أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - رياض الأسدي - الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟















المزيد.....


الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1479 - 2006 / 3 / 4 - 09:42
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لمناسبة إعلان بعض الكتاب العراقيين التوقف عن الكتابة:
عندما قرر احدهم ان يكون كاتبا، وأن تكون هذه الصفة هي العلامة الوحيدة الملازمة له، قيل له وقتذاك: عليك باختيارك لتلك المهنة ان تكون جاهزا دائما لتحضير "بطانية ومخدة" للذهاب إلى السجن.. وان تكون علاقتك بالروافين وبائعي البالات جيدة، لأنك لن تجد لباسا يغطي عجيزتك بعد هذا الخيار.. هذا ما كان يحدث عادة في عهد أنظمة ما قبل صدام، اما في عهده القومتي البطولي، فأنت لن تحتاج إلى بطانية، ولا إلى وسادة، ولا إلى محام لا هم يحزنون؛ لأنك سوف تشرف دوائر الامن بالنوم على الاسفلت وحده، ولن يعرف مكانك احد ولا التهمة المنسوبة إليك، ولن ينجو من القسوة أقرب الناس اليك أيضا: هذا ما ستناله حينما تقرر ان تكون كاتبا في زمن طاغية من طراز خاص. كما وإنك لن تكون بحاجة إلى بائعي البالات ولا روافين لأن الشعب كله سوف يتوجه إليهم.. ولله الحمد والمنة من قبل ومن بعد.
وفي عهد النظام السابق، كانت ظاهرة التوقف عن النشر لدى عدد من الكتاب حالة طبيعية ومناسبة ومشرفة في الوقت نفسه بالنسبة للكتاب المستقلين سياسيا، بسبب تركيبة النظام الشمولي حيث تهيمن سياسة الاصطفاف والتشابه والاصطباغ ويمينا تراصف.. وقد تستمر حالة التوقف عن النشر سنوات عديدة ومتواصلة احيانا، فتصل حالة التوقف تلك إلى نوع من الانتحار الكتابي أيضا. وخاصة لاولئك الكتاب الذين يجدون في الكتابة تنفسا يوميا. ولذلك تجد ادراج الكتاب مليئة بالقصص والروايات والمسرحيات ومشروعات الفكر وغيرها من الوان العمل الأبداعي الأخرى في عهود التوليتاريا.
وبعد ان عضت انياب الحاجة الجوع والعوز اولئك الكتاب الذين لم يبيعوا أقلامهم إلى الحكومة الغاشمة او حكومات المحتل الآن، توقفوا، على مضض، عن النشر.. ربما.. اما عن الكتابة فذلك هو الموت نفسه.. هم لم يتوقفوا عن الكتابة قطعا لكنهم توقفوا عن النسغ الصاعد؛ تأكلهم أفواه الحسرة والالم واليأس، بعد ان بدات كلّ المؤشرات تشير إلى دخول العراق في خانق هو اسوأ من خانق صدام بكثير. ولله الحمد والمنة!
هذا الخانق لن يبقي ولن يذر، وربما تحول العراق إلى مرجل يغلي بالطائفية والعنف والموت في آن. والكتاب الوطنيون المستقلون - بامانة- هم اكثر فئات " القطيع الإنساني العراقي" حساسية في هذا المجال. وبالطبع هم لا يرضى عنهم اولئك المتنمرين والسراق والقتلة والمهربين ممن يلبس بعضهم جلد السياسي. فيهددون الكاتب تارة او يقتلونهم اخرى إن لم يصمتوا او قد يطلبون منهم مغادرة وطنهم أيضا - تصوروا!! كما حدث لأحدهم اخيرا ...... وعندما رفض ذلك قتلوه في الظهر الاحمر..
قسم من اولئك الكتاب المستقلين حلوا مصيبتهم الكتابية بالتوجه إلى الدراسة أوالدراسات العليا منذ عهد النظام السابق، فأصبحوا يحملون دالات - من امثالي!- وهي دال غير دالة وطارئة عليهم فصفة الكتابة هي الباقية أبدا. وقسم آخر - وهو السواد الاعظم منهم- ترك الكتابة لأهل الكتابة، ورضي بقسمة الله والانظمة الدكتاتورية. وما زال متفرجا يلعن الكتابة والكتاب والأسهاب والاطناب والناس اجمعين، بعد ان فقد السيطرة على حروفه وكلماته وهو يراها صرعى قتيلة على طريق الحرية الفكرية. فيضجّ في كلّ وقت كلما وجد سانحة لرصف قاموس اللعن لمن علّم الناس سلوك درب الكتابة الوعر.. والمميت .. وما يوم الصحفي اللبناني سمير قصير ببعيد..
الكتابة لا تغيّر العالم، هذا صحيح، لكنها تجعله على اية حال أقلّ رهبة وهمجية، وتمكن الإنسان من العيش فيه في الأقل. هذا مالم يفهمه أي أرهابي من ماركات مختلفة ودمغات صنع في مخابرات دول مختلفة.. أيضا.
والكتابة هي حالة - لعمري- في منتهى الفضح للأنظمة القمعية التي تفترض ان يغتسل الجميع بصابون أسود واحد علامة الحزب الواحد او الرئيس القائد او الأغلبية النيابية أيضا. بيد ان المسألة تصبح جد خطيرة لدى كتاب الشأن السياسي الداخلي او الدولي على نحو خاص إذا ما اختاروا عدم الأرتباط بهذه الجهة او تلك. فأولئك إذا ما توقفوا عن الكتابة أيضا لهذا السبب او ذاك فهذا الامر يعني أنتحارهم الشخصي أو الكتابي بلا ادنى شك. وحينما تجد الكتاب السياسيين يتوقفون عن الكتابة، فثمة خلل كبير في النظام السياسي الجمعي، وثمة نقص خطير في الدستور أيضا.
والكتاب السياسيون freshقد يطرأ هامش التاريخ على مقالتهم السياسية بسرعة بعد أسبوعين او ثلاثة من كتابتها بسبب المتغيرات الدائمة للعالم والاحداث المتلاحقة مثل (مطر اللوز) فيه. وهم من اكثر فئات "القطيع الاجتماعي" ضرورة في تكوين الرأي العام. لكن المستعرقين السياسيين الجدد- حفظهم الله ورعاهم جميعا!- في العراق ما زالوا يظنون أن ليس ثمة رأي عام فيه! وكأننا شعب جئنا من جوف العصور الوسطى، ولأن العراقيين مجرد "قطيع جواميس" ينعق مع كلّ ناعق، ويهوس في كلّ شارع، ويصيح مع كلّ بائع! ويمكن قيادته بسهولة؛ ولأنه محض "قطيع صالح للذبح على الطرق الإسلامية" لا يقرأ جيدا، ولا يقرأ كثيرا، ويراد له ان لا يكتب أيضا، او يكتب له من غيره من كتبة الحكومة عرضحالجية السيد المحتل أبو سامي الوردة السوداء!
والكتاب الحكوميون في جميع أنواع الانظمة لا يتوقفون عن الكتابة إلا لأسباب مرضية.. إنهم موظفو دولة من طراز عثماني.. كتبجيه أو باش كاتب او رزامين(*) كما هو النظام الإداري في العهد الملكي.. اما الآن فقد أضيفت إلى هذه القائمة- من الرزامين الجدد- اسماء جديدة من كتبة صحف الاحزاب والطوائف والجماعات العرقية و الطائفية و الجهوية، وكذلك الأهم كتبة العم (أبو سامي) من (عرضحالجية) المحتل الوسخ. اولئك كتبة "حكوميون متمرسون" أيضا لكنهم قطاع خاص.. بورجوازيو الكلمة..هم لم يأتوا إلى الكتابة من جغرافية الكتابة نفسها؛ بل من جغرافية الانتماءات الزرق ورق!
كان بعض الكتاب المستقلين او اليساريين في العهد (الصدومي) السابق تصدر بأسمائهم قائمة - كما تناهى إلى سمعي!- من ما يعرف "بمكتب الإعلام القومي" للحيلولة دون الترويج لأعمالهم في الصحف أوالمجلات الحكومية آنذاك. إنهم يحكمون عليهم بالموت البطيء. واليوم لا حاجة بهم إلى تلك الطريقة ابدا: تكفي طلقة واحدة في الشارع. ولذلك تجد الكتاب المستقلين قد شدوا الرحال إلى خارج العراق من جديد في موجة هجرة بسبب ظروف المناخات السياسية وبعد ان أصبحت قلوبهم قطعة متفحمة لأنحدار الوطن إلى الهاوية.. من يوقف انحدار الوطن إلى الهاوية؟ نصائح العم جورج بوش إلى سياسيي العراق الجهابذة؟
ياله من انحدار مروع وتافه!
ترى من يحمي الكتاب من الاهوال التي تصادفهم؟ او تصدف عليهم أيضا؟ الجواب: لا احد طبعا. لأن الكتاب زائدون عن الحاجة الاجتماعية والسياسية ويمكن الحصول عن بديل لهم دائما من سبير بارت مخزن العرضحالجية، وهم قطع مشاغب بكلّ ألوانهم واشكالهم وأنواعهم حتى وإن عملوا مع الحكومة.. او مع هذا الحزب العبقرينو اوذاك: جراء كلبة لا يحسنون إلا العواء!. وهم لا يرضون عن أية حكومة مهما كانت، وهم هم من يلوث المناخ بالكلمات وليس عوادم السيارات، وهم هم من رفع درجة حرارة الارض وليس فتحة الاوزون.. فعلام الزئير إذا؟ ولم الصراخ؟! كاتب و"بطّل" قابل وزير نفط وقدم أستقالته؟! أشخبصتونا؟!! اطوار بهجت قتلت أشخبصتونا؟!! قابل هي كوندا ليزا رايسَ!!!!
والكتاب على العموم يقسمون إلى نمطين: كتاب محترفون يكتبون بشكل يومي تقريبا في مجالات تخصصهم الكتابي ككتاب السياسة والصحافة اليومية والأعمدة الصحفية المختلفة. وكتاب محترفون أيضا، لكنهم يكتبون من حين لآخر كالشعراء والقصاصين وكتاب المسرح والنقاد واولئك ينشطون في الصحافة الثقافية خاصة. وكتاب من طراز آخر ينقلون الحقيقة كمراسلين ..إنهم كتاب أيضا!
وكان صدام قد تنبّه إلى خطورة الكتاب وتأثيرهم على "الرأي العام" امنيا. ومن الخطأ الفادح ان نظن بان النظام السابق كان مجرد نظام دموي فقط، بل كان يعمد إلى كلّ وسيلة ممكنة لإبقاء الحالة الامنية مستقرة من وجهة نظره. ولذلك فقد عمد إلى أستدعاء كتاب وصحفيين واكاديميين وأكرمهم للعمل لحسابه؛ وقد عملوا جزاهم الله خيرا! ثم ان صدام قد خصص "رواتب" للكتاب حتى ان راتب الجواهري الكبير كان الف دينار! كما هي القائمة القديمة..
ومن الاخطاء الشائعة لدى معظم المعنيين في الشأن العراقي الداخلي وبعض الكتاب أيضا: ان الشعب العراقي هو شعب "سياسي" من أسفل قدمه إلى هامته، وان العراقيين يتعاطون "السياسة" كما يتناولون الخبز.. هذا الرأي شائع ومتداول منذ عقد الخمسينات تقريبا. ولو اجرينا فحصا علميا في نسب (القصدية والاهداف) من التداول في تلك الاحاديث اليومية ذات الطابع السياسي للعراقيين، نجد انهم يناقشون المشكلات الحياتية المختلفة التي تواجههم أكثر من الشأن السياسي الداخلي او الخارجي؛ بل أن هذه الشؤون تفرض نفسها بحكم التدهور المتواصل للأوضاع العامة على تكوين الرأي العام الذي حاولت الانظمة الدكتاتورية على اختلاف أنماطها طمسه بهذا المقدار او ذاك.
كان التدهور الدائم الذي لحق بالعراق من الإستمرارية التاريخية بأستثنائية عالية وعلى نحو مفزع؛ فمنذ سقوط بغداد عام 1258م، وقبل ذلك بعقود أيضا، بدأ الانهيار العام والمطبق، ولم يتوقف إلا في سنوات قليلة فقط ؛ يمكن للمؤرخين العراقيين ألتقاطها بصعوبة من بين مئات السنين من الانحطاط والوهن والحضاريين. تلك حالة لم تجتح امة من قبل في العالم - على حدّ علمي- وكذلك اي شعب مجاور للعراق أيضا. والكتاب المستقلون سياسيا وغير المستقلين من الوطنيين يعرفون ذلك جيدا.
ووجد العراقيون نفوسهم "مستقلين" او "مراقبين" في أقل تقدير للاحداث العامة غالبا. وإذا ما استنفروا فإنهم يستنفرون بصعوبة بالغة. يمكن تفسير تلك الحالة من خلال العنت والقسوة والتهميش التي حظي بها العراقيون منذ عهد المماليك الكولمند بالتحديد بعد توليهم شؤون العراق 1750- 1868 فتكونت آنذاك قناعات محلية مختلفة شكلت اللاوعي الجمعي للعراقيين. فبات من الصعب ان تقنع العراقي البسيط بجدوى قضية عامة.. لكن العراقي يجد نفسه مندفعا جدا إذا ما وجد ثمة مصلحة خاصة له في تبني موقف ما.. هذه نتيجة طبيعية لعهود الانحطاط والتدهور. فالإستقلال لدى العراقيين مسألة تشوبها المصلحة الشخصية دائما.
بقي جلّ العراقيين من (المستقلين) حتى في عهد النظام السابق.. وثمة خطأ آخر يتداوله كثير من السادة "المستعرقين" الوافدين على وجه التحديد، حينما يذكّرون العراقيين بتلك الاعداد الكبيرة من المنتمين إلى حزب البعث السابق. يمكن في الواقع أن تجد الآن أيضا ثمة عراقيين وبكميات كبيرة ايضا يظهرون خلف احزاب وتجمعات وقضايا غير واضحة المعالم، وغير مهمة إلى حدّ كبير.. ربما من الصعب (سحب) عراقي إلى تظاهرة كما كان يفعل النظام السابق حيث تبدأ التظاهرة بعدة آلاف ثم تنتهي ببضع مئات أو عشرات احيانا عند المنصات المعدة للأستقبال.. من الصعب وضع العراقيين في "الحظائر الحزبية" مهما كان لونها.. لكنهم يزدادون حينما تظهر ثمة مصلحة ما فقط .
بعد سقوط النظام الصدامي عام 2003 عمل احد الاحزاب "المستعرقة" على محاولة تكوين قاعدة جماهيرية له. فلم يستطع كسب اعداد من الرجال الذين يأتون إلى بناية الدولة التي احتلت عنوة حيث ينظرون إلى اليافطة التي كتب عليها أسم الحزب وزينت بصورة مؤسسه في البداية.. وبعد ان أعلن الرجال الواقفون المكلفون بانشاء القاعدة الجماهيرية المزعومة - قسم منهم جاءوا من خارج العراق- امام مكتب ذلك "الحزيب" بانهم سوف يعملون على تعيين المنضوين إليهم في الدولة، ومنح ورقتين خضراوين من فئة المائة دولار لكلّ عضو (مفرغ) في "الحزب" قفز الرقم في الانتماء خلال شهرين إلى ( 12000) عضوا، وليتشكّل على نحو سريع بعد ذلك "مكتب عسكري" لتهريب النفط، والتسليب، والخطف، وسرقة الشركات والمؤسسات الحكومية. هكذا تطل المصالح الخاصة برأسها العفن دائما.
وعمل البريطانيون في البصرة - على سبيل المثال - على منح تلك "لاحزاب والحركات" حزم من قضبان الحديد بحجة بناء مقرات لها..!!! إنه الاسلوب الاكثر تطورا عن أسلوب حزب البعث الفاشي في كسب الناس من خلال تعيينهم كنائبي مفوّضين عام 1969- 1970 وكذلك القبول في الكليات التعليمية وحصرها على المنتمين للحزب الحاكم. لقد عمل "دهاقنة" البعث على أبتكار وسائل عديدة لمحاصرة حالة الإستقلال العراقية اقتصاديا وإداريا وحتى اجتماعيا لزجهم بذلك الشكل أو ذاك في التنظيمات الشكلية للحزب الحاكم. بيد ان الوسائل الجديدة فاقت تلك الاساليب البدائية بكثير من التكتيكات.. فكلّ الانظمة ترغب في كسر حالة الإستقلال العراقية التي هي رديفة للوطنية غالبا.
كان الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله يكاد أن يكون الوحيد الذي اخترق حالة الإستقلال المذكورة في السني الاولى من حكمه، حيث أصبح العراقيون جميعا تقريبا من المحبين له لأنه ببساطة حقق جزءا يسيرا من طموحاتهم بالعيش الكريم، ونفض غبار الفقر عنهم. فهل يدرك السياسيون العراقيون الجدد الدرس؟ ام ان القضية بقضها وقضيضها: يا وطن يا عراقيين يا بطيخ حمّل جيوبك وأشلع!
بالطبع أن السياسيين القدماء والجدد - على حدّ سواء- معنيين بكيفية سحب الجماهير العراقية المستقلة غالبا إلى صفوفها. لكنهم يفشلون ويفشلون.. فقبل الانتخابات الاخيرة جاءني من يخبرني من شيوخ العشائر بضرورة ان يكون معه عدد من الوجوه الثقافية والكتابية والاكاديمية لتزويق صورة قائمته الانتخابية ذات الطابع العشائري. وقال بالحرف الواحد: ان لديه (700) الف صوت هم من أبناء عشيرته.. وأنه سوف يجتاح كذا وكذا بهم، وان يده مليئة بحبّ أبناء عمومته له ودعمه لقائمته.. هل تعرفون كم حصل ذلك الشيخ بعد ذلك؟ حصل على أقل من ألفي صوت فقط! وذهبت فلوس الدعاية والهرج والولائم إلى لا شيء..
ثمة عاملان رئيسيان في تحريك حالة الإستقلال لدى العراقيين:
الاول: المال. وهذا وضع غير ممكن توفيره إلى عموم مانحي الاصوات عمليا، فضلا عن عدم ضمانه.
ثانيا: العاطفة العرقية او الطائفية او الجهوية. وهي محركات يحسنها اهلها طبعا.
ومن هنا فإن البرنامج الانتخابي ليس هو المعيار الأساس في العملية الانتخابية. وربما يحتاج العراقيون (من السواد الأعظم المستقل) إلى تجارب سياسية أكثر لتكوين مواقف جديدة تبدأ من طبيعة الخطاب السياسي المبني على البرنامج ونسبة تنفيذه الواقعية، وليس على الانحدار الاجتماعي.. وبالطبع فإن قوى المحتل لا تفضل إلا النوع الاثني السائد الآن لتغييب (التيار الوطني العراقي) الذي يضع في اولى اولوياته طرد المحتل من العراق، وإسقاط تلك الاكذوبة الدائمة والمشروخة بعدم تمكن العراقيين من تسلم زمام الامن في بلادهم.
ومن أجل (تأمين) حالة "القطيع" العراقية باتجاه الجزئيات وليس الكليات يجري تهميش القوى الوطنية التوحيدية والكتاب المستقلين الذين يشعرون بأنتمائهم إلى "القطيع" أولا. فالسياسيون المستعرقون غير معنيين برأي تروتسكي في زجّ جميع الجماهير في الحركة الثورية، او العملية السياسية كما يتم التداول بها الآن؛ بل هم يريدون من ذلك تحييد" القطيع" أولا، ومن ثمّ تحويله إلى عناصر "امنية" بالدرجة الاساس بدءا من تشغيل رجال العشائر في حفظ الامن، وهذا ما لم يحدث حتى في اكثر الانظمة إغراقا في التقليدية والرجعية، وانتهاء بزج الميليشيات في الاجهزة والإبقاء على ولاءاتها السابقة. على الرغم من ان زج الميليشيات لا يمكن بأية حال من الاحوال نزع ولاءاتها السابقة لأحزابها وحركاتها.. لكنها سياسة "تامين القطع" العنيف اولا.
ومن هنا تجد ان العملية الأمنية لا تسير إلا بخطى وئيدة إن لم تنتابها التدهورات العنيفة من وقت لاخر لأسباب داخلية واقليمية، لأن قسم كبير من الميليشيات التي زجت لتكون مسؤولة عن "الامن" مرتبطة بهذا الشكل او ذاك بمخابرات دول مجاورة. وهذه حقيقة يعرفها كلّ عراقي وكذلك قوى المحتل أيضا؛ لكن الاخيرة تعول عليها لأستمرار تدهور الحالة الامنية بغية تحقيق ركائزها في العراق وبناء قاعدة كاملة لحماية مصالحها فيه.
إنه الاسلوب نفسه الذي قام به النظام السابق في سياسة "ترويض القطيع" ومنع طرق التفكير عنه من خلال تهميش او قتل او تهجير القوى المحركة فيه من كتابه ومفكريه وشعراءه وصحفييه.. وتصفية اكاديمييه المؤثرين.. هل يريد المستعرقون في هذه المرحلة تكرار الاخطاء الصدومية السابقة؟ او لم يكتشفوا عمق الخسارة الفادحة التي لحقت بالنظام السابق؟ ولماذا كلّ هذا الخوف والتخوف من تحرر "القطيع" ؟ هل تخشى الولايات المتحدة صحوته نحو اليسار كما في دول اميركا اللاتينية؟ ام انها تخشى من تحوله إلى اليمين الأسلامي المتطرف كما في صعود نجم الاخوان المسلمين في مصر وفوز حماس الساحق في فلسطين؟!
تمتلك قوى الأحتلال مايكفي من تكتيكات لشراء زعامات محلية كرتونية تعمل لصالحها. ويوجد في الواقع ثمة ملفات كافية في هذا المجال ضد كل من يحاول التملص من ذلك. فالمحتل حينما يسمح "للسياسي" بالسرقة أو تهريب النفط إنما هو يسجل عليه الموقف المناسب لكي يستخدم ضده إذا ما حاول التملص من اداء واجباته المنوطة به لخدمة المحتل. ويقف العراقيون حتى هذه الساعة متفرجين ينتظرون الحلّ يأتي من الغيب؛ تماما مثلما جاء في حالة طرد صدام من القصر الجمهوري. إنهم "قطيع" مسكين لا حول له ولا قوة ولا يمكنه ان يفعلوا ما يمكنه من نفسه هل يريد الكتاب أن ينفضوا غبار القطيع منذ اكثر من ألف عام بكلماتهم التي ناكل عليها.. ونرميها في المزابل؟! كم هم واهمون أولئك الكتاب الذين ارتبطت اسماؤهم بقطيعهم والدفاع عنه. إنهم مستقلون بما فيه الكفاية مثلما هو قطيعهم تماما.
ولا ادلّ على استقلال القطيع السياسي من الأنهيار السريع لتنظيمات الحزب الحاكم السابق الذي عمل أكثر من ثلاثين عاما في العراق وبساعات قليلة عام 1991 ثمّ تكررت التجربة مع احتلال القوات الاميركية وبريطانيا في 9/4/ 2003 حيث لم تظهر وعلى مدى الأشهر الثلاث الأولى من الاحتلال أية معالم مقاومة مسلحة من تنظيمات ذلك الحزب المفروض على العراقيين.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على سقوط النظام, وظهور اكثر من 300 كيان وتجمع وتحالف سياسي، وغياب كيانات ورقية كثيرة، إلا ان العراقيين مازالت الغالبية العظمى منهم هم من المستقلين.. ومن الخطأ في الوقت نفسه النظر إلى تلك الشريحة الكبيرة من العراقيين على أنها غير معنية بالسياسة او مصير العراق في ظل الظروف والتحديات التي تواجهه. فاولئك العراقيون لهم وجهة نظر سياسية شبه موحدة - من وجهة نظري- تقريبا تتعلق بمصير العراق الواحد.. وان المسّ بتلك الوحدة ستكون الشرارة التي تفجّر مخزن البارود.. والويل كل الويل وقتئذ لمن يتجاهل ثورة القطيع من الحظيرة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) الرزام: صفة إدارية انتقالية بين العامل والموظف في سلسلة هيكل النظام الإداري العراقي. بقيت قائمة إلى السني الاولى من العهد الجمهوري الاول أيضا. ثمّ الغيت لعدم أهميتها. ومن الصعب تحديد المهمات الإدارية المنوطة بالرزامين غالبا.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل
- بيان إلى (بلابل جنجون
- الاواني المستطرقة
- أدب الحرب العراقي:كتابات إنسانية ام اكذوبة حكومية؟
- دراسات في الفكر الوطني
- الأوتجية واللوكية
- سياسات دمقرطة الشرق الإسلامي،طروحات الولايات المتحدة حول (ال ...
- شعارات القطيع الاسمنتية - سياسات إفراغ المحتوى الإنساني- الع ...
- توماس فريدمان: قناعاتنا الأميركية بازاء عالم متغيّر
- الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية
- قراءة في كتاب ( علي ومناوئوه) المنهجيتان العلمية والتقليدية
- الليبراليون العراقيون: طريق غير ممهّدة وسير متعثر
- تكرار فولتير،دراسة أولية في النظرية الأجتماعية الوردية


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - رياض الأسدي - الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟