|
عن مصالح الرعايا..عن مصالح المواطنين
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5921 - 2018 / 7 / 2 - 18:10
المحور:
المجتمع المدني
يتحكم الاقتصاد بشتى انواعه، صناعيا و زراعيا وخدماتيا و معرفيا ( اقتصاد المعرفة) في مسار العلاقات بين الدول، وحتى في علاقات الأفراد بعضهم ببعض في الدولة الواحدة.. يحتاج المجتمع، أي مجتمع، إلى أن يجد لأفراده مناصب عمل..من هنا تكون المصانع والمزارع والخدمات والإعلام والمعرفة.. تحتاج تلك المصانع والمزارع والخدمات والإعلام والمعرفة إلى مستهلكين حتى تبيع منتجاتها وتحافظ على مناصب العمل فيها وتحقق الأرباح لأصحابها..وهو ما يعني بحثها الدائم عن الأسواق في إطار المنافسة الشرسة..إن لم تجد أسواقا تعمل على إيجادها بمختلف الطرق..من هذه الطرق التنافس على أسواق الدول الضعيفة اقتصاديا..الدول العاجزة عن إنتاج ما يشبع حاجات أفراد مجتمعاتها..مصانع الأسلحة حتى تحافظ هي الأخرى على وجودها وتحقيق الأرباح لأصحابها تلجأ إلى مراكز البحوث الاستراتيجية لتعطيها الكيفيات التي تحقق بها أهدافها..من هذه الكيفيات الضغط على الأنطمة غير الشرعية لشراء أسلحتها وتكديسها..وقد تدفع بها إلى محاربة جيرانها حتى، لتجرب أسلحتها الجديدة، خاصة وأنها تتنافس مع مصانع اسلحة لدول اخرى من أجل الهيمنة على سوق السلاح الدولية.. تحتاج كل هذه الأنواع الاقتصادية إلى الإشهار المغري لمنتجاتها..هنا يأتي دور الإعلام ليقوم بذلك الدور..يغزو بإشهاره المغري ذاك غرائز الناس أساسا فيوقعهم في حبائله..من هنا تنتشر ثقافة الاستهلاك وتتوسع اكثر في كل العالم..خاصة وأن العالم في إطار العولمة قد صار شبه قرية واحدة..ما يقع هنا يصل بسرعة البرق خبره صوتا وصورة إلى هناك..ما يقع هناك يصل بدوره وبسرعة البرق كذلك إلى هنا..وهكذا.. شركات الاقتصاد بمختلف أنواعه لم تعد وطنية بحتة..صارت دولية عابرة لحدود الدول والقارات هكذا إذن هو العالم..الدول التي انفتحت على العالم وعملت على بناء الإنسان فيها، وجعلت من أفراد مجتمعاتها مواطنين لا رعايا، فتحت المجال لهم واسعا ليبدعو فكرا وفنا وعلما وتنظيما وينتجو ما يفيض كثيرا عن حاجاتهم ، ويشاركو من ثمة كمنتجين في حركة الاقتصاد العالمي..الدول التي استبدت في تسيير شؤون مجتمعاتها وعاملت أفرادها على أنهم رعايا قاصرين، ودفعت بهم إلى اليأس والشعور بالعجز،وجعلتهم من ثمة لا يفكرون ولا يبدعون ولا ينتجون،بقيت سوقا استهلاكية ليس إلا..بقيت عرضة لضغوطات المتنافسين على التحكم في اقتصاديات العالم.. هكذا هو الوضع، شئنا أم أبينا..هؤلاء هم بشر اليوم..تتحكم فيهم جميعا المصالح..أفرادا كانوا أم مجتمعات أم دولا..حيث يبني المجتمع نفسه على اساس المواطنة ويفتح المجال واسعا للمجتمع المدني كي يكون فاعلا أكثر ويقوي من فاعلية مؤسسات تسيير شأنه العام في إطار الاستقلالية والديمقراطية، يعرف كيف يراعي في تسييره المصالح المشتركة بين أفراده.. مجتمعات المواطنة تعرف أيضا كيف تراعي مصالحها المشتركة في علاقاتها ببعضها البعض، وتحافظ على استقرار مجتمعاتها وتحميها من إمكانية الدخول في الأزمات..تدرك أن خسرانها أسواق تصريف منتجاتها سيدخلها حالة كساد الإنتاج..وكساد الإنتاج يعني تسريح العمال..وتسريح العمال يؤدي إلى انتشار البطالة وانخفاض مستوى العيش..البطالة وانخفاض مستوى عيش الناس تكون نتيجتهما الحتمية الدخول في أزمات الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية.. حيث يبنى المجتمع على اساس اعتبار افراده رعايا لا مواطنين، وعلى اساس إضعاف المجتمع المدني أحزابا ونقابات وجمعيات ..وعلى اساس الاستبداد الذي يُخضع كل مؤسسات تسيير الشأن العام في مجتمعه لإرادته وخدمة مصالحه الخاصة، لا يراعي بالمرة المصالح المشتركة لأفراده..يترك الأمر لقانون القوة ..قانون القوة هو من يفرض وجوده في الاستفادة من خيرات بلاده..من هنا يكون الظلم في الاستفادة من تلك الخيرات..من يمتلك القوة أكثر يأخذ أكثر..تختفي المراقبة والمحاسبة..يسود منطق اللاعقاب..يصير الداب راكب مولاه.. ولأن مثل هذا المجتمع لا يمكن أن يكون إلا مجتمعا ضعيفا، تابعا ، محتاجا إلى مجتمعات القوة لإشباع حاجات أفراده المتزايدة باستمرار بحكم الارتفاع المتواصل لنسبة ولادتهم نتيجة فقدانهم وعي اللجوء إلى تنظيم نسلهم والحد منه وقت الضرورة، وبحكم ثقافة الاستهلاك المغرية التي تغزو غرائزهم ليل نهار، وهي الغرائز التي لا تشبع أبدا لدى معظمهم بسبب إمكانياتهم المالية المحدودة ،وبحكم أن الأغنياء والمتنفذين منهم، وهم الأقلية بينهم، فإنهم يتعرضون لتمزقات نفسية رهيبة، تمزقات ذواتهم بين طموحاتهم في تملك المنتجات المادية التي يشهّر لها،وعجزهم عن شرائها،فإنهم لا يجدون أمامهم إلا الهروب..الهروب إلى المخدرات..إلى الكرة..إلى التدين المفرط، حيث الإكثار من الأدعية،والاتكال على السماء بدل الاتكال على الذات، مثلما هي الحال عليه في مجتمعاتنا العربية..وهو التدين الذي يخدم أكثر تلك الأنظمة المستبدة، حيث يجعل تلك الشعوب الرعية تجد التعويض عن متع الدنيا التي تعجز عن الوصول إليها بمتع الآخرة التي ترى أنها ستحققها بذلك التدين وما يرافقه من أدعية لا تنتهي أبدا، بدل أن تنظم نفسها وتناضل من أجل تغيير أوضاعها بما يجعل أفرادها مواطنين حقيقيين لا رعايا..كما يخدم تلك الدول القوية، حيث تبقى تلك المجتمعات في حاجة دائمة إلى منتجاتها لإشباع حاجاتها .. ولأن الأنظمة التي تحكم مثل هذا المجتمع اليائس العاجز أنظمة لا شرعية لها بالمرة، وتمارس الظلم على رعاياها،وتقضي على علاقة الثقة بها فيهم،وهي في خوف مستمر منهم على كراسي حكمها، وتشعر بالضعف دائماـ فإنها لا تجد أمامها سوى تقوية قواها القمعية دائما لاستعمالها وقت الحاجة ، من جهة، والاحتماء بتلك الدول القوية، من جهة اخرى.. تستقل تلك الدول القوية ضعف تلك الأنطمة المستبدة الخائفة على كراسيها باستمرار،والقامعة شعبها ،فتفرض عليها الشروط التي تخدم مصالحها قبل كل شيء..هنا لا إمكانية لمراعاة المصالح المشتركة..مثلما لا تراعي أنطمة الاستبداد المصالح المشتركة لأفراد مجتمعها داخليا،لا تُراعَى مصالحها هي الأخرى في علاقتها بالدول القوية..القوي هو من يفرض دائما وجوده..مع الأقوياء مثله يراعي المصالح المشتركة..مع الضعفاء يراعي مصلحته قبل كل شيء..هذا هو منطق الحياة..قديما والآن..و.. البشر بشر..لا ملائكة.. المجتمع الذي يتوهم أن الأقوياء سيرأفون به ويعملون على جعله يتقدم يإرادتهم لا بإرادته هو مجتمع يعيش الوهم بالتأكيد.. تقدم المجتمع هو نتاج فاعلية أفراده..نتاج بناء عقولهم بما يجعلهم مواطنين حقيقيين، واعين، يحبون وطنهم ويشعرون بمسؤوليتهم تجاهه، ويعملون من ثمة على بنائه وتقدمه وازدهاره..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الدولة الدينية (الإسلامية) والدولة العلمانية
-
الوانتوثريست*..البطالة والفساد الأخلاقي
-
البنية ودلالات الأسماء في رواية-صخرة نيرموندا-
-
عن معيقات الحداثة في عالمنا العربي الإسلامي
-
بين الهند والجزائر
-
أن ينتقِدوا، ذاك حقهم ..من واجبكم مجادلتهم والرد عليهم بالحس
...
-
من المسؤول عما نحن فيه؟
-
هذا ما يفعله مسؤولو ال تحت في شعوبنا العربية
-
عن الإيديولوجيا..عن مخاطرها
-
في معنى الأصالة
-
عن ديمقراطية الشعر..عن لا ديمقراطيته
-
عن القصيدة/ القبيلة العربية ومجتمع حاضرنا العربي
-
مجتمعنا العربي وعالم الحداثة
-
بين ثقافة الولاءات وثقافة الكفاءات
-
مقبرة الحجارة
-
هنا، لا أمام لي
-
من آخرته عاد أبي
-
عن الحب..عن القبائل الأمازيغ في الجزائر
-
الإسلاميون والخوف
-
رمالا تعوي ريح ُ عباد*
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تجلي موظفيها غير الضروريين من سوريا
-
الأمم المتحدة: نزوح 370 ألف شخص بسبب القتال في سوريا
-
هل نجحت رسائل المعارضة السورية في طمأنة الأقليات؟
-
الاحتلال يمارس الكراهية والانتقام ضد الأسرى الفلسطينيين وذوي
...
-
الأمم المتحدة: نزوح 370 ألف شخص جراء المعارك في سوريا
-
الأمم المتحدة: نزوح ما لا يقل عن 370 ألف شخص بعد تجدد الاشتب
...
-
سلوفاكيا تعتزم تخفيض الدعم المالي للاجئين الأوكران
-
بين صراع الظلم والمجاعة: الفلسطينيون يواجهون قسوة الأزمات ال
...
-
دولة قطر تؤكد ضرورة اضطلاع الجمعية العامة للأمم المتحدة بمسؤ
...
-
نائب في -الرادا- الأوكراني يدعو لاعتقال زيلينسكي فور إبرام ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|