم والحاضر والمستقبل. لله درّك يا ابا عبد الله وأنت تنؤ بكل تلك المصائب الكبرى!
قال الحسين لجيش الوباء الجاهلي، وكما تفعل العرب: أنسبوني! لكنه لم يرد به عادة عربية طالما قام بها الفرسان في القتال. فلم يكن ثمة احد من تلك الكوة السوداء المتلفعة بالجور والقسوة المتناهية، والآتية من الشام لا يعرف من يكون الحسين فقد كانت العرب تهتم بانسابها اكثر من أية أمة على الارض. وهم يعرفون تماما من يكون.. أليس هو ريحانة رسول الله وهل من (العادي) ان منحه الرسول هذا اللقب القريب من الجمال في الشكل والعطر الفواح؟ فكيف يمكن لإنسان ان يخضب ريحانة خضراء رمزا للحياة بالدماء، ويترك الجسد الطاهر عرضة لسنابك الخيل؟! لكنها الحجة التي أراد الحسين ألقاءها على مسامعهم؛ لأنه صلوات الله عليه كان يعلم مدى العذاب الذي يتنظر هؤلاء في الآخرة، وخشية ان يكون ثمة واحد او أثنين من الاعراب الاجلاف لا يعرف من يكون الحسين؟ كان الرجل رؤوفا باولئك الاعداء الحمر الوحشية- بل ان تلك الحيوانات تأبى وصفهم بها فليس في قاموس البذاءات ما يصلح لهم- حتى آخر لحظة.. فهل يوجد في التاريخ ثمة ثائر مثله؟
كانت ثورة الحسين قد أظهرت ولأول مرة في التاريخ هذا الدور المهيب للحوراء زينب(رض) وهي تقود رهط السبايا من النساء والاطفال والارامل. فلم تهن ولم تضعف. أرادت تلك العظيمة الرائدة الفاطمية ان تقدم منذ ذلك الوقت تعليم النساء في العالم اجمع دور المراة السياسي وقدرتها على الوقوف بوجه الطغاة في زمن شحّ فيه الرجال عن الوقوف. فأية ثورة هذه التي جمعت كلّ انواع النضال والجهاد؟
جميع الثوار في التاريخ جادوا بانفسهم وربما قتل بعض ابناءهم معهم لكن الحسين في ثورته قتل معه كلّ أهل بيته من الرجال والصحابة رضوان الله عليهم جميعا.. والمرض الذي ألمّ بالسجاد (ع) - بأمر من الله- لكي تبقى الروح المحمدية قائمة في بيت النبوة، وكي يكون بعد ذلك شاهدا علما حيا على الواقعة. وأريد للواقعة نفسها ان تبقى ماثلة أمام الناس ولمن شهدوها او عاصروها في جسد السجاد الحي وسيرته وأسره وهو المريض مكبلا بالأصفاد حتى انهم وضعوا في رقبته غلالة من حديد. سير به إلى دمشق ليرى بعينيه قاتلي أبيه المقدّس. ثمّ ترحيله بعد ألوان من العذاب والاسر إلى المدينة المنورة حاضرة رسول الله وموطيء الدين المهاجر ودار دولة رسول الله. فضرب الامام السجاد هناك من جديد مثلا أعلى في الزهد والدعاء وخدمة المسلمين حتى اصبح رمزا كبيرا لا يظاهيه أي رمز في العالم.
لماذا بقيت هذه الذكرى حية على الرغم من جميع المحاولات القديمة والحديثة لطمسها؟ ومم يخاف الطغاة من تجديدها؟ وصل الحدّ احيانا بزوار الحسين إلى ان تقطع أيديهم مقابل الزيارة فيقبلون، او يطلب منهم القتل فيقدمون رقابهم من أجل رضى الحسين عنهم.. لماذا هذا التعلق الروحي الاخاذ الذي يراه البعض غريبا او عجيبا، ونراه طبيعيا، وأقل ما يمكن للمرء فعله؟ وهل مازال البعض يرى في حبّ الحسين على هذا النحو الجارف مبالغة او بدعة؟!
اجل للحسين كلّ هذه السطوة في النفس والروح. زرع في أتباعه زرعا وفي ذرياتهم. ومن لا يعرف الحسين لن يعرف عصره. نعم كلّ الأئمة والصالحين والاولياء لهم منازل مختلفة. فمحمد أفضل من علي وعلي أفضل من الحسن والحسن أفضل من الحسين.. ولكن الامام الحسين فتح بابا لم يفتحه احد من بعده.. وثبت حالة الإسلام بدمه ودم اهل بيته وأصحابه وأتباعه.
ولنتامل فرضية: ماذا سيكون وضع الإسلام لو لم يقم الحسين بواجبه الألهي المنوط به؟ بعد الحسين أستمرت روح الثورة لدى عموم المسلمين.. وبقي البحث عن العدالة والشريعة قائما إلى يومنا هذا.. بعد الحسين لم يعد ثمة احد يحرم الخروج على الإمام الجائر. بعد الحسين بدى معيار النفاق والايمان من الوضوح بمكان.. بعد الحسين ثبتت السنة الصحيحة، وفضح أئمة السؤ.. وبعده قامت كل الثورات تحت رايته سواء أفلحت ام لم تفلح.. وما من ثائر صادق إلا وكان له من الحسين حصة.. وحتى اولئك الادعياء ممن حاربوا الخط الحسيني لهم حصتهم أيضا: مزيدا من الذل في الدنيا وفي الآخرة..
لا يظنن احد أن الخط الحسيني هو محض دماء تسيل.. وبكاء وعويل .. تلك طريقة من لا يرون الحسين على حقيقته .. الحسين هو ربط القول بالفعل قال تعالى:" كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلوا " الحسين هذه التطابقية الكبرى بين النظرية وتطبيقها.. الحسين حضارة وإنسانية وقدرة على استلهام المعاني من الماضي .. الحسين ليس ماضيا إلا في التسلسل الزمني العددي للسنين .. لكنه في حقيقته حاضر دائم. حي. سائر على قدمين. مخضبا بدماء الحرية. من شاء ان يلتقيه منكم يجده.. فقط..عند عتبة الإنسانية الثائرة.
هل تدركون أيها السادة متى يغادر الحسين منا؟ حينما ننزع تلك الروح من التعلق بالعدالة والدفاع عنها؛ حينما نرضى بالباطل ونكيل له المبررات والأعذار؛ لذلك تهاوت الامة الأسلامية والعرب قلبها النابض إلى هذا الحضيض وراء حضيض أشد من الفرقة والتشرذم والتيه والطائفية.. من لم تكن في نفسه روح الحسين الباحثة عن الحق والعدالة والجهاد على الباطل مهما كان لونه وشكله وتمويهاته فماذا يكون ..؟؟
يمكن لأي إنسان ان يكون الحر الرياحي أو جون او حبيب بن مظاهر شيخ القراء في الكوفة. الحسين ليس ملكا لطائفة او فرقة .. وحتى لدين أيضا .. فلو تأملنا سيرته وفكره بعمق لوجدناه ملكا لعموم الإنسانية في الأرض. فلتتعلم الشعوب الحرة عدم الرضوخ للباطل مهما كان لونه او شكله أو جهته.. من الحسين. ولتتعلم الشعوب نشر العدالة الاجتماعية والاخلاق الإنسانية فتكون بذلك حسينية في الصميم.
ومن أراد أن يدرك طقوس الحسين الحقيقية فليعلم ان الحسين العظيم أستشهد من اجل الامة الإسلامية جمعاء. ومن اجل وحدتها وإحياء المثل والقيم المحمدية فيها. ومن أراد ان يرى الرسول محمدا (ص) وسنته بعد وفاته فليتامل سيرة الامام الحسين(ع) المقتول المنتصر الأكبر على الأرض.


من يستطع ان يشدخ الجبل العرنين بحجر؟!
في الحملات الظالمة على شخص الرسول(ص)



هل ان الحملة على شخص الرسول الاعظم (ص) جديدة؟ وما السرّ في كونها تشتدّ وتظهر رأسها البغيض العنيد في وقت تعاظمت فيه الهجمات العسكرية على العالم الإسلامي هنا او هناك؟ من يطلقها ويخطط لها؟ وهل هي بنت ساعتها؟ كلا, فقد أمتدت جذور الحملة على شخص الرسول الكريم في عمق التاريخ بعد البعثة النبوية، وإلى بداية ظهور الإسلام. وما كان يقوم به اليهود في الجزيرة العربية من تشهير ودس أعمى ومؤامرات ضدّ شخص الرسول بالذات هي من الوضوح بمكان بدءا من التآمر على قتله مع مشركي قريش حيث اعتقدوا بذلك لأنهاء الإسلام، وإنتهاء بوضع الاحاديث عنه وملء ما عرف في الموروث الإسلامي بالاخبار "الأسرائيليات". إنه مخطط دائم لقتل الرسول محمد (ص) في نفوس المؤمنين به من جديد. فالقتل هو من صفات المرتعدين دائما.
كان الرسول - وما يزال- واحدا من أهم الرموز والعلامات في الشرق التي وقفت وبجراة ضد جميع ألوان الظلم والعنت والقسوة التي مارستها أوربا حتى بعد اعتناقها للمسيحية هذه الديانة التي تدعو إلى السلام والمحبة بين البشر. والمسلمون من اكثر الديانات أيمانا بما سبق من رسل وانبياء وجميع دعواتهم هي في مضامين الإسلام. ولا يستطيع أي مزايد على سماحة الإسلام وروحه الإحيائية للبشر جميعا: إحياء للمحبة وإحياء لمقارعة الظلم اينما ذر قرنه. ويستطيع اي مقلب للتاريخ الاوربي والاميركي ان يكتشف مدى العنف - وخاصة التاريخ الأخير- حيث أبيدت أمة الهنود الحمر( سكان الولايات المتحدة الأصليين) بكاملها على يد البيض. كما مارست وما تزال جماعة الكوكلاس كلان أبشع الجرائم ضدّ سود اميركا. وها هم ما يعرف ب( حليقي الرؤوس) في روسيا يمارسون العنف ضدّ المسلمين.. وما يوم النازية بأعادة مجد الامبراطورية الرومانية المقدسة ( المسيحية) والتي عرفت بالرايخ الاول والفاشية ببعيد؛ حيث كلّف العنف الغربي اكثر من 60 مليونا من البشر في الحرب العالمية الثانية وحدها. فمن هو الذي يصدر العنف إلى العالم ؟
وهي على العموم حملات دعائية سوداء ومنظمة و ظالمة وعاتية منذ البداية. وقد انتفض لها علماء المسلمين الاول، وعملوا بقوة على دحضها وتعريتها. ولذلك تجد ثمة تراث كامل قامت به تلك الطائفة النافرة المقاومه في الدفاع عن الإسلام. فهل عمل علماء المسلمين في هذا العصر على ردّ التهم المحيطة بالاسلام بما يكفي؟ ام أنهم كانوا يدبجون الخطب - وهي واجبة - في الشجب فقط أيام الجمعات، مستندين إلى قوة الإسلام في النفوس وتعلقهم بدينهم والذود عنه بالفطرة؟
لكننا علينا ان نتنبه الآن إلى ان تلك الحال لم تعد تكفي وحدها، وها انت ترى من القنوات الفضائية ما يكفي لعرض مختلف البرامج التي لا تعمل على تأكيد الهوية الثقافية للإنسان في العالم الإسلامي. وها أنت ترى القنوات الفضائية الكثير بكثرة امراء المال المسلمين لا تقدم إلا ما ندر من موضوعات في تحصين الشباب المسلم من مهاوي الانزلاق وراء الدعاوى الفارغة هنا او هناك والتي تدس على الإسلام عادة.
إن القوى الشرسة الشريرة القادمة من الغرب والولايات المتحدة والمدججة بأعتى اسلحة التدمير هذه المرة لن تتوان عن استخدام مختلف الوسائل في الاتصال لتهديم الهوية الثقافية للإنسان في العالم الإسلامي، تمهيدا لغزو عقله بالدرجة الاساس وتحويله إلى تابع ذليل لكي تحول نهائيا على ضمان قبوله بقيمها ومثلها. ها هي الهيمنة والسيطرة تعود بثوب جديد. و هذا الغزو الذي يظن بعض مسانديه - من حملة أقلام الذود عن حضارة المحتل- محض خرافة من صنعنا؛ هو الآن يعد العدة ويخطّ الخطط, ونحن ما زلنا نخوض في مسائل عامة وقديمة. بيد ان لنا بدعم الله تعالى خير معين، فالقوى العدوة للإسلام والمسلمين هي قوى معادية للثقافة بالدرجة الاساس، وهي لم ولن تؤت أكلها بأي حال من الأحوال. وبقي شخص الرسول أقوى من كلّ ذلك دائما. بيد ان هذا الوضع لا يدعونا إلى الاسترخاء والدعة لأن العالم الآن هو غير عالم القرن العشرين تماما.
ومن الطبيعي ان نشاهد سلسلة الأفترءات والتفاهات من الاحاديث والمقابلات التي تعرضها (قناة الحياة) مع من يعرف ب( القمص) في الرد البغيض على شخص الرسول من حين لآخر. وهو لا يعني بردوده تلك على شخص الداعية الكبير (احمد ديدات) رحمه الله؛ بل هو يحاول أن يسيء إلى شخص الرسول من وقت لآخرأيضا. من يمول هذه الحملات الظالمة؟ وما القوى التي تقف وراءها؟ إنه امر واسع ومطول، و بالامكان متابعته من خلال الغوص في تاريخ الحملات التبشيرية في العالم الإسلامي على اختلافها.
ومن المفيد ان نذكر فقط ان مراجعة سريعة للأرشيف الاميركي المكتوب في نهاية القرن التاسع عشر وهي تظهر إلى جانب المراسلات المكتوبة بخط اليد لممثلي ووكلاء الدول الاوربية في الخليج العربي وجود حملات دعائية ضدّ شخص الرسول مكتوبة باللغة العربية. وقد انتفضت القبائل العمانية المسلمة في مسقط واحرقت مؤسسات التبشير منذ عام 1888حيث هجرت جماعات التبشير مركزها في مسقط إلى البحرين.. ومن الغريب أن التبشير في الخليج العربي كان برعاية اميركية منذ ذلك الزمان؟!!
وكتب الباحث الخليجي الدكتور عبد المالك خلف التميمي كتابا مهما عن تلك الجهود بعنوان " التبشير في الخليج العربي" ويمكن للقاريء العزيز مراجعته بهذا الخصوص.. وكانت تلك الحملات عموما موجهة ضدّ شخص الرسول بالدرجة الاساس ايضا. أما في بلاد المغرب العربي فحدث ولا حرج خاصة بعد سقوط تلك البلدان تحت الاحتلال الفرنسي إذ مارس الأستعمار التبشير إلى جانب تعليم اللغة الفرنسية في محاولة دائمة لتغيير الهوية الثقافية "الدينية" للجزائريين والمغاربة والتونسيين على نحو مثير، وهم ينطلقون منذ البداية ضدّ شخص الرسول والتشكيك بنبوته صلى الله عليه وآله من خلال نشر الاكاذيب عنه.
اما في العراق فقد فشل التبشير الذي رعته بريطانيا فشلا ذريعا منذ بدايات القرن التاسع عشر، وانتهى بعدم جدواه حيث أن القبائل العربية فيه على الرغم من جهلها بالدين وقواعده بسبب اميتها المطبقة آنذاك إلا أنها لم تمارس أبدا محاولات التحول عنه، لأنها ببساطة كانت تجد في الدين الإسلامي هويتها الأجتماعية والثقافية دائما.
ومشكلة التبشير في الواقع تتأتى من الهجوم على شخص الرسول محمد صلى الله عليه وآله قبل كلّ شيء، فهم يرون في ذلك بداية لهدم الايمان بالاسلام. وفي الوقت نفسه فإن الدعاة المسلمين في الغرب لايفعلون ذلك ضدّ شخص السيد المسيح أو موسى(ع) على الاطلاق، بسبب أن الأسلام هو امتداد للأيمان لجميع الانبياء، وليس ثمة تفرقة بينهم كما امرنا بذلك الله سبحانه في اكثر من موضع في القرآن الكريم.
ومن هنا تاتي قوة الدعوة إلى الإسلام من حيث الوضوح والتطابق المنطقي وروح الكمال التي ظهرت في الإسلام بأعتباره خاتما لجميع تلك الرسالات الإلهية على الاطلاق وهو لا يشعر بأي تقاطع معها. ولذلك فإن الإسلام ينتشر في الغرب والولايات المتحدة بالذات التي تحتوي في أقل تقدير على 17 مليونا من المسلمين وحدها.
وكانت الصحيفة الدنماركية قد تواصلت وعلى مدى أسابيع في أظهار أنواع من الكاريكاتورات لشخص الرسول وهر يضع الصوا ريخ والقذائف في عمته.. ثمّ تطاولت على نحو أشد بوضع الرسول في اوضاع مخزية وهو يمارس صلاته.. هم يحاولون وخلفهم اخطبوط الصهيونية الإعلامي وامبرطورياته الكبرى ان يظهروا الإرهاب بمظهر إسلامي دون غيره من الديانات لأن جيوشهم تتوجه إلى هذه المنطقة فقط.
ولنتذكر حتى وقت قريب عمق المحاولات النابليونية في غزو جزيرة العرب من بلاد الشام، وكذلك الوثائق البريطانية السرية ( ( foreign office :F.Oوما حملته من مخططات غزو جزبرة العرب وصولا إلى الكعبة المشرفة والمدينة المنورة حاضرتا المسلمين وقبلتيهما الدائمتين. والم يدعو نابليون بونابرت الماسوني القديم إلى مشروع جمع اليهود في فلسطين قبل ان يعدهم بلفور بذلك في عام 1916 بعد حملته على مصر 1798- 1801 وكيف يمكن لنا أن ننسى (الجنرال غورو) بعد اكثر من مائة عام حينما غزا فلسطين: ان اول عمل له هو وضع قدمه على قبر صلاح الدين الايوبي محرر القدس من الصليبيين وقولته الشهيرة: ها قد عدنا يا صلاح الدين؟! أم ان تلك الحادثة هي من نسيج نظرية المؤامرة؟!
جميع تلك الوقائع هي بنظر "عرضحالجية المحتل" من حملة اقلام دمغة u.s.a تجد في الحملات السابقة مجرد مادة هي من خيال "المؤامرة" فقط. ومن أراد ان يتعمق اكثر في حجم المخططات القديمة والجديدة فليقرأ مذكرات ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية جيدا، وهي مترجمة للعربية لكي لا يعترض "عرضحالجية المحتل" أيضا بجهلهم باللغة الإنكليزية، وحتى جهلهم بالسيرة النبوية أيضا.. وارجو ان لايظنن احد بان "العرضحاجية" هم في العراق وحده، بل هم سينتشرون في طول وعرض العالم الإسلامي في وقت قريب مادامت عجلات العسكر الآتي من آلاف الاميال تدور.. ولا يحسبن احد من العام الإسلامي بانه في منجاة من ذلك قط.
فقضية الهجوم على شخص الرسول ليست محض حادثة عابرة، أوهي من نسج أناس ولوعين بحرية التعبير في بلادهم فقط. فقد كلفت تلك الحادثة مئات الملايين من الدولارات في مدة وجيزة، بعد مقاطعة بعض بلاد المسلمين للمنتجات الغذائية الدنماركية. ومع ذلك فإن الحكومة فيها لم تحاول فرض قبول أعتذار من الجريدة إلى مشاعر اكثر من مليارمسلم في جميع انحاء العالم.
وحينما قتل احد المسلمين في هولندا مؤخرا المخرج السينمائي "فان كوخ" الذي انتج واخرج فيلما بذيئا هاجم فيه شخص الرسول (ص) أيضا، ثارت ثائرة الغرب كلّه، وعدوا مثل هذا العمل الفردي أعتداء وحشيا من العالم الإسلامي على الحضارة!. ولكن حينما تجرح مشاعر أكثر من مليار إنسان فهذه مسألة فيها نظر.. بالطبع ان المسلمين جميعا ضدّ أستخدام العنف في هذه المواضع لأنه لا يجلب إلا مزيدا من التعتيم على صورة الإسلام. فنكون بذلك قد حققنا جزءا من الهدف المراد بالنسبة لهم. وهم بذلك سيمتلكون من الدعاية السوداء ما يكفي للتشهير بالإسلام وشخص الرسول باعتباره الرمز الاول فيه.
فالهدف النهائي دائما هو التقليل من شأن الرسول (ص) وشخصه لأنه خاتم نور الله في الارض. قال تعالى: "يريدون ان يطفؤا نور الله بافواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون." النور في الأرض باق بعد ان كتب الله على نفسه ذلك لكي لا يكون للناس حجة يوم القيامة. وخاصة أناس هذا الزمان حيث ينقل الخبر من اقاصي الأرض إلى أقاصيها بثوان قليلة وبعد ان أشيع الاتصال على نحو واسع واصبح العالم بالفعل مجرد قرية كونية.
وألم تقم نظرية الرئيس بوش على ما يعرف ب( الإسلامفاشية) في حين ان تلك الرؤية لا يمكن ان تكون منطقية باي حال من الاحوال؛ إذ كيف يمكن حمل الماضي على الحاضر؟! ومن أين تاتي الفاشية للإسلام ورب العزة يدعو بقوله تعالى:" أدخلوا في السلم كافة" ولنلاحظ مضمون هذه الآية مليا: فإن الباريء العزيز لم يدعُ المسلمين إلى الدخول في السلم ولا حملة الديانات الإلهية الاخر، بل جميع أمم الارض حتى المشركة منها، وكلمة كافة كافية في هذا المقام. فلننظر إلى عظمة روح الإسلام وتسامحه. ومن اين جاءت فكرة الإرهاب والعنف في الإسلام وكلمة السلام من صفات وأسماء الله الحسنى؟!
هل ان ظهور جماعة ضالة - هي من صنيعتهم- كجماعة منظمة القاعدة كاف لوصف الإسلام بالفاشية؟ ولم أستخدم الرئيس بوش كلمة crusade الحروب الصليبية في خطابه الاول في الحملة على افغانستان.. هل هي محض مصادفة في تشديد الكلام؟ ام ان وراء الأكمة ما وراءها..؟ ولماذا لم تعتذر الفاتيكان عن المذابح التي قام بها الصليبيون في بلاد المسلمين حتى الوقت الحاضر في حين انها برأت اليهود من دم المسيح؟!
تلك الحملات الظالمة الساعية وراء بذر الفتن بين الشعوب ورفع نسبة الكراهية بين الاديان تقف خلفها جهات كثيرة ترى في مصلحتها تشويه صورة الإسلام بنظر الغربيين ولأسباب عنصرية وسياسية. ومن الخطأ الفادح حقيقة ان نولي تلك الحملات كلّ هذا الضجيج الواسع الذي يصبّ في النهاية في خدمة الحركة الصهيونية بالدرجة الاساس. فالرسول محمد من العلو والرفعة والإنسانية بما يكفي ولن تستطيع هذه الأعمال الشنيعة النيل منه ومن صورته في العالم بعد ان تفجرت ثورة المعلومات ولن تستطيع اية قوى مهما تجبرت إعلاميا ان تحجب شمس الحقيقة.
إن الحملات على شخص الرسول الكريم لن تتوقف بأي حال من الاحوال وستظهر بقرنها البائس في كلّّ مرة؛ لكن القضية الأساس هو كيف يمكننا مواجهتها بطريقة تمكننا من الدفاع عن هويتنا الثقافية الاولى: الرسول محمد(ص) وحتى ظهور وسائلنا الحضارية في الرد، اقول: لا حول ولا قوة إلا بالله!


العلمانية والدستور


مقدمة ضرورية :
لابد في البداية من أن نقوم بتصحيح مفهوم (العلمانية) في الذهنية العامة للناس في العالمين العربي والإسلامي ، فقد ارتبط ومنذ وقت طويل مصطلح العلمانية بمعاداة الدين أو الإلحاد أحيانا ؛ و يعود سبب ذلك إلى طبيعة الترجمات السيئة لهذا المصطلح وإلى سيادة جو غريب من مناوئة الفكر القادم من الغرب عموما .. ولو نظرنا مليا في عمق التاريخ الأوربي الحديث نجد أن العلمانية الأوربية لم تقم على معاداة البدين إلا في مدّة زمنية قصيرة حيث كانت الكنيسة ومؤسساتها هي المهيمن الوحيد على الحياة السياسية والفكرية في أوربا . ومن الخطأ تعريف العلمانية في كونها تقع في معاداة الأديان لأنها بطبيعتها تعمل على حماية الأديان ( اللائيكية) من تعديات الدولة او غيرها من الجهات السياسية أو الاجتماعية ؛ وهي صمام أمان لعموم عمليات السلم الأهلي .
وكان الفكر الترجمي التبسيطي أو الإنشائي الإسلامي قد وجد ـ في محض دفاعه عن نفسه ـ بازاء تحديات فكرية مهمة في عملية رفض دائم وغير توكيدي لكل ما أنتجه الغرب ؛ وتصور العاملون في الفكر الإسلامي بأن الرفض وصبّ الاتهامات هو فرصة أولية وكافية في محاولة التملّص من المواجهة الكبرى مع سيل الأفكار والمفاهيم والبناءات الفكرية التي أعقبت مرحلة النهضة الحديثة ، والتي قدّرها بعض الباحثين في مدة منتصف القرن الثامن عشر على وجه التحديد مما أوقع الفكر العربي بعد ذلك في إشكالات كثيرة منها مسألة العلمانية والموقف منها .
ارتبطت فكرة العلمانية بفكرتي (العلمنة) أي العودة على العلم في وضع الدساتير و الدولة الحديثة المبنية على القانون والمؤسسات و التي مهدت لها الثورة الجليلة glorious revolution عام 1688 وثورة الاستقلال الأميركية و الثورة الفرنسية عام 1989 وما أعقبها من ظهور أفكار الفصل بين السلطات الثلاث عمليا ، والتي سبق وأن طرحت من قبل في كتاب ( روح القوانين ) لمونتسكيو قبل ذلك ، فضلا عن صدور أول إعلان عن حقوق الإنسان آنذاك . لكن التراجع الكبير الذي انتاب الثورة الفرنسية وما أعقبها من إعدامات على يد روبيسبير ، ثمّ انتقال فرنسا إلى الملكية من جديد حيث أعلن نابليون بونابرت نفسه إمبراطورا وشنّ أعنف الحروب في أوربا : كلّ ذلك حال دون انتشار الأفكار التحررية والنزعة الإنسانية على نطاق واسع في أوربا لتنتهي في ظهور ابشع ركيزتين فكريتين مبنيتين على التعالي والعنف وضيق الأفق الإنسانيين وهما الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية اللتين كلّفتا أوربا والعالم اكثر من (60)مليون قتيل وشهد العالم من خلالها أبشع الجرائم الإنسانية التي تمثلت في محرقة اليهود ( الهولوكوست) وضرب هيروشيما وناغازاكي المدينتين اليابانيتين بالقنبلة النووية عام 1945 من الولايات المتحدة ناهيك عن سلسلة الحروب المحلية والإقليمية التي انتبت العالم بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك المجاعات والأوبئة والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية إبان مدة الحرب الباردة 1954 ـ 1991بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق حيث كانت تلك المآسي لا تقل أهمية عما لحق بالعالم من دمار إبان الحرب العالمية الثانية ..
كان لنهاية الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 وظهور الديمقراطيات الجديدة في العالم أثره البالغ في عودة الدولة الحديثة المبنية على المثل والقيم الإنسانية الوضعية على الظهور بقوة من جديد في أوربا حيث كانت الديمقراطية والعلمانية في الهند من اكبر المدارس التي بقيت تمارس دورها الكبير منذ استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني عام 1947 .كما أن انهيار الأفكار الاستعلائية في أوربا وآسيا قد فتح الباب على مصراعيه أمام التجارب الألمانية والإيطالية واليابانية . كما أن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق كأعتى (إمبراطورية دكتاتورية) عرفها التاريخ الإنساني قد هيأ العالم من جديد على تقبّل الأفكار الديمقراطية والعلمانية .

أهمية العلمانية في الدستور العراقي الدائم :
تحاول بعض التجارب التي تصف نفسها جزافا ـ وعن خجل ـ بالديمقراطية من خلال إعطائها صفات (تمييزية) كالديمقراطية المسيحية أو الديمقراطية الإسلامية أو الديمقراطية اليهودية كما هو عليه الحال لدى الجماعات المتطرفة في إسرائيل. . وتحاول بعض الدول أو الأحزاب الدينية أو القومية والعرقية والطائفية أن تجعل من الديمقراطية مجرد (آليات عمل) يمكن التحكم بها على وفق فلسفة الدولة الدينية أو القومية أو أيديولوجيا تلك الحركة أو ذلك الحزب ؛ بل قد يطال الأمر أن ترتبط فكرة (الديمقراطية) بزعيم سياسي معين أيضا أو قائد روحي . . وتلك أغرب ما يلحق بالفكر من تشويه وتعمية لكي تمارس الدكتاتورية دورها تحت (يافطة) جديدة . ومن هنا يجري (انتقاء) ما يحلو ورفض ما لا يحلو ؛ ومن ثمّ يصار إلى توليفة معينة يطلق عليها صفة الديمقراطية جزافا .
إن صفة العلمانية يتوجب أن تكون واحدة من الصفات الأولية الثابتة في الدستور العراقي الدائم ، كما أنها تكون الأرضية العريضة لحلّ مختلف المشكلات الفكرية والعملية التي تواجه كتبة الدستور غالبا . وفي وضع كالعراق المتعدد الأديان والقوميات والمذاهب والطوائف والإثنيات تكون العلمانية حلا مثاليا لمجمل المشكلات التي تواجه كتبة الدستور . أما أن نطلق على دولة العراق صفة دينية أو قومية كصفتي الاتحادية تارة او الإسلامية تارة أخرى أو أي صفة لاحقة مقترحة من هذا الطرف أو ذاك فإنها سوف تضع كاتبي الدستور أمام معظلات ل اقبل لهم بها ؛ خاصة إذا علمنا بان قانون إدارة الدولة قد أجاز اعتراض ثلاث محافظات على الدستور سوف يؤدي إلى إلغائه ومنم ثمّ حل الجمعية الوطنية وقيام انتخابات جديدة . ولذلك وعلى وفق هذه النظرة فإن من الصعب تكوين دستور عراقي يتصف بالرؤية الدينية أو المسوح القومية بأي حال من الأحوال ، فحينما نعود إلى تجربة تشكيل الحكومة الانتقالية العراقية الحالية ، والصعوبات التي واجهتها بسبب أنظمة التوافق والمحاصصة فمن الطبيعي أن تكون الصعوبات اشد وأنكى في حال إتباع الأسلوب ذاته في عملية صياغة الدستور . أما أن تحل مسألة الصفة الاتحادية ( الفدرالية ) من الكرد مقابل القبول بصفة (الإسلامية ) كنوع من التوافق فتلك من اكثر الأخطاء الكارثية التي ستحلّ بالعراقيين حتى يكون ـ بعد مدّة ـ ثمة صعوبات كأداء تحول دون كتابة دستور دائم مما يفتح الباب على مصراعيه لدعة التقسيم والتشرذم .
ومن البؤس السياسي على أية حال أن نجد بان حلولا (توافقية) تكون في الدستور أيضا . فالدستور الدائم ليس (استحقاقا انتخابيا) على الرغم من أن هذا الاستحقاق ينتابه الحيف بسبب عدم مشاركة فئات مختلفة من أبناء الشعب العراقي في العملية الانتخابية ولأسباب مختلفة . وليس الدستور الدائم عملية سياسية محضة تقوم بها أحزاب معينة ؛ فهو وثيقة كبرى تبقى لأجيال عديدة ؛ ومن هنا فإن القائمين على وضع قواعدها وأسسها يجب أن يكونوا من المختصين في هذا المجال ؛ وهم من يقوم بعرض ما يرون على الجمعية الوطنية للرأي وليس العكس تماما كما يحدث الآن حيث يكون المختصون ممن يعملون في الصياغات اللغوية النهائية فقط !. ولذلك فإن العلمانية في شقّها العلمي ( العلمنة ) يمكن أن تمنح واضعي الدستور إمكانات مهمة في وضع أرضية عامة يقبل بها الجميع .

العلمانية في دساتير العراق الدائمة والمؤقتة :
كانت العلمانية هي الصيغ السائدة في جميع الدساتير العراقية السابقة على الرغم من أن جميع الدساتير كانت قد وضعت الإسلام " كدين رسمي للدولة العراقية " باعتبار أن المسلمين هم الأغلبية العامة المكونة للأمة العراقية . ولم يسجل المشرعون العراقيون أية ظاهرة تدلّ على وجود نزعات قومية أو طائفية في مواد الدستور حيث تشير ( الجنسية العراقية ) في جميع الأحوال إلى نوع الدين والقومية فقط . أما ما ترتّب بعد ذلك من قيام ممارسات سياسية طائفية أو عنصرية فهي بالطبع (مخالفات دستورية) سواء في العهد الملكي 1921 ـ 1958 او العهدين الجمهوري الأول 1958 ـ 1963 والثاني 1963 ـ 2003 .
وكان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم 1911 ـ 1958 رحمه الله قد استدعى الدستوري والسياسي المرموق السيد حسين جميل في يوم 18 تموز لوضع دستور مؤقت للعراق باختيار لجنة يكون حسين جميل على رأسها . وبعد مدة في اقل من أسبوعين أحضر السيد حسين جميل مسودة لدستور عراقي جمهوري مؤقت . وإذا كان ثمة مؤاخذات سياسية على المدة التي حكم بها الزعيم عبد الكريم قاسم ، فإن من أهمها عدم إجراء انتخابات عامة في البلاد كما وعد بذلك الانقلابيون في صبيحة الثورة ، وعدم وضع دستور دائم للعراق .
بيد أن عام 1970 قد أنتج دستورا علمانيا آخر من وضع لجنة دستورية خاصة . وكان الطابع (العروبي) للعراق هو السائد نسبيا في >لك الدستور على الرغم من إشاراته إلى ضرورة حلّ المسألة الكردية سلميا ، ومنح الكرد حقوقهم القومية وكذلك الاقليات المتآخية الأخر . ومن المؤاخذات الكبيرة على ذلك الدستور المِؤقت هو بقاؤه حبيس الورق ، فالمادة 37 منه ـ على سبيل المثال كانت قد حظرت أعمال التعذيب في السجون والاعتقالات الكيفية وغيرها من مراعاة حقوق الإنسان العراقي ؛ لكن الواقع كان قد شهد وضعا نقيضا لذلك على نحو مخيف مما يؤكد لنا دائما بأن أي دستور تكمن قوته في تنفيذه واحترام نصوصه وقيام محاكم متخصصة بذلك .
إن العلمانية في الدستور العراقي تعني ـ من معانيها الكثيرة ـ الحفاظ على حقوق الإنسان العراقي وضمان السبل الكفيلة دستوريا بقيام ذلك . ولكي لا نقع في الأخطاء القاتلة السابقة نفسها . فالدستور ليس وثيقة تتباهى بها الأمم والشعوب المتحضرة فحسب ، بل أن قوتها في تطبيق بنودها ، ويكفي العراق بأنه من أقدم الأمم على الأرض ـ إن لم يكن أولها ـ التي قامت بوضع أول دستور دائم تمثّل في شريعة حمورابي .



هل هناك (مؤامرة ) على مركز دراسات الخليج العربي في جامعة البصرة ؟


منذ الأيام الأولى لسقوط النظام كتبت : أنقذوا مركز دراسات الخليج العربي ، وكنت أستشعر حجم ( المؤامرة ) على وجوده وكيانه وتاريخه باعتباره من المعالم الأساسية لجامعة البصرة . ومنذ تأسيسه في عام 1974 ، وهذا المركز يؤدي واجباته العلمية والبحثية على نطاق واسع ، فقد عقد غير ندوة عالمية حول شؤون الخليج العربي والجزيرة العربية أسهم فيها كبار الباحثين والأساتذة المعنيين بشؤون الإنسان في الخليج العربي و في العالم العربي والعالم . كما أصدر المركز مئات الكتب العلمية الرصينة عن الخليج والجزيرة العربية ، وعقد مئات الندوات المتخصصة في ذلك . ويعدّ المركز الأساس المسجّل رسميا في جامعة أكستر البريطانية , وهو من المراكز العلمية العراقية المعروفة والمسجلة في اليونسكو أيضا . ومن المناسب أن نذكر بأن المركز قد قدّم جامعة البصرة على الصعيدين الخليجي والعربي غير مرة حتى أصبحت معروفة النطاق الأكاديمي العالمي .
لكن المركز عانى -كما هي حال معظم مراكز البحث العلمي في العراق- من الإهمال والتغييب في مدة الحصار1991- 2003 ، واختفى من الخارطة العلمية والأكاديمية تقريبا بعد ذلك ، وحتى يومنا هذا . ومن الغريب حقا أن يستمر تغييبه وتهميشه بعد سقوط النظام أيضا ؟! فلم يكن المركز طوال عمله السابق يخدم النظام كما يحلو لبعض ( الموتورين ) من أمثال أحد مساعدي رئيس الجامعة السابقين ! والدليل الواضح على ذلك : أن أساتذته جميعا وبلا استثناء هم في مراكزهم الآن ما عدا مدير المركز السابق ؛ بل أن الحقيقة ـ كل الحقيقة ـ : أن هذا المركز كان وما يزال منفى للمعارضين من الأساتذة المستقلين الذين كان يلقى بهم فيه ولأسباب سياسية بحتة ، وكانوا ممن يحرمون من المحاضرات الأولية , ومحاضرات الدراسات العليا وإلى يومنا هذا أيضا ! ؛ ولربّ سائل يسأل : لماذا يستمر الوضع حتى بعد رحيل نظام صدام المقبور ؟! فأجيب ، وبكل أمانة : أن فاشيي صدام من رفاق الحزب المقبور قد التحقوا في أحزاب معينة لا حاجة بي إلى أن أذكرها الآن لكي لا أتلقى رصاصة أو رصاصتين ويتهم في ذلك ـ ظلما ـ الموساد الإسرائيلي أو أبو مصعب الزرقاوي ! ، ولأنهم يمارسون الدور نفسه في ( اضطهاد) الأساتذة الوطنيين والديمقراطيين من الاتجاهات المغايرة لهم ، وهم أنفسهم ، ممن ينشرون البخور حول رئيس جامعة البصرة الحالي الدكتور سلمان داود سلمان(*) ، وهم أيضا ممن نسفوا ميزانية جامعة البصرة في مشروعات فاشلة مثل بناء مسبح بقيمة مليار و300 دينار عراقي ! كما سمعنا مؤخرا ، في حين بقيت بناية مركز علمي معروف مثل مركز دراسات الخليج العربي ، منهوبة ومخربة ومحترقة ، وفي بداية موقع باب الزبير ؟
ومن الغريب في الوقت نفسه أن حجم (المؤامرة) يأتي أولا من رئاسة الجامعة! ، ومن رئيس الجامعة نفسه! ، حينما قرر أخذ البناية وتحويلها إلى رئاسة لجامعة البصرة ، فرفض أساتذة المركز ذلك القرار رفضا قاطعا ، ولم تنثن الجامعة عن تسريب (المؤامرة) على المركز إلا بعد أن هدد الأساتذة برفع تلك القضية إلى مجلس الحكم والأحزاب الوطنية ومحافظ البصرة وإبلاغ الصحف الوطنية بذلك .
وقد أبلغ الوفد آنذاك السيد رئيس الجامعة الدكتور سلمان داود سلمان مباشرة وبلا تردد بأن ثمة ( مؤامرة ) من دول مجاورة على المركز ! ، فما كان منه إلا أن أجاب : وهل نحن عملاء ؟! ولا أعرف ماذا تعني الوطنية ، وحب العراق وضرورة أن يأخذ مكانته الكبيرة في قاموس أولئك ، إن لم يكن إبراز دور الأماكن التي يعملون فيها وطنيا ؟ لكن رئيس الجامعة ـ كعادته ـ لم يتخذ أي إجراء على الإطلاق حتى أبلغ وبكتاب رسمي من المركز : بأن القطعة التي تعلن عن بناية المركز وهي بحجم كبير قد رفعت من على واجهة بناية المركز وتحت أعين حراس الجامعة طبعا ! ـ وبصراحة لأنها تحمل أسم الخليج العربي ! ـ ومع ذلك لم نسمع بأن رئيس الجامعة قد اتخذ أجراء ما ، فهل قامت رئاسة الجامعة برفع القطعة بنفسها أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟ ، ولغاية لا يعلم بها إلا الراسخون في العلم ـ الله أعلم ! .
لا حاجة بنا إلى أن نذكّر السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجديد في أهمية هذا المركز ، لكننا ـ ومن الواجب الوطني والعلمي الذي تعلمناه منه وهو أحد الأساتذة المعروفين بعلميتهم ـ أن يساءل السيد رئيس جامعة البصرة عن الأسباب التي دعته إلى إهمال المركز كل هذه المدة ، وأرجو ألا يذكر له ما معنى وجود ( مؤامرة ) على المركز لأن السيد رئيس الجامعة ليس من أنصار ( نظرية المؤامرة ) بل من أنصار ( نظرية السفر بالطائرة ! ) .
ــــــــــــــــــ
(*) تمت تنحية هذا الأستاذ بعد تراكم الأخطاء الإدارية مؤخرا.. والأعمال جارية لترميم المركز والنهوض به في ظل رعاية دائمة من رئيس جامعة البصرة الحالي الاستاذ الدكتور الناقد والمفكر العراقي علي عباس علوان.


لننتصر للمرأة

كانت وما تزال المرأة العراقية محطّ إعجاب الدنيا ، وهذه ليست كلمة إنشائية نقدمها في سياق ( أتكيت ) نثبت من خلاله تحضّرنا الاجتماعي أو تقدّمنا الحضاري ، بل هي حقيقة لا غبار عليها ، فالأم العراقية من أعظم نساء الدنيا في الثبات والصبر والعفة ، ليس الآن فقط ، بل منذ أن خلق العراق على خارطة العالم كأول بلد متحضّر في التاريخ الإنساني قاطبة . ولو أن مجتمعا آخر قد مرّ بذات الظروف التي مررنا بها لوجدته الآن في غاية التفكك والانهيار إن لم تبدأ فيه عوامل الضمور والاختفاء كجماعة بشرية واحدة . والفضل في هذا يعود إلى المرأة العراقية التي حافظت ودافعت عن كيان الأسرة وأجهدت نفسها على أن تقوم بمهمات الرجل كاملة في حال غيابه ؛ وإنها لكارثة حقيقية حينما يفقد شعب الملايين من رجاله في ساحات الموت المجاني ، ثم يقع وزر هذا الأمر الجلل على المرأة بعد ذلك .
وحاول الإعلام الصدامي الهزيل أن يجيّر هذه الحال العجيبة للمرأة العراقية لتصبّ في ماكنته السوداء ، وطفق يكيل الألقاب تلو الألقاب العظيمة للمرأة العراقية حتى أصبحت محور حروبه المدمرة وغزواته المستعرة ؛ فالحرب العراقية الإيرانية ما قامت إلا للدفاع عن (الحرائر) واحتلال الكويت دفاعا عن ( الماجدات ) وعن ( المحاولات ) في جعل المرأة العراقية رخيصة كما صرّح ويصرّح صدام دائما ؛ إنه السبب رقم واحد في عقل القائد ! ولتسقط بقية الأسباب في حروب الموارد ومخططات الصهيونية ونزوع المتجبّرين إلى نقل تجاربهم إلى خارج حدودهم ، والرغبة المريضة في دخول التاريخ من باب الدم والمياه القذرة ، وليس من باب العلم والفضيلة لأن كلتيهما لا وجود لهما في قاموس الطغاة .
وكأن الحروب تقوم لأسباب جنسية ! إنه التفكير المريض والملتوي الذي ينبع دائما من تحت السرّة .. وهو التفكير نفسه تقريبا الذي أشاعه المستشرقون في الكشف عن أسباب انهيار الحضارة الإسلامية ودولها فأوعزوا ذلك إلى تدخل النساء في شؤون الحكم ! يا للنساء مرة أخرى ، ثم نحّوا جانبا دكتاتورية الرجال وأخطائهم العسكرية وهفواتهم الشخصية ، وجشعهم العدواني ، وصراعاتهم على الملك ـ وما أدراك ما الملك إذا نازعني إليه ولدي ذبحته ؛ أليست هذه مقولات جميع السلطويين في العالم من قابيل الرجل إلى ما لا نهاية من المعتوهين القتلة ؟
وتتحمّل المرأة في التاريخ وفي العالم أخطاء السيد الرجل دائما منذ أن خرج من كهفه المظلم إلى الغابة ليجلب القوت ..ومنذ أن حمل قوسه ورمحه وشرع في تأسيس المستعمرات البدائية والدول الأولية ثم الإمبراطوريات الكبرى من الإمبراطورية الأكدية إلى إمبراطورية الولايات المتحدة الحالية . وكلها ـ تقريبا ـ يقودها السادة الرجال من سرجون الأكدي إلى الرئيس بوش الأميركي . ولا أحسب بأن ثمة نساء إلا القليل في هذه القائمة الطويلة من العنف الرجولي المهيب .ولذلك يكتب بعض الغربيين ممازحين : بأن العالم سوف يركن إلى السلام والدعة والرخاء إذا ما حكمته النساء ؟! لكني أحسب بأن هذا الرأي ساذج وإن اتخذ صفة المماحكة غير الواقعية ، لأن النساء أشدّ غيرة وأكثر زعلا وأقل روية وأبرع تعلقا بالملك؛ وعندئذ فإن قيام الحرب العالمية الثالثة سوف يكون قاب قوسين أو أدنى ! وهذا رأيي .
لكني من المؤمنين طبعا بفقاهة المرأة وإمكانية توليها جميع المناصب الحكومية بما في ذلك رئاسات الجمهورية ، ولسوف ترون بإذن الله ذلك قريبا في العراق بعد أن يرشّح رجال لهذا المنصب امرأة عراقية ، وسأمنحها صوتي على عناد كل الرجال من أمثال عبد حمود سكرتير الرئيس السابق والدكتور في العلوم السياحية !مادة الستراتيجية ـ عفيه ! ـ قليل من يعرف ذلك عن هاوسهوفر العراق ، أليس كذلك يا أساتذة العلوم السياسية ويا دكتور مازن الرمضاني؟ وكما حدث مؤخرا في الجزائر حيث رشّحت سيدة لمنصب الرئيس ـ وعلى عناد الإرهابيين المتطرفين في الجبال الذين يجيدون ذبح المدنيين ويضعون رؤوسهم على قارعة الطريق .. وكما نسمع في ترشّح سيدة لبنانية لهذا المنصب الاحتكاري على السيد الرجل ، ولو أن الشاعر الغزلي المحدث نزار قباني بقي حيا إلى يومنا هذا لفرح بذلك أيما فرح ، ولكتب ديوانا جديدا بعنوان : قالت لي السيد رئيس الجمهورية ، بدلا عن : قالت لي السمراء الذي كنا ندسّه سرا تحت مخداتنا خشية رقابة الآباء الصارمة وقتذاك .
نعم للمرأة العراقية دائما لأنها من أكثر نساء الأرض مظلومية ، ومليون تحية إلى أولئك النساء الصابرات اللائى انتظرن أزواجهن عقدين في الأسر .. ربين وبكين وسهرن في أحلك الظروف وفي أكثر ليالي القصف رهبة ولم ينزعن عراقيتهن قط : من الجرغد إلى الحجاب ، ومن عهد صدام إلى عهد الديمقراطية .
واستطاعت المرأة العراقية وحدها أن تقود الحياة الصعبة والقاسية ، وأن تخوض غمار الحرب الأخرى التي فرضها عليها صدام ، حرب متعددة الجبهات ، حرب كثيرة التحديات ، حرب لم تدع للمرأة خيارا : إما أن تكون عراقية حرة كالعلم الأبيض الناصع أو لا عراقية .. وإذا كانت الحروب قد وضعت أوزارها ، فإن الحرب لدى المرأة العراقية لما تتوقّف بعد ؛ فهي قائمة مشتعلة بهدير مدافعها وأزيز طائراتها ودماء جنودها . فالمرأة العراقية لا تنسى ما فقدت أبدا ؛ انظروا إليها وهي تكفكف دموعها في الأعياد والمناسبات المفرحة لأنها تذكرت فقد الزوج والأب والابن والأخ والحبيب في حروب مدمرة عاصفة لا ناقة لها فيها ولا جمل . ثم تجللت بهذا السواد التاريخي الذي طالما عرفت به نساء العراق في حقب الجوع والموت والفيضانات والحروب القبلية القديمة. هل تجدون ذلك لدى أمة أخرى ـ أيها السادة ـ وهل تجدون ذلك في نساء أخر ؟ وهل تساءلتم : لماذا يرسل العراقيون بالآلاف ممن هاجروا أو هجّروا على نساء عراقيات للزواج بهن ؟ إنه مجرد تساؤل أضعه أمام صدام الذي ظهر علينا وعلى شاشات التلفاز أخيرا .
المرأة العراقية النجيبة بطبعها وطباعها بخير ما دمتم تبعدون دكتاتوريتكم عنها .


لصوص المناصب

ليس ثمة ما هو أصعب من اختيار الرجال لأداء المهمات ذات الطبيعة الخدمية التكليفية للناس، وفي تاريخنا الإسلامي من الشواهد والعبر ما يكفي لمعرفة المواصفات التي يجب أن يتحلى بها أولئك الذين تقع عليهم عين المسؤولية في القيام بالمهمات العامة. وكان الرسول الأعظم محمدا (ص) من أكثر القادة في انتقاء أصحابه دقة في توليهم المناصب العسكرية والقضائية والإدارية، وقد سار على نهجه الخلفاء الراشدون جميعا رضوان الله عليهم، فكان أصحابهم رمزا للطاعة والطهر وتطبيق الشريعة بحذافيرها والدفاع عنها لأن الشريعة كانت بالدرجة الأساس تعني نصرة الحق، والوفاء للقيم الإلهية..
وكان عمر بن الخطاب ( رض ) قد أنّب أبا هريرة على قبوله هدايا شخصية أثناء عمله قاضيا في البحرين؛ فنستشفّ من هذه الحادثة التاريخية مدى التشدّد والتدقيق في مصادر المال في القيام بالمناصب العامة، فالتشدد في المعاملات هو من أهمّ ما كان يقوم به الخلفاء الراشدون. فضرورة مراعاة الأداء النزيه في مختلف شؤون الحياة المادية. وأن أبا هريرة لم يعترض ولو بكلمة واحدة على قرار الفاروق في مصادرة تلك الهدايا إلى بيت مال المسلمين، وهذه نكتة عمرية كبرى، ودرسا على المعنيين بالمناصب الحكومية وغير الحكومية وضعها نصب أعينهم ليل نهار .
قالت العرب قديما : بأن المناصب تكليف وليست تشريفا ، وأرادوا بذلك أن يؤكدوا حقيقة البناء الأخلاقي الصارم في تولي المناصب العامة ، وعدم التهاون في الخروقات مهما كانت وعزل مرتكبيها من أي نوع ومهما تكن صلتهم بولي الأمر . بيد أن المناصب الحكومية في الدولة الإسلامية أصابها ما أصاب البنى كلها من انحراف وتخريب وعصبية وهدم منذ أن تولى الأمويون السلطة في عهد معاوية بن أبي سفيان، حتى قالت العرب من جديد في وصف الدولة الموصوفة بالإسلامية جزافا: بأنها أصبحت كسروية أو بيزنطية في آلياتها ، وعنوا بذلك : أن الدولة قد انحرفت عن الخط المحمدي الذي أسس على التقوى ورضاء الله والعمل بروحية الآخرة ، ورفض مظاهر الأولى مهما كانت خادعة . ومن هنا فإن الحديث النبوي الشريف : خير الناس من نفع الناس ، قد وضع على الرف ليحل محله حديث آخر عجيب في تواتره غريب في فحواه ومذموم في مثواه: خير الناس من نفع نفسه أو أهله ! ؛ وهذه مقولة كل الطغاة المتجبّرين من معاوية إلى صدام حسين! وحتى ظهور آخر أسم من تلك الأسماء المليئة بعفونة التاريخ قبل ان تملأ بعفونة الجسد. .
ويروى عن السيد نوري باشا السعيد مؤسس أول دكتاتورية في العراق الملكي ، وعميل الإنكليز رقم واحد في الشرق الأوسط ، أنه كان يقول في جلساته الحكومية موجها موظفي الدولة العراقية في العهد الملكي البائد : بأنهم عليهم أن يسرقوا شيئا لأنفسهم ويدعوا ما يتبقى لعمل الدولة ، وإن المائة دينار التي أقرتها الدولة ينبغي أن يتبقّى منها عشرة دنانير في الأقل لكي تصرف على الناس، ولا بأس في سرقتكم 90% منها !؟ وهذه الرواية على علاتها تؤكد مدى الفساد الإداري والمالي الذي كانت عليه الدولة العراقية الملكية آنذاك؛ ومع ذلك فإن التاريخ السياسي للعراق لم يسجّل على السيد نوري السعيد أي تلاعب في أموال الدولة !
وما يزال هذا الرأي سائدا في أوساط كثير من المسؤولين العراقيين سواء في زمن الطاغية الأرعن صدام أو في العهد العراقي الجديد الذي يراد له أن يكون على درجة عالية من الوطنية والنزاهة والإخلاص والشفافية .
ومن الصعب على أية دولة تحقيق مثالية في الأداء الحكومي وغير الحكومي النزيه100% ما لم يصار إلى تطبيق القانون وإنشاء هيئات رقابية وإعطاء الصحافة دورا أساسيا في هذا المجال . وترشدنا تعاليم الإسلام العظيم إلى سلسلة من المفاهيم والضوابط الخارجية والداخلية للأفراد والجماعات قلما نجدها في إدارة حديثة الآن ، فمبدأ الشفافية في إدارة الدولة ومؤسساتها يتوافر في العهد الراشدي على نحو بالغ ؛ فبيت المال في زمن الإمام علي (ع ) يعرف ما بداخله كل مسلم كما انه يعرف حقوقه وواجباته أيضا ، وكان أمير المؤمنين أبو الحسن (ع ) من أشد الإداريين تطبيقا للشريعة والقانون حتى روي عنه أنه كان يطفئ الشمعة التي تستعمل في بيت المال حينما يكون الأمر لا يتعلّق بالشؤون الخاصة بالدولة ، وإذا كانت هذه الرواية تنسب إلى غير مسؤول في الدولة آنذاك ؛ فإنها جميعا صحيحة لأن أولئك الرجال هم تلامذة سيد الخليقة والأخلاق محمد (ص ) ولا غرو في ذلك قط .
وساد اعتقاد غريب بين المسؤولين في الدولة العراقية السابقة : بأن المناصب الحكومية وجـدت ( للحوي ! ) ولا أدري من أين يأتي العراقيون بهذه النحوت التي تبقى مرافقة لمرحلة سياسية كاملة ؛ فللشعب العراقي تعبيرات قلما تتوافر لدى أمة أخرى ف( الحوي ) هو صعود النخلة وقطف الرطب الناضج ووضعه في كيس خاص ، وهو الآن يطلق بكل أمانة على لصوص المناصب الحكومية الجدد والقدامى من عهد البعيثة السابق . ويمكن ملاحظة هذا الاتهام الدائم في البيانات التي تصدرها الجماعات والأحزاب السياسية في معرض نقدها لأوضاع الحكومة والمناصب التي يشغلها الموظفون الكبار فيها ، حيث تكون اللصوصية ـ يا للأسف ـ هي أولى التهم التي توجّه إلى المسؤولين الحكوميين أو غير الحكوميين أيضا .
وتتعدد أشكال اللصوصية على وفق الظروف السائدة ، فثمة من أخترع أساليب جديدة في حرث أموال المواطنين مستغلا غياب القانون وبساطة المواطنين الذين اعتقدوا بأن العديد من الجمعيات قادرة على حلّ مشكلاتهم في البطالة والتعويض عن الأضرار التي سببها النظام السابق لهم أو الدفاع عن مفقوديهم و هلم وجرا ، فكم من ( نصاب أشر ) أنشأ جمعية لم تقدم إلى منتسبيها إلا الوعود الكاذبة والفايلات أم الخمسة آلاف أو أقل أو أكثر ، وقد يجد المواطن أن مبلغ خمسة آلاف زهيدا وهو يتعلق بالقشة ، ولكن لو نظرنا إلى الأمر من زاوية الآلاف من الفايلات سوف تكون القضية مربحة جدا إلى أولئك الذين عملوا على إنشاء تلك الجمعيات اللصوصية الوهمية ؛ إنه أسلوب آخر من السرقة تحت يافطة ( المجتمع المدني في العراق اللصوصي الجديد ) !
ولا أحد يعلم وفق أي قانون سمح أولئك النفر المتصيدين في المياه الراكدة لأنفسهم في ابتزاز المواطنين البسطاء ، وهل يمكن للحكومة الجديدة أن تحاسب أولئك الذين منحوا لأنفسهم مناصب في المجتمع المدني دون أن يقدموا أية خدمة للناس ؟ ولماذا أغلقت بعض هذه الجمعيات أبوابها بعد أن فاحت روائح احتيالها الكريهة على المواطنين ؟ وكيف يمكن للمواطن البسيط أن يقاضي المسؤول الإداري في هذه الدائرة أو تلك إذا كان ذلك المسؤول محتميا وراء (مكتب عسكري ) لحركة سياسية جاءت به إلى المنصب، وهي تعمل ليل نهار على تهريب النفط وبمساعدة قوات الاحتلال ـ آسف المتعددة الجنسيات المحتلة ! ؟ لله درّكم أيها العراقيون أينما ألقيتم بها ( سودة مصخمة ) ! .



هل يحضر الأساتذة كلاشنكوفات إلى القاعات الأمتحانية؟!


كيف يمكن للأستاذ في الجامعة أو المعهد أو في التربية أن يمارس دوره وواجبه في ظل سلسلة من التهديدات العلنية والسرّية وبخاصة في مدّة أداء الامتحانات السنوية النهائية ؟ ثمة طرق عديدة في إظهار العنف أو التلويح به من بعض الطلبة الذين أقل ما يقال عنهم أنهم لا يستحقون لقب طالب على الإطلاق ما داموا يمارسون الأساليب العصابجية التي دأب ( القائد الملهم ) على تلقينها لهم .. ومن هذه الأساليب : إلقاء قصاصات ورق تحمل تهديدات ، واستخدام الهواتف النقّالة في إطلاق العبارات البذيئة بحقّ رسل العلم وحملة النور في هذا العصر الذي يمكن وصفه بالعصور المظلمة المتأخّرة .
واعرف كثيرا من أساتذة الجامعة قد اعتذروا عن المراقبات الإمتحانية لهذا العام بسبب عدم توفّر الحماية لهم في حالة تطبيق القانون وبخاصة القضايا المتعلقة بالغش . ومن السخف والتفاهة أن تجري ( قوامة ) عشائرية ضدّ أستاذ عمل على تطبيق القانون في الامتحانات ، ويتوجب على شيوخ العشائر العراقية الذين يلتزمون الحقّ وما أمربه الله سبحانه أن يعلنوا بأن الطالب الذي يمسك غاشا في الامتحانات هي من ( السوادة ) وهي على أهلها .. وأن يحولوا دون اعتداءات بعض الطلبة غير المسؤولين الذين وجدوا في فرصة الامتحانات سانحة لتصفية حسابات غير تربوية وغير أخلاقية ولا تمتّ إلى روحيتنا العراقية بصلة ، بل هي امتداد واضح لسلوكيات الصداميين في عدم احترام العلم وخرق جميع القيم الوطنية والدينية الساميتين . وهؤلاء الطلبة ـ يا للأسف البليغ ـ لا يتورعوا عن الإعلان إلى أساتذتهم ـ وبخاصة في الجامعة ـ بأنهم ينتسبون إلى منظمات وحركات سياسية ( مهمة ) و ( ثورجية جدا ) و( ذات قوى ضاربة ساحقة ماحقة ) أو أنهم مسؤولون في أجنحة عسكرية ! ـ كذا ـ ولا أعرف ما حاجة الأحزاب إلى المكاتب العسكرية والحمايات العسكرية ؛ أما يكفينا ما عانينا من عسكرتاريا صدام حتى يأتي من يدعونا إلى عسكرتاريته ؟وهذا ما يدعوا إلى القلق حقا، وإلى الاشمئزاز في الوقت نفسه لما وصل إليه حال التعليم في العراق .
أما المدرّسون في التربية فهم يتعرضون إلى الاعتداء من تلاميذهم في المراحل المنتهية ، وهذه ظاهرة لم تكن منتشرة على هذا النطاق شبه الواسع ، بل كانت دائما محدودة الوقوع . فقد عرف عن الشعب العراقي احترامه لمهنة التعليم بكلّ مراحله ، وما يزال المعلّمون والمدرّسون محطّ العناية والتقدير الكبيرين ، وأذكر في هذا المجال إني كنت أسير في شارع أبي نؤاس في منتصف السبعينات مع أحد الزملاء من المعلّمين وإذا بضابط برتبة مقدّم يترجّل من سيارته ويؤدي التحية إلى المعلم ثم صافحه عارضا عليه خدماته البسيطة ومذكرا إياه بأنه ما كان ليصل إلى ما هو عليه إلا بجهود المعلمين والمدرّسين ، وأنتهي اللقاء بحرارة وحميمية وسط نظرات الأبناء الصغار لذلك الضابط العراقي الأصيل الذين كانوا يرقبون المشهد من داخل السيارة . وأخبرني المعلم بأن ذلك الضابط يفعل الأمر ذاته مع جميع مدرسيه ومعلّميه وفي أي مكان يجدهم. لقد كانت حالة في غاية النبل والطبيعة الأريحية آنذاك ، وأؤكّد بأنها لما تزل قائمة في نفوس كثيرين منا .. وما علينا إلا أن نبدأ بالبناء الأخلاقي من جديد وفي كل الميادين وبخاصة ميداني الجيش والتعليم اللذين أغلقهما النظام على أتباعه وأمّعته ؛ ولكم كنت أرثي ذلك الضابط الخلوق والوفي وهو يرى الجيش العراقي في عهد الطاغية منحدرا من أعلى القيم العسكرية إلى قيم الجند رمة حيث كان الضباط يبيعون إجازات جنودهم علنا ! لاشكّ بأن مثل تلك النفوس الكبيرة ما كانت لتقبل ما كان أبدا ،لكن السيل الجارف لم يبق ولم يذر .
ولا شك ـ أيها المواطنون ـ بأن إعادة تلك القيم العراقية الأصيلة ليست بالأمر الهين فقد عمل النظام غير الأخلاقي وطوال خمسة وثلاثين عاما على مسخ القيم الإنسانية والحطّ من المثل الدينية العليا ، ولا يمكن أن نجعل من الأساتذة عساكر تحمل مسدسات للدفاع عن نفسها لأن هذا ليس من واجباتهم قط ، كما لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام بقاء القيم الصدامية البائسة والمبنية على مبدأ : استعمل السلاح مادام الأمر مباح ! ـ وهي لعمري كانت جزءا من مخطط النظام الجهنمي في الاستمرار في حكم الأمة العراقية من خلال ترسيخ المفاهيم التي تعتمد الإرهاب و العنف والإلغاء والهدم لكل ما هو إنساني وسوي وجميل . وأحسب أن الوقت قد حان لكي توضع الأمور في نصابها ، ونعطي لكل واحد طينته على خدّه !



( كراسيا )(*) كاسترو حسابك وصل !


عندما كتب جان بول سارتر عن رحلته إلى كوبا كتاب ( عاصفة على السكر ) لم يكن يعلم بأن ( راؤول كاسترو ) سيكون خليفة أخيه فيدل كاسترو في حكم كوبا، تماما كما أصبح ابن الرفيق كيم أيل سونغ (محرّر كوريا الشمالية على خط الزوتشية الثورجي جدا) خليفة والده الذي نصب لـه تمثال كبير بحجم ديناصور صيني أو بوذا أفغاني وسط العاصمة الجائعة (بيونغ يانغ) في كوريا الشمالية ذات الرؤوس النووية المخيفة. وكما قيّض – أيضا- لبعض الحكام العرب من ان يهيئوا الطريق لحكم أولادهم؛ وما من صفة فيهم سوى أنهم خرجوا من (الذكر) الحاكم نفسه!
وربما, لو قيض لبابا سارتر عمرا أطول لكتب كتابا - غير مسرحية الفوضى والعبقرية - تحت عنوان (عاصفة نووية على العالم!) بعد مقولته الأثيرة قبل موته: سوف أودعكم إلى هذا العالم الحزين، يمكن من خلاله فرض رؤية إنسانية أخرى باتجاه السلم والأمن العالميين. ولأعلن صراحة عن رفضه لكلّ ما كتب من مؤلفات، لأن طفلا عراقيا واحدا فقط مات على سرير بسبب نقص الغذاء.. ألم يشكك – هو نفسه – بعدم قدرة رواية الغثيان على معالجة قضايا الجوع في العالم. كان سارتر إنسانا ملحدا، لكنه يفيض حبا لبني البشر، ودافع عنهم في الجزائر ضدّ حكومته الفرنسية ـ ولو كان سارتر عربيا أو مسلما لاتهم بالعمالة طبعا.. وربما ألّفت عنه القنوات العربية حكايات عن خيوط مؤامراته، ومخططاته، وارتباطاته- ولكن حمدا لله إن سارتر ليس عربيا ولا مسلما.
وكانت كوبا التي أورثها لكاسترو الثائر الأرجنتيني الشهير تشي جيفارا وزير الصناعة ، الغريب ، الذي ترك ( الميز والكرسي ) وذهب ليشن الحرب على الإمبريالية العالمية في عموم أرجاء أميركا اللاتينية، فقضى في غابات بوليفيا ضمن أعقد عملية قادتها المخابرات الأميركية إبان الحرب الباردة جدا، وربما، لا توازيها في القوة والسرّية وبرودة الدم إلا عملية القضاء على ( بياترس لومومبا ) في أفريقيا التي رثاها الاتحاد السوفيتي السابق فأطلق أسم المعذب الثوري : ( لومومبا ) على واحدة من أشهر جامعاته التي تخرّج العلماء و ( الثوار ) في العالم الثالث كي لا ينسى ..
وكي لا ننسى ـ نحن أيضاـ التاريخ الحافل بالمسارات المتعرّجة والصعبة إبان حقبة الحرب الباردة 1991- 1945 المقيتة التي لم تحصد الشعوب والأمم من خلالها غير البؤس والدسائس الدولية والانقلابات العسكرية التي أخذت صفة الثورات ظلما وعدوانا حتى أصبح من الصعب على التاريخ المعاصر الفصل بين المفهومين من الناحية العلمية حيث سجّل المؤرخون الحكوميون العتاة كل انقلاب على أنه ثورة و( عبرت ) الفكرة على التلاميذ والطلبة والمدرسين وأساتذة الجامعات وبعض المثقفين وعلى الناس أجمعين. وجيء بقطاع الطرق والمأفونين والمرضى والعدوانيين بالسليقة ليمونوا قادة ومصلحين ومتّبعين وثوار من الطراز الأول.
و كان الرفيق ( الثورجي جدا ) البطل الكوبي الماركسي حتى القشرة كاسترو من أعزّ أصدقاء الرفيق ( الكرخنجي جدا) صدام حسين. وكانت العلاقات بين نظام صدام الفاشي ونظام كاسترو الديكتاتوري على أشدّها في مدة الحصار على الشعب العراقي 2003-1991، وتعود تلك العلاقة الفريدة إلى عام 1979 حينما زار صدام هافانا في مؤتمر دول عدم الانحياز – وما أقلّ زيارات القائد - ولا ادري هل سأل الرفيق كاسترو ( الأممي % ) صدام عن سبب إعدام الشيوعيين العراقيين الذين كانوا ـ يا للأسف الباهض ـ قبل سنوات يعدون حزب البعث الصدامي حليفا !! ؟؟ بالطبع، أنا واثق بأن الرفيق المناضل كاسترو لم يشر- ولو من طرف غمزة عابرة - إلى ذلك؛ لأن مصالح السياسة فوق كل الأيديولوجيات والكومنترنات و(الكاونترات) التي أحتسى عليها الرفاق نخبهم الاشتراكي العلمي: تكييييلا!
كانت جرود هافانا قد طالت هذه المرة النجل ( الكرخنجي الصغير على طريقته ) عدي الذي عكف على استيافها على منوال والده تماما ، مما أعمى البصر والبصيرة لدى كثير من محبّي كوبا الماركسية ـ اللينينية ـ الكاستروية وتجربتها في حشد الناس التي كان يأتي بها الرفيق المناضل كاسترو كي تستعرض أمام منصة الاحتفالات الكبرى وسط رقصات السامبا الوطنية والثورية في هزّ العجيزات والصدور، مثلما هو عليه الحال لدينا ببغداد في حشود القائد المسحوبة من جيوبها وآذانها وذكورها والتي صمتت صمت أهل القبور بعد اغتيال رموزنا الوطنية والدينية، فطفق بعضهم (يرقص) طربا في ساحة الاحتفالات الكبرى ب ( الجوبي ) وللأسفل .. و (بردح ) العمارة المعروف بفرّ العجيزة .. مقابل مليون دينار عدّا ونقدا، ومكتوب على الظرف (صدقات القائد) والشيوخ رافعين شعارا بائسا( نحن لا نحترم من لا يحب صدام حسين) اما الآآآآآن الآآآآآآآآآن في(عصر ملوك الطوائف) فالمسالة لم تختلف سوى أن الوجوه بقيت نفسها تقريبا، والدفع بالدولار هذه المرة لكل وجه ألف دولار؛ ومن هنا فقد حقق العراق ارتفاعا بمستوى المعيشة لأن الألف دولار تساوي مليون ونصف فما اكرم الحكام الجدد( أي والله!) فطرق الدعاية البائسة هي نفسها في الأنظمة الشمولية دائما، وإن اختلفت المنطلقات الأيديولوجية في مدخلاتها و شعاراتها ومخرجاتها التي ترفعها لأن المحصلات النهائية على مستوى العمل والأهداف واحدة تقريبا.
وقال لي أحد شيوخ (الردحه) لا تصدّقوا ثمة شيخ لا يردح أبدا أبدا إلا ما رحم ربي!! قال: هاي موخوش حكومة! لأنها لم تسمح للشيوخ بان يؤسّسوا مجلسا نيابيا خاصا بهم، ولم يعيدوا بعد العمل بقانون العشائر الذي ألغاه عبد الكريم قاسم عام 1958 والنساء يايابه ياآآآآ بوووويه مازلن في المجلس!! وحينما سألته: أ أنت تقدّمي أم رجعي؟ أجاب: وما الذي جنيناه من التقدم ؟ ها؟ أكو غير جرود الريّس؟ لكنه لم يستطع أن يجد جوابا لمن أعطاه تلك الجرود أبدا.
ولم يكن موقف الرفيق الكبير والثائر الخطير كاسترو مجانيا نحو صدام، فقد كان الأخير من أكثر المتبرّعين بأموال بترول الشعب العراقي المنهوب(دائما دائما) إلى الثورة الكوبية النموذج في أميركا اللاتينية، وسكينة الخاصر في جنب العدوة الكبرى للشعوب الإمبريالية( الويلات المتحدة الأميركية ) فقد موّل القائد القومي الهمام ـ وكما هو معروف ـ ثورات الصومال وإرتريا وحركة ميشيل عون في لبنان (ليس لأن أسمه ميشيل فقط !) و الدفاع عن الصرب الذين أوغلوا في دماء المسلمين في البوسنة، وفقراء السود في أميركا وحتى جزر القمر ! والقائمة من الطول بحيث يصعب على السادة الإحصائيين في الشؤون السياسية الإلمام بها لوجود ( الكوبونات النفطية في كل درج ) و( المنح السرّية الطارقية العزيزية) إلى الصديق اليميني ( جاك شيراك ) و (الرفاق الفلسطينيين )على نطاق أوسع ، وهكذا هو النضال وإلا فلا .. ومن ... (جيبك) يا رغده نسدّ الديانه !
ومن باب الدفاع عن خليج الخنازير و التضامن الأممي الذي لم يكن يؤمن به صدام يوما ، بات من المفروض والواجب مساندة ومعاضدة الشقيقة الصغيرة كوبا في النضال الإنساني الثوروي ضدّ الإمبريالية العالمية وعلى رأسها (الويلات المتحدة الأميركية) وربيبتها بريطانيا العجوز. فكان الرفيق صدام قد عضّد علاقته بكوبا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الإمبراطوري (الرجل المريض الثاني في نهاية القرن العشرين) على الرغم من أن بعض ( الرفاق العراقيين القدامى) لم يتصوروا بعد أن السوفييت واتحادهم قد أصبح في ذمة التاريخ، كواحد من أكثر ديكتاتوريات العصر عنفا وهمجية .. وما زالوا يترحّمون على إنجازاته الكبرى لدول العالم الثالث خاصة ؟ وأن الكرملين سوف يشهد يوما ما، في ساعة ما، ثورة شتاء جديدة يقودها لينين آخر ..أقبض من دبش!! ولكن هذه الثورة إذا ما جاءت فلن يكون ثمة ستالين آخر بل ( إيفان أرهب) ولهم الحق في كلّ ما يتخيلون لأن الوسائد في النوم مريحة هذه الأيام، على الأقل .. وإذا ما أردنا الحقيقة كاملة فإن معظم الأنظمة الديكتاتورية الحديثة في العالم العربي هي نتاج العلاقات الوطيدة التي أقامتها مع الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة وعلى صعد مختلفة والتي أقل ما يقال عنها أنها: دموية. ولماذا يستغربون ذلك فقد وافق شنّ طبقة! وكلّ ما في الأمر هو خطأ في التقديرات.
ويبدو أن الرفيق كاسترو حفظته ( المادية الديالكتيكية ) ورعته ! لم يستوعب بعد طبيعة المرحلة التاريخية القادمة؛ فهو لما يزل يعيش على ذكريات النصر الجيفاري السالف، ومذكرات دوبريه، وهبّة ماوتسي تونغ وثورته الثقافية ( السلفية الماركسية) سيئة الصيت، وأيام الحشود المليونية للفلاحين الصينيين الفقراء الذين اجتاحوا قوات صن يات صن ( الوطنية ) وأقاموا أكبر عملاق شيوعي أصفر في آسيا بقوة السلاح وبدعم من ( العم جو : ستالين ) . بيد أن كاسترو لا يستطيع تفسير الصراع السوفيتي ـ الصيني وعلى مدى عقود عديدة وطويلة إلا على أساس الخلاف غير المبرر بين أبناء ( عمومة ) حميمين .. أما المصالح الستراتيجية المتضاربة، و الصراعات الاقتصادية المستفحلة فلا وجود لها في قاموس ( كارو: أسم الدلع الكوبي الشهير له ! )
وكاسترو أقدم حاكم دكتاتوري ماركسي- لينيني بقي حيا حتى القرن الحادي والعشرين قاطبة ، وبلا منازع. وهو ما يزال يسير على نهج السوفييت الأوائل (الآباء المؤسسين) (الدوغمائيين السلفيين) في ( الكوموسمولات = منظمات الشبيبة ) و( الكولخوزات ) و (السوفخوزات ) و ( البريمزات السيبيرية) في الاتحاد السوفيتي القديم الذي كشف عنه الغطاء الرفيق غورباتشوف ففاحت عنه كل روائح الكون الكريهة والعفنة.
ويبدو أن بعض الأحزاب العراقية الماركسية القديمة لم تستوعب (الدرس الديالكتيكي) جيدا وما زالت تعمل بآليات عقد الستينيات في نشاطاتها السياسية .. ولا يسعنا إلا أن نذكّرها بأن عهد (بابوية موسكو) و(مسكونية بكين) قد ولّى إلى غير رجعة, ولسوف تلحق بها حتما وعلى وفق ( نظرية اشتراكية السوق ) الصينية (بوذية بكين) و( ديكتاتورية الرفيق المناضل العتيق كارو) صديق المجرم صدام العتيد الذي بقي يزوده بسكائر هافانا حتى اليوم الأخير من سقوط بغداد الأخير و(الفطير).
ولا أدري إن كان السيد الرئيس (الرفيق السابق في كومنترن دكتاتورية بورجوازيي العوجة) مازال يطلب من (رفيقه اللاحق بإذن الولايات المتحدة حتما وفي أقرب فرصة انتخابية ) جرود هافانا وهو في سجنه العراقي المكيّف والنظيف جدا من الصراصر ( وينك عن اكتظاظ القاعات في سجن أبي غريب : القتول ؟) وهل سيهب الرفيق المريض طارق عزيز جرودة واحدة كل يوم ؟ أم أن صدام قد حنّ لأيام (المزبن ) الثخين الذي كان يستافه على طريق تكريت سامراء بغداد . . ؟
يمكن لأي عراقي معذّب وسجين سابق تزويده ب(لفه) يشتريها من سوق ( تتنجية الشورجه ) بعد أن يملأ كل سيكارة بطن من المتفجّرات وعلى طريقة الشيخ الثورجي الجهادي السلفي السبتمبري أسامة بن لادن وتابعه قفة الظواهري، ولن نخرق بذلك أي حق من حقوق الإنسان، ولن يحاسبنا كوفي عنان، ولا جميع أبناء المجتمع الدولي الإنساني الذين يتركوا العراقيين وحدهم دائما، ولتحل اللعنة العراقية الأكيدة على كل من عاون صدام علينا والعكس صحيح دائما . ولا بأس ان نسمع كاسترو ( قوله) عراقية لن يتوانى الشيوخ عن تأليفها لكني سأسبقهم في هذا الميدان والله يستر! اسمع: كاسترو اسمع زين كوبا وانطرت نصين، إذا مو بهلعام بعد عامين! مع ردحه بريك دانص!

(*) كراسيا : شكرا بالأسبانية .


جيش أم جندرمة ؟


حينما كنا صغارا كانت الطائرات العراقية تلقي بالمنشورات والحلوى في السادس من كانون الثاني ، ثم نذهب إلى الملاعب حيث يقوم الجيش باستعراضاته وسط تصفيق حار . ولم نكن نعلم بأن الجيش آنذاك قد يتحول إلى أداة قاتلة قط . وكان رمز الجيش هو الزعيم عبد الكريم قاسم بلا منازع ، ولما تزل بعض الأسر العراقية تحتفظ بصحون عليها صورة الزعيم إلى يومنا هذا تيمنا بالرجل واعتزازا بمواقفه الوطنية في نقل العراق من الحكم الملكي الاستعماري إلى العهد الجمهوري . وبقي الزعيم عبد الكريم قاسم في الذاكرة السياسية العراقية إلى يومنا هذا على الرغم من كل المحاولات لمحوه تارة أو تشويه صورته تارة أخرى ، بقي الزعيم الشهيد أبنا بارا بالشعب والجيش في آن واحد ووفق معادلة قلما استطاع عسكري حفظ توازناتها .
وعندما هرب ذلك الضابط الطيار العراقي بطائرته الميك 17 الروسية الصنع إلى إسرائيل في العهد العارفي ، وقف جميع العراقيين مشدوهين من ذلك الفعل الغريب الذي كان له وقع الصاعقة على رؤوسهم .. أما عندما عرف العراقيون بأن إسرائيل قد وضعت جهاز إرسال للتجسس على مخابرات الطيارين في ((H 3 في عهد الطاغية صدام المخابراتي جدا قالوا : هذا هو جيش محمد العاقول ! ؛ وينسج العسكريون حكايات شتى عن محمد العاقول لكنها جميعا تصبّ في : أن الجيش قد تحول في عهد الطاغية صدام إلى جندرمة من طراز خاص.
ومن المضحك المبكي أن يقود الجيش مدنيون لا علاقة لهم بالضبط العسكري ولم يسبق لهم أن قرأوا كراسة التعبئة الضخمة في الكلية العسكرية ، كما أنهم لم يسبق لهم أن عوقبوا بساعة تعليم إضافي في ( شطيط ) ذلك النهير الآسن الذي خاضه جميع ضباط الجيش العراقي الباسل في الرستمية قبل أن تحوله جندرمة عفلق إلى الجيش العراقي القاتل ، أجل ،أولئك الذين لم يخدموا يوما واحدا فيه أصبحوا قادته ومخططي ستراتيجيته ؛ بل إن الطاغية نفسه ـ وهذه أدهى وأمر حالة في تاريخ الجيش العراقي السابق ـ كان من الهاربين عن الخدمة الإلزامية ثم أصبح مهيب ركن دفعة واحدة . ثم لم يلبث المتزلفون والمنافقون أن نصبوه ستراتيجيا عبقريا يحسده هاوسهوفر الألماني وبسمارك البروسي وماك آرثر الأميركي ، فأودى بالجيش إلى كارثة تلو أخرى دون أن يعارضه أحد إلا القلة القليلة من الرجال من أمثال الشهيد اللواء عبد الزهرة المالكي و الشهيد الطيار محمد مظلوم الدليمي والفريق نزار الخزرجي والعميد نجيب الصالحي وغيرهم ممن ساروا على نهج الوطنية العراقية الشريفة .
والجيش الذي كان يقف حائلا دون إطلاق النار على التظاهرات الوطنية في العهد الملكي البائد أصبح يقتل أبناء الشعب بالكيمياوي في حلبجة ، ويلقي القبض على عشرات الآلاف من الكرد ليدفنهم في صحراء السماوة . ويأتي بالدبابات نوع T72)) ليدكّ بها بيوت حي الحسين المتهالكة وليحرق ويقتل المدنيين في الكرمة والمدينة .. ثم يجتاح بها مدننا المقدّسة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة عام1991.
كانوا جندرمة لا وازع ولا رادع ، ولا وطنية ولا حمية ولا دين لهم ، ومع ذلك فإن للجندرمة في الأقل أخلاقيات وأعراف في زمن الترك ، وما كانوا ليفعلوا تلك القبائح التي جبلت عليها جندرمة الطاغية بأي حال من الأحوال . كان النظام السابق قد احتمى بالجيش من الشعب ووضعه سورا مكهربا من الأعلى إلى أسفل . وكان قد أشترى ولاء البعض بأثمان بخسة مثل السيارة وقطعة الأرض بعد أن أغدق بالبساتين والميرسيدسات على الضباط الكبار فيه ليضمن ولاءهم المطلق له فحقق ما أراد واشترى بثمن بائس وطنية أولئك .
ولم يكن الجيش عراقيا ، كان جيشا عفلقيا صداميا ومنذ عام 1969 حينما استدعى صدام ضباط الجيش من الرتب العالية عارضا عليهم الانتماء إلى البعث أو التقاعد ؟ ولذلك فقد آن الأوان بأن نعيد لهذا الرمز الوطني مكانته بعد مرحلة من الانحطاط والتدهور ، ولنبن جيشا لاعلاقة له من قريب أو بعيد بجندرمة صدام السوداء حتى لو أضطرنا الأمر أن نبدأ من الصفر . .


بيان أول صادر عن القائد الضرورة الجديد


على جهاز تلفاز عتيق, ومسكرب, من النوع الذي كانت تستورده الأسواق المركزية في العراق العظيم فبل الحرب العراقية الإيرانية، وما يزال يعمل بعد ثلاثين عاما، ظهر لي في التايتل وعلى حين غرة كتابة عن بيان صادر عن القوات المسلحة العراقية التي غطست تحت الأرض بعد 9 /4/ 2003 لتؤدي واجبها القومي والوطني والاشتراكي، ومن موقع أدنى.. كانت في البداية موسيقى للسمفونية التاسعة لبيتهوفن، ثمّ تبعها مباشرة "السلام الجمهوري " وطن مدّ على الأفق جناحا.. وظهر سكرتير السيد الرئيس نفسه بوجهه الديناصوري قائلا:
يا جماهير الأمة العربية المجيدة!
أيتها الأحزاب والقوى القومية العربية المجاهدة الصابرة!
أيها المفخّخون!!
يا أيها المناضلون الشرفاء في العالم
أيتها الماجدات العربيات
أيها الاماجداليعاريب
أيها الشعب العراقي العظيم!
(صوت نشيد: شعلة البعث صباحي, وجبين الشمس ساحي )
أيها الرفاق العاملون والمتدربون والمنفوخون بالعز والغار
يا
شعب الذرى!! إليكم البشرى!!!
في كل أقطار الوطن العربي الكبير
( أغنية : وطني حبيبي الوطن الأكبر بصوت مطربة الحزب القديمة السورية دلال شمالي )
يا أيها الشعب العراقي العظيم .
(أغنية : دقت ساعة العمل الثوري بصوت داود القيسي (تيس) الإذاعة والتلفزيون المعروف)
أغاني وأناشيد، وهوسات، وزغاريد، ومواليد. ثمّ ظهر الوجه الديناصوري من جديد، قائلا:
إليكم أيها السادة البيان رقم واحد صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية السرية الغطّاسة تحت القاع : بسم الله الرحمن الرحيم. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. صدق الله العظيم. يا حوم أتبع لو جرينا. يا شبح أشطح لو فرّينا!
بعد الاتكال على المولى العزيز الحكيم، وبإسناد من الطلائع المناضلة من فدائيي البعث، وبعد بعد استيلاء ( الويلاد ) على محطة الإذاعة والتلفزيون وفي عملية استشهادية نادرة الوقوع وبفعل استثنائي قلّ نظيره وبالتعاون مع إسلاميي منظمة القاعدة المجاهدين وبتسديد من الله والرفيق المجاهد أيمن الظواهري وأبي مصعب الزرقاوي، إليكم مايأتي:
يخرج- من جديد - مذيع بلباس زيتوني قصير القامة يشبه ديناصور صغير أبيض تظهر التجاعيد واضحة على وجهه، وهو يخرج الكلمات بصعوبة بالغة ربما هو مصاب بنزلة صدرية . يقول :
أيها المشاهدون : بعد طول غياب نعود إليكم بالروح البعثية المناضلة التي طالما افتقدتموها في الآونة الأخيرة من حياة أمتنا وشعبنا بعد الاحتلال الاميركو ـ بريطاني البغيض واللعين والصليبي. وفي هذه المرة يقف بيننا قائد فذ وعبقرية رذ( يطلق رذاذا من فمه أثناء الخطابة ) قلما شهد لها البعث العربي مثيلا والعالم الإسلامي نظيرا منذ عهد القائد الضرورة القديم؛ إنه الامتداد الحي للروح الانقلابية الأرسوزية- العفلقية - الكزارية -الصدامية العظيمة التي ما زالت مغروسة فينا، بطل العروبة والإسلام والتحرير القومي الجديد : السيد الرئيس زرقان الزعران أبو شوارب حفظه الله ورعاه وأيده بنصره. السيد الرئيس يتحدث إليكم مباشرة. السلام الجمهوري الصدامي القديم مرة أخرى تتبعه بعض أدعية كاسيتات وهابية محلية صدرت أثناء معركة الفلوجة.
ويظهر على الشاشة رجل يشبه صدام حسين تماما ومثلما ظهر بلحية مهذبة أثناء محاكمته الاستجوابية. لكن الصوت هو صوت صدام نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم . ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) صدق الله العظيم . ربّ رمية بصمّ تراب تسقط سرب شبح هـ هـ هـ هـ !
يا جماهير الأمة العربية المجيدة
أيها الشعب العراقي العظيم
أيتها القوات العراقية المجاهدة الغاطسة
يا أبناء الحرس الجمهوري والحرس الخاص
أيها الأحرار في ديار الله أكبر وفي العالم الإسلامي من الصين شرقا إلى استراليا غربا( شعارنا الدائم: زرقان أسمك هزّ استراليا!) وفي العالم العفيف الشريف الطاهر النظيف كلوووووو!
أيها السود في الولايات المتحدة ( هل وصلتكم تبرعاتنا؟) أيها المصريون الحفاة هل وصلنكم احذيتنا؟ أيها السودانيون هل وصلكم مبيضنا؟ أيها الموريتانيون إليكم صور القائد الضرورة الجديد من جديد.
نحتفل في هذا اليوم، وإياكم، بثورتنا الجديدة الباسلة الحمراء. الثورة التلفزيونية الجبارة ذات الطابع الجدلي بالربط بين النضال القومي والنضال الطبقي والنضال الديني: الأيدلوجيا العربية الثورية الإسلامية. ثورة الشعب و الأمة من أجل القيادة التاريخية( زغاريد ) . ثورة الأمة العربية كلها من نواكشوط إلى صلالة ومن الزرقاء إلى شارع الحمراء ومن العوجة إلى تطوان ومن الساحة الهاشمية إلى ساحة الفردوس وحتى مصر الكنانة، وحتى تل أبيب وليعلم أبناء عمومتنا اليهود بأننا في هذه الثورة العربية الجديدة والمشروع النهضوي العربي الجديد بأننا لن نلقي بهم في البحر، كما كان يردد البعض منا سابقا بل إننا سنلقي بهم في براميل بترولنا حتى يشبعوا من البترول العربي. وان أسرائيل ستدخل جامعة الدول العربية الجديدة !
هكذا ـ أيها المناضلون العرب ـ مرة واحدة ، خرجت الجماهير الغاضبة المناضلة من معاقلها السرية في الفلوجة وبعقوبة وسامراء وتكريت وناحية الخالدية وصدامية العوجة وصدامية الكرخ، وبروح البيجات المعروفة، في ثورة عفلقية صدامية جديدة عارمة ضد الاحتلال الأمريكي الغاشم (ثورة الثأر العراقي الأزرق) تعبيرا عن الولاء المطلق، للأمة العربية المجيدة ورسالتها الخالدة الحميدة، وإيمانا بالقائد الضرورة الجديد ـ أنا زرقان الصدام أبو الشوارب ـ بطل التحرير القومي والإسلامي المنتظر، وقائد الأمة العربية الإسلامية المظفّر :زرقان أبو شوارب الذي نذر نفسه وأولاده وأبناء عشيرته لكم لكي تكونوا قرابين للعراق العظيم والأمة العربية المجيدة والأمة الإسلامية جمعاء، والعالم المتحرر من نير الولايات المتحدة وربيبتها بريطانيا وتابعتهم اللعينة استراليا, أجل، أيها الرفاق المجاهدون, و أيتها الرفيقات الباسلات (هلهلي يا بعثية !) أجل هلهولة للبعث الصامد، هلهولة للبعث الخالد، ويا أيها المناضلون في كل أنحاء العالم ضدّ الإمبريالية العولمية ، والصهيونية الأخطبوطية، والتوجّهات الكوسموبوليتية ( قل لي من أين لك هذا المصطلح الطويل يا دكتور عبد حمود ! لو هم لفطته من طارق!!) أجل ، خرجت جماهيرنا من جحورها السرية، وبعد كفاح بطولي عنيف ومشرّف من المفخخات والعبوات، والقتل العشوائي في الشيعة ( اهم شيء أن لا يبقى شيعي واحد على أرض الرافدين حيا!) وفي إعداد الآلاف من السيارات المفخخة والقنابل الموقوتة، وتحت وابل من الرصاص كالرذاذ، أجل خرجت جماهير البعث القاعدية هاتفة بأعلى صوتها، وبقوة حناجرها اليعربية الوهابية: واصداماه !، وا شارباه !، وامهجة قلباه !، واعروبتاه!، واعفلقاه ! وا شبلي عيسماه !!؛ هكذا مرة واحدة وبروح انقلابية بعثية جبارة استثنائية، ظهرت إلى العلن جماهيرنا المليونية يقودها ـ أنا وحدي ـ زرقان الصدام تسندنا اليعاريب المجاهدة من أمثال الرفيق الكبير عضو قيادة الظل : أحمد فضيل الخلايلة ! ومن المحيط الهادر إلى الخليج العربي الثائر ! ( أغنية بصوت فنان الحزب الرفيقين المناضلين حميد سعيد وسامي مهدي حاملا خلفهما الدف الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد بعنوان : هلهولة للبعث هلهولة للزرقان يمكثر الزعران هلهل هلهل ومساكم الله بالخير ياهلي الطيبين! )
أجل أيها الأخوة خرجت جماهيرنا عن بكرة أبيها تحمل كل أنواع الأسلحة البدائية والحديثة، ومن المناطق الثورية ذاتها والقصبات الفورية نفسها، وأرض العوجة عينها ، خرج لكم قائدكم العظيم وسوركم العالي، وقلعتكم الحصينة، وملهمكم الفطين، وولي نعمتكم الجديد ( أغنية جماعية بأصوات حسين نعمة وياس خضر وسعدون جابر حميد منصور وعبيد اخو شاها بعنوان: مو مقصرين! كلمات الشاعر الغنائي خضير هادي وعباس جيجان) الرفيق المناضل زرقان الصدام أبو شوارب حفظه الله ورعاه - أنا - أجل خرجوا بالملايين بالملايين المليونية من حملة أوسمة الشجاعة ووسام الرافدين وأوسمة الاستحقاق العالي والواطئ، ممن لم يلقِ بها أصحابها إلى القمامة، وكما أخرجتهم القنوات الفضائية العروبية المناضلة الحرة (الجزيرة والعربية والبغدادية وبغداد وصلاح الدين والشرقية والغربية) ليس بالعشرات ولا بالمئات ولا بالآلاف بل بالملايين, بل بالملايين من الدولا .. عفوا الجماهيرية، معبّرة عن غضبها العظيم ورفضها الأكبر إلى شعار : هاللو ماما أمريكا ! ونعم نعم بابا زرقان المشورب .
هذا هو (عصر البطولة) كما توقّعه القائد المؤسسس أيها الرفاق المناضلون ـ يا من أول من تضحون وآخر من تنهبون ـ عفوا تستفيدون، هذا هو عصر الحزب الواحد القائد المنصور. ولسوف نعلنها صريحة الآن : فلتحيا الفاشية البعثية وعلى رؤوس الاشهاد !
عاشت الامة العربية العظيمة
عاش نضالي
عاش نضالكم من خلال نضالي وعلى طريقه
عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر !
الله أكبر الله أكبر الله أكبر وليخسأ الخاسئون !!
ولا شيعة بعد اليوم إلى الأبد!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
(السلام الجمهوري الصدامي )


من أين لنا بأبي دعير آخر!؟


وأخيرا ، عاد العراقيون إلى إظهار رموزهم الوطنية الواحد تلو الآخر ، قرر العراقيون أن يضعوا تمثالا للزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد ، وفي المكان الذي تعرض فيه إلى حادث الاغتيال الغادر . . شكرا إلى الأيادي التي فكّرت في ذلك ، وشكرا إلى الفنان محمد غني حكمت الذي قام بتنفيذ ذلك العمل ، ودعوني أيها الأخوة الآن أن أنحني إجلالا لتلك اليد العراقية الحرة الأمينة وأن أقبلها .. شكرا .
نحن حينما نؤكّد على شخصية الزعيم الشهيد لا نريد إلا أن نكرس الروح الوطنية التي اغتالها الفاشيون منذ أكثر من أربعين عاما . فللزعيم كما هو معروف أخطاؤه وللزعيم مثالبه ، ولكن الزعيم عبد الكريم قاسم هو مؤسس الجمهورية العراقية الأولى ورمز التحرر من الاستعمار البريطاني ، هو شخصية وطنية قل نظيرها في التاريخ السياسي العالمي، و شهد له بذلك أعداؤه قبل أصدقائه . وحري بنا في هذه المدة من حياة العراق الشائكة والصعبة والانتقالية أن نضع صوره في كل دائرة رسمية ، تماما كما يفعل الأتراك عندما قرروا وضع صور (مصطفى كمال أتاتورك) مؤسس تركيا الحديثة في كل دائرة رسمية أو غير رسمية ؛ليس لأنهم آمنوا بعلمانية أتاتورك ، ولكن لجهوده الكبرى في الحفاظ على التراب التركي بعد الحرب العالمية الأولى ، وما رافقها من تحديات جمة أعقبت سقوط الدولة العثمانية. ولولا حرب التحرير التي خاضها أتاتورك ( أبو الأتراك) لأصبحت تركيا مجرد مقاطعة تابعة لليونان ليس إلا.. ولكن ولكمال أتاتورك أخطاؤه ومثالبه أيضا,والأتراك يعرفون ذلك تماما فقد كان دكتاتورا مستنيرا .
والزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم لم يكن دكتاتورا من الطراز الدموي، كان عسكريا وطنيا مستنيرا أيضا ،ولم تساعده الظروف السياسية على تقديم برنامج وطني واضح يمكّن العراقيين من تداول السلطة سلميا ومن خلال صناديق الاقتراع وحدها.وعاش الزعيم محبا لهذا الشعب مخلصا له أيما إخلاص ولم تهتز ثقته به حتى اللحظات الأخيرة من حياته التي كرّسها كاملة لخدمته أولا وأخيرا. وكما أشارت إلى ذلك معظم الوثائق الصادرة عن أعدائه قبل محبيه . وأذكر في هذا المجال أن أحد الضباط المشاهدة وكان برتبة عقيد ( أبو يعرب ) وهو من (القوميين العرب) ومن الذين وقفوا متحاملين على الزعيم طوال حياته،عندما قابلته في منتصف السبعينات ودار الحديث عن الزعيم ( أبو دعير) ونزاهته ووطنيته،وما آلت إليه أوضاع العراق بعد انهيار ما يسمى بالجبهة الوطنية المهلهلة (كلّ الجبهات هشة في العراق) نهض من مكانه وبكى بصوت أجش قائلا : (نغدي فدوة كلنا لأبو دعير ، منين عدنا أبو دعير بعد ، مو ذبحناه مثل الحسين! ) وعندما سألته عن سبب هذا الموقف المتناقض ، أجاب : أنت لا تعرفه ، أنا أعرفه جيدا، عملت معه ، كان الزعيم يعبد العراق ـ بعد الله سبحانه ـ هل تعرف يا أسدي ماذا يعني أن يعبد الإنسان وطنه؟؟ كان قاسم رحمه الله يموت في حبّ العراق ؛أما نحن ( القوميون الله يكرم) فكنا نعبد الكراسي و الرتب والمسدسات والمدافع والطائرات!. وهذا الموقف التأسّفي تجده منتشرا في كتابات معظم ذلك الرهط ممن تصدّى إلى تلك المرحلة القلقة من حياة العراق .
ومن المناسب جدا أن ينبري العراقيون في هذه المدة بالذات إلى توكيد ذاتهم الجماعية سواء من خلال إظهار رموزهم الوطنية أو استذكار بناة وطنهم الأول ، وبغض النظر عن اتجاهاتهم الفكرية أو السياسية ، فالهدف الأساس في هذا المجال هو الخدمة الوطنية وحدها .وأرى ألا يقتصر الأمر على وضع التماثيل أو إقامة المتاحف بل أن يتعداه إلى ترسيخ فكرة الاعتزاز بالوطنية العراقية ـ من الروضة إلى الجامعة ـ التي طالما عمل الفاشيون على سحقها في نفوس العراقيين . ومن هنا فإن الاتجاه يطال الإعلام بكل أشكاله والتربية والتعليم والحياة العامة أيضا.فالمهمة لو تأملناها مليا صعبة جدا،وخطرة جدا،ولا يمكن للوطنية العراقية في هذا العصر أن يقوم بها فرد بذاته ،أو حزب بعينه، أو جهد دولة بكل ما تحمله الدولة من طاقات،بل إن جهودا مخلصة وصادقة ومن مختلف شرائح المجتمع كفيلة بإعادة الروح الوطنية الوثابة إلى نفوس العراقيين التي أرهقتها الأحداث الجسام وأتعبها أدعياء الشعارات من كل حدب وصوب ومن كل لون وصنف .
والوطنية العراقية ـ أيها الأخوة ـ مهددة أكثر من أي وقت مضى، و في هذه المرحلة بالذات ، فالدعوات العرقية الميتة سيعمل على إحيائها من يعمل ،وكذلك الدعوات الطائفية الزرقاوية وغير الزرقاوية التي سيأتي بها( سويداوي = إرهابي شيعي على نمط آخر!) والتي طالما سخر منها العراقيون قديما وحديثا . أقول:قد تخرج رأسها العفن من كوة التخلف ليدعمها هذا الطرف أو ذاك من خارج العراق طبعا.وعندئذ لن تنفع كلمات التطييب :كل العراقيين من واحدة ، والسنة والشيعة متصاهرون ، ونحن قوم من شعب واحد..الخ ّلأن تلك الروابط لن تصمد طويلا امام قطارات الموت اليومية ، ولنكن واقعيين : نحن نحتاج إلى دولة عراقية حديثة ، ودستور يمشي على الأرض ، ومؤسسات تعمل ، وأجهزة أمن ومخابرات تكون مهمتها مراقبة خارج العراق ولا تستعمل الدريل والكيبل والكنارة .. نحتاج إلى رجال حقيقيين مؤمنين بالعراق حقا قبل أي إيمان شخصي آخر ؛ فهل نجد ذلك متوافرا في حارث الضاري ؟ أو أياد علاوي؟ أو إبراهيم الجعفري؟أو أبو الوليد ؟ أو الشيخ الياور؟ أو محمد الفلوجي؟أو مثال الآلوسي ؟ او أحمد الجلبي؟أو حاجم الحسني...،...،....، ما شاء الله كم هو عدد القياديين في العراق ؛ بلد مثله يجب أن لا يواجه مشكلات حادة وكبيرة. أجل. يحتاج كلّ قيادي عراقي إلى أبي دعير في داخله لإنقاذ العراق . يحتاج كلّ قيادي عراقي إلى جعفر ابو التمن الآن !!!
أعداء العراق كثيرون هذه الأيام ، ولم نجني من حكم صدام غير الثارات السياسية وهم يعملون على توطيد النزعة الطائفية و العشائرية والعرقية القديمة في طابعها التجزيئي وتحت يافطات شتى ، فكل تلك الأوراق الآن في حوزة أعداء العراق والمتربصين به سوءا ، فمن يعتقد من العراقيين أن أعداء العراق الحر الديمقراطي الموحّد ساهون أو نائمون فهو النائم في العسل !
شكرا لكل من يسهم في شق كلمة من أجل العراق الآن .




ثقافة السوق
ثقافة العم سام الجديدة

هل يمكن أن نعرض الثقافة والإعلام على قوانين العرض والطلب والمنافسة الاقتصادية والحاجة الملحة مثلما هي السلع الأساسية والكمالية ؟ إنها قضية شائكة تواجه الدول النامية ، أو تلك التي تحاول أن تتحدّث ديمقراطيا .. كانت الأنظمة الشمولية القديمة تعمل على وضع الثقافة ـ على العموم ـ في خانة الدعاية السياسية ، ونحن لا نلومها على ذلك ، لأن طبيعة التكوين الداخلي والتوجّهات العامة لها تفترض هذا السلوك مسبقا , كما ان الكوادر العاملة في حقول الثقافة والإعلام درّبت على ذلك . فما بالك لو أن الأمر أستغرق أربعين عاما أو أكثر ، ثم جيء بأشخاص كي تدير دفة الإعلام والثقافة 180 درجة ؟ إنها مهمة شاقّة تشبه أولئك الذين تدربوا على ركض المسافات الطويلة ، ثم قيل لهم : تعالوا إلى تقديم عروض لأداء حركات جمناستية وعلى الحصان الطائر !
ومن المفيد أن نذكر في هذا المجال بان الدول الرأسمالية قد كونت على مدى مئات السنين قاعدة إنتاجية للثقافة والإعلام ، وبنت إمبراطوريات إعلامية مثل إمبراطورية مردوخ ، وشركات هوليود ، ومؤسسات الإعلان ، ودور النشر من بنجوين إلى مؤسسة فرانكلين المعنية بترجمة الفكر الغربي إلى الثقافة العربية ، وإلى إذاعة ( BBC ) التي لا تزال مصدرنا المفضل في سماع الأخبار عن العالم العربي والعالم ، ثم ( CNN ) التي أسهمت في تغطية الجانب الأميركي التفوقي المتذاكي للحرب علم 1991 وأهملت بالطبع ما حلّ بالشعب العراقي من دمار وبؤس بعد الإبقاء على نظام الطاغية عقوبة لـه ! . وتلك المؤسسات كان يمتلكها ـ وما يزال ـ بضعة أشخاص وتدار عجلة الإعلام فيها على وفق مصالحهم . وهكذا فإن الثقافة والإعلام تتحول إلى سلعة قابلة للتداول ، وتخضع لقوانين العرض والطلب وقانون تناقص الغلة و الإشباع وربما لفائض القيمة أيضا . إنها ثقافة السيدة العولمة .
وفي العراق لم يكن المستر أبو ناجي ( الاستعمار البريطاني ) معنيا بالثقافة والتعليم ، فقد كانت الثقافة البريطانية نابعة من ( أصحاب دكاكين ) وأولئك ما كانوا يجدون أية أهمية في تعليم الشعوب المستعمرة ؛ إن لم يجدوا في نشر الثقافة والتعليم خطرا عليهم . أما الاستعمار الفرنسي فقد كان معنيا تماما بنشر ثقافته الاستعمارية منذ حملة نابليون على مصر وحتى رحيل آخر جندي عن الجزائر عام 1961 بعد مواجهات دامية كلفت الجزائريين مليون ونصف شهيد آنذاك . ويتبارى المؤرخون اليعاريب المحدثون في معرفة من هو أشد خطرا على الأمة : الإنكليز أم الفرنسيين أم الطليان ؟ وأرى بأن كل أولئك لم يكونوا خطرا على الأمة الإسلامية بقدر الاستعمار الاستيطاني الصهيوني . فالأخيرون يعملون سرا وعلنا على تقويض بنى الثقافة المحلية التقليدية من خلال تفعيل نقاط الخلاف الطبيعية وتحويلها إلى معالم ثقافية ؛ ففي القدس ثمة مركز إسرائيلي معني بجمع المخطوطات الشرقية عن الديانة اليهودية ، ويقال إن الموساد الإسرائيلي قد استولى على سرداب سري في المخابرات العراقية يحتوي على مخطوطات نادرة للتوراة العراقية تعادل اكتشاف توراة البحر الميت التي لم يعلن عنها لأسباب( أمنية ) إسرائيلية واعتبرت من الثروات القومية السرية مثلما هي المائتا رأس نووي التي تحتفظ بها ، ولا حاجة بنا إلى معرفة الدوافع (الأمنية ) المزعومة تلك لأن ما فيها يشير على ظهور نبي الرحمة والسلام محمد ( ص) . كما ويقوم المركز بطبع مخطوطات تاريخية نادرة أيضا خدمة للثقافة الشرق أوسطية التي بشّر بها شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في كتابه الشهير : الشرق الأوسط الجديد ، والذي ترجم إلى العربية بسرعة البرق .
وتعد بيروت مكانا مناسبا لطبع النتاج الشرق أوسطي القادم لإشاعة الثقافة الغيرية الانفصالية : من العلويين إلى الموارنة إلى الشيعة ، والشيعة الإسماعيلية ، والزيدية اليمانية إلى أصحاب الطرق الصوفية ومجتهدي المذاهب القديمة إلى الكرد السورانيين والبهدينانيين والهورمان ..وحتى الأنساب القبلية والانحدارات العرقية البسيطة ؛ إنها الثقافة الإسرائيلية القائمة على (الأشكناز = اليهود الغربيين ) و ( السفارديم = اليهود الشرقيين ) وحتى (الفلاشاه = يهود أثيوبيا ) و ( الجوييم = الأغيار من العرب والفلسطينيين والناس أجمعين ) فسيفساء لا نهاية لها ، ولكن لها بداية .
ويحرص العم سام كما هو عليه الحال لدى رفيق دربه العتيد أبو ناجي على تقديم نفسه ـ هذه المرة ـ بالمنقذ الثقافي بعد أن أصبح المنقذ العسكري للعديد من الشعوب في العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من أن المستر أبو ناجي ـ لما يزل ـ يعتقد بأن الثقافة مضيعة للجهد مع شعوب شبه بدائية لا تستحق إلا خطف ما بأياديها عنوة إلا ان العم سام يرى بان (الحيلة) أفضل من غيرها في هذا المجال ، ويمكن أن تنطلي على الجميع من خلال تصدير الثقافة الأميركية American Way التي أصر عليها صامويل هنتنغتون عراب الثقافة الأميركية في العقد الأخير من القرن العشرين ، ومن ثم ما أسهل ما يجدون الدعاة والمبشرين ونافخي جمر البخور الجديد . وهكذا يمكن أن يتعولم العالم الإسلامي على طريقتهم ما دام ثمة من يروج لذلك الأمر .
إن ثقافة السوق ليست بدعة غربية أو أميركية ، فهي متوافرة لدينا وبكثافة منذ أن كان السادة الشعراء يقفون بين يدي الممدوح يكيلون له الألقاب ويسبغون عليه الصفات العاليات فيحولون الجهلة إلى أنصاف آلهة : تلك كانت ثقافة سوق المتنبي.. ! ويا لرنين الدراهم الذهبية !


تح .. قيق !

ليس أسهل من معالجة ظاهرة إدارية أو مشكلة بسيطة يصعب حلها مثل معادلة آنشتاينية كونية معقدة لدى بعض أولئك ( الكبار ) من أن يسحب أحدهم ورقة وقلما، ثم يكتب: يحال إلى التحقيق !!
والتحقيق كلمة متعبة ومخيفة أيضا؛بدءا من التحقيق الصحفي، ومرورا بالتحقيقات الإدارية، وانتهاء بالسيد التحقيق الأمني والمخابراتي في عهد صدام أو أي عهد آخر جاء من بعهده( قابل هي صارت سلايمية؟) .
درج مفوض الأمن ( محمد ) في الليث الأبيض (أمن البصرة السابق) على الصراخ بأسم المودع أو النزيل مع صوت أبح بذيء تافه : تح .. قيق ! ولا شك بأن تلك الفاصلة التي يتلذّذ بها مفوض ( محمد ) كانت تعني في آخرها خنق الدجاجة : ذلك ، كان ، حقيقة ، أسوأ أنواع التحقيق أيها السادة القراء الأعزاء ممن خضع له جمع كبير (منا ومنكم) حتى قال لي نزيل في (الأمن) ذات يوم : دخول الأمن والتحقيق هو ( طين خاوه ) تلطخ به رؤوس العراقيين جميعا. لكني كنت أعرف إن أغلب من لطّخت رؤوسهم هم من الشيعة..
وعندما شرع بعضنا يتندر على ذلك الصوت الفج : تححح ..قيييق !!! حضر (المعاون السياسي) وألقى علينا خطبة رعناء ومتشددة , أكّد فيها بأننا مجرد أرقام،لا قيمة لها في العراق العظيم, وهو يمكنه أن (يخفينا) من على البسيطة بأمر واحد منه ( ولا داعي ولا مندعي) وفي أية لحظة ،ودون أن يساءله أحد عما يفعل ؟!! ثمذ صرخ بنا : ومن أنتم ؟ أنتم مجرد خطوط في سجل ،ولا سائل ولا مسؤول ولا هم يحزنون.كان العميد الصدامي جدا صادقا تماما في ذلك الأمر.فلم تكن للعراقي أية حرمة ولا قيمة،كما إن دمه كان مباحا لمن هبّ ودبّ من أولئك العصابيين المرضى والمهووسين بالسلطة وإرضاء (المافوق) دائما.طبعا هذا المحقق كانت يده اليمنى سبه مشلولة من شدّة استعمال الضرب المبرح بالكيبل وغيره ..
ومن الطرائف في قضايا التحقيق البائسة:إنهم جاءوا برجل شيخ كان قد سرق بضعة كيلوات من الطحين من ميناء أم قصر في صيف عام 1996 من الحصار الأسود الصدامي الأميركي الأممي،وراحوا ينهالون عليه ب ( الفلقة ) وهو يستغيث بالله .. وبلا جدوى،وهم يسألونه بعد كل عشرين إلى ثلاثين كيبل : هل تعرف فلان الفلاني ؟؟ وهو يصرخ : أبوي ما أعرفه!!!! هل تعرف أسماء المسلبجية و السراق ؟ و أين كنت في عام 1991 ؟ ما درجتك الحزبية ؟ ومن هم أقاربك ؟ وهل لديك أقارب حتى الدرجة الرابعة من المعدومين ؟! يا سارق قوت الشعب !! هل أنت شيوعي أو دعوتي يا حرامي الطحين .. هكذا كان تجري كلّ التحقيقات ببساطة.
سبحان الله من الذي سرق قوت الشعب حقا؟ ومن الذي يستحقّ التحقيق؟ ( هل نتحدّث عن سارقي الشعب العراقي الكبار مليارديرية الجيش العراقي الجديد في عهد ما بعد صدام ؟ ام نتحدث عن مليارديرية مهربي النفط الجدد ورثة الأستاذ الدكتور الفاضل جدا والمهرّب الاصلي:عدي . أولئك ورثوا المهنة من السادة القدماء :أولئك كانوا السابقين وهؤلاء هم اللاحقين) ولياكل الشعب العراقي ((حووو!)) فاللصوص في كلّ مرحلة يغيرون جلودهم فحسب. وإذا كنا قد وجدنا( مو أحنه الحرامية الجدد) في واحد من قصور(عداوي) ما يقرب من مليار دولار من أكداس دولارات النفط المهرب التي ذهبت جلّها ـ مما لم تكتشف ـ إلى جيوب الإرهابيين والقتلة من أعداء الشعب العراقي المغلوب على أمره حتى هذه اللحظة ..أقول لن تجدوا عند اللصوص الجدد درهما واحدا، أبدا، لأن الربع أذكى من سابقيهم : أصبحت عمارات في لندن وواشنطن و طهران والإمارات..و...و...و.. ولا تحقيق هنا طبعا.
وهكذا كانت تجرى التحقيقات قي العهد المباد الثاني الصدامي ، وهكذا لا تجري في هذا العهد الذي سيباد بسرعة ـ الرماني!.
ولا ندري كيف ستجري التحقيقات مع العراقيين في العهد ( السوداني) الثالث : هل يحضرون للعراقيين فلقة عثمانية، أم تابوت ضغط قروسطي؟ أم وسائل تحقيقية كهربائية أو كهرومغناطيسية متطورة من النوع عالي التكنولوجيا تدار بالكومبيوتر؟ وهي وسائل سريعة جدا في انتزاع المعلومات من الوعي واللاوعي وما وراء الوعي وما قبل الوعي أيضا؛ طرق عجيبة ودروب رهيبة. فوداعا إلى كلّ تلك القارصات التي توضع في شحمة الأذن، وفي العضو الذكري، وحلمة الثدي، وألف وداع إلى تلك الصوندات والكيبلات والتعليق .. هذه وسائل صدامية قديمة تعلمها المحققون العراقيون من العهد الملكي ومخابرات المانيا الشرقية الساقطة. ولم تستطع أن تأخذ تلك الساليب البدائية كل المعلومات منكم، فانتظروا أيها العراقيون الذين سنحقق معهم، ما نحن فاعلون بكم، وتنبهوا جيدا : من ( أبو غريب الكبير ) إلى ( أم غريب: السجن الجديد) وموطن الجن العتيد، الذي سنشيده لكم في صحراء السماوة العزيزة أو رملة أم قصر ( الكامب camp بوكا) ولاشك بأنها ستكون وسائل عصرية متقدمة تتناسب والتقدم العلمي المطرد في السيد العالم الأول، ويمكن الحصول على مواصفاتها من موقع إلكتروني أيضا يخصص لذلك لأن السادة شفافون جدا في تحقيقاتهم؛ رغبة في نشر الثقافة الرأسمالية لأمنا الجديدة الوليدة المتعولمة الأميركية حفظها الله ورعاها ( ومنو ياخذ أمنا نقول له: ( ! uncle والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!.
إن مفوض ( محمد ) في أمن البصرة ـ صاحبنا العتيق خو ما نسيتوه أشتغل بالأمن الجديد ـ ولسوف يكون في حلة جديدة، وهيئة فريدة تتناسب والوضع العولمي المتامرك، واضعا على رأسه (شفقة) هذه المرة، ويرتدي بنطلون كاوبوي، ويحمل مسدسين من عيار 0,007 ليزر، وعلى صدره صليب معقوف أسود، والقبعة (الشفقة) مثقوبة بطلق ناري كبير يلمح فيه إلى جدارته في الأقتحامات الأمنية الجديدة، وهو(أبو جاسم لر!) يرطن ببضع كلمات إنكليزية متداولة: هاللو هاوو أر يو ثانكيو ؟أي أم سيكيورتي security،وفي جيبه الخلفي كتاب: تعلم الإنكليزية في خمسة أيام خاص للامن العراقي الجديد ..
و يمكن الاستعانة بأزلام النظام السابق في التح والقيق ! دائما على أية حال ، ما داموا ( يؤِدون الغرض ويقيمون الفرض ) ويحققون الهدف في إحداث زلزال شرق أوسطي من العراق يغير خارطة المنطقة ويقلبها رأسـا على عقب لصالح( الأعمام ) الجدد ، لتصبح ( طرطرة ) من المحيط الأطلسي إلى بنغلاديش وبحر مرمرة ، ومن تورابورا إلى جبال صعدة ومنها إلى دارفور ثم جنوب الجزائر البربري العرائشي الملف القادم بإذن الله تعالى وذلك (ل..تح قيقققق) الأهداف الجديدة لعالم شرق أوسطي كبير .
شكرا لكل الذين أخضعوني للتحقيق بسبب عمود كتبته في (جريدة المنارة) قبل مدّة غير بعيدة لأني انتقدت إدارة جامعة البصرة فقط .. فقد شبعت من التح .. قيق و التهد ..يد و التلفي...ق ! وسأرفض الإجابات إلا أمام الناس والرأي العام العراقي وحده. وإلى مفوض الامن (محمد) في الليث الأبيض واضرابه .. تصفيق!! .. ولكن بالأظافر هذه المرة ..
وبما إني كنت أكتب عمودا نصف أسبوعي في جريدة المنارة، فإني علي أن أهيئ نفسي إلى 16 تحقيق في الشهر و192 تحقيق في السنة، وبما إني لست على استعداد للجلوس إلى كلّ تلك التحقيقات الإدارية المبطنة بالنوايا السياسية، وبما إني مستقل دائما كما هو حال الكتاب غير الحكوميين في العالم، ولا علاقة لي بمهربي النفط ، لأني لست مستعدا أن أكتب عما هو غير مهم، ولا يصب في مجرى هذه الأمة العراقية المظلومة: من عهد حمورابي إلى عهد زلماي خليل زاده ! لذلك تركت كتابة ذلك العمود حفاضا على (القيق) فقط..



أيها الصامتون ... ممّ تخافون ؟


شاع في الآونة الأخيرة مصطلح (الأغلبية الصامتة). ويمكنني أن أجزم بأن عمر الصمت العراقي هو سبعة آلاف عام بقرونها وعقودها وشهورها وأيامها ولياليها التي هي بلا نهارات حقيقية . فعمر الصمت عندنا منذ أن كان العراق مهدا للحضارة الإنسانية و إلى يومنا هذا بكل إعزاز وتقدير ، وبأننا الأمة التي لم تذق طعم الحرية والسعادة والأمن ساعة واحدة في حياتها ، ولم تنل إلا النواح على ألهها تموز منذ بداية وجودنا على أرض الرافدين ( ميسوبوتيميا ) وحتى يومنا هذا: رجالنا يبكون ونساءنا مجللات بالسواد ، وكأننا عرفنا ب( أرض السواد ) ليس لوجود الزروع والنخيل الكثيف في هذه الواحة الوحيدة بين صحراء عربية عارمة وهضبة إيرانية قاحلة ، بل للكم العظيم من الآلام والأحزان فينا.
ويرى بعض المعنيين في تاريخ العراق السياسي بأن العراقيين عاشوا بضعة أشهر ربما لا تتعدى أصابع اليد الواحدة نوعا من الحرية بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ، لكنني ومن أجل الحقيقة وحدها ، أرى بأن تلك الحرية المزعومة التي نالها العراقيون كانت مجرد تخبّط أهوج ، وتهريج أبلج ، صنعه بضعة ضباط وطنيين مغامرين ،لا تخطيط لهم , ولا تدبير , ولذلك فسرعان ما تحول حلم الحرية إلى كارثة عامة طامة لما يزل العراقيون إلى يومنا هذا يحصدون نتائجها جيلا بعد جيل موتا وحزنا ومكابدة وغناء شجيا مشوبا بالنحيب من حضيري وداخل حسن وسليمة مراد وزهور حسين إلى أغاني الكرد الجبلية الحزينة .
وشاع لدى العراقيين مواريث فولوكلورية واسعة في تمجيد الصمت العام وإجلال السكوت للجماعات والأفراد ، حتى قالوا : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ، ومصرع الرجل في لسانه ، وأبو اللسان الطويل ، ولسانك حصانك ، وأمش بصف الحائط ، و أبعد عن الشر وغن لــه ، وغيرها من الأمثال و (الحكم) التي تمتدّ جذورها إلى آلاف السنين . وفي عهد العسكرتاريات ساد تصور بأن أولئك العسكر يعرفون أكثر من أي عراقي آخر في شؤونهم السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية ، وهم من خريجي ( اليس يم ) و( يمينا تراصف ) ثم ليثبت المهيب الركن ( الفيلد مارشال ) أبو الشردات الذي لم يخدم يوما واحدا في الجيش : بأن القضية لا تحتاج على جهد كبير أو تنظير خطير ، وما على المرء إلا أن يصيح بالربع : هاآآآآ ! حتى يأوي الجميع إلى أفرش زوجاتهم مذعورين وجلين .
الأغلبية الصامتة هم سرّ بلائنا وهم العمود الفقري لنهوض التخلّف فينا، وهم المسؤولون عن بقاء العسكرتاريا كل هذه السنيين يحكموننا بالحديد والنار، ولم تعبّر هذه الأغلبية عن غضبها الذي أمتدّ 7000 عام إلا في عام 1920 حينما كانت خيول وعربات الإنكليز وأطوابهم تخترق العراق، أو في عام 1991 عندما عاد الجيش العراقي والنشامى حفاة جياع تجد رتبهم ملقاة على طول الطريق العام صفوان ـ أم قصر وهم يقدمون من صحراء الكويت، وجيوش الحلفاء على الأبواب والشبابيك والدريشات. هل كتب علينا الصمت والسكوت، والهدوء والسكينة ( وهي العبارة الجليلة التي كان يخاطب بها الملوك الحجازيون أبناء العراق ، وكذلك العسكر في إثر كل انقلاب عسكري في الستينيات ) والتي لم نجدها يوما حية تسير على الأرض العراقية قط، فلا هدوء ولا سكينة بين مقابر الشهداء والضحايا.
ولذلك فقد عمد الملايين من العراقيين على الهجرة بسكوتهم وصمتهم من العراق إلى كل بقاع الدنيا حتى وصل بعضهم بصمته إلى إسرائيل طالبا حق اللجوء الإنساني، في حين راحت أمواج المتوسط والأطلسي تغرق أجساد آخرين في صمت البحور العميقة .
ولا مناص من القبول بالأغلبية الصامتة لأنهم يشكلون الرأي العام الخفي؛ ولأننا ببساطة لا رأي عام ظاهر يمكن العبير عنه قبل 200349 فهل أن المحتل هو الذي سيفكّ الطوق عن هذه الأغلبية؟، ومن ثمّ سترى نفسها حرّة سعيدة ! بعد 7000 عام من الصمت التاريخي الجليل؟ يا لها من مفارقة تاريخية غريبة؟! ويا للصمت العام الطام الذي حلّ بنا كل هذه الآلاف المؤلفة من القرون ، ثم تأتي أمة على بعد 1500 ميل بحري ، وعبر المحيطات ، ومن وراء البحار over seas لتمنحنا هذا العدد من الصحف ، وهذه الآلاف من الدبابات وناقلات الجنود وسيارات الهمر التي تشبه خنازير برية سائبة في الشوارع : كل ذلك من أجل كسر الطوق عن صمتنا العظيم وهدوءنا الكظيم ؟ يا لنا من أمة مسكينة سيذكرها التاريخ بأغرب النعوت وأعجب الصفات ؟! وحتى هذه اللحظة بعد أن تحول العراق إلى ( خان جغان ) يأتي من يقول لك : يا أخي لماذا تتحرش بالآخرين ؟ لديك أطفال ـ يا للأطفال الذين قضوا بسبب عدم وجود مضادات حيوية ـ ألا تخاف عليهم ؟! يابه ..... د.. رح ! أنت وصمتك المميت .



الهيوله!
هيولوا هيولوا ولن تغلبوا!

ملاحظة توثيقية:
تجدر الإشارة في البداية إلى أن مصطلح (الهيوله) الشعبي البغدادي قد سمعته لأول مرة من أستاذنا الكبير المرحوم العلامة الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي لأول مرة في نادي كلية الآداب بغداد عام 1973 لكني لم أستطع تفهّمه إلا في الحقبة الصدامية الأخيرة، وفي عهد ما بعد (صدوم) وفي هذه الأيام بخاصة.

لا توجد في أدبيات الأحزاب العراقية القديمة رؤية واسعة ودقيقة للمسألة الانتهازية، أما الأحزاب السياسية الجديدة - وما أكثرها في هذه الأيام - فهي لا تمتلك أدبيات أصلا، في حين أن الانتهازية والوصولية والنفعية و(اللواكه) في التعبير العراقي؛ وهي تصحيف لكلمة اللعق تلك العملية التي يمارسها الكلب مع سيده عادة، أصبحت مؤشرا اجتماعيا وسياسيا واضحا. كلّ تلك المفردات تشخّص حالة هي من أهم الظواهر الخطيرة التي تواجه الأحزاب والمجتمع في عراق ما بعد الفاشست.
تتعدد الانتهازية في أنواعها ومظاهرها، فهناك الانتهازية السياسية والانتهازية الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والدولية أيضا. ويمكن رصدها من خلال الشخصيات والجماعات التي تتلون وفقا للظرف السياسية، فهو شيوعي في الستينات وبعثي في السبعينات وصدّامي في التسعينات وإسلامي متشدد أو ممن اختاروا الذهاب إلى مقرات المحتلين منذ9/4/2003 للعمل مع سادة (الفينكس)(*) الجدد في العراق.
ويبدو أن الانتهازية السياسية هي من أخطر الأنواع إذا ما قورنت بالنتائج التي تترتب على عملية التطور السياسي للبلاد . فتجد الانتهازيين في كلّ الأماكن تقريبا، لأنهم شخصيات ودودة ومطيعة ومسالمة غالبا، ويحاولون كسب ودّ الجميع بلا استثناء فلا أعداء لهم أيضا، وشعارهم الأزلي : ألف صديق ولا عدو واحد ! أما إذا ما أحسّ الانتهازي بكشفك له، فعليك الحذر منه، لأنه من أجل مصالحه يعمل على ذبح أقرب المقربين له، ولا يلوم نفسه على ذلك مطلقا لأن تلك هي استراتيجيته في الحياة. وتلك هي نزعته الدموية والجلد الذي يختبئ خلفه دائما.
وعندما سقط النظام الفاشي على يد الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما القليلين وليس على (أيادينا) نحن العراقيين في الداخل أو في الخارج، طفقت تلك الجماعات المريضة والمهووسة بكلّ قادم على حين غرّة تعلن عن بطولاتها أو صولاتها أوتضحياتها حتى الدرجة الرابعة ! ضدّ النظام السابق واعتبارا من 9/4 / 2003 متناسية بأنها ما كانت تقول كلمة أو حرفا واحدا ضدّ أي مظهر من مظاهر العنت والقسوة والهمجية الدائمة للنظام السابق في الداخل وان من كانوا يقولون ذلك ستنال أسرهم ما ينالها هنا في عراق الداخل ولذلك فقد عمل كثير منهم تحت يافطات مختلفة لكنه وبعد القوط غير المدوي!!؛ أصبح على حين غرة أيضا كلّ هارب من الخدمة العسكرية مناضلا، وكلّ أسير عراقي باع نفسه لجلاديه مجاهدا، وكلّ عميل مخابرات أجنبية – وهي كثيرة في العراق- خبيرا، بل أن الكثرة الكاثرة من أولئك الأدعياء لم يضربوا (راشديا) واحدا، ولا سحبوا من بيوتهم أو أخذوا من الشارع حتى غاب ذكرهم عن أهاليهم، ولم تقف أمهاتهم أو زوجاتهم أمام دائرة ( الليث الأبيض: أمن البصرة او الليث الأبيض في بغداد: دائرة الأمن العامة ) فينهال عليهن نشامى القائد بالكيبلات والرفس..
وكانوا أولئك من (هيولة) الخارج غالبا خير عون لأسرهم في مدة الحصار الأسود بما يرسلونه من أوراق خضر إلى عوائلهم التي لم تشهد قسوة الحصار على حقيقتها فقد كانت تكفي ورقة واحدة أو ورقتين من فئة مائة دولار بحلّ كلّ مشكلات العالم بالنسبة للعراقيين بين1995-2003. وهم يناضلون في سكنهم المريح وسكرهم الاريح، ومتعتهم النسائية الأبلغ،وأبنائهم الذين ولدوا من أجنبيات.. انكليزيات وسويديات وفارسيات و اميركيات واسبانيات وطرقاعات!
و(جماعتنا) الهيوليون الجدد في هذه الأيام يكثرون من (الهيوله) على نطاق واسع في محاولات محمومة للظهور بمظهر الرافض للنظام السابق، وأحيانا لا يتورعون عن شتم المحتل أو إلقاء اللوم على تصرفاته !، أما إذا ما سنحت لهم سانحة في الذهاب إلى ( القصر) حيث مقرّ القوات البريطانية أو المنطقة الخضراء حيث مقر القوات الأميركية في بغداد فإن( أصحابنا) هم من أول المهرولين إلى هناك، حيث تتحوّل كلمة الاحتلال إلى تحرير والقوات الأميركية إلى قوات متعددة الجنسية صديقة. وحينما يسألون عما يفعلون لدى المحتلين؟ فإن إجابتهم واحدة: كنا في (مهمة رسمية) للدفاع عن الشعب العراقي المظلوم وآآآآآآآآعليه! أما حينما تسألهم عمن فوضهم بذلك؟ فلن يحروا جوابا .
سقط النظام ولم تسقط بعد فلوله ولا فلول الانتهازية التي كانت تطبّل له ليل نهار بكل أشكالها وألوانها وطرقها وطرائقها. سبحان الله ما أسرع ما تزيّوا بزي الإسلام الجهادي ! بأطيافه كافة.... وما أقدرهم على التلوّن بزي التقدّمية و الوطنية والليبرالية أيضا لأن مقتضيات الحالة تستلزم الحرباء؛ فيحسبون بأن أحدا لا يعرف تاريخهم، أو أن أحدا لن يكشف زيفهم ؟ ويظنون أن ذاكرة الناس ضعيفة، وهي كذلك أحيانا.. ثمّ تراهم وفي أحسن أحوالهم صامتين، أما إذا ما تكلموا فإن أحدا لن يسبقهم في الحديث، وكان (البغادّة) لديهم مثلا يقول : هيولوا ولن تغلبوا ! و(الهيوله) هي إثارة الغبار والصياح و إبداء حركات الرفض أو الاستعداد للقتال، أما في الواقع فإن أولئك ليس لهم من ذلك الأمر شيئا . كما كان يفعل (دوشرمة) المماليك في العراق العثماني، أما في الواقع فإن أولئك ليس لهم من ذلك الأمر شيئا فهم يهربون عند أول صيحة.
سقط النظام ولم تسقط بعد فلوله القذرة, ولا فلول الانتهازية التي كانت تطبّل له ليل نهار بكل أشكالها وألوانها وطرقها وطرائقها. سبحان الله ما أسرع ما تزيّوا بزي الإسلام الجهادي ! بأطيافه كافة.... وما أقدرهم على التلوّن بزي التقدّمية و الوطنية والليبرالية.
أما عندما تسألهم : من علّمهم ذلك السحر؟ فلن يحروا جوابا أيضا، لأن قضية الشعب العراقي أصبحت (موضة) لكلّ من هبّ ودب من تلك الفلول الآتية من الخارج من حملة الجنسيات المختلفة أو من الداخل التي تحاول تعلّم الإنكليزية في خمسة أيام!
عجبا إذا كان لدينا كلّ أولئك الشجعان من(صناديق) القرن الواحد والعشرين التي يعبّأ بها كلّ شيء ولا شيء، وكلّ أولئك المعارضين الآن في الأحزاب الوطنية والإسلامية فمن أين جاء صدام بالملايين من الرفاق ومن منتسبي ( جيش القدس ) و(جيش النخوة) و(فدائيي صدام) الذي زاد عددهم عن سبعة ملايين عراقي وعراقية ؟ كلّ أولئك وقعوا في شراك (الهيوله) طبعا وتحول كثير منهم إلى جيش (الحواسم) في أكبر عملية تخريب (هيوليه) للبلاد بعد الاحتلال وما أدراك ما الهيوله الهاربة؟ ومن هم أولئك الملايين التي هربت من العراق؟
إن الإجابة تكمن في (الهيوله) دائما قبل أن تطال أي شأن آخر. . فالأنظمة الاستبدادية الطويلة الأمد تضمّ عن طيب خاطر بين جنباتها دائما جيوبا من المهيولين الذين يمكن أن يتحولوا من طرف إلى آخر وعلى جناح السرعة. ومن الطبيعي أن يظهر أولئك في هذه المدّة من حياة العراق الانتقالية، ولكن من غير الطبيعي تماما أن لا يشخّصهم الناس في وقت مبكر، فقد يتحولوا من جديد إلى أدوات أخرى مثلما استطاع النظام السابق استخدامهم ومن ثمّ سوف يحتاج العراق إلى من يقدم له العون وحينئذ لا ناصر ولا معين بعد ذلك.

(*) الفينكس: قوات مرتزقة في فيتنام كانت تقوم بأعمال إرهابية .



الفاشيون القدماء
الفاشيون الجدد

ارتبط مصطلح الفاشية بالفكر الاستعلائي قبيل الحرب العالمية الثانية وظهور شخصية بنيتو موسليني ، ثم أصبح ظاهرة ممقوتة على نطاق العالم كله ، على الرغم من أنّ العديد من الأفكار المعاصرة هي أشدّ وقعا ووحشية على الشعوب من الفاشية الإيطالية أو النازية الألمانية ، فالستالينية على سبيل المثال تتعملق أمام الفاشية الموسولينية والنازية وحكم الجنرال فرا نكو الإسباني ، ويبدو الجميع أقزام أمام الجبروت الصدامي الأخير..
ومن الأنصاف أن نذكر بأن الفاشية هي بنت شرعية لعموم الهيمنة والعنت والتسلّط والحسد الذي رافق الإنسانية منذ فجر التاريخ ؛ فموقف الأخوين قابيل وهابيل وجرأة أحدهما على قتل أخيه هي البداية الأولى للفاشية لو أردنا إمعان النظر .. فما الذي فعله قابيل بنفسه حينما أقدم على تلك الفعلة الشنيعة والمروّعة بقتل أخيه ؟ وتروي الكتب المقدّسة تلك الحادثة على نحو تفصيلي دقيق لأنها بداية التوغّل الإنساني بالدماء . فقال الربّ مخاطبا قابيل : ماذا فعلت ؟ دم أخيك يصرخ إلي من الأرض ؛ والآن لأنك قتلته ، فأنت ملعون من الأرض التي شربت دمه من يدك ، فهي لن تعطيك غلتها إذا فلحتها ، وطوال أيام حياتك ستبقى شريدا بلا مأوى . وهكذا فإن الإنسانية القديمة قد رفضت القتل بكل أشكاله ودوافعه غير السليمة في محاولة لكبح بني البشر عن أداء الشر وتوابعه جميعا . ثم جاءت الوصية الموسوية في ( لا تقتل ) ـ كواحدة من عشر وصايا ـ بيانا على رفض ذلك الفعل في سلب النفس التي خلقها الله سبحانه حتى عدّ بعض العرفانيين القتل نوعا من الشرك الخفي أو الأصغر .. وقد أشار القران الحكيم في غير موضع إلى تلك الحقيقة الكبرى حينما قال في محكم كتابه : " ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا " ولو تأملنا الحكم الإلهي في قتل جميع الناس منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة لعظم هول الجريمة ولما أقدم شقي على هذا العمل الرهيب قط .
ويبدو أن التاريخ العربي والإسلامي مليٌ بالفاشيين على اختلاف ألوانهم وتعدد مشاربهم وتباين مراحلهم ؛ فقتلة الخلفاء الراشدين الثلاثة هم من أولئك الموتورين الاستعلائيين والمرضى ، وهو نوع قديم من محاربة العدل الإنساني من خلال هوس الاستعلاء الأرعن ، أما خلفاء بني أمية فهم من الفاشيين الأصليين ـ ما خلا عمر بن عبد العزيز (رض ) ـ وكذلك خلفاء بني العباس لما عرف عنهم من اضطهاد مرير لأهل العلم والفكر والرأي والعرفان الذين خالفوهم في النظر إلى قضايا المسلمين الأساسية . . ثم تبع ذلكم الرهط رهط آخر لا يقل عنتا ولا سطوة تمثل في حكم سلاطين آل عثمان وما نتج عنه من انهيار آخر دولة إسلامية في التاريخ الحديث .
ومن المفارقة أن يكون ( بنو الأصفر ) في هذا الزمان ممن يدعوننا إلى الأخذ بوسائل الحرية والمشاركة والرأي في الحكم ؟! وكأننا أمة لا سابقة لها في ذلك ؟! ولا عجب لأن ما قرأه الغربيون عنا لا يعدو أن يكون تاريخ الحكّام فحسب ؛ أما تاريخ الشعوب وثوراتها التي هزّت تاريخنا الوسيط والحديث فهي محض أعمال شغب قام بها خارجون عن الشرع والحكّام من ظلال الله على الأرض ليس إلا !
وفي العراق ثمة فرصة تاريخية لإظهار جانب من الأمة على حقيقته في هذه الآونة بالذات من خلال الفسحة المسموح بها هذه الأيام في التعبير عن الرأي نسبيا ، ومع ذلك فإن قبائل جديدة من الفاشيين الجدد تسجّل في كلّ يوم حضورا أعمى للتاريخ وفرزا أهوج للحاضر وعدم وجود نظرة للمستقبل ؛ أولئك لا يرون إلا ما يرى أحبارهم ولا يرددون إلا أقوالهم حرفا فحرفا ، تماما مثل ببغاوات صدام من قياداته العسكرية الذين لم ينطقوا بالحقّ إلا بعد عام من سقوط النظام البائس على يد الأمير كان ، فأين كانوا ؟؟ وماذا فعلوا بازاء أولئك الصبية المدنيين الذين قادوهم وقادوا العراق إلى أسوأ كارثة حلت به في تاريخه الحديث و المعاصر ؟ هذا ما لم يستطع أيا منهم الإجابة إلى القنوات الفضائية التي وجدت بغتة في أولئك الرجال المهزومين فرصة لملٌ ساعات غير مثيرة ؛ فما أبشع أن ينشر المرء غسيله الفاشي بعد عام من التحميض !؟ أما أولئك الفاشيين ممن اختبأوا وراء ( باينباغات ) جديدة أو تحت عباءات شتى أو تحت بزة كتب عليها (US Army أبو غريب ) فإنهم لن يطالوا أبو علي ولا مسحاته ! ـ كما هو المثل العراقي الدارج ، ولن يحصدوا إلا العار التاريخي ، ولسوف يقعون في الأخطاء القاتلة نفسها التي أولغ فيها النظام السابق من عدم احترام الآخر ومحاولة ثنيه عن رأيه من خلال القوة المادية أو المعنوية .
ويمكن لأي مواطن عادي أن يكتشف أولئك الفاشيين الجدد من خلال الدخول معهم في حوار بسيط حول المرأة ! وليس حول أي شأن آخر في الوقت الحاضر في الأقل ، فهذا النصف الجميل الذي ذاق وبال فقد الابن والزوج والأب والأخ والحبيب لما يزل الفاشيون الجدد يناقشون ما له وما عليه ؛ وهل المرأة العراقية تصلح لقيادة المنزل أم الدولة ؟! سبحان الله أو لم يتحرر العراقيون ومعهم المرأة من هذه القيم البالية عام 1958 ؟ ولماذا هذه الطروحات المستوردة من أنظمة دون العراق حضاريا؟ ويا ترى هل يناقش أولئك فصل البنيين عن البنات في الجامعة أيضا ،وفي العام الدراسي القادم ؟؟
إن للفاشيين الجدد رائحة خاصة يمكن شمّها عن بعد وفي أثناء السير وسط أطلال المقابر الجماعية . جرّبوا ذلك أيتها السيدات ـ أولا ـ ويا أيها السادة .


الأس و الأساس لكلّ الناس


كان العراقيون الأول وما زالوا يعتقدون بأن أساس أي بناء ما لم يكن قويا فإن البناء لن يصمد طويلا ، وبما أن العراقيين من أقدم الأمم الحية الباقية على وجه الأرض؛ فسرّ استمرارها يكمن في أساسها قبل كل شيء . ويجد أي عراقي ثمة متعة خاصة وغريبة وهو يتأمل البنايات والأسوار والقصور واللقى القديمة وما تبقى من آثار لهذا البلد العريق العراق . ولشدّ ما أغاض العراقيين وهم يرون أسسهم التاريخية وهي تتناقلها الأيادي السارقة في وضح النهار وتحت سرف الدبابات القادمة من وراء البحار حيث ضاعت في غياهب البلدان كنوز من الحجارة لا تقدر بثمن . .
وطالما ضرب الطغاة على وتر الماضي العريق للعراقيين وصولا إلى إيهامهم بأنهم منهم ، وما هم منهم قط ؛ لأن العراقي ـ بطبعه ـ أنف لا يقبل أن يتحكم به كائن من يكون بالقوة المادية أو المعنوية ؛ أما عندما تحاوره فهو من أكثر الشخصيات مرونة ما لم تشعره بأن هذا الرأي مفروض عليه أيضا .
وللعراقيين أكثر من وسيلة في للتذكير بالأساس سواء في الأمثلة الشعبية المتداولة أو القصص الموروثة، وحتى عندما يريدون أن يهينوا أحدا ما فهم يسبون ( الساس ) بلا أدنى حرج ! وهم حتى الوقت الحاضر يدققون في أصل المرء وفصله ومن أي أرومة هو ؟ لكنهم وعلى الرغم من كلّ تلك الدقداقية لا يعيرون أهمية إلا إلى عمل الإنسان وأخلاقه و دينه . والشخصية العراقية غير متعصّبة على العموم لكنها ترى في المنبت الطيب ضرورة في التزام المثل والقيم الإنسانية النبيلة ؛ أما إذا خرجت عما هو معروف فهي تعود إلى النظر من جديد إلى أن ثمة ( دغش) ما في التكوين السلالي لتلك الشخصية ! والعياذ بالله .
وكان أستاذنا الكبير الدكتور علي الوردي رحمه الله يرى بأن الشخصية العراقية ازدواجية ، ولم يكن يرى في ذلك مثلبة ـ كما يظن بعضنا ـ إذ تتنازعها قيم البداوة والتحضّرأو القيم المدنية ، بل هي حالة من التناغم في التكوين الشخصي فليس كلّ ازدواجية صراعا ؟ ، فما الضير أن نجد في العالم الفيزيائي أو المخترع الكيمياوي أو الطبيب أو عالم اللغات وهو يحمل بين جوانبه نوعا من القيم الصحراوية التي تتعلق بالنخوة وإكرام الضيف والعزة بالنفس والأثرة ؛ ولو دققنا في الأمر جيدا لوجدنا أن ليس ثمة تناقض في ذلك ، لأن تلك القيم لم تخرج من جلد البداوة كما يحلوا لبعض المستشرقين ذلك ، بل هي قيم إسلامية بحتة ، وهي ستبقى بحكم الأيمان الديني وهذا ما أفتقده الغرب وما بقي قائما فينا.
والشعب العراقي بقي حيا وسط كل هذه الأهوال والخطوب والكوارث المتواصلة والمتنوعة ، وسيبقى مقاوما بإذن الله كلّ أشكال التحدّيات لأن أساسه الوطني قويا وقدرته على التحمّل عالية وخزينه من الحياة ثرّا، وما حدث فيه من تقتيل وحروب ومقابر جماعية ربما هو أقل مما حدث له إبان الغزو المغولي عام 1258م حيث لجأ ما تبقّى من العراقيين إلى الصحراء هربا من الهمجية والفناء الجماعي القديم ، و شاء الله سبحانه لهم أن يعودوا إلى مدنهم وقراهم وهم قلة تكاد الشعوب المحيطة بهم أن تجتثهم عن بكرة أبيهم وتأخذ أرضهم الخضراء المعطاء التي تحوّلت بعد الغزو المغولي إلى قاع صفصفا . ثمّ عادوا بعد سبعمائة عام بالتمام والكمال عام 1958 م لينهضوا من جديد وقد آثروا على أنفسهم إلا أن يكونوا مستقلّين أحرارا .لكنها الفرحة التي لم تتم ! فقد عاد أعداء الوطنية العراقية من جديد وفي ثياب جديدة وشعارات جديدة ومؤامرات جديدة حتى أصبح البحث في أساس العراقي جريمة قطرية وحبه لوطنه طعنا في القومية حتى لقنوا أطفالنا نشيد : أنا جندي عربي !!ولا أعرف ماذا يلقّن أبناء الكورد والتركمان والآشوريين الآن ؟! هل يعلمون أبناءهم نشيد : أنا إنسان عراقي!
لقد آن الأوان كي نضع عن كواهلنا كلّ الأعباء القديمة وكلّ الأدلجة المريضة التي لم تورثنا إلا ما نحن فيه ..فهل نفعل ذلك أم أن ثمة من ينفخ في بوق الشيطان من جديد لكي يضع العراقيين في أرض أخرى غير أرضهم ويبحث لهم عن أساس من صنعه هو ، وعن شعارات تجزيئية أخر؟ ولعب ما انزل الله بها من خبر. الريح عاتية قوية وجارفة وليس ثمة لنا غير العراق الأس والأساس .



أعلن تطرفي على أية حال

التطرف في كل أمر شيء ذميم ، ولا يمكن لأي عاقل أن يمارسه ، وهاهو كتاب التاريخ يظهر على نحو لا يقبل الشك : أن جميع المتطرفين ذهبوا إلى الخانات الضيقة إن لم تكن المظلمة من أسفار الإنسانية العظيمة ، وهل ما تبقى في الأرض منهم غير الكلمات الطيبات النافعات ؟ فأين الأولون وإلى أين سيؤول الأخيرون أيضا ؟ ذلك هو السؤال .
لكني وعلى الرغم من كل هذه المقدمة الأخلاقية ، أجدني متطرفا إلى العديد من قضايا وطني الجريح . ولا أدعو مطلقا إلى أن يكون العراقي متطرفا في أي شأن آخر من شؤون الحياة العامة والخاصة ، لأن الله سبحانه دعانا إلى أن نكون أمة وسطا .. ولو كنت مواطنا سويسريا أو أميركيا أو إيرانيا أو مغربيا أو كويتيا لما دعوت إلى التطرف إلى تلك الأوطان قط ، لأن تلك الشعوب والأمم لم تتعرض إلى ما تعرضت إليه الأمة العراقية العظيمة من موت جماعي وفناء مستمر على مدى أكثر من ربع قرن ، ولما تزل تعطي في كل يوم كوكبة جديدة من أبنائها البررة في الشوارع بفعل السيارات المفخخة بعد أن كانت تهبهم صرعى على السواتر الترابية أو طعما سهلا للطائرات المتطورة التي تعمل بالقتل الليزري . فما بالك بالفناء الذي طال أكثر من مليون طفل عراقي بريٌ ، وأسهم في هذه المذبحة الكبرى للعصافير القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة والنظام السياسي العفلقي الذي كان قائما آنذاك . وهذه ظاهرة لم يتوافر عليها التاريخ القديم والحديث والمعاصر ـ على حدّ علمي ـ بأن تجتمع قوى داخلية وخارجية على إفناء أمة بأكملها .
إن هالوكوست الطفولة العراقية وحدها تبعث على التطرف إليها يوميا ؛ فإن ما مرّ به العراق هو من الاستثنائية الغريبة التي تخترق عقل أي مواطن عراقي يمتلك قليلا من التأمل البسيط إلى ما مرّ به العراقيون من أروقة موت دائم وجوع مستحكم وحروب أكلت الأخضر واليابس دون أن يحصد العراقيون من خلالها إلا الموت والموت وحده ؛ فهل كتب علينا ألا يموت إلا قليل من العراقيين ميتة طبيعية ؟!
والعراقيون فضلا عن ذلك من أكثر شعوب الأرض طيبة وتسامحا منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا . يأتيهم الأفراد من مختلف البلدان المحيطة وغير المحيطة فيعيشون بين ظهرانينا معززين مكرمين ، وقد يصبحون بعد مدة من الزمن أكثرنا مالا وأوسع جاها وهم الذين جاءوا إلى العراق حفاة وشبه عراة فلا نغمطهم حقّهم في حياة كريمة ولا نأخذ ما جنوه بعرق جبينهم لأننا ببساطة مفرطة أمة خير : حدث ذلك في أوقات لم يكن لدى العراقيين سلطة واضحة غير سلطة القبيلة . ويمكن لأي باحث أن يجد ذلك مسطّرا في الميراث العراقي من اقصى الشمال إلى أقصى الجنوب : من الجسر العباسي إلى رأس البيشة ، فالعراقيون يعتزون أيما إعزاز بإيواء الغريب ، وحماية الدخيل ، والعطف على المظلوم ؛ أفمثل هذه الأمة التي تتربّع على هذا العرش الأخلاقي العظيم ينالها الموت في كل يوم من السواتر إلى الشوارع ؟ ولو أن شعبا آخر غير العراقيين قد مر بما مررنا فيه ، لوجدت بعضهم يأكل بعضا وفي الشوارع أيضا ولمسحوا من على سطح الأرض ، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى ..ولكن لله سبحانه في ذلك حكمة كبرى وله في أرض الأنبياء غاية .
والعراقيون غير متطرفين ولا متعصّبين بطبيعتهم إلا لوطنهم ، وإن وجدت غير ذلك في أحدهم فابحث في أرومته .. وسيأتيك الجواب حتما !. ولو أن الولايات المتحدة ، والعالم الشرير، والدول المحيطة بنا ، والقوى الإرهابية العالمية ، قد تركتنا وشأننا لما حلت بنا هذه المصائب والويلات والتدهورات الأمنية ؛ ولو كان لنا ديكتاتورا مستنيرا مثل أتاتورك أو فرانكو أو حتى بينوشيت لأصبح وقع الكارثة علينا أخف بمائة مرة ، ولكننا ابتلينا بمجنون رسمي ( صفره ! ) ـ كما عبّر عن ذلك الرئيس بوش نفسه ذات مرة ـ وبقيادة عسكرية أقل ما يقال عنها أنها جبانة ، ولم تقدّر المخاطر التي سيؤول إليها العراق في حال القبول بما يمليه عليهم الروائي ( الصفره ) ويجب أن تخضع تلك المجموعة الفاسدة والخائنة لشعبها إلى محكمة وطنية عادلة لكي تأخذ جزاء ما اقترفت من أخطاء بحقّ شعبها ووطنها.
لقد أضاع النظام الصفر على الشمال السابق جميع ما قام بإنجازه العراقيون على مدى أكثر من ثمانين عاما من جهد وطني وبناء مؤسسات الدولة وفي بضعة أسابيع سود ، ولذلك ليس من الحكمة أن نقف منتظرين ما تؤول إلية الأحداث بل أن يغمس كل واحد منا كلتا يديه ومن مكانه ليبني العراق وأن يتطرف في حبه له لأن أوضاعه متطرفة وغريبة أيضا ؛ وإن لم نفعل ذلك وفي أسرع وقت جميعا فسوف نحسد الفلسطينيين والأرمن إلى ما آلوا إليه في محنهم الوطنية . أعلن تطرفي الكامل إلى العراق وحده ! .



غابة اللغو/أحتياطي اللغو


أولا ، وقبل أي شيء ، عليّ أن أذكّر الأخوة القراء بأن هذا الاستعمال ( احتياطي اللغو ) هو للشاعر الفلسطيني سميح القاسم ، في معرض ردّه على تردّي أوضاع العرب العامة . فالرجل بقي مشحونا ـ حتى اللحظة الأخيرة ـ بالحزن الذي لم يفارق شعره ولم يفارق شخصه في آن ، وفي المقابلة التي أجريت معه على إحدى القنوات الفضائية قبل مدة أكّد على مسألة الحزن اليومي ، حتى أنه قال أخيرا : اسألني كم يوما فرحت فيه ؟ ولو نظرنا إلى ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة العربية والإسلامية والعالم بأجمعه لرأينا ثمة حقّ بيّن لما هو عليه وضع الشاعر سميح القاسم من اليأس المشوب باللاجدوى ، وضياع الحلم في تحرّر الشعوب والأمم في منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد ، ناهيك عن التردي المفجع الذي يطال كل زاوية تقريبا من حياة الشعبين العراقي والفلسطيني .
ومن الغريب أن كل هذه الشناعات التي مورست ضدّ العراقيين سواء من نظامهم السابق صاحب أكبر (احتياطي للغو) في العالم العربي أو من القوى الأجنبية التي لم تعمل على رفع الحصار الظالم عنهم ؛ في حين كانت هي من أكثر الجهات معرفة بالفوائد التي كان النظام البائس يجنيها من خلال استمرار الحصار ، و الذي خلّف وراءه أكثر من مليون طفل عراقي فقط وعلى مدى ثلاثة عشر عاما متواصلة ، ولما يزل أطفال العراق المولودين في عصر الحصار يعانون من شبح الموت اليومي بسبب الإشعاعات ونقص التغذية وبيئة الحرب التي استمرت ربع قرن وحتى يومنا هذا ؛ كل تلك البذاءات السياسية الدولية كان عرّابها هذا (اللغو الاحتياطي الدائم)الذي يظهر رأسه على القنوات الفضائية العربية والأجنبية وعلى مدى 24 ساعة متواصلة . ومن الأغرب في الأمر : أن وسائل الإعلام في العالم الغربي كمجلة نيويورك تايمز الواسعة الانتشار في العالم قد مارست نوعا من النقد العلني لسياساتها الإعلامية ـ وبلا خجل شرقي ـ وبخاصة ما يتعلق بالأخبار الواردة عن العراق والشرق الأوسط ، دون أن تبالي بخسارة صدقيتها نحو قرّائها؛ لأن النيويورك تايمز لا تعنى باحتياطي اللغو الذي يسود حياتنا الثقافية والإعلامية، وها هي تحصّن نفسها ضدّ أمراض الشرق والشرق الأوسط بالذات. هذا الشرق الأوسط الذي كان ينقل يوميا وعلى مدى 24 ساعة أخبار الصمود الصدامي الأسطوري! أمام القوات الأميركية، وحتى بعد ظهور الدبابات الأميركية في شوارع بغداد وساحة الفردوس لم يعتن هذا الإعلام بالحقيقة مطلقا بل مارس على الذهنية العراقية حملات من التضليل والكذب والسخف اليومي المتواصل أيضا. أنه احتياطي اللغو/ غابة اللغو مرة أخرى يظهر في أبهى حلله الملونة على الشاشات الصغيرة والصحف الكبيرة الملونة أيضا.
وإذا ما أردنا أن نتوغل في غابة اللغو العربي والعراقي فإننا سنجد خير دليل في الساعات الطويلة التي كان ( القائد الضرورة ) يجلس فيها ليكلّم العراقيين وأمة يعرب والنشامى من أبناء البعيثة عن شؤون السياسة الدولية وتنظيف التواليتات ، وهو يضرب الأمثلة تلو الأمثلة عن ريف تكريت ومنطقة العوجة في مراسيم من اللغو الفارغ تماما . هذا اللغو العنيد ـ أيتها القارئة والقارئ ـ كان يحتفظ به الضباط والمراتب والعمال والكسبة وأساتذة الجامعة في سجلات خاصة يتابع فيها كل رفيق أو نصير ما يلغو به القائد في التلفزيون ، والويل والثبور لمن يمتنع عن أداء هذه المهمة النضالية الثورية الجهادية في السنوات الأخيرة من عمر المسيرة العفلقية ، وليذهب كل واحد من أولئك ليفتّش في دفاتره العتيقة عن سجلّه الحزبي ـ إن كان ما يزال يحتفظ به كلغو قديم إلى يومنا هذا ليرى كم من اللغو التافه قد كتبه ، وهل كان يؤمن به حقيقة وهو يهرج به أمام الآخرين ؟ وأوجه كلماتي الخجولة إلى زملائي من المعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعة لأنهم ـ بإعزاز كبير ! ـ كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة من الرفاق اللغويين . ولا أعتذر .
واللغو في حياتنا ظاهرة عامة وحقل واسع لا يمكن وضع حدّ لـه في هذه العجالة . وفي دراستنا لمكونات اللغو العربي نجد العديد من النماذج المضحكة والغريبة ؛ فقد بقي العديد من أئمة الجوامع والخطباء وعلى مدى قرون عديدة يحفظون خطبا لمعلمين وخطباء عن ظهر قلب ويرددونها في كل مناسبة ؛ فهناك خطبة للعيد الصغير عن فلان من السلف الصالح، وكذلك خطبة للعيد الكبير وهكذا في مختلف المجالات ، وحينما ترك الخطباء هذه العادة الممقوتة في أوائل القرن الماضي ـ فقط ـ أصبح لزاما عليهم أن يأتوا بما هو مستجد ومعاصر وحيوي ، وأن يتخلصوا مما كتب قبل قرون وإن كان بعضهم لما يزل يؤِمن : ليس بالإمكان أفضل مما كان ! .
ويتشرنق احتياطي اللغو في حياتنا على نحو مروّع حينما يبقى أحدنا لا يناقش أفكاره ولا ينتقد قناعاته ، ولا يحاول أن يراجعها ولو في كل ربع قرن في الأقل ، ومثال ذلك إن أحدهم لما يزل يدافع عن (ستالين) ويعدّه من أعظم العظماء ، ومن أكثر الناس تهذيبا على الرغم من كل تلك الشناعات التي أرتكبها في عهده والتي أجمع العالم كلّه على كارثيتها ؟! يا ترى كم من اللغو التاريخي يختزن في ذهن كل واحد منا ؟ ، وكم نحتاج من الوقت والتجربة الذاتية والمران على إزالته ؟ فاللغو يتمدد في بطون التاريخ أيضا ؛ فقد كتب أحدهم كتابا عن ( الحجاج بن يوسف الثقفي الرجل المفترى عليه ! ) وهو يحاول أن يأتي بالتبريرات التاريخية و العقلية والشرعية ـ ربما! ـ لوضع الحجاج في موضع من (احتياطي اللغو) التراثي لا أكثر ولا أقل . ولن أحدثكم مطلقا عما كان عليه الحال في إنجازاتنا في علم الكلام ، وعلم النجاسات والطهارات ، وما وضع في ذلك من كتب ومصنفات ، وما اهرقت من مهارات .
وتتربّع العربية على كمية عجيبة من الكلمات المترادفة التي لم تحظ بها أية لغة أخرى في العالم ، فللأسد ـ وهو الحيوان المفضّل لدي ! ـ ألف ونيف مرادف : فهو ضرغام في الهجوم وليث في الجلوس و أبو خميس وهو يأكل و هلم وجرا ، لكنني لم أجد له ألا معنى واحدا في الإنكليزية lion و( شير ) في الفارسية والكردية ، فهل نعد ذلك من احتياطي اللغو عندنا فنثير ضدّنا جماعة اللغويين ؟
أرى بأن الأسد هو الأسد وما عدا ذلك هو من احتياطي اللغو عندنا . أما إذا أردنا أن نبحث عميقا في احتياطيات اللغو فإننا سوف نحتاج إلى دراسات ودراسات تتناسب وكمية احتياطي اللغو المزروع فينا ، ولدينا ما يكفي من الهموم والمشكلات في الوقت الحاضر . وإن احتياطي اللغو سوف يثير فينا ما يشاء من الجدالات السياسية والمذهبية والأدبية أيضا ، ونحن في غنى عن ذلك .. ولن نورث إلا الحزن والتيه وضياع الهدف . فلماذا يستغرب بعض الناس هذا الكم الهائل من العذابات والأحزان التي تطوح بالشعبين العراقي والفلسطيني في ظل هذا الاحتياطي من اللغو الذي تمارسه أجهزة الإعلام العربية التي لم تحسن إظهار الحقيقة بسبب ارتباطاتها بأنظمتها السياسية ، والمصالح الضيقة والهبات التي تسقط عليها من عل ؟



من يحمي علماء العراق ؟


متى يتوقّف هذا النزيف العلمي العراقي الخطير؟ وهل استبدلت سياسات( هجرة الأدمغة ) العراقية بسياسة قتل أو خطف تلك القدرات العلمية ؟ وما دور الموساد الإسرائيلي ومخابرات دول أخرى في هذه العمليات السرّية والعلنية أيضا ؟ وأية قوة عراقية جديدة قادرة على حماية طاقات العراق العلمية ؟ وهل صحيح أن ثمة مؤامرة كبرى لإفراغ العراق من علمائه ونوابغه ؟!

كان النظام السابق قد استغل تلك الطاقات العلمية الخلاقة والمبدعة على نطاق واسع في خدمة سياساته الرعناء والمتخبّطة ، فوضع الأسماء من حملة الشهادات العليا والنادرة في قوائم منع السفر وجهّزها على كومبيوترات خاصة في منطقة طريبيل الحدودية ، كما قام في الوقت نفسه بانتهاج وسائل ضغوط مختلفة لتحشيد صنع الأسلحة بالدرجة الأساس من خلال زجّ تلك الإمكانات في التحوير والتطوير لأسلحة روسية سقطت من حساب الخدمة بعد انهيار دولة المصنّع نفسها !. ولم يكن لتلك الطاقات أثرا ملحوظا في الحياة المدنية قط . كما كان لوضع أولئك العلماء والباحثين بواعث لشنّ الحرب على العراق من الناحية الإعلامية في الأقل ؛ فقد كشفت الأحداث التي أعقبت الحرب بأن أولئك العلماء لم يكوّنوا أية خطورة جادّة على النظام الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة ، كما أنهم لم يعملوا في أي نظام من ( الكيمياوي المزدوج ) المزعوم ولم يستطيعوا أن يحرقوا نصف إسرائيل !! ، فعلام الانتقام منهم بعد ذلك ؟؟
ومن الغريب أن تطال الحالة أشخاصا يعملون في نطاق العلوم الإنسانية أيضا بقائمة طويلة جدا حيث تجد جماعة مسلحة بانتظار ذلك الباحث والأستاذ الجامعي وبباب الجامعة أو عند تقاطع الطرق , فترديه بوابل من الرصاص المدفوع ثمنه سلفا ، ثم تشنّ بعد ذلك سلسة من التأويلات والتفسيرات ونظريات الاحتمالات المختلفة ؛ لكن النتيجة هي واحدة دائما : خسارة طاقة علمية عراقية بعد كل ذلك .
ومن المعروف في الوقت نفسه بأن أية قدرة وطنية وفي أي مجال علمي تطبيقي أو إنساني يصعب تعويضها أو إيجاد بديل لها في غضون مدّة وجيزة وبخاصة في الميدان العلمي ، ولذلك يعدّ فقدانها تفريطا جسيما بالثروة الوطنية البشرية النوعية التي هي بمثابة المحرك الكهربائي لأية أمة أو شعب ناهض. فلماذا تحاك( المخططات ) ضد ّقدرات وطاقات هذا الشعب بالذات ؟وكيف يمكن حماية علمائنا في وقت تعجز فيه قوات الاحتلال عن حماية نفسها ؟! أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟ فإن التجارب التاريخية تشير بأن السيطرة على مقدرات أية أمة تنبع بالأساس من التخلّص من صنّاع الرأي فيها، والمثقفون والعلماء على رأس القائمة بلا أدنى شك .
إن (نظرية المؤامرة ) التي يحاول الإعلام الغربي والكثير من الإعلاميين العرب الجدد التنصّل منها أن يفرغوا الأذهان من جبروتها ؛ وكأنها خرافة أخترعها القادة السياسيون القدامى والجدد لتبرير هزائمهم وخيباتهم وانبطاحاتهم ، وان الحقيقة تكمن في عدم وجود أية مؤامرة على هذا الشعب أو تلك الأمة ، وان كل ما جرى ويجري للعرب والمسلمين هو محض سؤ طالع أو قلة تخطيط أو سؤ استعمال للسلطة ، وان الأعداء التقليديين للأمة أناس لا يخططون ولا يعملون في الخفاء وليس لديهم أجهزة تجسس ولا مراكز بحثية ولا حتى عملاء ؛ وكلّ ما في الأمر إننا أناس خياليون نحارب طواحين هواء ، وما اغتيال أو خطف العلماء العراقيين إلا أحداثا عابرة ولا شأن في ذلك للموساد أو الصدام الحضاري أو البحث عن أسلحة الدمار الشامل ، فالعلماء العراقيون يقتلون لأسباب عشائرية أو طائفية أو شخصية ، ولسوف يعودون إلى ممارسة دورهم التاريخي بمجرد حصول العراقيين على سيادتهم ! ولا مؤامرة ولا هم يحزنون !! أما أولئك العلماء الذين يغادرون الوطن فهو جزء من حريتهم التي سلبها النظام السابق ليس إلا.ولماذا تأسفون على هذا العالم أو ذاك مادمتم أمة ذكية تلد أكثر من مائة باحث وأستاذ في قسم البايلوجيا وحده ! إنه عصر العولمة والانفتاح ويمكن للعراقيين استيراد أطباء ومهندسين ومدرسين وغيرهم وبالعملة الصعبة بعد ذلك . وكأن العراق لم يحدّث نفسه منذ أكثر من ثمانيين عاما خلت ؟!
إن ناقوس الخطر يدقّ في كلّ لحظة ، فهل ثمة من مجيب ؟



السبعينيون العراقيون



من الصعب أن نقسّم الأجيال إلى عقود إلا من الناحية الفنية، فالأجيال متداخلة يصعب الفصل بينها. وجيل السبعينيات في العراق من أكثر الأجيال حيوية، ونشاطا، وفناء جماعيا في الوقت نفسه. كان هذا الجيل قد تربّى على فسحة معرفية قليلة تمثلت في وجود نشاط ثقافي وفكري في بداية عقد السبعينيات. فقد انتشرت الكتب الاشتراكية والماركسية والإسلامية وغيرها من ألوان الأدب العالمي المترجم فضلا عن كتب الأدب العربي التي سمح لها بدخول العراق، فأسهمت في تكوين وعي جديد ومميز إلى حدّ كبير لجيل أطلق على نفسه وقتذاك : جيل السبعينيات !
وعلى الرغم من أن تلك المرحلة لم تشهد حرية واسعة للصحافة، ولا للفكر، ولا للتجمّعات السياسية والثقافية، كما هو عليه الحال الآن، وهي لم تمارس في الوقت نفسه إلا مدة قليلة من العمل السياسي العلني ، كاليسار الكرتوني, وبعض العناصر القومية الذيلية التي عرفت بالمستقلة وهي غير مستقلة على الإطلاق؛ بل جيء بها لاستكمال المكياج الهلامي لما عرف بعد ذلك (بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية)التي بقيت هيكليتها المضحكة حتى صبيحة سقوط النظام في 200349 وفي دار منزوية مهملة في وسط بغداد. فلم تعد مقولة أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية الأسبق، وربيب صدام في الكذب المنظّم : " لا نريد لجبهة تقوم اليوم وتنفرط غدا! " إلا محض مزحة بليدة. فقد انفرط عرى الجبهة المهلهلة بعد أشهر قليلة عمليا، ودفع أعضاء الحزب الشيوعي العراقي ثمنا باهضا اقترفته قيادتهم ـ قصيرة النظرـ وقتذاك. ثم لم يلبث هذا (السماح الموسمي) لعمل الشيوعيين العلني أن عاد وبالا عليهم بعد أن أظهر (العفالقة) وجههم الحقيقي والقبيح، و رغبتهم العارمة في التفرد بالحكم, فعمدوا عمليا مرة أخرى إلى كتابة( نظريتهم العملية البعثية ) في التطبيق الثوري الانقلابي ـ وكما هي معلنة في عقد الستينيات : الحزب الواحد بين النظرية والتطبيق! وخرج الحزب الشيوعي العراقي ( الحليف الثوري جدا مع الحزب القائد ) بواحدة من أكثر أخطائه الستراتيجية القاتلة التي ما يزال يدفع ثمنها الباهض إلى يومنا هذا في انفضاض قواعدهم التاريخية عن قيادتهم . وبما ان الماركسيين والشيوعيين وعموم اليساريين والوجوديين واللامنتمين كانوا يكونون عماد الجيل السبعيني فقد نال هذا الجيل ما ناله من التشريد والهجرة والموت ما لم ينله جيل عراقي ـ بهذا المقدار المرعب ـ من قبل.
كان هذا الجيل قد تلقّى أول صـــدمة لـه على النطاق السياسي والثقافي بعد ذلك في إثر استيلاء صدام عمليا على جميع مقاليد السلطة في العراق عام 1975 والتي جسّدها (رسميا) في عام 1979 بعدما بطش بثلثي أعضاء القيادة التي جاءت بالرفيق (أبو عدي) إلى الحكم. ومن الأخطاء التي يحاول من فلت من البعثيين من قبضة صدام أن (يروج) بسذاجة : عن تلك كانت صراعا بين اليمين واليسار, وكانت الغلبة لليمين! كلا؛ فالأمر ليس كذلك، فقد كان صراعا من أجل الاستحواذ على السلطة ليس إلا.. وإن أولئك الذين أطيح بهم هم من المدرسة (العفلقية) العصاباتية نفسها؛ وكلّ ما جرى هو صراع دموي على الكراسي التي كانت الهدف النهائي لعموم الساسة العراقيين ـ بما في ذلك قيادة الحزب الشيوعي العراقي أيضا .
ولم يستفق السبعينيون من هذه الصدمة الكبيرة المليئة بالخبث واللؤم والدراماتيكية حيث بكى فيها صدام أفراد عصابته القدامى علنا تماما كما يفعل زعماء المافيا (العرّابون)، إلا على أصوات المدافع وأزيز الطائرات عام 1980، لتبدأ واحدة من أكثر مهازل التاريخ السياسي العراقي عنفا وضراوة وتدميرا. وما أن فتح بقايا السبعينيين عيونهم على العالم من جديد حتى كانو بانتظار ملحمة أخرى أشدّ وطأة، و أعظم عنفا، وأكثر شمولا، دعيت (بأم المهالك!) لتأتي على ما تبقّى من ذلك الجيل الذي تربّى على الثقافة والفكر والقراءة المتواصلة.
هذا الجيل على الرغم من كل هذه المحن, غير المتوقّعة, بقي يعيش على أمل الحرية التي يمكن أن ينالها في أي وقت بعد إسقاط عرش المسخ البشري صدام. لكن الريح كانت تهبّ من جهة غير متوقّعة أيضا، فقد كان الحصار قد أصبح المرجل اليومي الذي يلتهم كل شيء من الذكريات إلى الكتب إلى الأثاث المنزلي البسيط, وحتى الأطفال الرضع، والشيوخ الذين لم يستطع النظام إحضار أبسط الأدوية لهم ، في وقت، كان الوزراء والمقربون من النظام في أفضل صحة وأتم عافية، لا ينقصهم إلا الدعاء اليومي بتطويل عمر القائد الضرورة الحياتية بالنسبة لهم؛ والموت الدائم للآخرين من الفقراء والمعدمين.
وهؤلاء المقرّبون المتحذلقون لا يختلفون كثيرا عن أولئك الذين صفاهم صدام ـ على الظن وحده ـ من رفاقه عام 1979 والذين لا يختلفون عنه أيضا إلا اختلاف درجة ، فالجميع ولدوا من رحم سيدهم العتيد (عفلق) ومدرسته الاستعلائية البغيضة. ولو قيض لهم الأمر كما ظن صدام فلن يختلفوا عن رفيق دربهم ومصدر عزّهم ـ الرفيق الأستاذ المناضل أبو عدي! ـ بشيء مهم؛ إن لم يكونوا أكثر عنفا وأشدّ قسوة منه ؛ ودليل ذلك عمليا الشخصية الدموية التي كان يتمتع بها المجرم ناظم كزار (مدير الأمن السابق وتلميذ صدام في منظمة "حنين" نواة النزعة الإجرامية في العراق، والذي أطيح به عام 1973 في انقلاب عسكري فاشل). ثم دخل العراق ـ بعد ذلك ـ في آتون جديد من دائرة العنف لها أول وليس لها آخر ..
كان السبعينيون الشعلة التي هبّت عليها ريح الموت من كل الجهات، بعد تسنّم صدام شؤون العراق، والتحجيم المستمر لتيار البكر منذ عام 1975 كانت بقعة الورد الأسود قد اتسعت على نحو مخيف و زرعت في كل المقابر، ولذلك ليس غريبا أن يجد القاريٌ لشعرائهم وكتابهم هذا الكم العجيب من الحزن العراقي الهائل، وهذا الرفض الدائم للحروب جميعا. فلم يتبق من هذا الجيل السبعيني حيا إلا أولئك الذين فلتوا من (ماكينة صدام السوداء) المروّعة التي بقيت مفتوحة بذلك الفم الأسطوري في كل لحظة وهي, تستقبل و تلتهم الأجساد تلو الأجساد في عملية قلّ نظيرها في التاريخ الإنساني القديم والحديث. لتبدأ بعد ذلك بالتهام أجساد أطفالنا على نحو مرعب، و في حصار همجي أسود كلّفنا أكثر من مليون طفل, كان يمكن إنقاذهم بالتفاتة مالية واحدة من ريع استيراد (السجائر الأجنبية) التي يتولاها النجل الأكبر عدي، لولا رعونة القائد المنتصر علينا فقط ، وحقده الغريب على الشعب العراقي الذي لا يضاهيه حقد أحد من الأولين أو الآخرين ممن حكموا العراق.
ويرى السبعينيون من معارضي الطاغية : بأن ليس ثمة في الدنيا أحد كره شعبه مثل صدام على الإطلاق، ولديكم كتب التاريخ ويمكنكم أن تقلّبوا ما تشاءون من صفحاته منذ زمن نيرون إلى صدام. ومن الغريب إن صدام الذي لم يذكر أي حادثة تاريخية أو يستشهد بحكمة أو آية كريمة أو بيت من الشعر في أحاديثه التلفزيونية الطويلة والمملة لكنه قد عرّج ـ ذات مرة ـ على نيرون الذي أحرق روما ثم شرع يعزف على قيثارته وسط النيران التي التهمت المباني والملاعب والقصور. ومن الأغرب أيضا أن صدام لم يوجّه إلى فعلة نيرون الجنونية الشنعاء أي نقد مباشر! هل تتذكرون؟؟
والسبعينيون لهم صفة ملازمة بثيابهم ـ قمصانهم البيض ـ وهي معارضة نظام صدام؛ إلا أولئك الذين لم تكن تطالهم هذه الصفة. كنت قد سألت أحد السبعينيين من زملائي وهو قاص بصري متبغدد ، بالوني ، ولا حاجة بي إلى ذكر أسمه.. لأن أمثاله كثر،عندما التقيته ـ بالمصادفة ـ في أحد شوارع البصرة في العام الأخير قبيل سقوط الطاغية ، وسألته : كيف تســنى لــه أن يكتب عن رواية صدام ( القلعة الحصينة ) ذات الحجم (البلوكي) وهي لم تصدر بعد ؟! وكان قد نضّد مقالة في صفحة كاملة عنها في جريدة الجمهورية ؟ قال : علاقات ! وما أدراك ما العلاقات ! . فذكّرته : بأن أحدا من السبعينيين لم يفعل ذلك العمل المتذاكي ! فضحك قائلا: إنها 750 ألف دينار ( مكرمة القائد) مرحى ! كنت أعرف من عينيه بأنه قد تخلّى عن سبعينيته، وحصل على مكافأة حيال تلك المقالة الرخيصة التي لم يكلّف أحدا من القراء النظر إليها. أما السبعينيون الذين باعوا أقلامهم للأجنبي هذه الأيام ، وتسنموا مواقع في فضائيات وصحف ووكالات وتوكيلات فهم أشهر من نار على علم الآن . . وسأترك الكلام لغيري لأني أشعر بالغثيان مما كان، ومما يحدث الآن، فمرحى مرة أخرى للذين يغيّرون جلودهم بين ليلة وضحاها وبين ساعة وأخرى . السنا في عصر السرعة ؟



خطوط حمر جديدة

لم يعرف تراثنا العراقي الإسلامي مثل هذا التعبير ، ويبدو إننا قد تلقفناه من ضمن ما تلقفنا من الغرب وهو ترجمة ل red lines الإنكليزية ، وقد أشيع استعماله في الحقبة الحديثة من التاريخ العربي المعاصر على وجه التحديد . ولو أردنا الغوص عميقا فسنجد ثمة جهات عديدة تقف وراء قضية الخطوط الحمر التي يمنع اجتيازها في حياتنا الثقافية و السياسية والاجتماعية . فالرجل يضع لزوجته منذ اليوم الأول لزواجهما خطوطا حمر لا يمكن تخطيها ، والزوجة تفعل مثل هذا الأمر أيضا ، ولكن غالبا ما يتنازل أحدهما عن خطوطه لكي تستمر الحياة الزوجية ، وقد يتنازل كلاهما عن خطوطه الحمر فتصبح الحياة الزوجية أقل تنغيصا وأكثر مودة ورحمة . ولذلك فأن كثيرا من حالات الطلاق تجري بسبب هذا التجاوز الدائم من أحد الطرفين للخطوط الحمر أو لكليهما معا . كما أن الأب والأم يضعان لولدهما أو أبنتهما خطوطا منذ أن يبدأ الاثنان بالحديث ؛ ولذلك ليس كل خط أحمر ممقوت ولا كل حاجز مرفوض . فالخطوط الحمر الطبيعية جاءت لتنظيم الحياة وتسهيل شؤونها وإبعاد ما أمكن من عقدها وتعقيداتها ، ووضع نظام للضبط الاجتماعي هو الأساس الذي تقوم عليه جميع المثل والقيم الإنسانية .
ويرى بعض( الديكتاتوريين الجدد) في العراق الصغار منهم والكبار : بأنهم مسؤولون عن كل ما يتعلّق بشؤون بني البشر الذين قيض لهم أن يتواصلوا معهم ، ولذلك فهم لا يتورعون في دسّ أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية والرؤيوية ، وخاصة تلك الأحزاب التي تتبرقع خجلا بالديمقراطية وتتسم علاقاتها الداخلية والخارجية بأعتى أشكال الممارسات الفوقية وإلغاء الآخر بجميع السبل والاشكال الممكنة .إنهم الأنموذج الجديد للخطوط الحمر الجديدة .
وهم ـ اولئك السادة المتحصنيين بالدين والقوميةـ لديهم الاستعداد في إبداء النصائح الدائمة , والتوجيهات والتسديدات من فراش الزوجية إلى بناء التواليتات وإلى كيفية الجلوس في التجمعات لأنهم العارفون بكل ما يريد الآخرون ؛ تماما كما هو الوهم الكبير الذي كان عليه سيدهم ومعلّمهم ( القائد الصدئ السابق) الذي تبدأ توجيهاته : بأن لا نضع قدم على أخرى ، وأن لا يعلوا صوتنا في حضرته ( ولا في حضرتهم الآن) ، وأن ننصت لهم جيدا ، ونصيخ السمع لأنهم أئمتنا المعصومون الجدد ؛ حتى وإن كنا لا نفهم على وجه الضبط ما يقولون ، أو يشرّعون ، أو بم يتحاصصون ؛ أو لم نعر اهتماما إلى ما يلغون ويهرجون في جمعيتهم الوطنية التي جاءوا إليها بدعم إلهي..
و كما كان يوجّه أحاديثه الديكتاتور السابق في العراق ( صدوم) من خلال التلفاز , وكما ينهج معه رهطه من الديكتاتوريين الصغار( والكادر المتوسط من أهل العوجة) الذين حفظوا عن ظهر قلب (وصايا القائد) في أفعل ولا تفعل ونم ولا تستيقظ وكف عن ان تكون مفكرا ولا ولن ولم وكلا وصه ومه ، وأسكت و(أنلصم!) : وهذه فحوى فلسفة الخطوط الحمر القديمة في العراق العظيم قديما وحديثا وحاليا ؛ فمن ذا الذي يمكن أن يخطئ شبه معصوم أو معصوما جدا . والخطوط الحمر في زمن صدام طويلة وعريضة ، تبدأ من الفرقة الحزبية وتنتهي في مبنى (الحاكمية) الغرف الحمر في منطقة 52 ؛ أما في الوقت الحاضر فلا حاجة أبدا لكلّ هذا الروتين الإداري المعقّد في العمل ويكفي من يعارض : بضع رصاصات في الشارع ، وكفى!!هذه هي خطوطنا الحمر الجديدة فلا تتخطاها .
أما في السياسة فإن الخطوط الحمر حدث ولا حرج ؛ فهي تتشرنق حول أجسادنا وتلتف معنا في نومنا وصحونا وسيرنا وقيامنا وقعودنا ، حتى إننا قد نتعثّر أو نهوي بدونها، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ، وطريقا لا يمكن الابتعاد عنها في ذهابنا وإيابنا،نمشي كالمنوّمين مغناطيسيا ، أو كالآلات الميكانيكية ؛ خلفنا دائما ريموت الخطوط الحمر . ومن يحاول فكّ شرنقتها : إما مجنون أو لا يهتم بما سيجري له ...
وكان لدى العراقيين أكبر خط أحمر عريض عرفوه في تاريخهم تمثل في عدم نقد (السيد الرئيس السابق) أو حتى توجيه وصف لا يحبه أو فيه خدش لسدته الرئاسية العالية ، ومقامه السامي ، وسيادته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من أمامها ولا من خلفها : إنها العصمة الممزوجة بالجبروت أيضا التي ورثها سياسيو ما بعد البعث في العراق! . ولذلك فقد وضع أمام أسمه ألقاب وبعده ألقاب والويل والثبور لمن يخرق تلك الخطوط الحمر من المواطنين العاديين أو من أتباعه أيضا ، ولذلك لا أحد يستغرب وهو يرى حديث أبناء مناطق صدام الذين يظهرون على الشاشات الفضائية العربية هذه الأيام بأنهم ما زالوا يكيلون له ذات الألقاب والصفات السابقة ، وكأنه لا يزال ولي نعمتهم وصاحب خبزتهم ، وما زالوا يذهبون إلى قصوره ، وما أن يعلنون عن انتماءاتهم العشائرية أو الجهوية حتى تفتح لهم الأبواب ويستجاب لطلباتهم بمحض نهاية الخطاب ، أما إذا حضر (الشروقي ) فلا حاجة بنا إلى معرفة الجواب .. والسادة الجدد الذين تشظوا إلى (صداديم) يمارسون الحالة فيلتقون شيوخ العشائر ويمنحوهم مكافئات الولاء ليس بالدينار العراقي كما كان يفعل السيد الرئيس ، بل بالدولار هذه المرة ! مبارك لأهل الهوسات والدبجات!!
ويبدو في هذه الأيام أن هذه الخطوط يحاول بعض المعنيين بها من السياسيين العراقيين الجدد التقليل من شأنها ، لأنها من مخلفات النظام الديكتاتوري السابق الذي لم يكن يفهم كثيرا طبيعة الشعب العراقي ، ولم يحسن كيفية توجيه ولاءاته ؛ فلنعلن أننا ديمقراطيون ليرضى عنا العم بوش والسلام ، أما ما يحدث بعد ذلك فبسيط جدا : نضع مزيدا من الخطوط الحمر ، أوليس العم بوش وضع مزيدا منها لمكافحة الإرهاب ، وأنشأ وزارة للأمن القومي ؟ فلماذا يحرم علينا نحن الإعتقالات العشوائية وثقب الآذان بالدريل و( الفلقة) واستعمال الكيبلات ؟ وهاهي غوانتنامو خير شاهد .. و كانت أجهزة صدام تفعل ذلك وهي دكتاتورية ونحن نفعل ذلك في ظل مكافحة الإرهاب والديمقراطية : هنا الفرق العظيم .. والبون الشاسع لو تعلمون .
ولا أدري هل أن هذه الخطوط الحمر سوف تعود إلى عهدها السابق مباشرة بعد رحيل آخر جندي أجنبي عن العراق أم أننا سنحاول إبعادها عن أنوفنا قليلا قليلا بعد أن كادت تسدّ الخياشيم والجيوب الداخلية ؟ ويحاول بعضنا أن يضع لنا خطوطا حمر هنا وهناك من عندياته ، وأن يوجد لها نوعا من الرسوم الجديدة ، ويضفي عليها ألوانه الفريدة ، ولا يهمه بعد ذلك أن يموت الناس من الاختناق أو من الكبت الداخلي ؛ تماما مثلما كان عليه وضع ديكتاتورنا السابق الذي أحصى على العراقيين أنفاسهم وحسب لكل واحد منهم خطواته ، وعمل بلا كلل أو ملل على ترسيخ خطوطه الحمر والسود والبرتقالية و(الكلكلية) كما هي لهجة البغادة الأصلية ؛ ولذلك لم يجد له ـ السيد الرئيس ـ ناصر ولا معين هذه الأيام إلا من أولئك (النفر الضال) الذي كان يجد تنفسه من خلال الخطوط الحمر وحدها .ولسوف لن يجد اولئك السياسيين العراقيين الجدد لا ناصر لهم ولا معين إلا من أولئك( النفر البغيض) الذين يزينون لهم العنف والقتل وسيلة لإنهاء المعارضين .


خطبة في شهر ليس فيه جمعة!


وما الديمقراطية – في أصلها وفصلها - إلا بدعة غربية بيزنطية أعاذنا الله وأنتم منها, وهي من البدع التي تمّ تصديرها إلينا بعد أن بارت بضاعات الغرب الكافر الصليبي في الاشتراكية والقومية والشيوعية والأروشيوعية والحداثوية وما بعد الحداثوية والعولمة والكوسموبوليتية! وغيرها من الدعوات الماجنات الداعرات المهلكات للبدن والروح؛ صغيرة وكبيرة. تلك الدعوات المارقات عملت على تدبيجها (القوى الخفية المعادية للعرب والمسلمين) من( دهاقنة الماسونية العالمية، واحبار اليهود الجدد)؛ وما ادراكم بما يخطط اليهود لكم ليل نهار؟
وهي ( مغراطية ): شرّ مستطير، وإفك كبير، وتفريق للأمة خطير. فاتعظوا أيها المسلمون من التحدي الداهم، والخطر القادم، وتسلحوا بالوحدة، وتحصنوا بالكلمة الواحدة والطريق الواحدة، والنظرة الثاقبة الواحدة؛ ففي الواحدة الخلاص، ومنها النجاة، وهي المحجة البيضاء ما دمتم من ابناء الواحدة؛ وإياكم إياكم ان تفرق بكم السبل؛ وتتشتت بكم الدروب وتحيدون عما ورثتموه من الآباء والأجداد واجداد الاجداد من سلفكم الصالح وهديكم الفالح، وما دعوا إليه من الوحدة والمنعة والإجماع على أمر واحد؛ بعد الهدى..فكونوا على لون واحد وفكر واحد وهدف واحد. وعلى حدّ قول الشاعر العربي: كونوا واحدا وتوحدوا فإن لكم في الواحد واحد! ( تصفيق حاد) هههههه! شبيكم ! أيها المسلمون التصدية( التصفيق) حرام وهي عادة جاهلية.. اما مصافحة النساء فهي الشيطنة بقضها وقضيضها!
يا أيها المؤمنون! يا من تقولون أن ليس ثمة إلا طريقة واحدة: أعلموا وعلّموا وبلغوا وأدعوا!!
يصرّ بنو الأصفر الملعونين على توريد هذه (المغراطية) المستوردة، ولغاية في ذواتهم ( المغراطية) المعلبة علامة (بوش) من وجه و( كوندي) من وجه آخر،ولهدف واضح في نفوسهم، وغرض في خططهم ومؤامراتهم التي بات يعرفها القاصي والداني من أهل الجهل والعلم. (المغراطية) طرقاعة حلت على رؤوسنا - يا اخوان - لتفريق شملنا وكسر وحدتنا والحيلولة دون لملمة شعثنا في هذا الزمن الاهوج والسفور الأبلج. جاءوا بها لنا هذه(المغراطية)، لنا وحدنا فقط، والله هم ليسوا مغراطيين البتة، لنا وحدنا، بسسسسسس!، من دون الخلق، لخلق الفتن الطامات، وإذكاء المحن السامات، وإفساد النفس والبدن وكلما هو آت آآآآآآآآآآت. فتنبهوا واستفيقوا أيها المسلمووووووون! هل شبعتم من الخبز ام الصمون؟ وهذه المغراطية هل هي كيك ام مايونيس ام معجون؟ إنها ضحك صراح على الذقون، فتنبهوا ايها المؤمنوووووون!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا نكون دائما أولئك المشترين الدائميين لما ينتجه الغرب الفاجر، والصليب العاثر؟ أو ما يعلن عنه من حين لآخر؟ أما يكفينا ما تعلّمناه منه من ركوب السيارة والطائرة و(حصان إبليس) بنوعيه الهوائي والناري؟ وما جاء لنا بتلك القنوات الخلاعية الداعرة الفاجرة الساخرة المسخرة ؟ ها؟ والله هذا لن يكووووووون!
لقد أنار الغرب شوارعنا بالكهرباء، وحرمنا من تراث الأجداد في استخدام الفوانيس والمشاعل واللمبات والسراجات وحال بيننا وبين متعة شمّ الدخان الأسود والنوم مبكرين؛ ياله من غرب لعين لم يبق لنا أي شيٌ من متع الخيام المتهرئة ودور الطين والقصب التي ورثناها عن أجدادنا السوباريين والسومريين والعدنانيين والقحطانيين والساميين و اللاساميين والجمنداريين!اتحدى الغرب ان يعرف من هم الجمنداريون! مازلنا ولله الحمد والمنة نحتفظ بأسرار اجدادنا ولن يعرفها الغرب أبدا لكي يصنع منها أسلحة أو طائرات؟ من أول طيار في العالم؟ هآآآآآآ؟ هو جدكم أبو سعفه!!!!
وليت نابليون بونابرت الماسوني المتعجّرف لم يقم بحملته على مصر الكنانة, ولم يكتشف (حجر رشيد) ولم تحلّ رموز اللغة الهيروغليفية، ولم تنشأ مطبعة (بولاق) من بولاق بدأ النفاق والشقاق.. ونشر الاوراق.. وفي حل حروف اللغة الهيروغليفية عرف الغرب كلّ أسرارنا التي نمنا عليها آلاف السنين؛ الغرب الكافر الملحد الزنديق الذي أخترع السينما و التلفزيون والسيدي والكومبيوتروالرسيفر والدي في دي! ونانسي عجرم!! أعاذنا الله من انفها، أجل، الغرب الذي أصبح قبلة جمع غفير منا. والنقال هذا الاختراع البطال الذي أفسد البلاد و العباد – القوا جميع النقالات إلى النار- فهو يظهر النساء بلا حجاب ولا حياء!.. ألا فلتحل اللعنة على هذا الغرب الملعون من الآن إلى يوم معلون!
ولكن لا بأس في الثلاجة في الصيف، أيها المسلمون، فهي من (المباحات) لأن الماء الحار يشوي الصدور، وكذلك التكييف المركزي وغير المركزي فهو مباح أيضا( وين نروح من جهنم الصيف اللهاب؟) لأنه يبرد الجسم وينعش الدم. وهو كما تعلمون من نعم الخالق علينا فيذكّرنا بجنته الموعودة ـ أدخلنا الله وإياكم إليها قريبا بعد مفخخة! ـ و لا بأس بالتكييف لمن استطاع شراءه، ولا بأس ابدا من تداول أموال (الكافر الحربي) وكنزها والمضاربة فيها: الدولار حلال بلال يامسلمين.. مادام في (الجهاد) له رنين.. أما من لم يستطع شراء مكيف فعليه بالعاقول، يبلله بالماء فيأتي ببارد الهواء الرباني الذي تربى عليه أجدادنا فازدادوا خشونة وتجمّلوا صبرا, وهو أولى لو أردتم النصيحة لأن جميع أمراض العظام ناتجة عن أجهزة الغرب المصدّرة إلينا.
وأما إذا أردنا الأجمال لا التفصيل: فاعلموا وعوا وإذا سمعتم امرا فاندفعوا: أن أشدّ المخاطر علينا منذ الحملة الصليبية التاسعة وحتى يومنا هذا كمنت في ضياع الكتاتيب واختفاء طبقة المعلمين الملالي المساكين أولئك الذين صنعوا الرجال الرجال بالعصا والفلقة وليّ الآذان والسطرات على القفا، فأدّبوا أجيالا و علّموا أجيالا ممن لم يعرفوا من أمر دينهم ودنياهم إلا السيف والقراع، وحفظ ما يتيسّر من الكتاب، فلم يظهر أيا من التلاميذ عنادا, ولم يحجر عتادا إلا ما ندر؛ أولئك كانوا للغرب ندّا ورماحا مطاولة، ففتحوا بلاد الأندلس ـ التي سنقوم يوما ما بفتحها من جديد بأذن الله!أسمعي يامدريد نحن آتون بالمفخخات! ـ أولئك حاصروا القسطنطينية حتى فتحت لهم أبوابها وذلت أسوارها؛ فما الذي قمتم به أيها الديمقراطيون الخلاعيون المخنثون هآآآ؟ وأنتم يادعاة حقوق الإنسان تريدون للإنسان ان يكون إنسانا غربيا ينام عاريا في الشارع وعجيزته للهواء مووووو؟ والله هذا لن يكووووون!
أنتم ممن تأتوننا بعلب الأفكار المستوردة الفاسدة الآن!؟! وما حاجتنا إليها ما دامت تعمل على إطالة الألسن على ولاة الأمور، وتفسد الصدور وتوغرها؟ هذا الذي تقولون عنه: الصراع الطبقي؛ وما نحن بحمد الله إلا طبقة واحدة وامة واحدة ذات رسالة جامدة. وأولئك الذين يدعوووووووون إلى التدقيق في مصاريف الأمراء والوزراء ورؤساء الوزراء والروووووووووؤساء والملوووووووووك! لأقولنّ لهم ماذا تريدون؟ أليس حاكم غشووووووم خيرا من فتنة تدوووووووم! هذا ما درج عليه الاجداد وما كان عله سلفنا الأماجد؛ ام تريدون التغيير وتداول السلطة (دا بعدكم وبالشلوت!) كما يقول أهل الكنانة..
وهذا السؤال المقرف الذي تعلمناه من الغرب الكافر: من أين لك هذا؟!!شفافية شفافية! الشفافية حرام لأنها تظهر الجسد! والاموال كلها من نعم الله على خلقه، وهو يقسم الارزاق؛ وهذه عطايا من الله اعطيت ورزق منه؛ فلماذا الإصرار على التدقيق في أرقام ولاة الامر و حساباتهم السرّية و العلنية التي أأتمنهم عليها الله والأمة ؟ حتى أن بدعة (المغراطية) هذه لم يرد فيها نصّ صريح ولا حديث متواتر صحيح، ولم ترد على لسان أيا من السلف الصالح، او الطالح. فلماذا يصرّ عليها المسلمون في هذا الزمن؟ لتسقط الديمغغغغغغغراطية! البدعة الصليبية!
الديمقراطية ـ أيها المسلمون ـ تكشف المستور وتدعوا إلى (السفور) وعظائم الأمور، وهي الفتنة الدائمة بعينها والبدعة الآيلة إلى الزوال بديدنها، فلا يغرّنكم بها أحد، ولا يغرنكم بالله الغرور؛ الغرب الفاجر في هذه الحملة يروم تشكيككم بدينكم، وبولاة أموركم الذين ينبغي لكم إطاعتهم ولو كانوا فجرة أو قتلة أو جهلة أو من ابناء البوالات على عقبيها، أو ممن ينفقون الملايين من الدولارات على الموائد الخضر، أو كانت لهم ضياعا طويلة وعريضة في زراعة الفستق !، أو ممن حفروا لكم الآلاف من المقابر الجماعية ـ وهذه الأخيرة من أشدّ بدع الغرب خطورة إذ لاوجود لها على الإطلاق على سطح الارض في أرض السواد، وما يظهر لكم من عظام هي دعاوى سينمية من بدع السي أي أي.. ما هو إلا جزء من حملة صليبية جديدة، فتنبّهوا واحترسوا من دعاة الديمقراطية هؤلاء, وواضعي الدساتير الوضعية، الوضيعة، وحقوق الإنسان: هذه البدعة العظيمة والنازلة الكبرى : لتسقط حقوق الإنسان وعاشت حقوق ولاة الأمووووووووووور!
وما حاجتنا للحقوق ونحن اهل الحق كله؟!! والحريات الفردية والجماعية والتظاهر والتجمهر وحرية الاعتقاد: هذه الدعاوى باطلة زائلة بإذن الله. واقول لمفرقي الجماعات من هذا اليوم وحتى قيام الساعة: لن تنالوا منا غير السيف!!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، أما هذا الذي يقول بأن الديمقراطية (حاجة ضرورية) للمسلمين المدعو رياض اللاأسدي فإني أقيم عليه الحدّ الشرعي في نشر البدع وإثارة الفزع والخروج على ولي الأمر وليس له منا إلا السيف والسنان والسيارات المفخخة وعلى الطريقة الغربية أيضا.آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين! وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين ناصر المؤمنين وخاذل الضالين المضلين.

ونحن من يحاكم جنجويدنا؟


بعد ان خبت الاخبار عن الجنحويد عادت لتتصدر التايتلات من جديد. فكثر في المدة الأخيرة الحديث عن سلاحف الجنجويد، تلك القبائل المسلحة التي كانت الحكومة السودانية تستخدمها لقمع السكان المحليين في أقليم دارفور غرب السودان على نطاق واسع . وشرع ـ بالطبع ـ المهتمون بالأنساب العربية( النسابة من المرتبطين بمؤسسات حكومية أو غير حكومية وممن يضعون أسماء قبائلهم على مواقع في الأنترنيت تحت عنوان : أعرف نسبك) وكذلك المعنيين بدماء الأمم النقية (الأنثروبولوجيون العرب الجدد) الذين وضعوا (جداول) لهذه القبائل الأفريقية شبه البدائية؛ وهل هي من أولاد عدنان أم قحطان أم صمخان؟وصمخان هذا الاخير لن تجد أيا من كتب النسب تشير إليه لأنه جدّ جميع الديكتاتوريين العرب في هذا العصر..
وما زال الانثروبولوجيون العرب البحاثة يرون أن نسل (صمخان) لأحد الأجداد الأعلين، هم من بقايا العرب الغابرة ( طسم وجديس والعماليق) أو من العرب العاربة أو العرب المستعربة ، أو العرب الهاربة أيضا: وهذه الأرومة الأخيرة ولدت في عصر النهضة العروبية الناصرية منذ عام 1967ما بعد الهزيمة.. بعد أن ضاقت بهم بلدانهم فهاجروا إلى شتى أصقاع الأرض لنشر رسالة الأمة ( الخالدة) بين أمم وشعوب العالم في كيفية الاستعاضة عن "الماينيس بثريد البدو"، وليس للبحث عن لقمة الخبز التي أصبحت في خبر كان في بلدانهم الغنية! يا للعرب الهاربة التي تحمل لواء الأمة في عقر دار الغرب، وتصول وتجول، ثم تعود إلى أوطانها على ظهر دبابات معازيبهم .. هكذا هو النضال القومي وإلا فلا .. فأين الجنجويد العرب الأشاوس من كل هذا ؟!
والجنجويد في القاموس السياسي العروبي الحديث تعني (الجن الذي يركب جوادا) حسب التحليل الفيلولوجي للمصطلح، وهذا دليل كاف على أن تلك القبائل عربية نقية خالصة مادام قد حضر في نسبهم الجواد والجن وكلا المكونين من التراث القومي العربي الأصيل كما يعرف ذلك القاصي والداني من علماء الموروثات العروبية الزاحفة والطائرة. وهؤلاء الجنجويد من المدافعين عن الوطن السوداني وعروبة السودان والحكومة البشيرية الرشيدة والعاصمة الخرطوم العتيدة، وهم ليسوا قتلة ولا سفاحي دماء هذه من دعايات الغرب الأمبريالي الكافر وما اكثر دعاياته ضدّ الإسلام والمسلمين..
وأما أولئك الذين رأيتم في محاكم الخرطوم ممن أوغل في القتل من الجنجويد, فهم من المغرر بهم الذين لابد من معاقبتهم ليظهر البشير بشارته في تحقيق العدل السوداني. ولولا وجود الأمم المتحدة وضغوط الدول الغربية المارقة لما أخرجهم المشير البشير على شاشات التلفاز قط، ولاستمروا في أعمالهم الجنجويدية إلى يوم يبعثون. فالويل كل الويل لهذا الغرب الرأسمالي الذي يكشف المستور ويخرج لنا من هم في القبور الجماعية ، وينشر الغسيل الأسود للعالم .
وبما أن الجنجويد من العرب الصليبة الأقحاح، وهم مازالوا يستعملون الخيول والجمال في القتال إلى يومنا هذا، فقد آن الأوان لكي نبحث جديا في جذورهم القومية وفروعهم القبلية وعما إذا كانوا من (بني عبس) مثلا، وأن جدهم هو عنترة الشاعر الأسود وبلا منازع .. ولكن بعد البحث والتمحيص والتدقيق ظهر لنا بان لأبناء عمومتنا الجنجويد اليعاريب كل الوشائج العميقة بنا نحن أبناء العروبة، وهم (حاميون أصلاء) ولو قيض الله تعالى ( للقائد الهمام سبع البورمبه بطل الجنجويد) وأن يفكّ أسره لجاء بهم إلى العراق العظيم، وأودعهم إحدى محافظاته للسكن فيها، بدلا عن اولئك الشيعة المارقين الذين رفعوا السلاح بوجه القائد الهمام عام 1991 ثمّ لمنح محافظتهم اسم (صدامية الجنجويد) تيمنا بأفعال هذه الفئة المدافعة عن عروبة السودان، ولمنح كلّ جنجويدي غيور (شرف العضوية) وشارة أم المعارك ونوط شجاعة (أبو سميرة)، مع نوطي استحقاق من الدرجة الاولى، ولكن ما شاء الله كان ..
ومع ذلك فإن مقتضيات ( الأمانة العلمية ) تحتم علينا أن نكشف - لأول مرة -عن (العلاقات والروابط التاريخية ) التي تربط الجنجويد بالعراق حصرا، لأنه موطن العرب المستعربة الأول من جدهم إبراهيم الخليل الذي تحدّر من أور في جنوب العراق إلى أحمد محمد قباني القاص السوداني السامق وصاحب الرواية الكبيرة (السبع يضحك) ولا أدري يضحك علينا أم عليه،لكنه يضحك، ومن الصعب أن نوجه لـه أسئلة كثيرة الآن على أية حال ..
وهكذا فإن المختبرات التاريخية أثبتت: إن من أولى مظاهر الروابط التاريخية بالجنجويد العراقي هم (الحرس القومي الفاشي) فما قامت به تلك الميليشيات العروبية المسلحة من أعمال جنجويدية عام 1963هي أبشع وأعم مما يقوم به الجنجويد اليوم في السودان .. ولكن الفارق البسيط يكمن في مسألة واحدة وهي السيد الغرب (الولايات المتحدة وبريطانيا: الجبت والطاغوت ) كانا هما اللذان عملا على دفع الروح الجنجويدية في تلك المجموعات من القتلة المحترفين للإطاحة بالحكم الوطني في العراق عام 1963 فسبحان مبدّل الأحوال !!
كما أن الروح الجنجويدية ما تزال تفعل أفاعيلها، وتدقّ أجراسها، في سماء العروبة الرحيب، فقد كان ( الجيش الشعبي ) جنجويديا قلبا وقالبا، وكذلك (جيش النخوة) و (جيش القدس) و ( فدائيو صدام) وميليشيات الأحزاب الحالية هي من أشدّ الفئات جنجويدية على العراقيين وهلم وجرا .. والقائمة طويلة جدا حتى ان احد العارفين بأعمال الجنجويد لدينا أعلن بانهم على استعداد لقامة دولة جنجويدية خالصة علمها الجن والحصان.. وما يقال عن الجنجويد في السودان يصح أن يقال فيه أيضا في جميع الميليشيات التي أودت بلبنان عام 1975 وحتى اتفاق الطائف.. وما حدث بعده.. الذين قبلوا والذين لم يقبلوا به.. كلهم جنجويد حقيقيون.. إنها الروح الجنجويدية العارمة و الرغبة بركوب الجن على الجواد دائما! وليس بالضرورة أن يكون موطنها دارفور .



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان إلى (بلابل جنجون
- الاواني المستطرقة
- أدب الحرب العراقي:كتابات إنسانية ام اكذوبة حكومية؟
- دراسات في الفكر الوطني
- الأوتجية واللوكية
- سياسات دمقرطة الشرق الإسلامي،طروحات الولايات المتحدة حول (ال ...
- شعارات القطيع الاسمنتية - سياسات إفراغ المحتوى الإنساني- الع ...
- توماس فريدمان: قناعاتنا الأميركية بازاء عالم متغيّر
- الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية
- قراءة في كتاب ( علي ومناوئوه) المنهجيتان العلمية والتقليدية
- الليبراليون العراقيون: طريق غير ممهّدة وسير متعثر
- تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - رياض الأسدي - ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل