أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - اللُّغْز














المزيد.....

اللُّغْز


طارق قديس

الحوار المتمدن-العدد: 5968 - 2018 / 8 / 19 - 22:46
المحور: الادب والفن
    


المسؤول سيئ المِزاجِ. دَخَلْتُ إلى مكتبِهِ لأوقع أوراقاً فَوَبَّخَني وأمرني بالمغادرة على الفور. خرجتُ مُسْرِعاً. أغْلَقْتُ البابَ خلفي. وَقَفْتُ قليلاً أتساءَلُ عن السبب والدَهْشَةُ تأكُلُ وَجْهي. فَكَّرْتُ. قَرَّرْتُ أن أسألَ مُديرةَ مَكْتَبِهِ - بِمُصطَلَحٍ آخرَ "السكرتيرة" – لَعَلَّها تَحُلُّ اللُّغْز.

إنها ذريعَةٌ مُقْنِعَة للحَديثِ مَعَها لثوانٍ، والتأمُّلِ في تفاصيلِ جَسَدِها المُلْتَهِب. فهي جَميلةٌ جِدَّاً، شقراءُ، غَليظَةُ الشَفتَيْنِ، مُكْتَنِزَةُ الثَّدْيين. لها مُؤخِّرَةٌ ذائِعَةُ الصيتِ لا تُضاهيها مُؤَخِّرَةُ ابن خلدون ولا حتى مُقَدَّمَتُه ! ولَعَلَّ دِقَّة التفاصيل تلك ما جَعَلَتْها تنالُ حُظْوَةً لدى الرُؤساء، مادِّيَّةً ومَعْنَوِيَّة، وجَعَلتِ الكثيرينَ يَسْعونَ للقائِها بداعي العَمَلِ زوراً وبُهْتاناً.

استجمعتُ قُوايَ. تَوَجَّهْتُ إليها. لم أَجِدْها. أجَلْتُ البَصَرَ في المَكان. هناكَ امرأةٌ أخرى تَقِفُ في زاوِيةِ الغُرْفةِ يَلُفُ رَأْسَها حِجابٌ أبيضُ، تَرتَدي قَميصاً فَضْفاضاً أزْرَقَ اللون، وبِنْطالاً أَسْوَدَ. لم أَرَ وَجْهَها بِوُضوح. ظَهْرُها يُحَدَّثُني أني رَأيْتُ هذا الجَسَدَ من قَبْل. إنْتابَني الفُضولُ للحديثِ مَعَها، لَكِنَّ أمْراً ما قَفَزَ إلى ذِهْني. تَذَكَّرْتُ أنَّ هنالِكَ اجتماعاً بَعْدَ قليل. نَظَرْتُ إلى الساعَةِ في يَدي. ولمَّا تَيَقَّنْتُ من ضيقِ الوقت غادَرْتُ المَكانَ على عَجْل.

الكُلُّ في المبنى يَتَحَدَّثُ عن المسؤول. "المسؤولُ ليسَ على ما يُرام"، " المسؤولُ غاضِبٌ جِدَّاً"، "المسؤولُ أَلْغى جَدْوَلَ أعمالِه اليوم"، "المَسْؤولُ في حالةٍ هِسْتيرِيَّةٍ". وأخيراً "المسؤولُ غادَرَ المبنى إلى مَنِزِلِهِ وعَيْناهُ تَرْمِيانِ شَرَراً". هذا غَيْضٌ من عِباراتٍ تَرَدَّدَتْ على مَسْمَعي. الكُلُّ يَتَحَدَّثُ عما شاهَدْتُهُ لَكِنْ بِطَريقَتِهِ، لَكِنَّ أَحَدَهُمْ لم يَقْبِضْ على السَبَب.

الإشاعات تَضْرِبُ المكان لَكِنَّ الحقيقَةَ مَجْهولَة. هناكَ من يقول أن السَبَبَ هو حَريقٌ دَبَّ في مَنْزِلِهِ، وهُناك من سَمِعَ أنَّ قرارَ إقالَتِهِ قد صَدَر، وآخَرُ يرى أن السِرَّ يَكْمُنُ في الخلافاتِ العائلية، وآخرون أكَّدوا أنَّ أنباءَ هَبوطِ الليرة التركية في البورصَةِ وَراءَ ما حَدَث !

عُدْتُ إلى مَكْتَبي. ألْقَيْتُ بالأوراقِ في الدُرْجْ. رَكَنْتُ إلى الكُرْسِيِّ، ثُمَّ أخَذْتُ نَفَسَاً عَميقاً. لم تَمْضِ بَضْعُ دَقائِقَ حتى دَخَل أَحَدُ الزُمَلاءِ وهو يَضْحَك. بدا أن هناكَ كَلاماً في فَمِه. سَأَلْتُهُ عما يُضْحِكُهُ، فَأَفَصَحَ أنه ما من شيءٍ سوى خَبَرِ تَعَكُّرِ مِزاجِ المسؤول، فالخَبَرُ هذا حَديثُ الساعَة. أكَّدْتُ لَهُ ما قالَ، وأخْبَرْتُهُ بما يُقالْ، وَهُوَ ما جَعَلَهُ يَسْتَمِرُّ في الضَحِكِ حتى كادَ أنْ يَخْتَنِق.

سَألْتُ عما يُضْحِكُهُ، فسألني إنْ صَدَّقْتُ أيَّاً من الإشاعات التي سَمِعْتُ. عَبَّرْتُ له عن عَدَمِ تَيَقُّني مما قيل. عِنْدَها باغَتَني بسؤالٍ ظَنَنْتُهُ انتقالاً لموضوعٍ آخر، "هل رأيْتَ سِكِرتيرَتَهُ اليوم؟". سَكَتُّ لِلَحْظَةٍ ثم أخْبَرْتُهُ أني بَحَثْتُ عنها ولم أَجِدْها، وَوَجَدْتُ مَكانَها أُخرى.

لم أكَدْ أُنْهي كَلامي حتى اتَّسَعَتْ مساحَةُ الابتسامةِ على وَجْهِهِ فيما هو يُؤكِّدُ لي أنه ما من أخرى في المَكْتَب. إنها هي نَفْسُها، كُلُّ ما في الأمرِ أنها تَحَجَّبَتْ !

ارتسمتِ الدَهْشَةُ على وجْهي. أخذتُ أعيدُ ما سَمِعْتُ في نفسي. بدأت ملابساتُ اللُّغْزِ تَتَّضِحُ شيئاً فشيئاً. فالسِرُّ مَرَدُّهُ للسِكِرتيرَةِ. وَهُوَ - بِبساطَةٍ - لم يَحْتَمِلْ حِرْمانَهُ من مُشاهَدَةِ مفاتِنِها كما في كُلِّ صَباح، ولم يَعُدْ قادِراً على رَدِّ مارِدِ الشَهْوَةِ في جَسَدِهِ إلى قُمْقُمِه. إنَّهُ عُواءُ المُتْعَة الساكِنُ فيه، يئنُّ تَحتَ وَطْأةِ الصَدْمَةِ، يُعَبِّرُ عن استيائِهِ مما حَدَثْ، يَرْفُضُ ألا يَرى شَعْرَها الأشقَرَ بعدَ اليومَ، أو ذِراعَها أسْفَلَ الكُمِّ القصير، أو رُكْبَتَها بينَ ثنايا خُيوط الجينزِ المُمَزَّق.

قَلَّبْتُ الأمرَ في رَأسي. الحُجَّةُ مَنْطِقِيَّة. أخذتُ بالابتسام، ثم طَلْبُتُ من زميلي الانصرافَ حتى أُنْجِزَ ما تَبَقَّى من عمل.



#طارق_قديس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجربة الناجحة
- من بكين إلى شنغهاي
- الرحلة البيلوروسية لابن رشيد
- شكراً بوتين
- الفلاسفة المُقنَّعون في المجتمع العربي
- بانتظار ويكيليكس !
- مستقبل الديمقراطية في ليبيا
- شيزوفرينيا العرب
- ماذا بقي من الكتاب الأخضر؟
- هل المسيحية ديانة ثورية؟
- أوراق سائح من شرم الشيخ
- فدائي
- وصلة عتاب ليبية
- برقية عاجلة إلى عمر المختار
- مصر بين ثورتين
- قم أيها المصري
- هل فهم الرئيس ما يريده المصريون؟
- استنساخ محمد بوعزيزي
- الفيفا وأخطاء الحُكَّام في مونديال 2010
- الديمقراطية الحائرة في السودان


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - اللُّغْز