أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - مسرح شكسبير














المزيد.....

مسرح شكسبير


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 5928 - 2018 / 7 / 9 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


داخل قارورة الثلج أذيب حرائقي
عندما يخرج القلم من محبرة الكلام، ينتمي للفكرة المبثة حول فضاءات اعتبرناها منسية، حرف يربط حرفا، وكلمة تنحني لكلمة، وسطر يغرق الصفحات حتى تعود إلينا الذكريات، ربما هي أيام صعبة أو سهلة، حلوة أو مرة، لكنها أصبحت في الماضي، لكنها سيرتنا وسارت بنا نحو التجاهل حتى نتمكن من المضي في طريق الحياة باتخاذ دروب أفضل، فأهم مجابهة للحدث المرير هو تجاهله، هكذا اعتمدت على اغراق حرائقي!
ربما ما أكتبه هنا، وما رأيته بعين الطفلة في حينه، وما حصل معي، غير هام، أو ليس ضروريا، لكن الكلام ليس بحاجة إلى دعوة رسمية، خاصة عندما صار الحدث معاشا وتحول الكتاب الذي احترق بين يدي إلى حقيقة ملموسة من الصعب أن تنسى.
لا أذكر كيف احترق "هاملت" شكسبير أمام عيني وتناثرت الصفحات في الأرض فجأة، وكيف اختفت الكلمات قبل أن أجفف أدمعي، لقد اشتعلت مكتبة الجارة فجأة فارتجفت خوفا، وقبل أن أجد طريقي إلى الخارج، أخذت أجمع النثار الحار فاحترقت أناملي، ولولا صرخة والدي المدوية وهو يناديني حتى ينقذني من ألسنة النيران، متوعدا ألا يحقق رغبتي بالعودة إلى المكتبة مجددا، لأصبحت ضمن المحروقات،... بقيت هذه الذكرى حتى يومنا هذا تنخر ذاتي وتثير تساؤلاتي الكثيرة، كيف احترقت المكتبة ومن أشعل النيران فيها؟ وكلما جيء على ذكر شكسبير تعاودني تلك المشاهد الأليمة، لقد احترقت الكتب وخسرت زيارة مكتبة الجيران، وسحبت معي الذاكرة الأليمة، جارتنا، وهي تولول وتستنجد، والتي حاولت أن تحافظ على مكتبة زوجها الراحل ولم تستطع، وذلك عندما تركت المدفئة مشتعلة في يوم ماطر.
لكن، حصل وزرت لندن حديثا وأصررت إلى زيارة مسرح شكسبير، أخبروني أن مسرحه الحقيقي قد احترق، يا للهول، كل شيء يمت صلة بشكسبير يحترق؟ حدثت نفسي، لكنهم أعادوا ترميم مسرحا مشابها، بناء مجسما بالتفاصيل المملة، ذهبت، وكان الجو ماطرا يومها لكن المطر لم يثنني من التجوال داخل الهيكل الرائع بسقفه المفتوح والمشرف على نهر التيمز، لكني اضطربت عندما سمعت ما شرحه لنا المرشد من تفاصيل كثيرة، صعب علي استيعابها.
لقد بني شكسبير مسرحه الحقيقي الأول من ماله الخاص، وقد جلبت الأخشاب من روما وصمم على شاكلة المعابد الرومانية القديمة، لكنه احترق عندما احترقت لندن بأكملها سنة 1666، حينها توفي ثلاث أرباع السكان، لكنه أعاد الكرة، ومن مصروفه الخاص أيضا، جالبا الأخشاب والديكورات من إيطاليا، واحترق مجددا، فبني مسرحا من ثلاث طبقات، الطبقة الأولى معدة للفقراء وعامة الناس، والثانية لمتوسطي الحال، والطبقة العليا للأغنياء، وقد بيعت التذاكر حسب الطبقات، ومن أراد استجئار وسادة للإتكاء عليها يمكنه ذلك إزاء مبلغ قدره باوند، وذلك زيادة على التذكرة، دخلت النساء بفساتينهن العريضة مما أدى إلى امتلاء المسرح فاضطر كثيرون الوقوف، من بينهن بائعات الهوى ذوي الطبقة الفقيرة، حيث سيرت أمورهن أثناء العرض، وامتلأت القاعة بالباعة المتجولين، والسكارى الذين شتتوا سير العروض المسرحية واستهزئوا من الممثلين، أما الطبقة العليا فامتلأت بالرجال الأثرياء الذين وسعوا نطاق أعمالهم مع الآخرين خلال العروض المسرحية أيضا وهم يتناولون طعامهم وشرابهم.
لقد قاوم شكسبير وأبطاله هذه الفوضى التي اجتاحت مسرحه الذي تعب بإنشائه، فلم يفهم المتلقي في حينه أن المسرح عبادة ومكان ثقافة ونشر الفنون، مما أدى بكاتبنا التعرض إلى نوبات من الحزن والخيبة، لكنه وبإصراره استطاع الاستمرار متحديا، فخرج بأكثر من ستة وثلاثين عملا مسرحيا، علاوة على الدواوين الشعرية والأعمال التاريخية الأخرى، وحتى لا يمل المشاهد من العرض، وحتى يتسنى للممثلين التغلب على الضجيج والفوضى، ولجذب المتلقين، ولنشر الهدوء جعل شكسبير فصول المسرحية قصيرة ذات طابع ساخر (كوميدي تراجيدي)، وتنقل بين بلاد أوروبا بذات الديكور، بل قام أحد الممثلين الإعلان عن المكان، فتارة نجد تجسيد المشهد في إيطاليا، وبسرعة البرق ينتقل الحدث إلى بلغاريا أو فرنسا، وهكذا، ودعا الممثلون يتحركون على المسرح بحرية وبجميع الاتجاهات حتى يلفتوا الأنظار لعل يستتب الهدوء.
لقد احترق شكسبير ألما، مثله مثل أي مبدع يأتي في زمان غير زمانه، كما احترق مسرحه عدة مرات، وقد عانى من التجاهل ولم يعتنى به كمسرحي وشاعر مرموق إلا بعد نصف قرن من الزمان. وقد توفي بعد أن أصيب بمرض التيفوئيد المعدي عن عمر يناهز الرابعة والخمسين، وطلب أن يكتب على قبره، وهو بمثابة حفرة بعمق سبعة عشر مترا، تخوفا من انتشار الوباء، هذا التعبير:
" أيها الصديق الطيب، كرمى ليسوع، لا تحفر هذا التراب المسّور ههنا، مبارك من تحفظ هذه الأحجار، وملعون من يحرك عظامي"!



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وأصبح النهار مراكب ذكريات
- الكذب
- بين أروقة التاريخ
- الحب المقدس أم الجنس المقدس
- قصة واقعية من قصص النكبة أبطالها من مدينة اللد
- سارقة الورد
- عن رواية -الحلم المزدوج- لدينا سليم: سيرة عن هجر الوطن وأوجا ...
- فيرونا
- لقاء بلا دموع
- قرين الحياة والموت
- رماد الحياة
- مشاهدات هذا اليوم
- مجرد رأي
- (بيتتا) الانتحاب الراقي لسيدة الكون
- الجوكاندا
- أنا ونوح وهواك
- لا أحد يطرق الباب
- عود قصب
- الشيطان بيننا
- للصمت جدار من الذكريات


المزيد.....




- من فلسطين الى العراق..أفلام لعربية تطرق أبواب الأوسكار بقوة ...
- فيلم -صوت هند رجب- يستعد للعرض في 167 دار سينما بالوطن العرب ...
- شوقي عبد الأمير: اللغة العربية هي الحصن الأخير لحماية الوجود ...
- ماذا يعني انتقال بث حفل الأوسكار إلى يوتيوب؟
- جليل إبراهيم المندلاوي: بقايا اعتذار
- مهرجان الرياض للمسرح يقدّم «اللوحة الثالثة» ويقيم أمسية لمحم ...
- -العربية- منذ الصغر، مبادرة إماراتية ورحلة هوية وانتماء
- اللغة العربية.. هل هي في خطر أم تتطور؟
- بعد أكثر من 70 عاما.. الأوسكار يغادر التلفزيون إلى يوتيوب
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: بين الأمس واليوم.. عن فيلم -الس ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - مسرح شكسبير